لماذا لا يحقق معظم أبناء جيل الألفية أهدافهم الرئيسية في الحياة؟
[ad_1]
- سارة هاريسون
- بي بي سي
يلاحقنا هاجس الإخفاق في تحقيق أهداف معينة في الحياة ضمن إطار زمني صارم، لكن هذه الأطر الزمنية لتحقيق الأهداف الكبرى في الحياة كثيرا ما تكون غير منطقية، وتلحق أضرارا بصحتنا النفسية أكثر مما نتوقع بمراحل.
حتى الآن يمضي ناكول سينغ على المسار الذي حدده لنفسه. فقد أوشك سينغ، الذي يبلغ من العمر 30 عاما، على إنهاء سنة الامتياز في طب العيون بمستشفى ماساتشوستس للعيون والأذن في بوسطن، وبعدها مباشرة ستبدأ سنة الزمالة ويخطط للزواج من رفيقته خلال العامين المقبلين.
ويقول سينغ: “كان هدفي الشخصي أن أتزوج أو أعلن خطوبتي بعد إنهاء سنة الامتياز”. غير أن هذه الأهداف لا تطابق بالضرورة أي منطق فطري أو احتياج بيولوجي. ويفسر سينغ ذلك بالقول: “لا أعرف السبب وراء وضع هذا الإطار الزمني، لكنه بدا لي صائبا”. فعندما راقب سينغ ما يفعله الآخرون، لاحظ أن معظم الناس يتزوجون في أواخر العشرينيات أو مستهل الثلاثينيات، ورأى أن يعدل خططه وتوقعاته حتى يسير على خطا الآخرين، فضلا عن أن جده وجدته كانا يلحان عليه بأن يتزوج قبل أن يلقيا حتفهما.
لكن سينغ لم يكن دائما واثقا من أن الأمور ستمضي كما هو مخطط لها. فبينما انخرط زملاؤه في علاقات عاطفية جادة بعد انتهاء دراستهم الجامعية مباشرة، كان سينغ لا يزال أعزب وساورته شكوك في العثور على شريكة حياته في الوقت المناسب. واستبد به القلق والخوف من الإخفاق في العثور على كلية الطب المناسبة ثم اختيار التخصص الملائم. وازداد الغموض وعدم التيقن وخشي سينغ أن يتخلف عن ركب أقرانه.
ولكل مجتمع من المجتمعات أهداف مهمة في الحياة، يرتبط تحقيقها عادة بإطار زمني محدد. إذ تعطي المجتمعات الغربية، على سبيل المثال، الأولوية للتخرج من الجامعة في سن 22 عاما، والزواج في سن 30 والإنجاب وشراء منزل قبل بلوغ 35 عاما. وقد نقيس النجاح بعدد الأهداف التي تمكننا من تحقيقها في السن المحددة، ونخشى من أن يصبح الإخفاق في تحقيق أحدها مؤشرا على الفشل في الحياة أو المستقبل المهني.
لكن من الذي يضع هذه المعايير؟
لقد اتضح أن هذه الأطر الزمنية التي نضعها لتحقيق أهدافنا في الحياة، كثيرا ما تكون غير منطقية، وأحيانا تكون الضغوط التي ترافقها مجهولة المصدر. وتتغير هذه التوقعات من جيل لآخر، فهي ليست راسخة كما تبدو. فالتطورات التكنولوجية والعلمية والتحولات الاقتصادية وحتى المناخ السياسي قد تحول إحدى الحتميات الاجتماعية إلى مجرد تطلعات عفا عليها الزمن.
وقد يساعدنا فهم مصدر هذه التوقعات ومدى اختلافها عن الواقع الذي نعيشه، في وضع أهداف شخصية واقعية تستحق العناء، بدلا من التعلق بآمال تجاوزتها الأحداث.
غموض الأعراف الاجتماعية
يتعلم البشر من الآخرين منذ اللحظة التي يخرجون فيها من أرحام أمهاتهم، فنحن نكتسب اللغة التي يتحدثها الناس من حولنا ونتعلم القواعد والأعراف التي يضعها المجتمع، والسلوكيات المباحة والمقبولة وغير المقبولة.
