ما أسباب مشكلة التمييز بين الجنسين في اليابان؟
[ad_1]
- ماريكو أويي
- بي بي سي
دائما ما تهيمن مسألة المساواة بين الجنسين على العناوين الرئيسية للصحف ووسائل الإعلام في اليابان، لكن ذلك يحدث نظرا لعدم القدرة على تحقيقها وليس العكس. فلِمَ لا يحدث ذلك؟ وما هو المطلوب لتغيير الوضع على هذا الصعيد؟
بعد يوم واحد من الضجة الإعلامية العالمية، التي أثارها إدلاء الرئيس السابق للجنة المنظمة لدورة الألعاب الأولمبية المقبلة في طوكيو، يوشيرو موري، بتصريحات انطوت على إساءة للنساء، شاركت موموكو نوجو (23 عاما)، في تدشين عريضة تطالب باتخاذ إجراء عقابي ضد هذا الرجل، الذي سبق له أن رأس الحكومة في البلاد. وتقول نوجو، التي حركت العريضة التي أسهم في إطلاقها نحو مئة ألف توقيع خلال يومين فحسب، إن “استقالة موري لم تكن الهدف، وإنما شعرت بأننا بحاجة لفعل شيء ما، لأننا حتى الآن نتقبل كمجتمع، مثل هذا النوع من التصريحات”.
وبعد أسبوع على التصريحات، التي كان موري (83 عاما) قد قال فيها خلال اجتماع للجنة الأوليمبية اليابانية، إن النساء يتحدثن أكثر من اللازم، قدم هذا الرجل استقالته. لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فعندما ذكرت الصحف ووسائل الإعلام التلفزيونية والإذاعية، أنه اختار رجلا في الثمانينيات من العمر أيضا، ليخلفه في منصبه، طالبت شابات بأن يتم اتباع عملية اختيار شفافة في هذا الصدد. وأفضى ذلك في نهاية المطاف إلى تعيين سيكو هاشيموتو، الوزيرة السابقة لشؤون الأولمبياد والتي يقل سنها كثيرا عن سلفها موري، مسؤولة عن تنظيم الدورة الأولمبية المقبلة.
ورغم أن استقالة موري بدت أشبه بانتصار لليابانيات، فإن نوجو – التي ترأس مجموعة شبابية تحمل اسم “لا يابان دون شبان” – ترى أن هذه الخطوة لا ترقى لأن تكون علاجا لمشكلة التمييز بين الجنسين في بلادها. فبحسب قولها “تقل نسبة النساء في مجالس إدارات بعض الشركات التي انتقدت تصريحات السيد موري، عن واحد في المئة، وهو أمر يجب أن يتغير”.
وتتفق ريسا كاميو، العضو المنتخب في المجلس المحلي لحي سيتاغايا بطوكيو، مع هذا الرأي، قائلة: “السيد موري لم يكن بالنسبة لي سوى قمة جبل الجليد”. فالمسألة الخاصة بالمساواة بين الجنسين، تهيمن على العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام في اليابان، لكن لعدم تحققها أو احترامها وليس العكس. فبعد بضعة أيام من استقالة موري، استحوذ الحزب الحاكم في البلاد على اهتمام الإعلام بدوره، من خلال إعلانه أنه سيسمح للنساء بحضور اجتماعات قيادته، التي تتألف من الرجال فقط، لكنه لن يُتيح لهن الفرصة للتحدث خلال تلك الاجتماعات.
وتتباين هذه الوقائع، التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة، مع سياسات الحكومة اليابانية الرامية لتشجيع المشاركة النسائية في المجتمع، بما في ذلك إعلانها عام 2015، هدفا طموحا يتمثل في ضرورة أن تشغل النسوة 30 في المئة من المناصب القيادية في البلاد بحلول عام 2020، وهي السياسات التي حرصت السلطات على تسليط الضوء عليها بشكل كافٍ. كما تزامن ما شهدته اليابان مؤخرا من مواقف تشي بعدم وجود مساواة بين الجنسين في أراضيها، مع التراجع في تصنيفها على مستوى العالم في هذا الشأن، فالمنتدى الاقتصادي العالمي مثلا، يصف الآن الفجوة القائمة بين الرجال والنساء في ذلك البلد الآسيوي، بـ “الأكبر” في الدول ذات الاقتصاديات المتقدمة.
