التيفو الذي عكّر بهجة الدوري الممتاز في ليبيا
[ad_1]
- ألمى حسون
- بي بي سي عربي -لندن
في فيديوهات منتشرة على السوشال ميديا نرى جانبا مختلفا عن الحياة في مدينة طرابلس الليبية؛ نرى ألعابا نارية ذهبية ودخانا وأضواء ليليّة ورايات حمراء وخضراء، ونسمع صياحا وهتافات وأغاني حماسيّة.
هناك فرحٌ غير معتاد وبهجة في شوارع المدينة بسبب بدء الدوري الليبي لكرة القدم، الذي يعود من جديد بعد أن عُلّق منذ عام 2019 عندما شن قائد قوات شرق ليبيا، الجنرال خليفة حفتر، حملة عسكرية واسعة بدأت في أبريل/ نيسان من ذاك العام للسيطرة على العاصمة وانتهت بهزيمة قواته بعد أكثر من عام.
وطبعا ألغيت هذه المنافسة الرياضية ذات الشعبية الواسعة أكثر من مرة منذ اندلاع انتفاضة فبراير/شباط 2011.
طوال الأسبوع الماضي كانت أجواء المدينة مشحونة، فأكبر ناديين فيها – الاتحاد والأهلي – سيتواجهان، ولكن وسط هذه الحماسة ظهر ما عكّر هذه الأجواء الاحتفاليّة وأشعل نقاشا محتدا بين أبناء البلد.
فأثناء تدريبات نادي الاتحاد، الذي يسمّى عميد الأندية لأنه أول ناد تأسس في ليبيا عام 1944، التقطت صورة لتيفو كبير وضعه مشجعو نادي الاتحاد يظهر فيه رجل وكأنه يعتدي على امرأة شقراء ويمزّق ثيابها، ومكتوب على اللوحة بالإنجليزية ما معناه: “لا تزعمي الشرف فلديك ماضٍ قذر”.
ونشر نادي الاتحاد هذه الصورة وغيرها على صفحته على فيسبوك.
وكلمة “تيفو” الإيطالية معروفة في دول شمال أفريقيا، وتشير إلى رسومات وشعارات توضع على قطع كبيرة من القماش أو البلاستيك يجهّزها الألتراس (المتعصبون لأنديتهم)، وترفعها جماهير كرة القدم على مدرجات الملاعب لزيادة حماس اللاعبين والتعبير عن الدعم لهم، أو قد تشير إلى حركات منسقة يُتفق عليها مسبقا يقوم بها الجمهور، وتسمّى بـ”الدخلة” لأنها غالبا ما تكون في بداية المباراة.
“مشّيها”
انزعج كثيرون من هذا التيفو الذي يروّج لأفكار نمطية عن معنى “الرجولة” ويطبّع مع فكرة الاغتصاب ويربطها بالقوة والنصر.
ووجهت مجموعة ليبيّات عريضة احتجاج لرئيس الاتحاد الليبي لكرة القدم، ولرئيس نادي الاتحاد طرابلس، جاء فيها (كما تم تداوله على فيسبوك): “نحن كمجموعة من المواطنات الليبيات نستنكر وبشدة صورة الإعلان وما ورد فيه من عبارات مسيئة للمرأة، ونرفضها رفضا قاطعا لما تمثله من عنف وقتل واغتصاب ودماء، ولما ترسخه الصورة من التشجيع على ممارسة العنف ضد المرأة وقتل النساء، الأمر الذي يشكل في حد ذاته تحريضا على ارتكاب جرائم ضد المرأة بمخالفة القوانين السارية”.
كما تفاعل كثيرون مع تعليق على تطبيق تويتر لأحلام بن طابون، التي تعرّف عن نفسها كمستشارة وزيرة الدولة لشؤون المرأة، طلبت فيه من نادي الاتحاد الاعتذار عن التيفو، الذي نشرته بعد أن وضعت بجانبه صورة ملصق يشبه كثيرا الرسم ويعود لفيلم “مارني” الذي أنتج في الستينيات للمخرج السينمائي الإنجليزي الشهير ألفرد هيتشكوك.
بالصدفة، وجدت مقالا نشرته صحيفة واشنطن بوست يوم 23 أبريل/نيسان عنوانه “متلصص، متباهٍ، ممتع، وزير نساء: ألفريد هيتشكوك” وجاء فيه أن بطلة الفيلم، التي تظهر في الملصق المشار له، وهي الممثلة الأمريكية تيبي هيدرن، كانت قد اتهمت المخرج بعد سنوات على وفاته “بالاعتداء الجنسي والتعذيب النفسي” – لتشّجع ممثلات أخريات للإدلاء بتصريحات مماثلة.
تقول الناشطة النسوية، إيمان علي، لبي بي سي نيوز عربي إنها كانت سعيدة بأجواء الرياضة لأن الليبيين كانوا يتناقشون في مواضيع غير الحرب، والميليشيات، والشرق والغرب، والحكومة والسيولة، حتى ظهرت هذه الرسمة.
