نطنز: الحرب الخفية بين إسرائيل وإيران تشهد تحولا خطيرا
[ad_1]
- فرانك غاردنر
- مراسل الشؤون الأمنية في بي بي سي
يبدو أن الحرب الخفية الطويلة وغير المعلنة بين اثنين من أكثر الخصوم في الشرق الأوسط عنادا وتصلبا؛ إيران وإسرائيل، آخذة بالاستعار.
فإيران ألقت باللائمة على إسرائيل بالوقوف وراء انفجار غامض وقع في عطلة نهاية الأسبوع قطع الطاقة عن منشأتها لتخصيب اليورانيوم في نطنز.
ولم تقل إسرائيل علنا أنها تقف وراء ما وصفته إيران بـ “فعل تخريبي”، بيد أن وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية نقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنه نُفذّ بواسطة جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي، الموساد. وقد تعهدت إيران برد انتقامي “في وقت تختاره”.
ولم تكن تلك حادثة منعزلة، إذ جاءت في أعقاب تصعيد تدريجي لأفعال عدائية متبادلة بين البلدين تواترت في سياق تصعيدهما للحرب السرية بينهما، على الرغم من أنهما يحرصان – حتى الآن – على تجنب الصراع الشامل الذي سيكون مدمرا بشكل كبير لكلا البلدين.
إذن، ما المخاطر التي تبرز هنا؟ وكيف من المرجح أن ينتهي هذا الوضع؟
إن هذه “الحرب الخفية” يُمكن عموما أن تنقسم على ثلاث جبهات مختلفة:
برنامج إيران النووي
لا تؤمن إسرائيل بالتأكيدات الإيرانية المتكررة عن أن برنامجها النووي هو برنامج سلمي خالص، فهي مقتنعة بأن إيران تعمل سرا على تطوير رؤوس نووية بهدف استخدامها عبر صواريخها الباليستية.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، متحدثا خلال زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن الاثنين: “في الشرق الأوسط، ليس ثمة تهديد أكثر جدية وأكثر خطرا وأكثر إلحاحا من ذلك الذي يشكله النظام المتعصب في إيران”.
وقالت السفيرة الإسرائيلية في لندن، تسيبي هوتوفلي، لبي بي سي الثلاثاء أيضا إن “إيران لم تتوقف أبدا عن العمل على تطوير أسلحة نووية وصواريخ قادرة على حملها. فسعي إيران للأسلحة النووية … يشكل خطرا على عموم العالم”.
وظلت إسرائيل، منطلقة من هذا الاعتقاد، تقوم بسلسلة أفعال أحادية سرية وغير معلنة في محاولة لإبطاء وتيرة البرنامج النووي الإيراني أو شله.
وتشمل تلك الأفعال إدخال فيروس إلى أجهزة الكومبيوتر العاملة في البرنامج الإيراني يسمى “ستوكسنت”، والذي اكتشف لأول مرة في عام 2010 ، بعد أن عطّل أجهزة الطرد المركزي الإيرانية. وفي أوقات سابقة من هذا القرن، توفي عدد من العلماء الذريين الإيرانيين في ظروف غامضة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020 اغتيل شخص بارز في البرنامج النووي الإيراني، هو محسن فخري زادة. ولم يكن فخري زادة مجرد خبير تقني نووي رئيسي، بل كان يحتل رتبة عالية في صفوف الحرس الثوري الإيراني، وتعتقد إسرائيل أنه الشخص الذي يدير الجانب “العسكري” السري في البرنامج النووي الإيراني.
ومن المحتمل أن هذا البرنامج قد وصل الآن إلى مرحلة خطيرة. ففي عام 2015 وقعت إيران اتفاقا نوويا مع عدد من الدول سُميَّ “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وقد رُفعت بموجبه العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها مقابل الموافقة على برنامج تفتيش صارم على منشآتها.
بيد أنه في عام 2018، سحب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بلاده من الاتفاق فارضا عقوبات اقتصادية بالغة الشدة على إيران، التي ردت بخرق تدريجي لشروط الاتفاق، خاصة في مجال تخصيب اليورانيوم على وجه ملحوظ، وهو العنصر الكيميائي الذي يمكن استخدامه لإنتاج الطاقة النووية، أو من المحتمل في إنتاج أسلحة نووية، إذ زادت عملية التخصيب أكثر من الحدود المسموح فيها ضمن الاتفاق.
ويريد الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، أن يعيد الولايات المتحدة إلى الاتفاق، ولكن شريطة عودة إيران إلى الالتزام الكامل بشروطه، بيد أن إيران تقول بشكل أولي : “لا، نحن لا نثق بك، ابدأ أنت أولا ونحن سنلتزم كلياً، حالما ترفع العقوبات”.
ولكسر هذا الجمود جرت مفاوضات بمشاركة عدد من الدول في فيينا، بيد أن إسرائيل لا تعتقد أن الاتفاق النووي في شكله الحالي يستحق الإحياء. ويقول مايكل ستيفنز، المحلل في شؤون الشرق الأوسط بمعهد الخدمات الملكية المتحدة في لندن: إن الأفعال الإسرائيلية الأخيرة هي محاولة لتخريب المفاوضات النووية.
ويوضح: “يحاول الإسرائيليون من جانب واحد حرف البرنامج النووي الإيراني عن مساره بطريقة تُشكل لعبة خطرة، على الرغم من أنها مثيرة للإعجاب من الناحية التقنية. (وأسباب ذلك) اولا: إن هذه الجهود الإسرائيلية يُمكن أن تقوض الموقف التفاوضي الأمريكي في وقت تحاول الولايات المتحدة العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران”.