ويقول جيفري آرنت، كبير الباحثين بجامعة كلارك بولاية ماساتشوستس: “نحن مجبولون على تعلم الأعراف والتقيد بها. وفي معظم الأحيان، نتصرف حسب توقعات المجتمع”.
لكن ثمة عوامل اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية وراء تحديد هذه الأعراف. ويقول آرنت: “إن الأعراف هي محصلة لتفكير ملايين الناس وقراراتهم ومحادثاتهم ومشاوراتهم، ولا يضعها أو يتحكم فيها شخص واحد”.
ويؤدي الآباء والأمهات والعائلة دورا مهما في التأثير على الأبناء، ولا سيما فيما يتعلق بالتوقيت المتوقع للزواج والإنجاب. ففي المجتمعات الغربية على سبيل المثال، تزوج معظم أبناء جيل طفرة المواليد (المولودون بين عامي 1946 و1964) في العشرينيات من العمر، ثم اشتروا منازلهم وأنجبوا أطفالا بعدها مباشرة. ونقلوا هذه التوقعات وهذا الإطار الزمني إلى أطفالهم من أبناء جيل الألفية.
لكن أبناء جيل الألفية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عجزوا عن تحقيق هذه الأهداف في نفس السن. فقد أشارت إحصاءات إلى أن أبناء جيل الألفية يتزوجون في سن متأخرة بنحو سبع سنوات مقارنة بالجيل الذي يسبقهم أو لا يتزوجون إطلاقا. وتأخر سن الإنجاب على مدى السنوات الأربعين الماضية، فالنساء من جيل الألفية ينجبن أطفالهن في سن 29 فما فوق. وبالمثل، تراجع معدل اقتناء المنازل بين أبناء جيل الألفية بنسبة ثمانية في المئة مقارنة بأبناء الجيلين السابقين.
وذلك لأن أبناء جيل الألفية نشأوا في عالم غير العالم الذي يألفه والديهم، وتعاملوا مع التحديات والمصاعب بطرق مختلفة.
وتشير إحصائيات إلى أن أبناء جيل الألفية نالوا حظا أوفر من التعليم مقارنة بالأجيال التي تسبقهم، إذ يحمل الآن 40 في المئة من الأمريكيين شهادة جامعية مقارنة بربع أبناء الجيل الذي يسبقهم، وقد انعكس ذلك على الانخراط في سوق العمل في سن متأخرة وكذلك تأجيل الادخار لشراء منازل.
ويقول آرنت: “لقد ازداد حرصنا على التعلم والتدرب أكثر من أي وقت مضى، ولهذا تراجعت فرص تحقيق الاستقلال الذاتي في سن 19 أو 20 عاما”. وفي ظل ارتفاع أسعار المنازل والالتزام بدفع أقساط ديون التعليم الجامعي، لم يعد بمقدور معظم أبناء جيل الألفية شراء منازل.
وتغيرت أيضا المعايير الجنسانية أو السلوكيات والأدوار التي يحددها المجتمع لكل من النساء والرجال، ويقول آرنت عن ذلك: “كانت النساء يواجهن ضغوطا من أجل العثور على الرجل المناسب والزواج، لأن هذا كان هدفهن الوحيد في الحياة”. لكن الآن، أصبح من الشائع أن تواصل النساء تعليمهن ويترقين في السلم الوظيفي. بل أشارت دراسة إلى أن النساء يشكلن أكثر من نصف خريجي الجامعات منذ منتصف التسعينيات.
وفي عام 2020، بلغت نسبة النساء، من سن 22 عاما إلى 37 عاما، المنخرطات في سوق العمل 72 في المئة، في حين لم تكن تتجاوز 40 في المئة في عام 1966.
ونتيجة لذلك، أثر اهتمام المرأة بالتعليم والمستقبل المهني على سن الإنجاب. وقد أشار تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن النساء اللائي حصلن على شهادات جامعية يؤخرن الإنجاب سبع سنوات في المتوسط مقارنة بنظرائهن اللائي لم يتلقين تعليما جامعيا، وأن تأخير الإنجاب يرتبط بالمستوى التعليمي، أكثر من ارتباطه بعوامل أخرى، مثل أسعار المنازل.
