صيد الحبارى: كيف بدأت رحلات أمراء الخليج لصيد هذا الطير في باكستان؟
[ad_1]
- ساهر بلوش
- بي بي سي – الخدمة الأردية
في عام 1983 توقف ضابطان في الجيش الباكستاني عند مكتب لتأجير السيارات في بلدة بسني الساحلية الصغيرة الواقعة في جنوب غربي باكستان، سأل أحدهما مالك المكتب: هل لديك سيارة جيدة؟ نريد أخذ شيخٍ عربي إلى منطقة بنجغور.
أجابهم المالك بالايجاب وأرسل ابنه حنيف معهما لمعاينة السيارة.
كانت السيارة مخصصة للأمير سرور بن محمد آل نهيان، الذي ينتمي إلى الأسرة الحاكمة في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث كان ينوي الذهاب إلى منطقة بنجغور التي تقع على بعد حوالي مئة كيلومتر من بسني لاصطياد طيور الحبارى، وهي طيور نادرة، يعتقد البعض أن لحومها تقوي الرغبة الجنسية.
أحب الشيخ السيارة وحنيف الذي كان آنذاك في الـ 31 من عمره، وهكذا نشأت صداقة قوية بينهما حسب قول الحاج حنيف.
ومنذ 37 عاماً يتولى حنيف مع آخرين رعاية وخدمة أفراد أسرة آل نهيان الذين يزورون باكستان كل عام من أجل صيد طيور الحبارى، التي تشبه الديك الرومي من حيث الحجم.
بدأت أعداد هذه الطيور تتراجع بشدة، وأصبح اصطيادها أمراً مثيراً للقلق، لكنها لا تزال تُصطاد على سبيل الهواية.
هناك جهات نافذة وقوية في باكستان تحمي عمليات الصيد السرية المستمرة على مدار عقود من الزمن لتعزيز علاقاتها مع الأوساط المتنفذة في دول الخليج الغنية.
وتبرر هذه الجهات رحلات صيد هذه الطيور في باكستان بحجة أنها توفر فرص عمل واستثمار تمس الحاجة إليها.
لكن، في الواقع ليس واضحاً تماماً ما الذي تجنيه باكستان من وراء ذلك، إذ يقول بعض المطلعين على خبايا هذه المسألة، إن أفراد الأسر الحاكمة في الخليج يقومون بتلك الرحلات لمجرد اللهو والمتعة.
ويرحب الحاج حنيف في كل عام بين شهري نوفمبر/تشرين الثاني وفبراير/شباط، بالحاشية الملكية التي تتوافد على القسم الباكستاني من إقليم بلوشستان الذي يبعد عن ميناء جوادر الاستراتيجي مسافة ساعة واحدة بالسيارة.
وقبل انتهاء عمليات الصيد في فصل الشتاء هذا العام، دعا الحاج حنيف بي بي سي لرؤية التحضيرات والاستعدادات التي يقوم بها هو وطاقمه بعناية ودقة لاستقبال الأمراء الإماراتيين.
ويعتبر حفل الاستقبال الفخم حدثاً بارزاً في بلدة مثل بسني، حيث لا تزال الاحتياجات الأساسية الضرورية حلماً بعيد المنال بالنسبة لمعظم أبناء المنطقة.
قابلنا رجلين وأخذونا إلى قصر حاج حنيف الفخم، القريب من المجمعات السكنية الواقعة على بعد بضعة كيلومترات من طريق المطار.
وكانت لوحة سيارة الجيب التي اقلتنا إماراتية وشعرنا وكأننا في رقعة جغرافية من إمارة أبو ظبي.
وتعزز هذا الشعور لدينا عندما شاهدنا لوحة ضخمة عليها صورة نسر، شعار دولة الإمارات العربية، ومكتوب عليها “قصر سمو الشيخ سرور بن محمد آل نيهان”. والقصر اشبه بواحة وسط منطقة فقيرة قاحلة.
يوفر أصحاب القصر فرص عملٍ للعشرات من السكان المحليين. ورأينا عند وصولنا، رجالاً يهتمون بصقور الشيخ وآخرون ينظفون المطبخ أو يصلحون سيارات الدفع الرباعي في مرآب ضخم.