ومع أن ما قامت به نوجو، يُظهر أن هناك مؤشرات تفيد بوجود نشاط بين الشباب الياباني على صعيد هذا الملف، فإن البيانات والإحصاءات تفيد بأن غالبية اليابانيين، يعتقدون أن تحقيق تغيير حقيقي بشأن ذلك، يحتاج إلى وقت طويل. فما الذي يقف وراء التوجهات السائدة في المجتمع الياباني في هذا الصدد؟ ولماذا لا تحرز البلاد تقدما أكبر على طريق تحقيق المساواة بين الجنسين؟
“عبء على النساء”
من بين العوامل الرئيسية في هذا الشأن، النمط الذي لا يزال سائدا في اليابان، في ما يتعلق بتقسيم الأدوار في المجتمع بين الجنسين، وهو ما يقلل – وبشكل كبير – من إمكانية وصول النساء إلى المناصب القيادية.
وربما يجدر بنا هنا الإشارة إلى رؤية هيروكي كومازاكي، مؤسس جمعية “فلورانس” غير الهادفة للربح، التي تشجع على إيجاد سبل تساعد الآباء والأمهات العاملين والعاملات. إذ يقول كومازاكي، وهو كذلك الرئيس التنفيذي للجمعية، إن الفترة التالية للحرب العالمية الثانية، شهدت تشجيع اليابانيين على أن تجمع كل أسرة من أُسَرِهم “بين نموذج الزوج المجتهد الذي يكرس حياته لعمله، والزوجة القابعة في المنزل” للقيام بالواجبات الأسرية.
وأدى تحفيز هذا النمط، إلى ظهور عرف أو قاعدة، يعمل بموجبها الأزواج لساعات طويلة للغاية، بينما تقع المهام المنزلية ومسألة تربية الأطفال، على عاتق الزوجات بشكل أساسي. وفي عام 2020، أظهر أحدث مسح حكومي أُجري على مستوى اليابان في هذا الشأن، أن الأمهات لا يزلن يؤدين الأعمال المنزلية أكثر من الآباء بواقع 3.6 مرة. وفي ضوء هذه القواعد والأعراف، التي تتضافر مع عوامل أخرى من بينها التحيز للرجال في عملية التوظيف في بعض الشركات، باتت الكثيرات من النسوة، يتوقفن عن العمل بعد إنجابهن أطفالا، أو يؤْثِرون العمل بدوام جزئي أو لبعض الوقت، وهو ما لا يقود – عامة – إلى حصولهن على ترقيات.
وقد أثر هذا التقسيم الراسخ بين الجنسين في سوق العمل على النمو السكاني لليابان. فالنسوة اللواتي يواجهن إمكانية فقد وظائفهن أو خسارة فرص الترقي بسبب إنجاب الأطفال، ينزعن إما إلى أن يكون لديهن عدد أقل منهم، أو إلى ألا ينجبن على الإطلاق. وفي الوقت الحاضر، تراجعت معدلات المواليد في اليابان إلى مستوى منخفض على نحو قياسي، وذلك بالتزامن مع انخفاض عدد الزيجات كذلك. ومن بين الأسباب التي تقف وراء ذلك، شعور الرجال بالقلق، من أنهم قد يعجزون عن إعالة أُسَرِهم المستقبلية، اعتمادا على رواتبهم هم فقط.
لكن التأثيرات التي تُخلّفها هذه الأزمة الديموغرافية، تحمل الحكومة على السعي لتشجيع عدد أكبر من النساء على إنجاب الأطفال والبقاء في وظائفهن في الوقت نفسه وذلك لتعزيز قوة العمل، الآخذة في الانكماش في اليابان.
