هل يجب أن تشعر بالامتنان لأنك لم تفقد وظيفتك؟
[ad_1]
- كيت مورغان
- بي بي سي
من الطبيعي أن تشعر بالامتنان لأنك حصلت على وظيفة، في وقت أصبحت الوظائف فيه شحيحة. لكن هل من الممكن أن يكون هذا الشعور بالامتنان مبنيا على آراء وتصورات خاطئة؟
تتردد على ألسنة الكثيرين في الآونة الأخيرة عبارة: “أنا محظوظ لأني لم أفقد وظيفتي”.
وفي العام الماضي، انقلب عالم الشركات والأعمال رأسا على عقب، فقد قدر أحد التقارير خسائر الشركات من ساعات العمل والدخل في عام 2020 بما يعادل 255 مليون وظيفة بدوام كامل. وكانت معدلات إغلاق الشركات وتسريح الموظفين والبطالة كفيلة بأن تجعل أي شخص حالفه الحظ في الاحتفاظ بوظيفته، يشعر بشيء من الامتنان.
لكن إرغام النفس على التعبير عن الامتنان يعود إلى ما قبل الوباء. وطالما سمعنا نصائح تحثنا على التعبير عن الشكر والاعتراف بفضل المديرين الذين اختارونا للمنصب، ولا سيما إن كان التنافس على هذا المنصب شرسا.
وقد ينتظر المديرون من المرشحين للوظيفة أن يعبروا لهم عن خالص امتنانهم كشرط مسبق للحصول على الوظيفة، حتى إنه بات من الصعب أن تتصور شخصا بعد انتهاء المقابلة لا يعبر عن مدى امتنانه للمدير الذي وضع طلبه في الاعتبار أو لا يرسل له رسالة شكر عبر البريد الإلكتروني.
لكن ربما يكون هذا الامتنان في غير محله. فقد لا يكون من اللائق أن تعبر عن امتنانك لرب عمل لأنه “يسمح لك” بالعمل في شركته. صحيح أن دراسات عديدة ربطت بين التعبير عن الشكر وبين الشعور بالسعادة، لكن هناك جانبا مظلما للامتنان قد يدفعك لتقبل أوضاع تعكر صفو حياتك.
التزامات متفاوتة
وينزع بعض الموظفون للتعبير عن الشكر والامتنان لاحتفاظهم بوظائفهم أكثر من غيرهم. فهولاء الذين لا يواجهون عقبات تعرقل تعيينهم أو ترقيهم أقل حرصا على إبداء الامتنان للمديرين مقارنة بأولئك الذين لا يتمتعون بمزايا تحميهم من أشكال التمييز الممنهج.
وهذا ينطبق على أصحاب البشرة البيضاء، على سبيل المثال، الذين يتمتعون بفرص أكبر من غيرهم من المنتمين لجماعات عرقية أخرى، للترقي في السلم الوظيفي، وأقل تعرضا للتمييز العرقي الذي يهدد بقاءهم في الشركة أو يمنعهم من إجراء المقابلة من الأساس.
فقد أشارت دراسات إلى أن كتابة أسماء أوروبية أو أمريكية في السيرة الذاتية أو تعمد إظهار انتماء صاحبها للعرق الأبيض تحسن فرص المتقدم للوظيفة في الحصول على رد من الشركة بنسبة كبيرة.
وقد ينزع الشخص للمبالغة في التعبير عن الامتنان عندما يشعر أنه لا يستحق منصبه أو أنه لولا الحظ والاحتيال لما تمكن من الحصول على الوظيفة، رغم أنه يمتلك من المهارات والكفاءات ما يؤهله للحصول عليها، ويطلق على هذه الظاهرة اسم “متلازمة المحتال”.
وتشير دراسات إلى أن النساء أكثر عرضة للشعور بأنهن غير جديرات بمناصبهن وقد يبالغن في التعبير عن الشكر والامتنان لرؤسائهن الذين منحوهن وظائفهن.
وفي الشهور الأخيرة، شكل الأمريكيون من أصول لاتينية وأفريقية النسبة الأكبر من الموظفين الذين سرحوا من وظائفهم بسبب الجائحة، ولعل الموظفين من هذه المجموعات العرقية الذين حالفهم الحظ في الاحتفاظ بوظائفهم شعروا بأنهم ملزمون بالتعبير عن امتنانهم لرؤسائهم، حتى لو كانت بيئة العمل تخلو من المميزات التي تستدعي الشكر والامتنان.
