المومياوات الملكية: رحلة ملوك مصر القديمة من الموت إلى الخلود
[ad_1]
- وائـل جمـال
- بي بي سي
اهتم المصريون القدماء بالموت منذ فجر التاريخ، وتصوروه مرحلة من مراحل الحياة، وكان كل شيء وغاية كل فكر هو بلوغ المتوفى حياة جديدة تضمن له الخلود بسلام، بدءا من بناء مقبرته أو بيت الأبدية ونقوش جدرانها، وتحنيطه لضمان حفظ جسده وملامحه، وإقامة شعائر جنائزية خاصة وقراءة نصوص وصلوات، وصولا إلى البعث والخلود.
يُعرف عصر ما قبل الأسرات الملكية في تاريخ مصر القديم في المقام الأول من خلال جباناته، فخلال النصف الأول من الألفية الرابعة قبل الميلاد، تأثرت العادات الجنائزية بأسلوبين ينتميان إلى شكلين من أشكال الحضارة المبكرة هما: حضارة “نقادة” في الجنوب، وحضارة “بوتو” في الشمال.
لم تهتم حضارة الشمال كثيرا بوضع مقتنيات جنائزية مع المتوفى في ذلك العصر العتيق، في حين ازدهر وضع المقتنيات الجنائزية في حضارة الجنوب، إذ كانت توضع الأوعية والأواني كي تصاحب المتوفى في رحلة الخلود، والغرض منها أن يوضع فيها بعض الأطعمة التي سيحتاج إليها المتوفى في أبديته، وهي تدل على إيمان المصري منذ تلك العصور السحيقة بوجود عالم آخر يحيا فيه ويتزود باحتياجات هي نفس احتياجاته في الدنيا.
“على خطى الخلود”
أطلق المصريون على العالم الآخر “دات أو دوات” الذي يعني “عالم الآخرة أو العالم السفلي”، وأطلقوا على الأبدية كلمة “جت”، وتكشف الحفائر الأثرية لعصور ما قبل الأسرات عن أشياء تدل على الاهتمام بإبراز منزلة المتوفى، كالأمشاط والملاعق المصنوعة من العاج أو العظام، والقلائد.
كما أظهرت الاكتشافات أن بعض الموتى نُظمت لهم مراسم جنائزية، بالنظر إلى حالة الجسد والقرابين، في حين حُرم البعض الآخر منها، ويقف حتى اختلاف الدفنات (القبور البسيطة) شاهدا على تنوع وتعقيد الطقوس الجنائزية في نطاق حضارة الجنوب.
وعلى العكس لم تعرف حضارة الشمال، في ذلك العصر العتيق، تفاخرا بالمقتنيات الجنائزية، إذ كان يُدفن الشخص بمفرده، في مجرد حفرة بسيطة، دون أي متاع جنائزي، وإن وُجدت بعض الأوعية فقط، فلا يوجد أي استنساخ لعالم الأحياء وإسقاطه على اعتقادهم في وجود عالم آخر.
وتدريجيا زحفت تقاليد حضارة نقادة لتشمل وادي النيل من أقصاه إلى أدناه، لاسيما مع تشييد أكبر الجبانات في مناطق مثل سقارة وحلوان وأبورواش.
“الموت بوابة العبور إلى الحياة”
تصور المصريون الموت ضمن نظام الكون، وأصبح الموت قضية حياة، ولم تنظر الحضارة المصرية للموت على أنه حالة فناء مطلق، بل اعتبرته حالة حياة يمر بها الإنسان، يعيشها فقط في وضعية المتوفى.
وصف المصريون الموت في نصوصهم بأنه مثل النقاهة بعد المرض، وهذا التصور يدل على اعتقاد في حياة أخرى يبرأ فيها الإنسان من كل مشاكل الدنيا وأمراضها المعنوية، ينعم فيها بحياة النقاهة بعد رحيله عن حياة الأرض.
كما نظر المصريون إلى ملوكهم كحالة اندماج مع الإله الخالق، ويقول ابتهال في نصوص متون الأهرام: “لقد وُلد هذا الملك، في حين لم تكن السماء قد وُلدت، في حين لم تكن الأرض قد وُلدت، في حين لم يكن البشر قد وُلدوا … في حين لم يكن الموت نفسه قد وُلد”.
