أخبار عاجلةأخبار عربيةأخبار متنوعةمقالات

العقل الجهيض … مقال بقلم الدكتور مرزوق العنزي

إيسايكو: العقل الجهيض … مقال بقلم الدكتور مرزوق العنزي

تبنى العلاقات الاجتماعية السليمة بقواعد راسخة على قدر تمتع الأفراد بمهارة الحوار الهادئ والمنظم، وإن اختلفوا في وجهات النظر! فالتمتع بتلك المهارة تدفع بصاحبها إلى اعتماد حوار متكافئ الأطراف قائم على الأدب والاحترام المتبادل في جميع النقاشات، فالحوار ظاهرة صحية تنعكس إيجابا على الشخصية والثقافة وتوسيع المدارك وتعزيز المرونة الإيجابية لدى الفرد في تقبل الرأي الآخر، فالإصلاح يأتي كنتيجة مباشرة للحوار الإيجابي.
ومن مقومات الحوار الهادف تمتع الفرد بمهارة الإنصات وحسن البديهة واستحضار الحجة المنطقية والقدرة على طرح الأمثال الهادفة في الوقت المناسب لتقريب المعنى والمساعدة على زيادة المعرفة مع التركيز على جوهر الموضوع وعدم مناقشة تلك الأمثال التوضيحية احتراما للعقول ولضمان عدم التشتت الفكري وتقديرا للوقت الثمين.
ولكن ماذا لو سيطر الغضب على ذلك الحوار؟ حتما سيختلف الأمر، وسينتقل إلى مرحلة المجادلة المتمثلة بارتفاع الصوت، والتراشق بالألفاظ النابية لرغبة أحدهم بفرد العضلات والتغلب على الآخر بسبب مصالح شخصية أو أهواء نفسية، وبالتالي ستصل جميع الأطراف المشتركة في الحوار إلى مرحلة النقاش العقيم، ثم مرحلة الاصطدام والتناحر ثم تصفية الحسابات الشخصية.
وفي الغالب ستصل الأطراف المتحاورة إلى هذه النتيجة السلبية التي هي بمثابة مفترق طرق بينهما نتيجة لغياب أدب الحوار! وقد انتهج غالبية هؤلاء المتجادلين مبدأ التشكيك في نوايا الآخرين، وتحميلهم فوق طاقتهم! وتحميل الكلام ما لا يحتمل! علما أن بعض الكلمات صادقة وبسيطة جدا، ومن الخطأ حملها على غير محملها، وأضف إلى ذلك أن فحواه لا يدعو إلى الاختلاف أبدا، ولكنها النفس التي تدفع بصاحبها نحو النزاعات المفتعلة!
علما بأن ذلك أصبح مقبولا في المجتمعات السلبية التي تستخف بلغة الحوار، ولكن .. في المقابل فالأمر يختلف في المجتمعات الإيجابية حيث احترام لغة الحوار القائمة على تكافؤ الأطراف واعتماد الحجة والبرهان.
إذا فأين المشكلة؟ المشكلة تكمن في عدم تقبل أحدهما للآخر، ولذلك كثيرا ما يحتدم الخلاف عند بدء الحوار مباشرة! وقليل من الناس ينجو من هذا المرض! إذا فأين العلاج؟ يبدأ عند الانتقال إلى الحوار الإيجابي المتكافئ بوجود حكم عاقل يحمي الحقوق الأدبية لكلا الطرفين! ولكن المعضلة الكبرى التي يصعب على الجميع حلها! هي عندما يبدأ العاقل المتواضع بمناقشة ناقص العقل المتكبر! فحوار صاحب العقل الجهيض الذي توقف نمو عقله قبل اكتماله! يعد من الجهل المركب المؤدي إلى الاصطدام والاشتباك، فالحوار معه أشبه ما يكون عقيما.
فالعاقل يهدف إلى الإصلاح من خلال إيصال المعلومة الصحيحة للآخرين بكل احترام، كما أنه يكون حزينا بعد ذلك الجدال على حال الطرف الآخر، وستدفعه المسؤولية الأخلاقية للتفكير الجاد بالحل؛ فكيف يعالج تلك الحالة العصابية لدى صاحبه؟ وكيف يساعده على الخروج من ذلك الظلام الفكري؟ وأما صاحب العقل الجهيض فستجده في المقابل يفكر بجدية قبل القيام من المجلس بكيفية الانتقام من ذلك الخصم بسبب اختلافات فكرية! فصاحب العقل الجهيض لا يقبل بغير معلومته أبدا! فهو أقرب ما يكون إلى الفرد المتكبر الذي عاش منذ نعومة أظفاره في برج عاجي زائف، والأدهى من ذلك استكباره مع الجهل المؤدي إلى الاستخفاف بأي معلومة مصدرها الغير مهما كانت حاجته لها أو فائدتها له!
فسلامة الصدر هي نتيجة للحوار الإيجابي متكافئ الأطراف أثناء اختلاف وجهات النظر الذي يعد وقاية وحماية للجميع من الحقد والعداوة والبغضاء، وعلاجا ناجعا لكثير من المشكلات مهما كانت تعقيداتها، فهو يقلل من حدة التوترات سواء أكانت بين الأفراد في علاقاتهم الاجتماعية أم كانت في الحياة الزوجية أم الأسرية، وكذلك في الحوار السياسي والاقتصادي والتربوي وغيرها من المجالات المختلفة.
فمن أراد العيش بسلامة صدر وسعادة؛ فعليه اعتماد الحوار الإيجابي في نقاشاته؛ على أن يكون منطقيا ومتكافئا فيما بين الطرفين، وقائم على مهارة الإنصات وحسن الظن بالطرف الآخر والتأدب معه، فمن جودة الحياة أن يحاور الفرد شريك حياته، ابنه، ابنته، صديقه، زميله في الدراسة أو المهنة.
ولكن الحذر كل الحذر من مجادلة الوالدين، فالواجب محاورتهما بالمعروف في حال موافقتهما على ذلك، على أن يكون التعامل معهما وفقا لما جاء في الكتاب والسنة المبني على السمع والطاعة تجاههما وتصديقهما وعدم الدخول في حوار أو مجادلة أو نزاع معهما، ولا أن يكون للنفس طموح بالانتصار عليهما أبدا.
وفي حال امتلاك الفرد لمهارة الحوار فعليه المحافظة عليها وتعزيزها واستخدامها في الإصلاح .. وفي جميع أبواب الخير، وأما في حال افتقاده لها! فعليه التدرب عليها وتنميتها واعتمادها في أسلوب حياته ليرتاح ويطمئن ويحقق جودة الحياة وصولا إلى تحقيق الصحة النفسية وبالتالي العيش بسعادة وطمأنينة ليقوم بدوره المجتمعي في التأثير الإيجابي على الآخرين من دون التأثر بسلبياتهم.

الدكتور مرزوق العنزي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى