فيروس كورونا: لماذا يمكن لأجواء العمل “السامة” أن تلاحقك حتى في بيتك؟
[ad_1]
- هانا هيكوك
- بي بي سي
يفترض أن يساعد العمل من خارج المكتب في تخفيف ضغط الأجواء المسمومة، لكن في الواقع، حين تسود ثقافة سيئة في أماكن العمل، فقد تزداد الأمور سوءا عند التحول إلى العمل من المنزل.
عندما توقفت نيكولينا عن الذهاب إلى المكتب، وتحولت إلى العمل من منزلها في أوائل عام 2020 بسبب تفشي فيروس كورونا في العالم، كانت تأمل أن تتحسن الثقافة السامة التي تسود أجواء العمل في شركتها.
وتقول نيكولينا، التي تعمل كاتبة محتوى وهي في الثانية والعشرين من عمرها ومقيمة في براغ : “اعتقدت أن ضغوط عملي ستكون أقل بكثير بعيدا عن مديري، الذي يراقب كل تحركاتي، لكنني كنت مخطئة جدا.”
لكن المشرف على عمل نيكولينا وجد طرقا جديدة لمراقبة فريق العمل افتراضيا، وذلك باستخدام برامج مثل “تيم فيوير” و”هابستاف”، وكما تقول نيكولينا، التي فضلت عدم ذكر اسم عائلتها حفاظا على الخصوصية: “أظن أن عدم وجود موظفيه بالقرب منه أثر عليه حقا، وأصبح مهووسا ويريد أن يتحكم بكافة الجوانب والتفاصيل خلال ساعات العمل، ويبحث عن أصغر الأشياء لينتقدها”.
وتضيف: “كانت مستويات التوتر لدينا عالية، بسبب معرفتنا بأن رئيسنا يمكن أن يتتبعنا ويراقبنا في أي لحظة، وكنا جميعا نكاد نصاب بالجنون.”
وبالنسبة للذين يعملون في بيئات مكتبية مشحونة، قد يبدو التحول إلى العمل عن بُعد جانبا إيجابيا لفيروس كورونا، وفرصة هم في أشد الحاجة إليها، للاستمتاع بالبعد عن الأجواء السلبية. لكن، كما اكتشفت نيكولينا، فأجواء العمل المزعجة يمكن أن تتبعنا إلى منازلنا، وقد تزداد سوءا في بعض الحالات، فالعزلة يمكن أن تفاقم تحديات العمل مع الرؤساء أو الزملاء الذين يتصرفون بشكل مزعج.
ويمكن أن تنجم عن أجواء العمل السامة تأثيرات سلبية كبيرة على الحالة العامة للموظف، بما في ذلك صحته النفسية والجسدية، ومن هنا تأتي أهمية أن يكون الأشخاص على دراية كافية بالخيارات المتاحة أمامهم لحماية أنفسهم.
أجواء سامة من رأس الهرم إلى قاعدته
ويمكن لأماكن العمل السامة أن تظهر بأشكال عديدة، لكنها تشترك في قاسم مشترك: السلبية والأذى.
يقول أديتيا جين، الأستاذ المشارك في إدارة الموارد البشرية في كلية الأعمال بجامعة نوتنغهام، والذي درس الإجهاد والرفاهية والصحة العقلية في مكان العمل: “ثقافة العمل السامة هي التي يتعرض فيها العاملون إلى مخاطر نفسية واجتماعية. قد يحصلون على دعم تنظيمي أو نقابي ضئيل أو معدوم، كما أن علاقاتهم الشخصية ضعيفة، في حين أن عبء العمل كبير، وهناك نقص في الاستقلالية، وضعف في المكافآت، وانعدام في الأمن الوظيفي”.
ويرى جين أن عواقب هذا النوع من أجواء العمل واسعة النطاق، وقد تشمل تأثيرات صحية وجسدية على الأفراد، مثل الإصابة بأمراض القلب أو الاضطرابات العضلية الهيكلية، وضعف الصحة العقلية والشعور بالإنهاك، إضافة إلى تداعيات تنظيمية، مثل تراجع معدل الدوام والمشاركة والإنتاجية والابتكار.
وتنشأ معظم ثقافات العمل السامة بسبب الإدارة السيئة التي يمكن لممارساتها السيئة أن تكون معدية. وتقول مانويلا بريسمث، الأستاذة المساعدة في قسم الإدارة والعمليات في جامعة فيلانوفا في بنسلفانيا بالولايات المتحدة، والتي أجرت أبحاثا عن المديرين المتعسفين وأماكن العمل السامة: “السلوكيات الهدامة في القمة تتسرب إلى الأسفل.