ويكمل :”ولكن، ثانيا، إن الإيرانيين قد يسعون إلى رد مضاد، عبر هجمات منظمة ضد المصالح الإسرائيلية في عموم العالم. لقد أثبتت إسرائيل أنها قادرة على إرباك البرنامج الإيراني ولكن ما هي كلفة ذلك؟”.
الملاحة البحرية
لقد حدثت أشياء غريبة في البحر مؤخرا. ففي وقت سابق من هذا العام، تضررت سفينة الشحن، أم أج هليوس، المملوكة لإسرائيلي، بشكل كبير أثناء مرورها في خليج عُمان. ونجم عن الحادث وقوع ثقبين كبيرين في هيكل السفينة. وقد ألقت إسرائيل باللائمة فيه بسرعة على الحرس الثوري الإيراني، الذي نفى ضلوعه فيه.
وفي أبريل/نيسان تعرضت السفينة الإيرانية، سافيز، التي كانت راسية في البحر الأحمر إلى أضرار في هيكلها، يعتقد أنها نجمت عن ألغام بحرية.
وتعتقد إسرائيل والتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن المجاورة بأن السفينة سافيز كانت تُقدم خدمات لوجستية بوصفها “سفينة رئيسية” تقدم منها إيران هذه الخدمات لحلفائها الحوثيين في اليمن. وقد شُخص وجود قوارب سريعة ومدافع رشاشة وهوائيات اتصالات معقدة على متن السفينة، التي تقول إيران إنها هناك لأغراض سلمية ومشروعة واتهمت إسرائيل بالمسؤولية عن الهجوم.
وأفادت تقارير في وسائل إعلام أمريكية أن القوات الإسرائيلية قد استهدفت خلال الـ 18 شهرا الماضية ما لا يقل عن 12 سفينة كانت متجهة إلى سوريا حاملة النفط الإيراني وإمدادات عسكرية.
سوريا ولبنان
إن حقيقة أن سوريا تعيش حربا داخل حدودها خلال الأعوام العشرة الماضية قد حولت الانتباه بعيدا عن الأفعال العسكرية الإسرائيلية هناك. فالحرب الأهلية هناك فتحت الأبواب لتدفق هائل “للمستشارين” العسكريين الإيرانيين من الحرس الثوري الذين يعملون بشكل وثيق مع حليف إيران، حزب الله اللبناني، لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي بعض الحالات، تُغامر قوات الحرس الثوري بالانتشار على مسافة قريبة من الحدود مع مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.
وتحذر إسرائيل، على وجه الخصوص، من قيام إيران بتجهيز قذائف وصواريخ دقيقة التوجيه لوكلائها الموجودين في مناطق تجعل المدن الإسرائيلية ضمن مدى أسلحتهم تلك. وقد شنت عددا كبيرا من الضربات الجوية على قواعد هذه الصواريخ وعلى خطوط الإمدادات اللوجستية في سوريا، ولم تظهر سوى ردود فعل ملموسة قليلة من إيران حتى الآن.
خلاصة
إن السمة الأساسية التي تقبع تحت هذه الحرب الخفية، هي ما يمكن أن نسمية سياسة حافة الهاوية. إذ لا يتحمل أي جانب (في هذا الصراع) أن يبدو ضعيفا. ولكن كلا من إسرائيل وإيران تعرفان أن عليهما معايرة أفعالهما بدقة وعناية كبيرة، كي لا تتسبب في اندلاع حرب شاملة.
أما ما يتعلق بالجانب النووي، فبات من الواضح أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت قادرة على اختراق الأمن الإيراني إلى درجة مبهرة، بالاعتماد على كل من العملاء من البشر على الأرض، أو الأسلحة الإلكترونية السايبرية للتغلب على الإجراءات الإيرانية المضادة.
وفي جانب الملاحة البحرية، ترك الموقع الجغرافي لإسرائيل أثرا سلبيا على قدراتها في هذا الصدد، فهي تمتلك مدخلا جيدا إلى البحر الأحمر عبر مينائها البحري في إيلات، ولكن في مناطق أبعد من ذلك تصبح لإيران اليد العليا بفعل سواحلها الواسعة على امتداد الخليج ووكلائها الحوثيين في اليمن.
وفي سوريا ولبنان امتلكت إيران دائما خيار نشر وكلائها للقيام بضربات صاروخية ضد إسرائيل، بيد أنه خيار ينطوي على مخاطرة كبيرة. إذ أوضحت إسرائيل ضخامة ردها وأين يمكن أن يقع: في إيران.
ويقول جون رين، الخبير في شؤون الإرهاب العابر للحدود في المعهد الدولي الدراسات الاستراتيجية إن القدرات الاستخبارية الإسرائيلية المتفوقة تعني أن على إيران أن تكتفي بردود فعل “عنيفة” عبر وكلائها. ويضيف: “والأمر المحبط بالنسبة لإيران، هو أن أفضل شريك لها في ضرب إسرائيل هو حزب الله، بيد أن تدخله سيكون خطوة تصعيدية قد تورط حزب الله في حرب تريد إيران تجنبها.
وعادة ما يمتلك الإيرانيون بعض الميزات الخاصة التي تصب في مصلحتهم، ولكنها حُيدّت في صراعهم مع إسرائيل، فالإسرائيليون يتحلون بسرعة التحرك وقدرة الوصول إلى أبعد عمق؛ وعندما يقررون أن يضربوا بشدة، كما يفعلون في سوريا، فسيضربون بقوة.
[ad_2]
Source link