مأساة شكسبير التي تتحدث عن واقعنا الآن
[ad_1]
- سالي بَيلي
- بي بي سي
رغم أن الفارس الثمل جون فولستاف لا يجسد صورة البطل التراجيدي في ذهن أي منّا، فإن زمننا الذي يجتاحه الوباء ويشيع فيه عدم المساواة، يجعل طابع الحزن الذي يكسو قصته، يؤثر في نفوسنا الآن، أكثر من أي وقت مضى، كما تقول سالي بَيلي.
بالرغم من أن الفارس البدين جون فولستاف، ربما لا يكون الشخصية الأشهر التي جادت بها قريحة الكاتب الإنجليزي الشهير وليام شكسبير، أو أكثر الشخصيات الشكسبيرية ذات الطابع المأساوي أيضا؛ فإنه على الأرجح الأقرب إلى نيل تعاطفنا. وفولستاف، لمن لا يعلم، هو ذلك الفارس الثمل، الذي أظهره شكسبير في مسرحيات: “هنري الرابع” بجزئيْها الأول والثاني، و”زوجات وندسور المرحات”. وبحسب الأحداث، كان هذا الرجل ذو الشخصية الجذابة المقيم في نُزُلٍ بلندن، يرتبط بعلاقة صداقة مع الأمير هنري، المعروف أيضا بـ “هال”، وذلك قبيل جلوسه على العرش، باسم هنري الخامس. ومن خلال شخصيته الفوضوية، شتت ذلك الرجل المُسِن انتباه الأمير الشاب عن القيام بالأمور الأكثر جدية، المرتبطة بتوليه للحكم.
مع ذلك، نشعر بتعاطف من نوع ما مع فولستاف، لأننا نجده دائما – وفقا للأحداث- يعيش معتمدا على غيره، وبحاجة إلى المأكل والرفقة والصحبة والقبول الاجتماعي كذلك. فشخصيته تُذَكرِّنا بمدى احتياجنا جميعا للكثير من الأشياء. ولعلنا نتذكر هنا ما قاله الناقد الأمريكي هارولد بلوم، بشأن العلاقة الوثيقة التي نشأت بينه وبين شخصية فولستاف، عندما كان صبيا في الـ 12 من عمره. ففي تلك الفترة، لاذ بلوم بتلك الشخصية “بدافع الاحتياج (إليه) لأنني كنت وحيدا”.
كما يُذكرَّنا ذلك الفارس الثمل، بأننا جميعا في جوهرنا أطفال نرنو إلى الحب والاهتمام والعيش في كنف الأسرة ووسط المجتمع، فلا يوجد منّا من هو بمنأى عن التعرض للرفض أو المعاناة من العزلة. ولذا نتعامل مع فولستاف سيء السمعة، باعتباره قريبا مشاكسا متقلبا بحاجة إلى الإصلاح؛ شخصية نرى فيها جوانب من شخصياتنا نحن، بكل ما فيها من عيوب، شخصية تنخرط في الكذب، وتختلق قصصا وحكايات عندما تتعرض لضغوط، وتتحدث ببراعة وظرف حينما يكون صاحبها ثملا.
وربما يَعِنُ للمرء هنا القول إن هذه البراعة تعود للشراب ليس إلا، نظرا إلى أن فولستاف، لم يكن يوما رجل أفعال لا أقوال. فنحن نراه في الجزء الأول من “هنري الرابع”، وقد فشل في تنفيذ عملية سرقة، وفر هاربا بدلا من ذلك. ورغم هذا الإخفاق، ينهمك فولستاف في سرد قصة طويلة حافلة بالأحداث لإبهار مستمعيه. كما لا تجد أن لديه الكثير ليعتمد عليه، بخلاف موهبته في الثرثرة، وقدرته على احتساء النبيذ الأبيض الجاف.