وكان هذا هو السياق الذي تبلورت فيه مجموعة سياسات اقْتُرِحَت عام 2015، على يد رئيس الوزراء الياباني في ذلك الوقت شينزو آبي، وحملت اسم “وومين أوميكس”، وهو مصطلح يمزج بين مفردتيْ نساء واقتصاد باللغة الإنجليزية. وبموجب هذه السياسات، تتعهد الحكومة اليابانية بإيجاد مجتمع، يمكن للنساء أن يتألقن فيه، ويُحِسِّن في الوقت نفسه فرصهن في الوصول إلى المناصب القيادية. لكن منتقدي تلك السياسات يقولون إنها تُعنى بتشجيع النساء على العودة إلى سوق العمل، بهدف دعم الاقتصاد، أكثر من سعيها لتحقيق هذا الهدف من أجل تذليل العقبات، التي تحول دون أن تنجح المرأة في الجمع بكفاءة بين ممارسة عملها والاعتناء بأطفالها، من قبيل نقص خدمات رعاية الأطفال.
وتقول الصحفية توكو شيراكاوا، التي تخصص الكثير من كتاباتها لتناول مشكلة تراجع معدلات المواليد في اليابان، إنه في ضوء “عدم انخراط السلطات في البلاد في الماضي، في الجهود الرامية للدفع باتجاه تحقيق المساواة بين الجنسين، دأبت الحكومة على السعي لزيادة عدد النساء اللواتي يشغلن مناصب قيادية، دون أن تُجري أي تغييرات جوهرية، أو تقدم أي دعم محوري في هذا الصدد، ما جعل العبء يقع على كاهل النساء”.
وأدى ذلك إلى عدم تحقيق أي تغيير ذي مغزى تقريبا على هذا الصعيد، وهو ما كشف عنه التقرير الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي حول الفجوة بين الجنسين في العالم خلال عام 2021، والذي وضع اليابان في المركز الـ 120 من بين 156 دولة من حيث المساواة بين الرجال والنساء، وذلك بتراجع 40 مركزا كاملا، عما كان الحال عليه في تقرير عام 2006.
فبرغم انخراط المزيد من اليابانيات في سوق العمل، لا تزال الكثيرات منهن يعملن بدوام جزئي أو في مسار وظيفي تقل فيه فرص الترقي، وهو ما لا يسمح لهن بالوصول إلى المستويات الإدارية العليا. ومع أن عدد المديرات في شركات القطاع الخاص، زاد بنسبة 7.8 في المئة عام 2019، فإن ذلك لا يزال يقل كثيرا عن هدف تقلد النسوة 30 في المئة من هذه المناصب القيادية. وقد أرجأت الحكومة – دون ضجة كبيرة – الموعد المقرر لتحقيق هذا الهدف من 2020 إلى عام 2030. أما في المجال السياسي، فلا تزيد نسبة النساء في الغرفة السفلى من البرلمان، ذات الصلاحيات الأكبر، عن 9.9 في المئة من الأعضاء، ما يجعل اليابان تحتل المركز الـ 166 من أصل 193 دولة في هذا الشأن.
وتقود كل هذه العوامل، إلى أن يواصل الرجال اليابانيون الهيمنة على المواقع القيادية في المجالات السياسية والاقتصادية والمالية في البلاد، وأن يتباطأ وضع السياسات التي تلبي الاحتياجات الفعلية للنساء. كما يفضي ذلك إلى تواصل تنامي مشاعر كراهية المرأة في بعض الأوساط.
لماذا لا يتحدث اليابانيون عن المشكلة بصراحة؟
ومن بين الأسباب التي جعلت تصريحات كتلك التي أدلى بها موري بشأن النساء، تمر مرور الكرام دون معارضة، ولأمد طويل كذلك في المجتمع الياباني، عادةٌ متعارف عليها ضمنا بين أبنائه، وتتمثل في تحاشيهم – بوجه عام – الانخراط في أي جدال، لا سيما مع مواطنيهم الكبار في السن. وتقول نوجو في هذا الصدد: “اليابان وطن يجد فيه الناس، أنه من الصعب عليهم الحديث بصراحة وبقوة، وعدم الاكتراث بالاعتبارات الخاصة بالعمر أو الجنس. وقد يُنظر إليك على أنك أناني، إذا فعلت ذلك”.