فالموت عند المصريين القدماء جزء من عملية الخلق، أما الطريقة التي أدركوا بها الموت فقد هيمن عليها الخوف، ويستدل على ذلك من نداء إلى الأحياء يعود إلى عصر الدولة الوسطى يعلن قائلا: “أنتم يا من تحبون أن تحيوا وتكرهون أن تموتوا”.
ثم تأتي الدولة الحديثة لتواصل هذا المعنى، ويُخاطب المتوفى في نص يقول : “أنت يا من كان يلتف من حولك جمع غفير من الخدم، أنت الآن في البلد الذي يحب العزلة، ومن كان يسير بساقيه، هو مكبل الآن، مقمط في لفائفه وساكن بلا حركة. ومن كان له وفرة من الأقمشة، ويحلو له ارتداء الثياب، يرقد الآن بملابس الأمس، ومن كان يحب أن يشرب هو الآن في بلد بلا ماء”.
وترى العالمة الفرنسية ماري بونهيم والعالم لوقا بفيرش في دراستهما “عالم المصريين” أن الموت في الفكر المصري القديم “يسلم الإنسان إلى وحدة وعزلة”، لكنه وضع “لا يعبّر عن فزع في مواجهة نهاية، هي الموت، بل نهاية لوضع إيجابي وبداية وضع سلبي مديد”.
“بيوت الأبدية”
لتأمين عملية البعث والخلود كان لابد من إعداد مقبرة آمنة أطلق عليها المصريون عدة أسماء من أبرزها “بر إن جت” و”حت إنت نحح” و”حت إنت جت”، وجميعها تعني “بيوت الأبدية”، شُيدت من الطوب أو الحجر، وهي عبارة عن منزل أو مسكن للمتوفى، تتكون من حجرة دفن، بالإضافة إلى مقاصير جنائزية أو معبد بالنسبة للملوك لإقامة الشعائر، في رمزية للفصل بين عالم الأحياء عن عالم الموتى.
وإذا كان قد شُيدت مقابر فسيحة من الطوب اللبن في جبانات أبيدوس وسقارة ، في الألفية الرابعة قبل الميلاد، فقد تبدلت مقاييس الأبنية الجنائزية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد مع ظهور الأهرامات، وصولا إلى مقابر وادي الملوك الشهيرة ومعابد الدولة الحديثة.
وعلى امتداد عصور ملوك الدولة الحديثة، باستثناء الملك أمنحوتب الرابع “أخناتون”، الذي أعد لنفسه جبانة ملكية في منطقة تل العمارنة، دُفن جميع الملوك في البر الغربي لمدينة طيبة، مدينة “آمون-رع” إله الأسرة الحاكمة، وتميز هذا العصر بالفصل بين موقع المقبرة ومكان إقامة الشعائر الجنائزية، بعد أن دشّن الملك تحوتمس الأول، الأسرة الـ 18، حفر المقابر الملكية في وادي الملوك، إلى الغرب من الدير البحري.
نُقشت الزخارف على جدران مقابر الملوك على اختلاف العصور، فعلى أعمدة الحجرات تصور المصري القديم الآلهة تستقبل الملك، وتمسك بيده وترافقه إلى هذا العالم الآخر الإلهي، كما نُقشت العديد من الأدبيات الجنائزية الملكية على جدران وأسقف تلك البيوت الأبدية.
ويقدم موقع قرية العمال في دير المدينة، على البر الغربي لمدينة طيبة (الأقصر)، الذي أسسه الملك تحوتمس الأول، وأُدخلت عليه توسعات في عصر الملك تحوتمس الثالث وملوك الرعامسة، مجموعة وثائق بالغة الأهمية عن حياة العمال في بناء وزخرفة مقابر الملوك المحفورة في صخور وادي الملوك، كما توفر معلومات لا حصر لها عن تنظيم العمل والحياة اليومية، لهؤلاء الحرفيين الذين كانوا على دراية بالقراءة والكتابة.