إذا انخرط المسؤولون التنفيذيون في سلوك سام، يفترض الأشخاص في المؤسسة أن هذا السلوك مقبول، ويشاركون فيه أيضا. وسرعان ما يتشكل مناخ سام، حيث يعتقد الجميع أن هذه هي طريقة التصرف في المكان”.
وكانت هذه السلوكيات السامة تحدث قبل الوباء، وجها لوجه أثناء الاجتماعات أو العروض التقديمية أو التفاعلات العادية في أماكن العمل، وهي تحدث الآن عبر المكالمات والرسائل. وعلى الرغم من أنك قد تفترض أن وجود المسافة وغياب اللقاء الفعلي من شأنهما تقليل بعض هذه التوترات، فإن الخبراء يقولون إن العمل من خارج المكتب من المرجح أن يؤدي إلى عكس ذلك.
تقول بريسمث: “تستمر الأجواء السامة في العلاقات عن بعد، كأن نرى نفس الشكل من العدوانية عبر محادثات زووم أو عن طريق البريد الإلكتروني”.
وتؤكد بريسمث أن “بعد المسافة يمكن أن يعزز السلوكيات السلبية، وأحيانا يكون إرسال رسالة فظة أو تهديدية أسهل من قولها وجها لوجه”.
كما يساهم ما يسمى بـ “التعب الوبائي” نتيجة الضغوط التي أوجدها فيروس كورونا في ظهور السلوك السيء. ويعد ضيق النفس والاستنزاف من أهم المحركات الرئيسية للسلوكيات العدوانية في مكان العمل. بعض الناس لديهم قدرة احتمال أقل، وهذا يترجم في أسلوب تواصل أو خطاب أقل تحضرا”.
وفي حالة نيكولينا، بعد التحول إلى العمل عن بعد، بدأ سلوك رئيسها المتحكم أساسا يتجاوز مرحلة الإشراف ويتحول إلى تضييق وإزعاج. وتقول عن ذلك: “كان يتصل بشكل عشوائي ويطلب منك مشاركة شاشتك، أو يطلب منا تسجيل شاشة (الكمبيوتر) لكامل يومنا. وإذا لاحظ انخفاضا في النشاط لأكثر من 10 دقائق، فسيطلب منك لقاء على زووم أو جلسة عبر برنامج “تيم فيوير”، حتى لو كان الأشخاص يريدون الاستحمام أو طهي العشاء”.
كما تقول إنه كان يرسل رسائل إلى الموظفين بطلبات عاجلة في منتصف الليل، ويمنعهم من الحصول على أيام إجازة.
وتقول: “عانى كافة أعضاء الفريق الذي كان تحت إدارته. وشخصياً، كنت في حالة قلق دائمة وأواجه الكثير من المتاعب في النوم ليلا وأبقى مستيقظة لساعات متأخرة وأنا أفكر في العمل”.
ويقول خبراء إن وجود مدير متنمر يمكن أن يكون مؤذيا بشكل خاص في بيئات العمل عن بُعد، وهو الحال الذي يعاني منه كثيرون الآن. فحاجة الموظف إلى التعامل مع المتنمر تبقى مستمرة، كما يقول جين، لكنه قد يجد صعوبة أكبر في التعامل مع هذا السلوك عندما يكون في المنزل في ظل نقص التفاعل الاجتماعي، وثقل مشاعر الإرهاق العاطفي، واختلال التوازن بين العمل والحياة الناجم عن اضمحلال الخط الفاصل بين الحياة الشخصية والمهنية”.
ويضيف جين: “يمكن للعمل عن بُعد أن يجعل الوضع أسوأ، إذ أن الأفراد لا يتمكنون من الحصول على دعم اجتماعي غير رسمي من زملائهم أو اللجوء إلى آليات التظلم من خلال قسم الموارد البشرية، لأنهم معزولون ويشعرون بأنهم أقل تمكينا”.
التعامل مع الثقافة السامة
ويرى كل من جين وبيرسمث، أن التخلص من ثقافة العمل السامة يتطلب قيام الشركات بتحديد الأسباب الجذرية للخلل ومعالجتها، وهي غالبا ما تكون سوء الإدارة. لكن هذا لا يعني أن على الموظفين الانتظار على أمل أن تتحسن الأمور. ويمكن أن تكون الخطوة الأولى هي تثقيف نفسك بمعرفة كافة حقوقك، سواء من خلال سياسات التوظيف الخاصة بالشركة التي تعمل بها أو وفقا للقوانين المحلية.