دعانا رجل يرتدي ملابس خاكية إلى غرفة الضيوف حيث تفوح رائحة العطور منها، وقابلنا هناك الحاج حنيف الذي رحب بنا وسألَنا عن رأينا بالمكان.
الحاج حنيف في أواخر الستينات من عمره الآن، متحدث لبق وغزير الكلام. أخبرنا عن زيارات الشيخ لهذا المكان على مر السنين وقال: “بعد أن ساعدناه في الحصول على سيارة، عاد إلينا مرة أخرى، وبحلول عام 1988 كنت أنا وأبي مسؤولان عن خدمة 20 سيارة من سيارات الشيخ لأنه وثق بنا”.
في بنسي، توفر الزيارات مدخولاً ماديا لنحو 35 شخصاً من السكان المحليين الذين يتم توظيفهم قبل ثلاثة أشهر من وصول العائلة الحاكمة.
وبالإضافة إلى الرجال الذين يهتمون بالصقور والحمام الذي يستخدم في تدريب هذه الصقور، هناك ثلاثة رجال يهتمون بالحديقة التي تضم اشجار الليمون الخاصة بالشيخ، وشخص مسؤول عن غسيل الملابس، وطهاة وعمال النظافة وخدمة السيارات.
ووظفوا شخصاً يقوم بجولة في المنطقة المجاورة على دراجة نارية لرصد طيور الحبارى، كي لا يضطر الشيخ إلى قيادة السيارة لمسافات طويلة.
ويساعد حاج حنيف ثلاثة من أبنائه في تنظيم هذه الرحلات. يعتني الابن الأكبر بمرآب السيارات و 20 سيارة دفع رباعي خاصة بالشيخ، ويعمل الابن الأوسط مرافقاً وحارساً شخصياً للشيخ ومسؤولاً عن الأمن، والثالث يتولى منع اصطياد الحبارى أو بيعها في السوق السوداء من قبل السكان المحليين.
بدأت باكستان بدعوة أفراد العائلة الحاكمة في الخليج للقيام برحلات صيد في عام 1973 ومنذ ذلك الحين تم ترتيب العديد من رحلات الصيد لأمراء الخليج لاصطياد طائر الحبارى، الذي يهاجر إلى جنوب غرب بلوشستان في فصل الشتاء.
وبحلول عام 1989 قامت الحكومة الإقليمية وبدعم من السلطات الفيدرالية في إسلام أباد، بإضفاء الطابع الرسمي على تلك الترتيبات، وجرى تخصيص منطقة لكل أسرة من أسر الخليج الحاكمة.
وكانت كل من بسني وبنجغور وجوادر من نصيب أفراد الأسرة الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة، وكانت منطقة جهال جهاو في منطقة عواران إلى الشرق على طول الساحل من نصيب شيوخ قطر، وشاغي، إلى الشمال لشيوخ المملكة العربية السعودية.
وهناك عائلات مثل عائلة حاج حنيف، تتولى رعاية العائلات الحاكمة في فترة رحلات الصيد.
وبالعودة إلى السبعينيات، كانت فرق الصيد تخيم أينما كانت تنتشر طيور الحبارى، وكانت رحلات الصيد عادة تستمر مدة أسبوع، وكان أفراد العائلة المالكة يطهون ويتناولون الطيور المصطادة قبل عودتهم إلى المدينة.
لكن بعد ظهور مسلحين بلوش قبل عدة سنوات، ظهرتمخاوف أمنية في جنوب غرب بلوشستان ولم يعد من المستحسن التخييم في مناطق نائية.
ويقيم معظم أفراد الأسرة الحاكمة حالياً في فنادق أو منازل مصممة حسب رغبتهم، مثل الذي يوفره حاج حنيف لهم، إذ لا يستغرق الأمر سوى بضع دقائق بالسيارة للوصول إلى الصحراء واصطياد الطيور التي يعثر عليها مسبقاً الموظف المخصص لهذا الغرض.
كانت الطريقة التقليدية المتبعة في الماضي، هي إطلاق الصقور لملاحقة طيور الحبارى الثمينة وذبحها حالما تصطاد.