“أسرار التحنيط”
هيأ وجود مومياوات “طبيعية” بفعل الظروف البيئة وتربة مصر الجافة، وتطور الفكر الديني وتصورات العالم الآخر وعقيدة البعث والخلود، فرصة للمصريين دفعتهم إلى التفكير في إمكانية حفظ الجسد من التحلل، للمحافظة على مكونات الإنسان المادية والمعنوية، كي تسكنه الروح مرة أخرى كإحدى مقومات البعث والخلود.
بدأت محاولات المصريين القدماء لمعرفة التحنيط في نهاية العصر الثيني، الأسرة الأولى والثانية، أو في بداية الأسرة الثالثة، بحسب تقسيم عصور مصر القديمة، ومرت أساليب التحنيط خلال العصور التاريخية بمراحل مختلفة من التطور والتعقيد، حتى وصلت إلى ذروة تقدمها بحلول عصر الدولة الحديثة.
لم يترك المصريون القدماء نصا يتحدث عن خطوات الطريقة التي اتبعها المحنطون في أداء المهمة، ورغم كل الدراسات التي جرت على مومياوات بشرية أو حيوانية، يظل التحنيط سرا من أسرار مصر القديمة.
إن ممارسة التحنيط تؤمّن للمتوفى حفظ الجسد، وتضمن له إمكانية بلوغه حياة جديدة، ويقدم المؤرخ اليوناني هيرودوت وصفا للعملية يتلخص في استخراج المخ ثم الأحشاء، لنزع الأعضاء القابلة للتحلل، ما عدا القلب، وأخيرا عملية التجفيف ثم الغسل واللف بأشرطة مشبعة بالزيوت العطرية.
كان القلب “إيب” يُترك في الجسد في مكانه متصلا بشراينه لأنه مصدر أفكار الإنسان وأحاسيسه وعواطفه وسوف يلعب دورا، بحسب العقيدة المصرية القديمة، أثناء محاكمة المتوفى، لاستمرار الحياة، إما أن يذهب به المتوفى إلى فردوس النعيم، حقول “يارو”، إن كان تقيا، أو يفترسه كائن خرافي برأس تمساح “عميمت” إن كان شريرا.
وتؤكد الدراسات أن تجفيف الجسد كان من الخطوات الرئيسية لعملية التحنيط، إما من خلال أشعة الشمس، أو من خلال التسخين في درجة حرارة معينة، أو استخدام مواد مثل الملح والجير والنطرون والراتنج وشمع النحل والحناء والبصل وعرق النخيل وغيرها.
كان التحنيط قاصرا على الملوك وكبار الشخصيات، وكانت العملية تُجرى على الضفة الغربية للنيل بالقرب من المقابر في خيمة مؤقتة يطلق عليها “خيمة المعبود”، بيد أنه في العصور المتأخرة من تاريخ مصر القديم ظهرت طرق أبسط في التحنيط تلبي حاجة الطبقة المتوسطة والفقيرة.
ويقول العالم المصري رمضان عبده، في دراسته “حضارة مصر القديمة منذ أقدم العصور حتى نهاية عصور الأسرات الوطنية”، إن التحنيط يمكن تقسيمه إلى ثلاث طرق: الأولى باهظة التكاليف، تُستخرج فيها الأحشاء ما عدا القلب، وتُعالج الأحشاء بالتوابل، ثم توضع المواد العطرية داخل الجسم وتُخاط فتحة الجسد، الذي يعالج بالنطرون ثم يُغسل ويُلف بالكتان مع استخدام الصمغ للتثبيت.
الطريقة الثانية كانت تقتصر على حقن الجسد بزيت الأرز عن طريق فتحة الشرج، ثم يعالج بالنطرون. أما الثالثة فكانت تستخدم حقنة شرجية لتنظيف الأحشاء ثم يعالج الجسد بالنطرون.
تضمنت عادة التحنيط، التي استمرت إلى ما بعد دخول الديانة المسيحية مصر حتى العصر الروماني، وضع أقنعة للوجوه للحفاظ على ملامح المتوفى، مع لف أعضاء الجسد كلها أو بعضها، كما اهتم المصري باللفائف الكتانية وعالجها بمواد جعلتها تحتفظ بخصائصها.
لم يكن استخراج الأحشاء فيما يبدو شرطا من شروط التحنيط، إذ عثر في مقبرة الملك “منتوحتب نب حبت رع”، الأسرة الحادية عشرة، ومقابر لسيدات من الأسرة المالكة بجوار معبد الدير البحري في الأقصر، على أجساد دون استخراج أحشائها.