ويقول جين: “معرفة الالتزامات القانونية المترتبة على رب العمل أمر مفيد، فهو يسمح لك بتقديمه للمحاسبة”. وتُنظم دول عديدة ساعات العمل والإجازات والعطلات الرسمية، وتعتبر إرشادات منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة معيارا دوليا أساسيا. ووفقا لجين “وجود هذا الوعي يمكن أن يساعد في الرد على المديرين الذين أصبحت توقعاتهم غير منطقية أو غير عادلة بعد التحول إلى العمل عن بُعد”.
وإذا كنت ضحية للتنمر أو لأي سلوك غير مهني آخر، فمن المفيد حفظ الرسائل الإلكترونية أو المحادثات التي تتضمن ذلك، أو تدوين ما قيل خلال المكالمات. تقول بريسمث: “يمكن أن يكون جمع الأدلة على التعرض لأي سلوك عدائي وسيلة مفيدة لإثبات أي ادعاءات قد تثار من خلال قسم الموارد البشرية أو الإدارة العليا”.
وتضيف: “من المفيد أيضا محاولة العثور على حلفاء، ربما زملاء مروا بتجارب مماثلة أو شهدوا أي تجاوزات، والذين يمكنهم العمل كنظام دعم أو تقديم المساعدة في معالجة المشكلة.”
وتبرز أهمية التعاون والتكاتف بين الزملاء، في غياب قسم أو نظام موارد بشرية فعال يمكنه النظر في الشكاوى المقدمة وإيجاد حلول مناسبة، كما هو الحال في الشركة الصغيرة التي كانت نيكولينا تعمل فيها. تقول عن ذلك: “لم يكن هناك شيء مثل قسم الموارد البشرية أو القيادة يمكن التوجه إليه بخصوص أي مشاكل أو شكاوى”.
وتضيف “كان مديرنا هو نقطة الاتصال الوحيدة لدينا، وكان موقفه هو أننا يجب أن نكون ممتنين لوظائفنا ورواتبنا. في النهاية، بمجرد أن بدأ الوباء في خلق فرص لوظائف عن بُعد، استقلت، أنا والكثير من الموظفين الآخرين. والآن لدي الحرية الإبداعية وراحة البال لتطوير عملي الخاص، وهو إدارة موقع على الإنترنت للمواعدة والعلاقات”.
وإذا كان تغيير الوظائف غير متاح في الوقت الحالي، فيمكنك على الأقل اتخاذ تدابير لجعل نفسك أقل عرضة للسلوكيات السامة.
تقول بريسمث: “لطالما كان وضع حدود صارمة بين العمل والحياة الخاصة مفيدا للموظفين”. وتضيف: “أظهرت الأبحاث أن ذلك يمكن أن يقلل التوتر المرتبط بالوظيفة، ويحسن حالة الموظفين النفسية والصحية”.
وفي حين أن تحقيق هذا قد يكون صعبا للغاية بوجود مدير سيء، فيمكنك القيام بخطوات صغيرة مثل إغلاق الهاتف مساء بعد ساعة معينة، وتسجيل الخروج من البريد الإلكتروني وجعل نفسك غير متاح.
ومع ذلك، تؤكد بيرسمث أن تقنيات التكيف هذه قد تخفف التأثيرات السلبية لبيئة العمل السامة عن بُعد، بشكل مؤقت فقط، وليست حلا دائما. وإذا فشلت إدارة شركتك في النهاية في تفهم التعليقات والاستجابة للشكاوى وتنفيذ التغيير من الأعلى إلى الأسفل، فمن المرجح أن تستمر هذه الظروف غير الصحية للعمل، وبالتالي تستمر لديك مشاعر القلق والخوف.
بالطبع، يختلف الوضع بين موظف وآخر، وليس كل العاملين لديهم نفس القدر من مساحة الحركة لإجراء التغييرات، إن وجدت في الأساس. لكن مهما كانت ظروفك، من المهم أن تتذكر مدى الضرر الذي يمكن أن تلحقه بك بيئات العمل السامة، سواء عن بعد أو في ظل الوجود الشخصي. أما الاكتفاء بتجاهل البيئة السلبية، فلن يؤدي إلا إلى تفاقم الأمور.
[ad_2]
Source link