الآن ونحن نحتفل في عام 2021 باليوم الذي يُعتقد أن شكسبير ولد فيه في 23 أبريل/نيسان 1564، ثمة أسباب أعمق تجعل شخصية فولستاف لا تزال وثيقة الصلة بعالمنا في الوقت الحاضر. ففي هذا العام العصيب الحافل بإجراءات الإغلاق وما يترتب عليها من عزلة، قفزت إلى ذهني شخصية هذا الفارس ضخم الجثة، كرمز بارز للمعاناة من الكثير من المشكلات الراهنة على الصعيد الاجتماعي. فوضعه دائما كان محفوفا بالمخاطر على نحو مؤلم، ما جعله يعتمد على تفضل وعطف وكذلك روح دعابة صديقه ورفيقه الأمير هنري؛ قبل أن يصبح في ما بعد ملكا لإنجلترا.
وتتبدى سمات فولستاف بوضوح في “هنري الرابع” بجزئيْها، إذ نرى فيها مدى قدرته على المزاح، واللعب بالكلمات، ودوره كهدف للدعابات والنكات، وتمكنه كذلك من الرد اللاذع حاضر البديهة عليها، وهو ما يمضي في كثير من الأحيان، إلى أبعد مما ينبغي. رغم ذلك، فإن ما يُبقي شخصيته في الذاكرة، يتمثل في ما يتعرض له في نهاية الجزء الثاني من “هنري الرابع”، من رفض عنيف من جانب صديقه القديم، الذي أصبح حينها الملك هنري الخامس، حين يقول له: “لست أعرفك أيها الرجل العجوز، فلتعكف على أداء صلواتك”. هنا نشعر بما يختلج في نفس فولستاف من مشاعر، بعدما فقد بغتة حظوته لدى الملك. ونرى مكانته الآخذة في التدهور بوتيرة متسارعة، بفعل نبذه على هذه الشاكلة علنا، وإبعاده عن المنظومة الاجتماعية السائدة في عصره.
ومن هذا المنطلق، يبدو فولستاف هو رجل اللحظة الراهنة في عالم يطالبنا بإعادة النظر في هويتنا سرا وعلنا. فقد أجبرتنا إجراءات الإغلاق، على أن نتفهم التقلبات المفاجئة التي تشهدها حالتنا المزاجية، سواء على صعيد الحياة الشخصية أو المهنية، بل وتقبل هذا كذلك. كما أرغمتنا تلك التدابير، على أن نواجه ما يمكن أن يطرأ على سمعتنا ومكانتنا الاجتماعية من تغيرات. ففي وقتنا الحالي، يبدو التاريخ وقد توقف بشكل جذري، تزامنا مع اندفاعنا لاتخاذ ترتيبات سريعة ومبهمة، للتعامل مع الأوضاع التي أحدثها تفشي الوباء. اللافت أن من حالفهم الحظ منّا، لإنجاز هذه الترتيبات، باتوا الآن يعملون من منازلهم، ما جعل عالمهم يتقلص إلى مجرد شاشة الكمبيوتر المحمول، الذي يُتِمون من خلاله مهامهم الوظيفية.
وقد كشف الوباء النقاب عن وجود فوارق شاسعة ومزعجة، بين هؤلاء الذين يستطيعون ممارسة حياتهم عبر جهاز كمبيوتر، وأولئك الذين لا تتوافر لهم حتى أبسط الضروريات. فبحلول نهاية يونيو/حزيران عام 2020، أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة خيرية تُعنى بأوضاع المشردين في بريطانيا، أن عدد الأُسَر المُشرّدة التي تعيش دون مأوى دائم وفي مساكن مؤقتة في البلاد، ارتفع بنسبة سبعة في المئة خلال ثلاثة شهور فحسب، وقفز بما تصل نسبته إلى 14 في المئة في غضون عام.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، نشرت مجلة “تايم” الأمريكية، تقريرا تناول انعكاسات تفشي وباء كورونا في ولاية وِست فرجينيا، على عمل الجمعيات الخيرية، التي تقدم خدماتها للمشردين هناك. وأظهر التقرير أن انتشار فيروس كورونا قاد إلى توقف الأنشطة الأساسية لهذه الجمعيات، ما أدى بعد فترة وجيزة، إلى أن تبدأ الوفيات بين المشردين في التزايد، لا بسبب الإصابة بالفيروس، وإنما جراء افتقارهم للخدمات الأساسية المتعلقة بتوفير المأكل والمأوى لهم.