ويُطلق على ذلك في المجتمع الياباني مصطلح “قراءة الهواء”، والذي يعني أن يهتم المرء بأفكار ومشاعر واحتياجات المحيطين به، دون أن يعبر عن ذلك لفظيا. وفي هذا الإطار، فحتى إذا أدلى شخص ما بتصريحات تنطوي على تمييز بين الجنسين، يؤْثِرُ الكثيرون ألا يواجهوا هذا الأمر، كي لا يصبح الموقف مُحرِجا. ومن شأن ذلك، السماح لموري وأمثاله بافتراض أن تصريحاتهم هذه مقبولة. وفي الماضي، كان بوسع من يتفوهون بأشياء من هذا القبيل، الإفلات من التعرض لأي عقاب، حتى حال تعرضهم لانتقادات بسبب ما قالوه. فقد كان بمقدور كل منهم الاكتفاء بتقديم اعتذار، والسعي لنيل تعاطف الرأي العام، عبر القول إنه تلقى توبيخا من “زوجتي أو ابنتي (أو زوجتي وابنتي معا)”، وهو ما فعله موري بالفعل.
ولهذا السبب، أبدت الكثير من اليابانيات المُسِنات دعمهن لعريضة نوجو، وقالت العديد منهن إنهن يشعرن جزئيا بالمسؤولية عن تواصل حدوث وقائع مثل هذه، لأنهن لم يتحدثن بصراحة وقوة، بشأنها في الماضي.
وهنا يشير هيروكي كومازاكي إلى أنه يرغب في أن يقول بصوت عالٍ إن “النساء اليابانيات لسن هن فقط الغاضبات من مثل هذه التصريحات التي تسيء للمرأة، ولكن غالبية الرجال، بمن فيهم أعضاء البرلمان، يرون أيضا أن تعليقات وأفعالا، كتلك التي تصدر عن موري والحزب الليبرالي الديمقراطي الياباني (الحاكم)، لا يمكن أن تُصدّق أو تُتَصَوَّر”.
ويضيف كومازاكي أن تغير الأجيال يمكن أن يساعد على مواجهة هذه المشكلة، مشيرا إلى أن البعض من كبار السن، أقدموا بالفعل على تعديل توجهاتهم حيال مسألة المساواة بين الجنسين، بفضل التفاعل مع أحفادهم أو زملائهم الأصغر سنا، وذلك بعدما أدركوا أن هناك تغيرات طرأت على ما بات مقبولا من توجهات وتصورات في هذا الصدد.
“لا يمكن لشخص واحد أن يحارب بمفرده”
وبالتزامن مع تعديل اليابانيين لتوجهاتهم حيال هذا الملف، باتت وسائل التواصل الاجتماعي، توفر منصة لنوجو وجيلها للإعراب عن رؤاهم. كما أدت – وهذا هو الأهم – إلى أن تُؤخذ آراؤهم بجدية من جانب الأطراف المعنية، مثل الشركات الراعية للأولمبياد، ما أدى مثلا إلى أن يستقيل موري من منصبه.
ومع ذلك، يتعين أن يقترن الضغط الذي يمارسه الشبان في المجتمع الياباني، باتخاذ سياسات جديدة، وتوجيه رسائل مختلفة من القمة للقاعدة.
ووفقا لما تقوله الصحفية شيراكاوا؛ فإن بلورة مثل هذه الرسائل الجديدة والمختلفة، تتطلب زيادة نسبة مشاركة المرأة في عملية صنع القرار، ما يعني أننا بحاجة “كنقطة بداية، لتحديد حصة للمرأة، بهدف زيادة عدد المرشحات (للمناصب القيادية)”. وتضيف بالقول إنه “يتعين علينا أن نعتبر أن المعيار هنا، هو المساواة التامة بين الجنسين بواقع 50 إلى 50، وتحديد العوامل التي تحول بيننا وبين الوصول إلى هذه النسبة، بدلا من البحث عن أعذار تبرر عجزنا عن تحقيق ذلك”.
وتقول شيراكاوا إن من بين التغييرات التي يمكن أن تكون فعالة للغاية في هذا الشأن، إتاحة الفرصة لعضوات البرلمان للتصويت عن بُعد، وتوفير خدمة رعاية الأطفال لهن في مقر المجلس التشريعي. كما تؤيد تخصيص حصة للنساء في البرلمان.