“صراحة، التصميم مخيف جدا “، تقول إيمان.
“المصيبة في حادثة التيفو هي التبريرات التي سمعتها، وأنا متأكدة أن القائمين عليها ليسوا على دراية بأبعاد الرسمة. عندما شرحنا للناس سبب انزعاجنا، كثيرون قالوا لنا إن هذا هو جو الكرة السائد في كل مكان.. ‘مشّيها ‘. لكن (ماذا سيحدث) إذا مشيناها عادي كل مرة.. ليس فقط في سياق الكرة فقط بل وضع المرأة الليبية في المجتمع”.
كان اعتراض بعض المعلّقين على التيفو فقط بسبب عرضه أثناء شهر رمضان، في حين قال آخرون إن هناك “هجمة غير مبررة” على هؤلاء المشجعين “رغم أنهم لم يقتلوا أو يسرقوا مثل ما يفعل كثيرون غيرهم”.
لكن إيمان تقول إن الناشطات وجمعيات المجتمع المدني لا تترك مناسبة إلا وتذكّر فيها بما تتعرض له النساء في ليبيا من تمييز. “نتكلم عن كل شيء؛ عن ما تواجهه النازحات، وعن النساء اللاتي يقتلن، وعن النساء اللاتي يقفن ساعات طويلة على أبواب المصارف. فالعنف ليس هو فقط العنف الجسدي.. ليس فقط الضرب والقتل. للعنف أشكال كثيرة نفسية واقتصادية وغيرها”.
احتفالات رغم التعادل السلبي
يشرح الصحفي الليبي، مفتاح العكروتي، أن مباراة يوم الاثنين 26 أبريل/نيسان كانت مهمة جدا لأنها كانت ديربي بين أكبر ناديي كرة قدم في طرابلس، خاصة وأن شباب البلد راهنوا على فرقهم المحليّة بعد “الفشل المتكرر” للمنتخب الوطني.
“الكرة حاليا هي المتنفس الوحيد للشباب للترويح عن النفس، وفيها انشغال عن الوضع الحالي. وهذه المباراة كانت مشحونة نفسيا وإعلاميا. تخيلي أنه رغم التعادل بلا أهداف خرج الشباب بالسيارات احتفالا. هذا كله من أثر الحروب على البلد”.
ويوضّح لبي بي سي كيف يتجمّع الشباب بعد الإفطار في المقاهي لمتابعة المباريات، أو على شرفات الأبنية العالية القريبة من ملعب طرابلس، أو يجلسون على العشب في أماكن مكشوفة حيث تنصب شاشات عملاقة – فممنوع حضور الجمهور إلى مدرجات الملاعب خوفا من المشاكل الأمنية والسياسيّة لصعوبة ضبط جمهور الكرة.
علما أنه سُجّل في ليبيا أكثر من 175 ألف إصابة بفيروس كورونا في حين زاد عدد الوفيّات عن 3000 شخص.
وبخصوص موضوع التيفو الأخير، يحاول الصحفي أن ينقل كيف يفكّر جمهور الكرة في ليبيا: “تعوّد الناس على فكرة التحديات (بين ألتراس الفرق)؛ هي رسائل يوصلها كل فريق للآخر، وينتظرون من سيصمم تيفو أقوى. كما في كل أنحاء العالم، قد يحوي تيفو رسومات عنصرية وسكاكين مثلا”.
وعندما أسأله عن رأيه في ما قد يتسبب به التساهل مع مثل هكذا رسمة تصوّر الفريق القوي على أنه “الرجل المغتصِب القوي” والفريق الخاسر على أنه “المرأة الضعيفة المغتصبة” في بلد مثل ليبيا تعرضت فيه المرأة لمختلف أنواع العنف طيلة العقد الماضي، يقول الصحفي إن الموضوع برأيه “لا يتعلّق بالمرأة، بل هو حرب تشويه (لسمعة) نادي الاتحاد. الجو مشحون جدا بين الفريقين. هناك ناس استغلت الموضوع إعلاميا لتشويه النادي (الاتحاد) وهناك آخرون شاركوا بهذا – بحسن نيّة – لأنهم رأوا أنه لا يجب عرض مثل هذا تيفو”.
علما أن صور التيفو الذي نشرها الفريق الثاني، الأهلي في طرابلس، تظهر رجالا بعضلات ضخمة جدا وآخرين مقنّعين كأبطال الأفلام (أو حتى أفلام الكرتون).
ورغم ما حدث، لا تعتبر الناشطة إيمان علي الأمر سلبيا تماما.
“الجيّد هو ما رأيته من حملة استنكار قويّة اشتعلت على وسائل التواصل الاجتماعي مع انتشار الصورة، شارك فيها كثير من الشباب والشابات. أشعر أن هذه قد تكون بداية استجابة لحملات عمل عليها المجتمع المدني طيلة العقد السابق للتوعية بمواضيع مثل الجندر والتمييز ضد المرأة”.
[ad_2]
Source link