هل يصبح الهيدروجين قريبا “بديلا مستداما” لوقود الطائرات؟
[ad_1]
- كاسبر هندرسون
- بي بي سي
أقلعت أكبر طائرة تعمل بالهيدروجين حتى الآن من أحد مطارات المملكة المتحدة، ومن المتوقع أن تنضم إليها طائرات أخرى تعمل بالهيدروجين. لكن إلى أي مدى تسهم هذه الطائرات في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من قطاع الطيران؟
عندما أقلعت الطائرة من المدرج لتقوم برحلة جوية وصفت لاحقا بأنها سلسة وخالية من المشاكل، تنفس الفريق الصعداء. وفي مركز للبحوث والتنمية بمطار كرانفيلد في المملكة المتحدة، جُهزت هذه الطائرة “بايبر إم كلاس” التي تضم ستة مقاعد، بالأجزاء والأنظمة اللازمة لتعمل بالهيدروجين. وفي أول رحلة للطائرة في أواخر صيف 2020 سارت الأمور كما هو مخطط لها تماما.
وبعد هذه الرحلة، أصبحت شركة “زيرو آفيا”، الشركة الناشئة في كاليفورنيا التي طورت الطائرة بالتعاون مع شركائها في بريطانيا وغيرها، مستعدة للخطوة التالية على طريق خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من قطاع الطيران إلى الصفر.
ويقول الخبراء إن التحول من اقتصاد قائم على الوقود الأحفوري إلى اقتصاد قائم على مصادر الطاقة منخفضة الكربون أو عديمة الكربون، يقتضي اعتماد معظم الأنشطة البشرية، بدءا من التصنيع والبناء ووصولا إلى النقل والسياحة، على أجهزة ومعدات تعمل بالكهرباء المنتجة من مصادر الطاقة منخفضة الكربون أو عديمة الكربون، كالرياح والطاقة الشمسية وربما الطاقة النووية.
لكن المشكلة أن بعض القطاعات من الصعب، إن لم يكن مستحيلا، أن تعتمد على الأجهزة والمعدات التي تدار بالكهرباء بدلا من الوقود الأحفوري، وفي مقدمتها الطيران.
وكان قطاع الطيران التجاري، قبل تفشي فيروس كورونا، يساهم بنحو 2.5 في المئة من إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وهذه النسبة التي قد تبدو ضئيلة، تفوق حصة ألمانيا من إجمالي الانبعاثات، التي تبلغ 2.2 في المئة. ويمثل ثاني أكسيد الكربون نحو نصف إجمالي إسهام قطاع الطيران في العوامل التي تؤدي إلى رفع درجات الحرارة العالمية.
وبخلاف ثاني أكسيد الكربون، تعد مسارات التكثيف، أو الأبخرة التي تتشكل وراء الطائرة عندما تحلق في السماء، أكثر العوامل الناجمة عن الطيران تأثيرا على المناخ.
لكن قطاع الطيران التجاري قطع شوطا طويلا في مجال تحسين فعالية المحركات لخفض الانبعاثات. فقد انخفض نصيب الراكب من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة تفوق 50 في المئة منذ 1990، بفضل تحسين كفاءة المحركات وعمليات التشغيل. لكن هذه المكاسب طغى عليها نمو حركة النقل الجوي على مدى السنوات الخمس الماضية بنحو الخُمس تقريبا، ومن المتوقع أن يصل عدد ركاب الطائرات إلى نحو 10 مليارات شخص سنويا بحلول 2050.
وربما يبدو أن الهيدروجين هو الحل الأمثل للتغلب على التحديات البيئية لقطاع الطيران، فالهيدروجين في نهاية الأمر، سواء استخدم في خلايا الوقود أو محركات الاحتراق الداخلي، لا ينتج احتراقه سوى ماء نظيف. ويتميز الهيدروجين بأن كثافة الطاقة المخزنة فيه بحسب الكتلة أكبر بنحو ثلاث مرات منها في وقود الطائرات التقليدي، وأكبر بنحو مئة ضعف مقارنة ببطاريات الليثيوم- أيون.