صحيح أن مشكلة إجبار النفس على التعبير عن الامتنان، لا تقتصر على مكان أو بلد معين، إلا أن أليكس وود، رئيس قسم علم النفس بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، يرى أن الأمريكيين تحديدا يشعرون بأنهم ملزمون بالتعبير عن الامتنان. فالمجتمع الأمريكي، الذي يتسم بالفردية، يبالغ في الثناء على الآخرين والاعتراف بفضلهم لأتفه الأسباب. وتشير دراسات إلى أن الأمريكيين أكثر استعدادا لشكر الآخرين مقارنة بنظرائهم في سائر الدول، وقد يشكرون الآخرين في مواقف لا تستحق الشكر في دول أخرى، مثل التعيين.
ويقول وود: “إن نكران الجميل أمر مذموم بشدة في الولايات المتحدة. وقد يتندر الشعب البريطاني ويقول، ‘ما الذي يستدعي الشكر؟’ فقد حصل العامل على أجر معقول يعادل المجهود الذي بذله. فليس من الصائب أن ترغم الناس على الاعتراف بفضل الآخرين (لتوظيفهم)، لأنهم في النهاية يحصلون على أجر مقابل العمل”.
لكن وود يرى أن التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا غيرت المعادلة إلى حد ما. فشعور صاحب العمل بالامتنان للموظفين الذين يعملون ساعات إضافية لإنقاذ الشركة من الإفلاس، وكذلك شعور الموظفين بالامتنان لصاحب العمل الذي آثر الاحتفاظ بهم رغم تراجع الأرباح، أمر مبرر.
ويقول وود: “عندما يصبح بقاؤك في الوظيفة مكلفا لصاحب العمل، فيجب أن تقر له بالفضل”، ففي هذه الحالة، يصبح الاعتراف بالفضل مبررا بين صاحب العمل والموظف.
عيوب الامتنان
صحيح أن بعض عبارات الشكر والعرفان تكون نابعة بصدق من القلب، لكن بعضها يكون مصطنعا، مثل ذلك النوع الذي يشعر العاملون بأنهم مرغمون على إظهاره في التو واللحظة. وهذا النوع من الامتنان الزائف غير التلقائي، قد يكون له آثار سلبية.
تقول سارة غرينبرغ، المعالجة النفسية ومستشارة الصحة النفسية بالشركات في ولاية كاليفورنيا: “إذا طُلب منك أن تتذكر يوما شعرت فيه أنك مرغم على التعبير عن امتنان لا تشعر به، سيذكر معظم الناس أمثلة عديدة. فعندما كنت صغيرا على سبيل المثال، ورفضت تناول البازلاء، قال لك والداك ‘كن شاكرا لوجود طعام على المائدة!’. وعندما كبرنا نسجنا على منوالهم، وأصبح إرغام النفس على التعبير عن الامتنان عرفا اجتماعيا، ثم تحول الامتنان الإجباري إلى صوت الضمير”.
ورافقنا هذا الشعور طيلة سنوات عمرنا، وبتنا نذكّر أنفسنا في بيئات العمل بأن نقدر النعم ونكف عن الشكوى، وقد نستخدم أسلوبا تطلق عليه غرينبرغ اسم “تفادي المشاعر السلبية بالامتنان”، وتضرب مثالا على ذلك بموظف تنتابه مشاعر كراهية تجاه رئيسه، ثم يكبت هذه المشاعر بتذكير نفسه بالقول: لكني ممتن له لأني لم أفقد وظيفتي”.
وترى غرينبرغ أن كبت المشاعر السلبية أو تفاديها يؤثر سلبا على الصحة، وتقول: “إذا كنت تسمي تفادي المشاعر السلبية ‘امتنانا’، فلن ترى الآثار الإيجابية للامتنان، بل سترى الآثار السلبية لكبت المشاعر السلبية”.
وتفسر ذلك بالقول إن تفادي المشاعر السلبية بتعبير زائف عن الامتنان يوفر حلا مؤقتا، لكن المشاعر السلبية ستتفاقم لاحقا، وبدلا من أن تعبر عن انزعاجك أو غضبك مما بدر من مديرك، ثم تتجاوز الأمر، سيتراكم الغضب ويتحول إلى تمرد. فضلا عن أن كبت هذه المشاعر أو تفاديها بالامتنان، سيفوت علينا فرصة الاستفادة من هذه المشاعر التي قد تحفزنا لتحسين أوضاعنا.
وتقول غرينبرغ: “لكل مشاعر دور في حياتنا، ولهذا لا يجب أن نتغاضى عن هذه المشاعر. فإذا كنت تذكر نفسك بأن تكون شاكرا وممتنا بينما أنت في الحقيقة تشعر بالقلق والتوتر أو الخوف أو الإنهاك البدني أو الحزن، فأنت بذلك تتجاهل المشاعر التي تنبهك إلى وجود مشكلة في حياتك”.