ويقول العالم الفرنسي، فرانسوا دوما، في دراسته “حضارة مصر الفرعونية”، إن هذا المسعى الحثيث للحفاظ على القوام المادي للإنسان، مهما كلف الأمر، يفسر أيضا العدد الذي لا يحُصى للتماثيل التي صنعتها مصر القديمة.
ويضيف: “لم تترك (مصر القديمة) حجرا صلدا واحدا إلا وحاولت أن تنحته، ليتمكن بديل الجسد من مقاومة الزمن، ولم تترك شكلا من الأشكال إلا وابتكرته لحمايته بقدر المستطاع من الفناء”.
“موكب الخلود”
تُجرى مراسم الجنازة، وتتوزع على طقوس ثلاثة، مرحلة أيام الحداد حول السرير الجنائزي، مع صراخ وعويل النائحات المتخصصات، وهي تدوم فترة التحنيط، بعدها ينطلق الموكب في اتجاه شاطئ نهر النيل ناقلا المتوفى ومتاعه، يصاحبه أفراد عائلته وأصدقاؤه والنائحات بالطبع، ثم يعبر الموكب النهر على متن قوارب.
وبمجرد وصول الموكب إلى البر الآخر يسير في اتجاه الجبانة، ويتولى الكهنة إقامة الشعائر المطلوبة، أبرزها شعيرة “فتح الفم”، التي تهدف إلى تنشيط حواس المتوفى وإعادة الحياة له، حسب الفكر الديني المصري القديم.
ويقول العالم المصري رمضان عبده علي في دراسته إن الكاهن كان يجري طقس “فتح الفم” بلمس وجه المومياء مرتين وكذلك فمه بأداة خاصة أُطلق عليها اسم “ستب” أي (المختارة) ويقول له: “أنت الآن ترى بعينيك، وتسمع بأذنيك، وتفتح فمك لتتكلم وتأكل، وتحرك ذراعيك وساقيك، أنت تحيا، أنت الآن حي، وقد عدت شابا مرة أخرى وستعيش إلى الأبد”.
“نصوص البعث والخلود”
قراءة المتون والصيغ الدينية والجنائزية المختلفة ضرورة لبعث الروح والحفاظ على المومياء، وذلك بعد الوفاة وأثناء عملية التطهير وأثناء التحنيط وعند الدفن وتقديم القرابين، ووضع المتاع الجنائزي في المقبرة.
ويقول العالم الفرنسي فرانسوا دوما، في دراسته “الحياة في مصر القديمة”، إنه لتأمين بعث روح المتوفى كان لابد من قراءة فقرات من المتون والصيغ الرسمية الثلاث: متون الأهرام، ومتون التوابيت، وبعض فصول كتاب “الخروج إلى النهار” (كتاب الموتى اصطلاحا)، هذا بالإضافة إلى قراءة الصيغ الجنائزية المتعددة وصيغ الترحم على المتوفى.
ويوجد نص لمنتومحات الكاهن الرابع للمعبود آمون من عصر الأسرة الـ 25، يقول فيه على إحدى تماثيله: “الماء والدعوات هما بالنسبة لي أكثر نفعا من ملايين الأشياء”.
تعد متون الأهرام أقدم مجموعة نصوص جنائزية حتى الآن، فهي أدب ملكي يهدف إلى تأمين مصير الملك بعد الوفاة، بفاعلية الابتهالات أو الصلوات التي تحويها، وكانت تُنقش على جدران الحجرات الجنائزية الملكية، داخل الهرم، اعتبارا من عهد الملك ونيس (أو أوناس)، آخر ملوك الأسرة الخامسة، واستمر العمل بهذا العُرف حتى بداية عصر الانتقال الأول، بحسب تقسيم تاريخ مصر القديم، كما استفادت منها الملكات أيضا، في ظل الأسرة السادسة، اعتبارا من عهد الملك بيبي الأول.