ودعمت الحكومة البريطانية تطوير طائرة “هايفلاير 1″، التي تعمل بالهيدروجين، في إطار أهداف مجلس “جيت زيرو” للقضاء على الانبعاثات من الرحلات الجوية التي تقطع المحيط الأطلسي. وتعهد المجلس “بالتركيز على إقامة منشآت إنتاج وقود طيران مستدام في المملكة المتحدة وتسريع وتيرة تصميم طائرات لا تنتج أي انبعاثات تؤذي البيئة وتصنيعها وتشغيلها تجاريا”.
وبالتعاون مع مستثمرين وشركاء تجاريين، تدعم الحكومة البريطانية شركة “زيرو أفيا” في تطوير طائرة تعمل بخلايا وقود الهيدروجين لتوليد الكهرباء، وتسع الطائرة ما يصل إلى 20 راكبا وقد تقطع مسافة تصل إلى 648 كيلومترا (350 ميلا بحريا).
ويتوقع فال ميفتاخوف، مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي، أن تنظم الشركة رحلات تجارية على متن الطائرة بحلول 2023، وأن تتمكن بحلول 2026 من تنظيم رحلات جوية لمسافة 926 كيلومترا على متن طائرة تسع 80 راكبا. ويعتزم ميفتاخوف بحلول 2030 تصنيع طائرات ذات ممر واحد تسع 100 راكب.
وفي سبتمبر/أيلول 2020، أعلنت شركة “آيرباص”، أكبر مصنّع للطائرات في العالم، أن خلايا وقود الهيدروجين ستكون في صميم الجيل الجديد من الطائرات التجارية عديمة الانبعاثات. ويعد هذا المشروع “زيرو إي” أحد أبرز المشروعات التي يمولها الاتحاد الأوروبي من حزمة تحفيز الاقتصاد التي تبلغ قيمتها عدة مليارات يورو، بهدف التحول إلى اقتصاد منخفض الانبعاثات في دول الاتحاد الأوروبي.
وقدمت “آيرباص” ثلاثة نماذج لطائرات تقول إنها ستكون جاهزة للاستخدام في عام 2035. إذ من المتوقع أن تعمل الطائرة الأولى بمحرك توربيني مروحي وتسع 100 راكب وتكون قادرة على التحليق لنحو 1,850 كيلومترا. أما الطائرة الثانية، فتعمل بمحرك توربيني نفاث، وتسع 200 راكب وتقطع ضعف المسافة التي تقطعها الأولى.
أما الطائرة الثالثة المقترحة، فهي طائرة انسيابية بجناحين ثابتين متصلين ببدن الطائرة، وتبدو مختلفة تماما عن الطائرات التجارية المستخدمة في الوقت الراهن. وتقول “آيرباص” إن هذه الطائرة ستكون قادرة على نقل عدد أكبر من المسافرين وقطع مسافات أكبر مقارنة بالطائرتين الأولى والثانية.
ومن المتوقع أن تعمل النماذج الثلاثة للطائرات بمحركات توربينية غازية تحرق الهيدروجين السائل كوقود وتولد الكهرباء عبر خلايا وقود الهيدروجين.
وبينما استقطبت جهود شركتي “زيرو آفيا” و”آيرباص” اهتماما عالميا، فإن هذه الجهود لم تقنع البعض في قطاع الطيران، بأن الهيدروجين سيسهم في خفض الانبعاثات من قطاع الطيران إلى الصفر.
