قصة حراس منطقة تشرنوبل الملوثة بالإشعاع مع الكلاب التي تعيش فيها
[ad_1]
- كريس بارانويك
- بي بي سي
أقامت الكلاب التي تخلى الناس عن أجدادها الأليفة أثناء فرارهم من كارثة تشرنوبل، علاقة عجيبة مع البشر المكلفين بحراسة هذه المنطقة الملوثة بالإشعاعات.
لم تكد تمضي أيام على وصول بوغدان (اسم مستعار) إلى المنطقة العازلة حول محطة تشرنوبل الملوثة بالإشعاعات، حتى أدرك أنه سيؤنس وحدته رفقاء لم يكونوا في الحسبان. فمنذ أن تسلم بوغدان، وظيفة حارس بإحدى نقاط التفتيش في تشرنوبل، يشاركه في المكان قطيع من الكلاب.
وبعد أن أمضى بوغدان عامين في المنطقة العازلة، توثقت معرفته بالكلاب. وبينما يحمل بعض هذه الكلاب أسماء، فإن بعضها بلا اسم. ومنها من يبقى قريبا من المنطقة، ومنها من يفضل العزلة، فهذه الكلاب تروح وتجيء كما يحلو لها.
ويقدم لها بوغدان وسائر الحراس طعاما ويوفرون لها مأوى وأحيانا رعاية طبية، ويدفنونها عندما تموت.
وقد أضحت كل هذه الكلاب مشردة بعد كارثة 1986، حين انفجر المفاعل الرابع في محطة الطاقة النووية بتشرنوبل. وفي أعقاب الانفجار نزح عشرات الآلاف من السكان من مدينة بريبيات الأوكرانية، وأمروا بترك حيواناتهم الأليفة.
وأطلق الجنود السوفييت الرصاص على الكثير من الحيوانات التي تخلى عنها أصحابها لمنع انتشار التلوث. لكن بعض الحيوانات استطاعت أن تختبئ وتنجو من رصاص الجنود السوفييت. وبعد خمسة وثلاثين عاما، تجوب مئات من الكلاب الضالة الآن المنطقة العازلة التي تبلغ مساحتها 2,600 كيلومتر، وقد فرضت هذه المنطقة حول المحطة لتقييد حركة البشر إلى الداخل والخارج.
ولا أحد يعرف أي هذه الكلاب ينحدر من الحيوانات الأليفة التي هجرها أصحابها، وأيها جاء إلى هذه المنطقة من مكان آخر، لكنها الآن كلها تسمى كلاب المنطقة.
وتعيش هذه الكلاب حياة محفوفة بالمخاطر، ما بين مخاطر التلوث الإشعاعي ومخاطر هجمات الذئاب وحرائق الغابات والجوع، وغيرها. وأشار صندوق “كلين فيوتشرز” غير الحكومي الذي يراقب الكلاب التي تعيش في المنطقة العازلة ويقدم لها الرعاية، إن متوسط عمر الكلاب في هذه المنطقة لا يتعدى خمس سنوات.
ولاقت الكلاب التي تسكن هذه الأطلال شهرة كبيرة، وبعضها أصبح من المشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي. وينظم لوكاس هيكسون، الذي شارك في تأسيس صندوق “كلين فيوتشرز”، وتخلى عن مجاله البحثي للتفرغ لرعاية الحيوانات، جولات سياحية افتراضية للمنطقة العازلة وسط الكلاب.
واهتم جوناثان تيرنبول، باحث الدكتوراة في الجغرافيا بجامعة كامبريدج، بجمع قصص العاملين المحليين الذين يتفاعلون مع هذه الكلاب يوميا. ويقول تيرنبول: “إذا أردت أن تتعرف على الكلاب، فلا بد أن تتحدث إلى الناس الأقرب إليها، وهم الحراس”.
واكتشف تيرنبول قصة مؤثرة عن العلاقة التي نشأت بين الحراس وبين الحيوانات التي يتعاملون معها في هذه البيئة المهجورة، وقد تكشف هذه القصة عن الروابط الوثيقة بين البشر والكلاب.