كان الصيادون يطلقون النار أيضاً على طيور الحبارى، ولكن في هذه الأيام، وبسبب الصيد الجائر، غالباً ما يمسك القائمون على رعاية الصقور بطيور الحبارى ثم يطلقونها للصقور فقط أثناء وجود الصيادين.
ولطالما كان صيد الحبارى، المعروف أيضاً باسم الحبارى الآسيوية، قضية مثيرة للجدل. وكان هذا الطير شائعاً في شبه الجزيرة العربية، لكن الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) يقدر الآن عدد هذه الطيور حول العالم بما يتراوح بين 50 و 100 ألف، وأدرجها في القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض.
ولا يوافق الكثيرون في باكستان على ما يرون أنه مجرد استرضاء لـ “السادة” ، لكن بالنسبة للبعض يعتبر ذلك وسيلة لإقامة علاقات أفضل مع الدول الشقيقة. فقد اعتمدت باكستان على مر السنين بشكل كبير على دول الخليج الغنية بالنفط، حيث تلقت منها مبالغ ضخمة على شكل قروض واستثمارات.
وقال متحدث سابق باسم وزارة الخارجية الباكستانية إنهم حاولوا وضع حد لهذه المسألة “المحرجة برمتها” لكن دون جدوى.
وأضاف: “يدرك الكثيرون من المسؤولين الحكوميين تماماً أن هذه الرحلات بلا فائدة وغير مثمرة لنا على الصعيد الدبلوماسي، لكن القوى المؤثرة هي التي قررت الاستمرار في ذلك”.
وتابع المسؤول السابق قوله بأن العلاقات بين الإمارات وباكستان على مدى السنوات الـ 25 الماضية أظهرت أن باكستان لم تحصل على “أي شيء” من هذه العلاقة.
وفي هذا الشتاء أيضاً، انتظرت باكستان بفارغ الصبر زيارة الأمير الإماراتي، على أمل أن تساعد رحلة الصيد التي يقوم بها، في التخفيف من التصدعات الأخيرة في علاقة البلدين.
ففي عام 2020 ادرجت دولة الإمارات باكستان في قائمة البلدان التي لم يعد مواطنوها يحصلون على تأشيرات للعمل في الإمارات، حيث تعتبر التحويلات المالية التي يرسلها الباكستانيون في الإمارات مصدر دخل ملايين الأسر.
ورأى الخبراء أن الخطوة وسيلة للضغط على باكستان بشأن قضايا مثل العلاقة مع إسرائيل والنزاع في كشمير.
ويرفض رئيس الوزراء عمران خان وحكومته مثل هذه المزاعم، أو تأثر علاقة بلاده بالإمارات العربية المتحدة.
من المرجح أن تستمر عمليات الصيد. وحاولت المحكمة العليا في باكستان وضع حد لعمليات الصيد ومنعها في عام 2015، لكن الحظر لم يدُم إلا عاماً واحداً فقط. ففي الوقت الذي كان قرار المحكمة لا يزال ساري المفعول، كانت الحكومة تصدر تصاريح خاصة لكبار الشخصيات في الشرق الأوسط، مما سمح لهم بالصيد وفق شروط محددة.
ويقول الحاج حنيف، إنه زيارات أولئك الشيوخ مصدر خير لبلدة بسني وبكل تأكيد هو على رأس المستفيدين منها.
كما أنه سعيد لأن الشيخ لا يوظف سوى أبناء المنطقة فقط بل ويبني المدارس والمستوصفات هناك أيضاً ويحفر أبار مياه الشرب. لكن العقبة الوحيدة هي أن المدارس بلا معلمين والمستوصفات بلا أدوية وموظفين.
ويقول:”يستطيع الشيخ بناء المرافق، لكنه لا يستطيع ضمان وصول الموظفين إلى هنا. هذه مهمة حكومة الإقليم”. ورغم كل شيء، لا يريد حاج حنيف لأولاده أن يسيروا على خطاه.
ويقول: “أنا خادم الشيخ، وقد أمضيت حياتي في هذا العمل وسعيد به، لكنني لا أريد لأبنائي القيام بذلك، أريدهم أن يسلكوا طريقهم الخاص ويدخلوا عالم الأعمال والتجارة ويصنعوا لأنفسهم اسماً فيها”.
[ad_2]
Source link