وتدعو شيراكاوا “الساسة الرجال الأقوياء، إلى أن يختاروا، كلما أمكنهم ذلك، سيدات للترشح إلى جانبهم، أو لتولي رئاسة الإدارات المختلفة”. وتضرب مثلا هنا بري هيركاوا، التي اختيرت للإشراف على المجلس المعني بالتعليم في محافظة هيروشيما، وأحدثت الكثير من التغييرات، مثل بدء تجربة برامج جديدة، تستهدف توفير التعليم التفاعلي بشكل أكبر. كما أدت الإجراءات التي اتخذتها إلى قطع خطوات واسعة على طريق تسهيل نظام التعلم عن بعد، خلال السنوات الثلاث الماضية، وذلك في وقت كانت مناطق شتى في اليابان، تواجه صعوبات متعددة في هذا الشأن.
وتتفق ريسا كاميو، العضو في المجلس المحلي لحي سيتاغايا بطوكيو، مع الرؤية التي مفادها أن النساء بحاجة لأن يُمَثلّنَ على نحو أفضل على الساحة السياسية. وتقول في هذا الصدد: “لا يمكن لشخص واحد أن يحارب منفردا. لقد أدركت أنه كلما زاد عدد أعضاء البرلمان من النساء، ازداد عدد النسوة اللواتي يستطعن الحديث بقوة وصراحة عن مشكلاتهن بوجه عام”. وكانت كاميو قد قررت الترشح لمنصبها الحالي، عند عودتها إلى اليابان من الخارج في عام 2015، إذ أرادت في ذلك الوقت، أن يُسمع صوت الأمهات العاملات.
لكن الأمر لم يكن يسيرا في البداية، فقد عانت كاميو كثيرا، للعثور على من تستطيع أن تعهد إليه بمهمة رعاية طفلها، الذي كان في الثالثة من عمره آنذاك. وخلال حملتها الانتخابية، طُلِبَ منها أن تقف خارج أحد المقار الانتخابية من السادسة صباحا وحتى منتصف الليل لحشد الدعم لها، وهو أمر لم يناسب ظروف أسرتها، والمهام التي يتعين عليها القيام بها في منزلها. وما زالت هذه المشكلة قائمة حتى اليوم، فلا يزال على كاميو أن تتعامل مع بيئة عمل مُعدة للرجال لا تعبأ بالمسؤوليات الأسرية. وتضرب مثالا على ذلك بالقول: “في إحدى المرات، حُدِدَ وقت الظهر موعدا لبدء اجتماع ما، وطُلِبَ منّا أن نلغي كل مواعيدنا حتى منتصف الليل. هذا النظام لا يراعي الأمهات العاملات، بأي شكل من الأشكال”.
ومع أن زوجها كان داعما لقرارها الترشح لمنصبها الحالي، فإن أقارب آخرين لها تخوفوا من ذلك. ومن بين هؤلاء؛ والداها، خاصة أمها، وهي ربة منزل. فقد عارضت الأم تلك الخطوة بشدة، في ضوء قلقها من أن يؤدي نجاح كاميو في الانتخابات، إلى أن تنشغل بشدة، على نحو يجعلها تهمل رعاية طفلها.
وتوثر توقعات مجتمعية مثل تلك، جنبا إلى جنب مع ضغوط العمل، على النساء اللواتي يفكرن في تحدي وضعهن الراهن في مختلف المجالات، وتصبح كذلك بمثابة رادع للكثير منهن أيضا في هذا المضمار.
وترى ماكو تاناكا (20 عاما)، وهي عضوة في جمعية “لا يابان دون شبان”، أن هناك حاجة لإحداث قدر أكبر من التغيير الشامل، على صعيد الكيفية التي تعرف بها النسوة اليابانيات دورهن في المجتمع، وتفهمه. وتقول إن الرجال والنساء في المجتمع، يتلقون منذ سن مبكرة “رسائل تؤكد وجود اختلافات بينهم”. فـ “في المدارس الابتدائية، تحمل التلميذات حقائب حمراء اللون، في مقابل الحقائب السوداء التي يحملها التلاميذ. ثم نتعلم شيئا فشيئا (كفتيات) أن نكون متواضعات. وبينما تُعتبر النسوة القويات متميزات في الولايات المتحدة، نتعلم (في اليابان) أن نكون مطيعات”.