وقد يرجع ذلك إلى العيوب الفيزيائية والكيميائية لوقود الهيدروجين. فكثافة الطاقة التي يمكن تخزينها في الهيدروجين من حيث الحجم أكثر انخفاضا بالمقارنة بوقود الطائرات التقليدي. ولهذا فإن تخزين الهيدروجين بكميات كافية يتطلب ضغطه أو تحويله إلى سائل بالتبريد إلى درجات حرارة تصل إلى 235 درجة مئوية تحت الصفر. ويقول فينالي آشر، مصمم محركات طائرات سابق بشركة “رولز رويس”: “إن خزانات الوقود للغاز أو السائل المضغوط معقدة وثقيلة”.
وتعادل كثافة طاقة الهيدروجين السائل ربع كثافة طاقة وقود الطائرات تقريبا. ولهذا قد تحتاج الطائرات التي تعمل بالهيدروجين لخزان وقود أكبر أربع مرات من خزانات الوقود التقليدية للحصول على نفس الكمية من الطاقة. وقد يشغل خزان الوقود مساحة كبيرة من الطائرات قد يضطر معها مصممو الطائرات إلى الاستغناء عن بعض المقاعد أو تصميم طائرات أكبر حجما.
وإذا خفضت الشركات عدد الركاب، كما هو الحال في النموذجين الأولين لطائرات “آيرباص”، ستقل عائدات التذاكر. وإذا زاد حجم الطائرات، كما هو الحال في النموذج الثالث الذي طورته الشركة، سيكون بدن الطائرة الكبير أكثر عرضة لقوة السحب الهوائي التي تتحكم في الطائرة، وستحتاج المطارات لبنية تحتية جديدة لنقل وتخزين الهيدروجين.
وأثير تساؤل آخر حول حجم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن عمليات إنتاج الهيدروجين على نطاق واسع وبسعر تنافسي. فمعظم الهيدروجين المستخدم في الصناعة اليوم استخدم في إنتاجه الميثان الذين ينتج غاز ثاني أكسيد الكربون. ومن الممكن إنتاج الهيدروجين من الماء عبر عملية التحليل الكهربائي باستخدام الطاقة المتولدة من المصادر المتجددة، لكن هذه العملية لا تزال باهظة في الوقت الراهن وتستهلك كميات ضخمة من الطاقة. ولا ينتج سوى واحد في المئة من الهيدروجين في الوقت الراهن بهذه الطريقة.
ولا يزال الهيدروجين السائل أعلى سعرا من وقود الطائرات التقليدي بنحو أربعة أضعاف. ومن المتوقع أن تنخفض أسعار الهيدروجين السائل في العقود المقبلة في ظل انتشار البنى التحتية لتصنيعه وتحسين كفاءته.
لكن المجتمع الملكي البريطاني ومجموعة “ماكينزي” للاستشارات الإدارية يتوقعان أن يظل الهيدروجين السائل أغلى مرتين على الأقل من الوقود الأحفوري على مدى العقود القليلة المقبلة.
وكل هذه العوامل دفعت بعض كبار المصنعين في قطاع الطيران، لتعليق خططهم. وذكر شين نيوزام، مدير الاستراتيجيات البيئية بشركة “بوينغ” المنافس الرئيسي لشركة “آيرباص”، لصحيفة فاينانشيال تايمز: “نرى أن تطوير التكنولوجيا اللازمة لوقود الهيدروجين وخلايا وقود الهيدروجين لتصبح مناسبة للاستخدام التجاري سيستغرق وقتا طويلا”.
أما عن البدائل، ففي سبتمبر/أيلول 2020، نشرت مجموعة عمل النقل الجوي، المتحدث باسم قطاع الطيران العالمي ومقرها في جينيف، مجموعة تصورات، تشير إلى احتمالات خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الصفر، حتى في حالة نمو حركة الطيران، ولكن بعد عام 2050 بنحو عشر سنوات. وبحسب هذه التصورات، فإن الاستخدام المباشر للهيدروجين لن يسهم إلا بدور هامشي في القضاء على الانبعاثات، على عكس “وقود الطائرات المستدام” الذي توقعت المجموعة أن يغير المعادلة تماما.