وأطلق الحراس على الكلاب أسماء، مثل “ألفا”، الاسم الذي يشير لنوع من الإشعاعات، و”طرزان”، الذي اشتهر بين سياح تشرنوبل بأنه يؤدي حيلا، عندما يُطلب منه ذلك، و”سوسدج”، الكلب القصير الذي يحلو له الجلوس على أنابيب تسخين المياه في الشتاء. وتستخدم هذه الأنابيب لتدفئة أحد المباني التي يستخدمها العمال الذين يشاركون في جهود تفكيك المحطة النووية المعطلة وإزالة المخلفات النووية منها.
ولا يسمح لأحد بدخول المنطقة العازلة في تشرنوبل إلا بعد الحصول على تصريح، ويُكلف الحراس بمراقبة نقاط التفتيش في الطرق المؤدية إلى المنطقة. ويبلغون الشرطة في حالة اكتشاف متسللين يحاولون دخول المنطقة العازلة خفيةً.
وعندما شرع تيرنبول، الذي يعيش في العاصمة الأوكرانية كييف، في ارتياد المنطقة، التقى بودغان وغيره من حراس نقاط التفتيش، الذين امتنعوا عن التحدث مع تيرنبول في البداية، ثم حاول التودد إليهم. وعرض عليهم المشاركة في بحثه، بإعطائهم كاميرات تستعمل لمرة واحدة لالتقاط صور للكلاب أثناء ممارسة حياتها اليومية. وطلب منه الحراس في المقابل أن يحضر طعاما للكلاب.
وكشفت الصور التي التقطها الحراس عن الصداقة التي تطورت بين الحراس وبين الكلاب التي تجوب المنطقة العازلة.
ونشر تيرنبول بعض الصور واللقاءات مع الحراس في ورقة بحثية في ديسمبر/كانون الأول. وأجرى مؤخرا مقابلة مع أحد المشاركين في الدراسة نيابة عن بي بي سي. وطلب الحارس عدم الإفصاح عن اسمه لتفادي التعرض لإجراءات تأديبية في العمل، ولهذا نشير إليه بالاسم المستعار “بوغدان”.
ويقول بوغدان، إن الكلاب تصحبه جيئة وذهابا من تلقاء نفسها عندما يمشي في الشوارع المهجورة بالمنطقة بحثا عن متسللين. ودائما تنظر بلهفة في يد الزائر أو السائح لترى إن كان يحمل طعاما أم لا. فإذا وجد الكلب الذي يرافق بوغدان شيئا يشتت انتباهه أو تركه ليطارد حيوانا، ما يلبث أن يعود إليه.
ويقول تيرنبول إن الحراس أحيانا يبذلون مجهودا شاقا أيضا لمساعدة الكلاب في إزالة حشرة القراد المتشبثة بجلودها، أو بتطعيمها ضد مرض السعار.
وفي بعض نقاط التفتيش، تبنى الحراس بعض الحيوانات، فيوفرون لها الطعام والمأوى. لكن بعض الحيوانات ليست وديعة. وذكر أحد الحراس لتيرنبول: “لا يمكننا تطعيم الكلبة أركا، لأنها دائما تعض البشر”.
وحكى أحد المشاركين في البحث عن كلب صعب المراس، إلى درجة أنه يرفض أن يلمسه أحد. ويقول الحارس: “عليك أن تعطيه طبق الطعام وتبتعد. ولا يقترب الكلب من الطعام إلا بعد أن يتأكد أنك غادرت المكان”.
ويقول بوغدان إن الكلاب تنبح أحيانا عندما ترى غرباء للمرة الأولى، لكنها تهدأ وتهز ذيلها بمجرد ما تتأكد أنهم لا يمثلون مصدر تهديد. وقد تبدو في بعض الأحيان كأنها تبتسم.
ويُنصح زوار تشرنوبل بعدم لمس الكلاب خوفا من أن تكون حاملة للغبار المشع. فمن المستحيل معرفة الأماكن التي تتجول فيها الكلاب. وترتفع مستويات التلوث في بعض الأجزاء من المنطقة العازلة مقارنة بغيرها.