كان يُفترض قراءة هذه النصوص خلال المراسم الجنائزية الملكية، ودأب كتّاب من الكهنة المرتلين على تعديلها باستمرار حسبما تقتضيه الحاجة، وتهدف جميع هذه النصوص إلى تأكيد إعلان الحياة: “أيها الملك، إنك لم ترحل ميتا، لقد ذهبت حيا”.
ومع تطور ظروف الحياة، ظهرت متون التوابيت بصيغ جديدة، تتكيف مع ظروف الحياة، وظهر موضوع “تقييم صفات” المتوفى، الذي يعد إرهاصا لما سيصبح بعد ذلك محاكمة للموتى، ومن ثم برز تصور جديد للشر يُنسب إلى الإنسان، وليس إلى الآلهة كما في النص التالي من متون التوابيت من خطاب المتوفى المندمج في الإله نقلا عن دراسة “عالم المصريين” لماري بونهيم : “لقد خلقت كل إنسان شبيها لقريبه. لم آمره بفعل الشر: إن ضميره هو الذي خالف ما أوجبته! وجعلت ضمائرهم لا تنسى وجود الغرب (مملكة الأموات)”.
وابتداء من عصر الدولة الحديثة ظهر ما يعرف بكتاب “الخروج إلى النهار”، المعروف اصطلاحا باسم كتاب الموتى، وكان يُكتب عادة على ورق البردي أو يُنقش على جدران المقابر حتى العصر الروماني، وقد ساهمت متون الأهرام والتوابيت في صياغة موضوع هذا الكتاب، الذي كان يوضع بجوار المومياء عند غلق التابوت.
تخدم هذه النصوص الملك المتوفى، وتستعرض أربعة موضوعات ثابتة رئيسية وهي: النزول إلى المقبرة والدخول إلى مملكة الموتى، إلى جانب الابتهالات والصلوات إلى الآلهة أوزوريس ورع (من الفصل الأول حتى الفصل 16)، ثم استعادة الحياة وتجديدها في العالم السفلي (من الفصل 17 إلى 63)، ثم تحولات المتوفى وخروجه إلى النهار، وبلوغه القارب السماوي وعودته إلى العالم السفلي (الفصول من 64 إلى 129) بعد التحقق من وزن القلب (الفصل 125) وتحديد مصير المتوفى (في الجنة أم الجحيم)، وأخيرا شعائر تمجيد المتوفى وإجلاله وشعائر تقديم القرابين.
ويقول العالم الفرنسي فرانسوا دوما في دراسته “حضارة مصر الفرعونية” إن المظاهر الدينية “هي التعبير الاجتماعي لمعتقدات أمة من الأمم وطريقتها في المشاركة في العالم الإلهي. وإذا كانت الصلاة الشخصية، بقدر سهولتها، تسمح بسبر أغوار المشاعر الدينية، وربما كشفت النقاب عن أعمق أعماق الدين، فالشعائر هي التي تسمح لنا بإدراك المستوى الذي بلغته حضارة ما”.
سعى المصريون القدماء سعيا حثيثا لبلوغ الأبدية، وحشدوا جميع الوسائل المادية التي تفوق كل تصور بغية الإبقاء على مظهر الجسد إلى الأبد، وتوفير بدائل لا تفنى، لخوض معركة إيمانهم بوجود حياة أبدية لا موت لهم فيها، وهو ما تشير إليه متون الأهرام في نص “الملك لم يمت، إنه أصبح حيا مثل شمس الصباح يبزغ من ناحية الشرق خلف الأفق، يستريح من الحياة في الغرب مثل الشمس عند غروبها، ولكن في الفجر سوف يوجد في الشرق، هل قلت إنه سوف يموت، لا لن يموت على الإطلاق لأنه الشمس – يعيش إلى الأبد – أيها السامي بين النجوم التي لا تُفنى، لن تفنى”.
ويحذر الملك خيتي الثالث ابنه مريكارع في تعاليمه قائلا: “لا تضع ثقتك بعدد السنين، لأنه بالنسبة لمعبودات ساحة العدالة، فالحياة ليست إلا ساعة، ويحيا الإنسان أيضا حتى بعد أن يصل إلى أبواب الموت، توضع أعماله بجواره كأنها ثروته الوحيدة، فالوجود في العالم الآخر أبدي، وليس بعاقل من لا يكترث”.
[ad_2]
Source link