ونقل التقرير عن أحد العاملين في تلك المنظمات قوله: “لم يكن هناك مكان واحد مسقوف، يمكن أن يتوجه إليه المشردون بين مارس/آذار 2020 وحلول فصل الخريف من العام نفسه”. وعلى مستوى العالم، أدى الوباء وتبعاته، إلى تفاقم كل أوجه التفاوت القاسية، التي كنا على علم بوجودها بالفعل.
وقد حدا بي ذلك للتساؤل عن الطريقة التي كان فولستاف البائس سيتعامل بها، مع هذه الفترات الممتدة من الإغلاق. ولعله من الواجب علينا الإشارة قبل التطرق إلى هذا الأمر، إلى أن شخصية هذا الفارس الثمل، تمثل ثمرة تحول دراماتيكي لشخصية وُجِدَت بالفعل في التاريخ، إلى إحدى الشخصيات الشكسبيرية. فشخصية “فولستاف” مأخوذة في واقع الأمر من شخصية السير جون أولدكاسل، وهو رجل بروتستانتي دفع حياته ثمنا لثباته على مذهبه في وجه الاضطهاد الكاثوليكي. كما كان أولدكاسل فارسا باسلا، حارب تحت قيادة الملك هنري الرابع في فرنسا وويلز، وعُرِفَ بإظهاره لشجاعته في ساحة القتال.
لكن الفارس المُتخيل الذي رسم شكسبير ملامحه، كان على النقيض من ذلك تماما. فقد كان رعديدا فر من خوض معركة شروزبري، التي دارت رحاها في يوليو/تموز 1403. كما كان كذلك هو ذاك الرجل العجوز، الذي قاد الأمير هنري – الملك المستقبلي لإنجلترا – إلى ممارسات وصمته بسمعة سيئة، من قبيل معاقرة الخمور والإسراف في ذلك أيضا. لكن هناك طابعا من الحزن العميق، يصبغ كذلك مسار حياة فولستاف، ويبدو وثيق الصلة بشكل ما، مع واقعنا المعاصر. فقد كان يقضي معظم الوقت “نائما بعمق خلف ستائر مزركشة”، من تلك التي تُستخدم لفصل الغرف عن بعضها بعضا. وكانت الترتيبات الخاصة بنومه فوضوية كحياته. كما كان يمضي أيامه، مُتضرعا لمضيفة تعمل في النُزل الذي يقيم به ويدين لها بالكثير من الأموال من الأساس، لكي تواصل الإنعام عليه بالمزيد من أفضالها.
صدى شخصي
وتكتسب قصة فولستاف أهمية خاصة بالنسبة لي، فقد شَكَّلَ هذا الرجل الشخصية الرئيسية، في أحدث كتبي “لا صبية يلهون هنا”، وهو الجزء الثاني من سيرتي شبه الذاتية. فعندما كنت في الـ 14 من عمري، اعتبرت فولستاف صديقا لي من خارج دائرتي الاجتماعية، وذلك في الوقت الذي كنت أبحث فيه، عن سبيل للفرار من المنزل المفكك الذي عشت فيه فترة طفولتي. ولذا عكفت في عام 1986 على قراءة ما كتبه شكسبير عن فولستاف وصديقه الأمير هال، وأنا على قمة تل “هاي داون هيل” في مقاطعة وِست ساسكس الإنجليزية.
في تلك الفترة كانت بلدتي الساحلية ليتل هامبتِن، تواصل المعاناة من مرحلة التدهور التي بدأت فيها منذ أواخر السبعينيات، إذ باتت وقتذاك محرومة من المقومات الأساسية لأي مدينة، وهجرها من كانوا متبقين فيها، من أبناء الطبقة الوسطى. وكما حدث مع فولستاف الذي أُبْعِدَ من ذهن هال، كان مسقط رأسي يُبعد بشكل ما من على قائمة الاهتمامات العامة في بريطانيا، وانحدرت مكانته إلى مرتبة ثانوية في التاريخ. وفي طفولتي، تخيلت أن فولستاف قد جاء ليعيش بيننا، وكنت أحس بأن صوت غطيطه المرتفع أثناء النوم، يتردد بين جنبات القبو، الذي طالما طالعت فيه مسرحيات شكسبير، بعد استعارتها من المكتبة القريبة من منزلي.