لا يزال الطريق طويلا
لكن الرسائل المناهضة للمرأة في اليابان، لن تنتهي إلى أن يكون للنسوة صوتٌ في كل القطاعات وعلى مختلف المستويات في المجتمع.
فرغم أن بعض الشركات اليابانية، شرعت في تهيئة ظروف مواتية للمرأة على نحو أكبر في مكان العمل، فإن عددها لا يزال محدودا، كما أنها تعمل في قطاعات متباعدة عن بعضها بعضا. وحتى وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية، التي تحاول التشجيع على إيجاد قدر أكبر من التوازن بين العمل والحياة المنزلية، تواجه اتهامات بأنها تدفع موظفيها للعمل ساعات إضافية على نحو مفرط. بجانب ذلك، اتهم بعض الكتاب والمحللين وسائل الإعلام – التي سارعت لانتقاد تصريحات موري – بالكيل بمكيالين، استنادا إلى عدد النساء المحدود في مجالس إداراتها.
وتقول كاميو إنه ليس بمقدورها تحديد الفترة المطلوبة لتحقيق مستوى أفضل من المساواة بين الجنسين في اليابان، مشيرة إلى أن التغيرات التي تحققت في هذا الصدد، لا تنفي أن التوجهات المجتمعية السائدة في البلاد، لا تزال تعني استمرار وجود اختلاف بين طرق تنشئة الفتيان والفتيات. وتضيف قائلة: “لا أكف عن تذكير نفسي، بصفتي أماً لصبي، بمدى أهمية حمله على تقديم المساعدة في المهام المنزلية”.
لكن الصحفية شيراكاوا، تعتبر أن الاستقالة التي أُجْبِرَ موري على تقديمها، تمثل تقدما كبيرا، مشيرة إلى أنه كان بوسع هذا الرجل، إذا حدث هذا الموقف قبل سنوات، أن يكتفي بتقديم اعتذار وأن يحتفظ بموقعه كذلك.
وبخلاف ما كان يَرِد على لسان الأجيال السابقة من النسوة في اليابان، تقول ماكو تاناكا وموموكو نوجو – وهما في العشرينيات من العمر – إنهما لا تخشيان من أن تواجها، خلال بحثهما عن عمل، تبعات سلبية لما تنخرطان فيه من نشاط للمطالبة بتحقيق المساواة بين الجنسين. لكنهما تشيران إلى أنهما ليستا على استعداد لخوض غمار العمل السياسي. وتقول نوجو في هذا الشأن: “أعلم أنه يتعين على شخص ما القيام بذلك. لكنني لا أشعر بأنني يمكن أن أكون سعيدة إذا عملت في السياسة”.
وتضيف أنها ربما تكون قد تأثرت في ذلك، بما تراه على الساحة السياسية، والصعوبات التي تتصورها لتحقيق النجاح في هذا الشأن.
وقد أظهرت دراسة استقصائية أجراها معهد دينتسو للأبحاث، أنه على الرغم من تزايد عدد من يقولون إنهم يرغبون في معالجة مشكلة المساواة بين الجنسين في اليابان، فإن هؤلاء يتوقعون أيضا، أن يستغرق التعامل مع هذا الأمر وقتا طويلا. وتوقعت العينة المشمولة بالدراسة، ألا يمكن تحقيق الهدف الخاص بتبوء النساء 30 في المئة من المناصب الإدارية القيادية في الشركات اليابانية، قبل مرور 24.7 سنة تقريبا، وأن حصول السيدات على 50 في المئة من مقاعد البرلمان سيتطلب 33.5 سنة.
ولعل ما يبرز التقدم البطيء الذي يُحرز على هذا الصعيد، واقعة حدثت في اليابان أواخر الشهر الماضي، وكان بطلها كذلك مسؤولا رفيع المستوى على صلة بتنظيم الأولمبياد. فقد اقترح هذا المسؤول، الذي أُجبر على الاستقالة في ما بعد، أن ترتدي الممثلة الكوميدية اليابانية الشهيرة والبدينة ناوومي واتانابي، زي خنزير خلال مراسم افتتاح الدورة، وأن يُطلق عليها اسم “خنزيرة الأولمبياد”، وهو ما يؤكد أنه لا يزال الطريق طويلا، قبل تحقيق المساواة بين الجنسين في اليابان.
[ad_2]
Source link