وتعيش في المنطقة العازلة حيوانات برية أخرى بخلاف الكلاب. ففي عام 2016، نشرت سارة ويبستر، عالمة بيولوجيا الحياة البرية بالحكومة الأمريكية وكانت تعمل بجامعة جورجيا حينها، ورقة بحثية كشفت عن استيطان الذئاب والخنازير البرية والثعالب الحمراء للمنطقة العازلة، وأشار البحث إلى أن أعداد الحيوانات في المناطق التي ترتفع فيها مستويات التلوث الإشعاعي لم تكن أقل من غيرها.
وتتبعت دراسة لاحقة نشرت في عام 2018، تحركات ذئب باستخدام أجهزة مزودة بنظام تحديد المواقع العالمي. وقطع الذئب 369 كيلومترا من المنطقة العازلة واتجه نحو الجنوب الشرقي ثم الشمال الشرقي حتى وصل إلى روسيا.
ونظريا، قد تحمل الذئاب والكلاب وغيرها من الحيوانات تلوثا إشعاعيا أو طفرات جينية قد تنتقل إلى النسل عن طريق التكاثر في مناطق خارج المنطقة العازلة.
ويقول تيرنبول، إن الحراس لا يخشون من الإشعاع رغم أنهم قد يفحصون الكلاب باستخدام مقياس الجرعة الإشعاعية للتحقق من الجرعات الإشعاعية التي تعرضت لها.
ويرى غريغر لارسون، وهو عالم آثار يدرس استئناس الحيوانات بجامعة أكسفورد، أن الكلاب من خلال مرافقة البشر، تطمئن كل من يتعاملون معها بانتظام. ويقول: “يضع الناس أنفسهم مكان الكلاب، فإذا كان الكلب هادئا سيكونون هادئين أيضا”.
لكن تيرنبول يقول: “إن هذه البيئة يكتنفها الغموض. فلا يمكنك رؤية المخاطر، إذ يبدو كل شيء طبيعيا ولكنك دائما تتوخى الحذر”.
وبالرغم من المخاطر التي يمثلها الكلاب بشأن الإشعاعات، إلا أن الحراس مثل بوغدان، يشددون على مزايا وجود الكلاب حولهم. إذ يقول بوغدان على سبيل المثال إنه يميز الطرق المختلفة التي ينبح بها الكلب بحسب الأشياء التي يراها، سواء كانت مركبة أو حيوانا أليفا أو شخصا غريبا عن المكان. ولهذا يقول بوغدان إن الكلاب تلعب دور “المساعدين” بسبب هذه الإشارات التحذيرية.
ويصف لارسون هذه العلاقة بين الحراس وبين الكلاب في المنطقة العازلة بأنها أصداء التفاعلات مع الكلاب التي عرفتها الحضارات البشرية منذ آلاف السنين.
ويقول لارسون: “ظهر هذا النوع من التفاعل بين الكلاب والبشر منذ 15 ألف عام أو يزيد، فالبشر لا يقيمون روابط مع الكلاب فحسب، بل أيضا مع الكثير من الحيوانات المستأنسة”.
وتوجد في مختلف أنحاء العالم كلاب تشبه كلاب المنطقة العازلة، فلا هي مستأنسة ولا هي برية. وتجوب هذه الكلاب المدن والمناطق الصناعية بحثا عن الطعام، وقد يربيها البشر في منازلهم لكنها لا تعد حيوانات أليفة.
وتعد أيضا الكلاب في تشرنوبل على حافة الاستئناس، لكنها تختلف عن الكلاب الأخرى. وتقول ويبستر: “إن المنطقة العازلة تتميز بأن البشر قد هجروها، ولا يوجد في هذه المنطقة أناس يمكن للكلاب التفاعل معهم بشكل يومي، سوى الحراس”، ولهذا فإن فرص الكلاب هناك في إقامة صداقات مع البشر محدودة للغاية.
وبينما لا تزال هذه الكلاب وقصتها تدهش العالم خارج تشرنوبل، فإن الكثير من الحراس يرون أن هذه العلاقة بينهم وبين الكلاب أكثر عمقا بمراحل. ويقول بوغدان إن الكثيرين يسألونه عن أسباب السماح للكلاب بالتجول في المنطقة العازلة، ويجيب عليهم بالقول: “إنها مبهجة، وأرى أنها رمز لاستمرار الحياة في عالم ما بعد الكارثة الملوث بالإشعاعات”.
[ad_2]
Source link