فقد نشأت في منزل غريب الأطوار، يضم بين جدرانه نسخته الخاصة، من الوضع في القصر الملكي في الحقبة التي تتحدث عنها مسرحية “هنري الرابع” بجزئيها. فقد كانت عمتي “دي”، التي تمسك بزمام الأمور في المنزل الذي عشت فيه خلال طفولتي، تحكم شؤون حياتنا بالصرامة ذاتها، التي تبناها والد الأمير هال؛ الملك العجوز هنري الرابع، والذي تناقض أسلوب حكمه الاستبدادي، مع نمط الحياة الفوضوي، الذي اتبعه نجله وكذلك صديق ابنه المنغمس في الملذات.
وخلال مراهقتي، قرأت باهتمام ما كتبه شكسبير، عن شعور الملك العجوز هنري الرابع بالخزي إزاء السلوك غير اللائق لنجله، وطالعت أيضا رفض الابن الشاب لما يقوم به صديقه المُسِن فولستاف، وأدركت حينذاك أن شخصا ما، سرعان ما سيُطرد من المنزل، وأنني قد أكون هذا الشخص. أحسست حينذاك أنني بحاجة للتصرف بسرعة، قبل أن يسبقني إلى ذلك أي شخص آخر، ما حدا بي لتسجيل اسمي في قائمة من يريدون الخضوع لرعاية السلطات المحلية. وعندما أفكر الآن بأثر رجعي، في ما أقدمت عليه في تلك الآونة، أجد أنه كان يمثل خطوة متطرفة بالنسبة لصبية في الـ 14 من عمرها، لكنه شَكَّلَ بالنسبة لي في وقته إجراءً طارئا، بل والتصرف الوحيد، الذي كان بوسعي التفكير في القيام به، لكي انتشل نفسي من هذه الفوضى المحكومة والمُسيطر عليها، التي كانت سائدة في المنزل. ونتج عن هذا الفعل أنني أبعدت نفسي به طواعية من المنزل، قبل أن يبعدني عنه أحدهم.
ورغم أن من بين الجوانب الرئيسية لما كابده فولستاف من معاملة قاسية، تعرضه للاستهزاء والسخرية بسبب حجمه وضخامة جسده والحيز الكبير الذي يشغله من الفراغ، فإن الأمر بدا بالنسبة لي أكثر عمقا من مجرد مسألة ثقل وزنه. فمنذ نعومة أظفاري، أدركت أن فولستاف يمثل رمزا لتلك الشرائح من مجتمعنا، التي يؤْثِر الناس تجاهل وجودها.
فرجال أسرتي – مثلا – واجهوا جميعا نهايات مُذلة وشائنة؛ إذ أُلقي بهم إما إلى الشارع، أو إلى مأوٍ عشوائية مقامة في مناطق مهجورة، اضطروا للإقامة فيها. ولهذا السبب يعتبر “لا صبية يلهون هنا” فولستاف، شخصية ترمز لأولئك الذين تخلفوا عن الركب، وفشلوا في أن يُوجِدوا لأنفسهم موطئ قدم على السلم الاجتماعي؛ بالأخص الرجال الذين لا يتقاضون رواتب ولا يجدون منازل تأويهم، ويعانون من النبذ الاجتماعي. فقد كان هؤلاء رجالا غير مهيئين، للوفاء بمتطلبات مجتمع، يُدار بواسطة التقنيات الذكية وتحديثات البرمجيات المختلفة.