وبعبارة أخرى، إذا كنت تركز على الأشياء التي تستوجب الامتنان في العمل، فربما لم يعد في وظيفتك أي شيء يستحق الشكر. وتحذر غرينبرغ من أن هذا يجعلك متمسكا بوظيفة كان يفترض بك أن تتركها منذ وقت طويل.
استفادة صاحب العمل
يقول وود إن توجيه الشكر في غير محله قد يجعل الموظف عرضة للاستغلال وإساءة المعاملة من الرؤساء الذين يدركون أن موظفيهم لن يشتكوا أو يغادروا الشركة بسبب خوفهم من قلة الوظائف.
ويقول وود: “في ظل التدابير الصحية التي ترافقت مع تفشي الفيروس، يجب أن يتوخى المرء الحذر، لأن إرغام النفس على الامتنان قد يجعلنا عرضة للاستغلال، فقد يتذرع المديرون برضا الموظفين لخفض الرواتب، أو تقليل النفقات بالاكتفاء بعدد قليل من الموظفين وتكلفيهم بالمزيد من المهام. وعندما يشعر الموظفون أنهم مدينون بالفضل لمديريهم سيحجمون عن المطالبة بحقوقهم”.
وتستهجن غرينبرغ فكرة تعبير الموظف عن امتنانه لصاحب العمل لتوظيفه، لأن الوظيفة في نهاية الأمر هي خدمة يؤديها الموظف للشركة لمساعدتها في جني المال.
وتقول غرينبرغ: “كان يقال في الماضي ‘بما أني سأعطيك راتبا، فأنت مدين لي’، ويوما بعد يوم زادت توقعات أصحاب العمل من الموظف لقاء هذا الراتب. فنحن نعمل لساعات طويلة ونعمل عن بعد أكثر من أي وقت مضى، وربما نعمل لساعات لا حصر لها لسهولة التواصل عبر الإنترنت. وقد أثر العمل الشاق على صحتنا النفسية والبدنية. وفوق كل ذلك، يُنتظر منا أن نعبر عن امتناننا لأننا نذهب يوميا للعمل”.
الوسط بين نقيضين
وترى غرينبرغ أن تقدير قيمة الوظيفة، أمر طبيعي، ولا سيما في الوقت الحالي، لكن لا مانع أيضا من التعبير عن الشكوى من المشاكل التي تواجهها في نفس الوظيفة.
وتقول: “عندما نفكر في المشاعر، قد نتصور أن هناك نقيضين، يقف على أحدهما سرعة الانفعال ونكران الجميل وتقف على طرف النقيض منه الإيجابية المفرطة. ولا يعرف معظمنا كيف يمكن أن نكون في الوسط بين هذين النقيضين، مع أن الأمر بسيط. فلا مانع من أن تنتابك مشاعر مختلطة في نفس الوقت، فقد تكون شاكرا لأنك تحتفظ بوظيفتك، وممتنا لأنك تشعر بالأمان في ظل انعدام الاستقرار، لكنك أيضا تكره مديرك. وبين هذين النقيضين ثمة منطقة وسطى”.
وقد تستفيد من هذه المنطقة الوسطى لتعيد النظر في هذا الشعور بالامتنان، فليس من الخطأ أن تعبر عن امتنانك لشخص أو لشركة تتصرف بإيثار. ووضع وود ثلاثة معايير لتساعدك في تقييم مدى تحلي الشخص بالإيثار. ويقول وود: “فلتسأل نفسك: “هل يفعلون ذلك من أجلي؟ وهل هذا مفيد لي؟ وهل يكلفهم ذلك مبالغ إضافية؟”
وإذا استخدمت هذا المعيار، يقول وود إن قائمة الأمور التي تشعر بالامتنان من أجلها ستقل تدريجيا، لكنك عندها ستشعر بتأثير الامتنان الحقيقي للأمور التي تستحق الشكر والعرفان.
ويقول وود: “إن التعبير عن الامتنان مفيد للصحة إذا كان قائما على تقييم صائب”، وإذا كان مديرك يستحق الشكر والامتنان، فأغلب الظن أنك ستكون راضيا عن وظيفتك. لكن إذا لم يكن يستحقه، فبإمكانك أن تقيم أسباب استيائك منه، وتتخذ خطوات لتغيير أوضاعك.
ويقول وود: “إذا قيمت الأمور بدقه، فقد تعبر عن الامتنان بصدق، وهذا النوع من الامتنان الصادق هو الذي يجعلك أكثر سعادة”.
[ad_2]
Source link