ويتضمن وقود الطيران المستدام، مجموعة من المنتجات، مثل الوقود الحيوي، الذي يخفض صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيره من الملوثات المرتبطة بالوقود الأحفوري من قطاع الطيران. ويرى مؤيدو وقود الطيران المستدام أنه يتميز عن غاز الهيدروجين النقي بمزايا عديدة، منها التشابه في التركيب الكيميائي بين وقود الطيران المستدام وبين الوقود المستخدم حاليا في الطائرات، ومن ثم من الممكن أن يحل محل الوقود التقليدي دون تغيير تصميم الطائرات أو البنى التحتية التي تدعمها ومن دون تأخير.
ويقول بول ستاين، مدير التكنولوجيا بشركة “رولز رويس” لتصنيع المحركات: “إن زيادة إنتاج وقود الطيران المستدام، الذي ستحتاج الطائرات منه 500 مليون طن سنويا بحلول 2050، ستعود بفائدة عظيمة على كوكب الأرض”.
وينقسم وقود الطيران المستدام إلى نوعين، الأول هو الوقود الحيوي المصنوع عن طريق المعالجة الكيميائية أو الحرارية للكتلة الحيوية، مثل المخلفات الزراعية وغيرها من المخلفات، والثاني هو الوقود الاصطناعي. لكن الهيدروجين يستخدم أيضا في عمليات إنتاج هذه الأنواع من الوقود، ومن ثم ربما يؤدي الهيدروجين دورا حيويا في القضاء على الانبعاثات من قطاع الطيران.
ويصنّع الوقود الاصطناعي عن طريق تفاعل الهيدروجين مع ثاني أكسيد الكربون للحصول على “غاز اصطناعي”، ويتحول هذا الغاز عبر عملية تسمى “فيشر-تروبش” إلى بديل للزيت الخام قد يُكرر وينتج وقود للطائرات وغيره من أنواع الوقود. وإذا كانت الطاقة المطلوبة في كل مرحلة من مراحل التصنيع متولدة من مصادر عديمة الكربون، فإن العملية بأكملها ستكون محايدة الكربون، أي أن كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بعد الرحلة الجوية لن تكون أعلى منها قبل تصنيع الوقود المستخدم فيها.
وتعتزم شركة “نورسك” للوقود الاصطناعي تدشين ما قد يعد أول محطة لإنتاج الوقود الاصطناعي على مستوى العالم في النرويج في عام 2023، باستخدام ثاني أكسيد الكربون الناتج عن تقنية احتجاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء مباشرة، وهي التقنية التي طورتها شركة سويسرية، والهيدروجين الناتج عن المياه باستخدام الطاقة المتولدة من مصادر متجددة. وتنوي الشركة إنتاج 10 مليون لتر من الوقود سنويا للأسواق النرويجية والأوروبية. والخطوة التالية ستكون تدشين محطة بحلول 2026 لإنتاج 100 مليون لتر سنويا.
وفي الوقت الراهن، من المرجح أن يظل الهيدروجين والوقود الاصطناعي أعلى سعرا بمراحل من وقود الطائرات التقليدي لسنوات أو لعقود، وهذا سيقلص دورهما في خفض الانبعاثات من قطاع الطيران إلى مستوى الصفر، ما لم تحتسب التكاليف الأخرى للرحلات الجوية بطريقة مختلفة.
ويرى ليو موراي، من مجموعة “بوسيبول” التي تطالب بالحد من انبعاثات قطاع الطيران، أن أسعار تذاكر الرحلات الجوية على متن الطائرات التي تعمل بالوقود التقليدي يجب أن تعكس كلفة الضرر الذي تلحقه بالبيئة. صحيح أن هذا سيؤدي إلى ارتفاع أسعار تذاكر الطائرات، لكنه في النهاية سيسهم في تخفيف الأثر البيئي لقطاع الطيران.
[ad_2]
Source link