وفي قراءتي لما كتبه شكسبير عن فولستاف، وجدت أنه رُفِضَ كأب وكطفل. أما في علاقاته مع الآخرين، فقد كان يتعامل معهم بشخصية رضيع تارة وأخرى لرجل عجوز تارة أخرى. لكنه فشل في إيجاد موطئ قدم له، في أي من هاتين المرحلتين السنيتين؛ تماما كما أخفق في أن يجد لنفسه منزلا مستقرا.
على أي حال، أرى أن فولستاف لا يزال موجودا بيننا في عالمنا اليوم. فالمقولة التي أوردها شكسبير على لسان الأمير هال وخاطب فيها هذا الفارس البدين بالقول: “فلتقلل من حجم جسدك من الآن فصاعدا”، تكتسي بمغزى خاص في حقبة من التقشف تسود العالم بأسره؛ أصبح فيها الشح المزمن في المأكل والمأوى أزمة مخيفة، يتعين علينا التعامل معها على نحو ملح.
ومن بين الأرقام المروعة في هذا الشأن، إحصائيات كُشِفَ عنها النقاب في بريطانيا العام الماضي، وأظهرت أن الشهور الستة الأولى التالية لاجتياح وباء كورونا للعالم، شهدت تسجيل مؤسسة “ترَسل ترست” الخيرية الرائدة في مجال توفير المساعدات الغذائية، زيادة بنسبة 47 في المئة في عدد طرود الطعام المطلوبة بشكل طارئ. كما أشارت هذه الأرقام، إلى أن نحو 50 في المئة من الأُسَر التي اعتمدت بشكل منتظم على بنوك الطعام، في المراحل الأولى للإغلاق، لم تكن قد لجأت لذلك من قبل قط. ومن شأن ذلك، جعلنا نعود إلى عصر المنح الخيرية وثقافة الرعاة والمتبرعين والمتطوعين، بدلا من أن نحيا في ظل نظام دولة الرفاه الفعال والجدير بالثقة أيضا.
إذا عدنا إلى فولستاف فسنجد أنه كان يعتمد بدوره على دعم الآخرين، وهو ما كان يتفاوت في حجمه بحسب نزواتهم وأهوائهم. فضلا عن ذلك، لم يدعنا شكسبير ننسى ولو للحظة، أن هذا الرجل غارق في ديونه، وتخلو محفظته من أي أموال. فقد كانت مكانته وسمعته في النُزل، الذي كان يقيم فيه، تعتمد بشكل كامل، على مدى قوة علاقته بالأمير هال، وأموال هذا الرجل وثروته. ومع بداية الجزء الثاني من “هنري الرابع” نجد أن هذه الأموال قد نفدت، وتلاشت فرص حصول فولستاف على قروض من صديقه.
ويتتبع كتابي “لا صبية يلهون هنا”، رحلة فولستاف بعد ذلك، في أزقة إحدى البلدات الساحلية المنسية، باحثا عن مكان ينام فيه، ومأوى يلوذ به. وكانت “عملته” الوحيدة في هذا الصدد، مقدرته على الحديث ببراعة وتلاعبه بالألفاظ الجديدة والمبتكرة، بجانب قدرته على اللعب واللهو بجميع أنواعه. لكن هذا اللعب لا يشكل في نهاية المطاف، سوى وسيلة لإرجاء حدوث ما هو محتوم. فقد وجد فولستاف نفسه في النهاية، مطرودا مرة أخرى، بلا أصدقاء أو مأوى أو حتى جنسية، مناشدا الجميع التعامل معه بعطف وشفقة.
وقد فعلت ذلك – من جانبي على الأقل – عندما كنت مُراهِقة. إذ ميزت وجود شيء ما في إحساسه بالحاجة والشدة والعوز، يشبه ما كنت أشعر به من احتياج لرعاية كاملة، من جانب المحيطين بي. وهكذا، ففي عصر تسوده انقسامات اجتماعية حادة وعوز وبؤس متزايدان، تطرح شخصية فولستاف سؤالا مفاده: ما مدى اهتمامنا وعنايتنا بمن حولنا، وما مدى قدرتنا على القيام بذلك أيضا؟
[ad_2]
Source link