وكان للتطورات العلمية والتكنولوجية أيضا تأثير كبير على التوقيت المتوقع لتحقيق الأهداف الكبرى في الحياة. فقد أتاحت وسائل منع الحمل للنساء إقامة علاقات جنسية قبل أن يخططن للزواج أو الإنجاب. ويقول آرنت: “لقد منحت هذه الوسائل للناس قدرا أكبر من الحرية في الاختيار ما بين الزواج أو الإنجاب دون زواج”، مشيرا إلى أنه لم يكن باستطاعة الناس قبل النصف الثاني من القرن العشرين إقامة علاقات جنسية قبل الزواج بسنوات كما هي الحال الآن.
غير أن التوقعات الاجتماعية لم تتغير لتواكب هذه التحولات الاقتصادية والتعليمية الكبيرة. فقد أشار استطلاع للرأي أجراه مكتب الإحصاء السكاني الأمريكي، إلى أن الغالبية العظمى من الأمريكيين يعتقدون أن الناس ينبغي أن يكونوا مستقلين ماليا في سن 21 عاما، رغم أن الغالبية العظمى من المشاركين في الدراسة ذكروا أنهم لا يعتقدون أن الطلاب من الممكن أن ينهوا دراستهم قبل سن 22 عاما. وهذا التناقض يهيئ الناس للفشل في تحقيق أهدافهم، حتى لو بذلوا جهدا شاقا لتحقيقها.
سطوة الحتميات الاجتماعية
لا تزال الأجيال الجديدة تعاني ضغوطا نفسية، في وقت تبذل فيه جهودا حثيثة لتلبية توقعات الآباء والأجداد بشأن معايير النجاح، حتى لو كانت هذه التوقعات لم تعد تصلح للعصر الحالي.
وأشار استطلاع للرأي إلى أن البالغين الذين يتجاوزون 25 عاما لا يزالون يخططون للزواج والإنجاب وشراء منزل قبل بلوغ 30 عاما، رغم أن عدد الأشخاص الذين يمكنهم في الواقع تحقيق هذه الأهداف يتراجع من جيل لآخر.
وهذه الفجوة بين الأهداف التي تتطلع الأجيال الجديدة لتحقيقها وبين الأهداف الممكنة في ظل المناخ المادي والتعليمي الحالي، تؤثر بشدة على الصحة النفسية. وكتب معدو الدراسة: “إن التفاوت بين تطلعات الناس وبين إمكانياتهم ينبئ بتردي الصحة النفسية ومستوى الرضا عن الحياة”.
وأشار الباحثون أيضا إلى أن العجز عن تحقيق الأهداف الكبرى ضمن الإطار الزمني الذي نضعه لأنفسنا قد يكون أحد أسباب ارتفاع معدل الموت يأسا، سواء عن طريق الانتحار أو تناول جرعة زائدة من المخدرات، بسبب فقدان الوظائف والمشهد الاقتصادي القاتم.
ووصفت شارلوت هودسون، الأخصائية النفسية المهنية في مقاطعة كنت بالمملكة المتحدة، هذه الضغوط الاجتماعية بأنها “سطوة الحتميات”. وتذكّر المرضى الذي يشكون من الضغوط النفسية بسبب هاجس تحقيق تطلعاتهم، بأن هناك الكثيرين غيرهم تطاردهم هذه الأوهام بأنهم لم يتمكنوا من تلبية توقعات المجتمع.
وتقول هودسون إن الناس يعمدون عادة إلى التعميم والمبالغة، فقد يقول البعض “إن الجميع متزوجون” أو “الجميع أكثر ثراء مني”. وتصف ذلك بأنه خطأ في التفكير، وتقول إن بعض الناس فقط أكثر منك ثراء وبعضهم فقط يتزوجون.
وتحذّر من أن تحقيق هذه الأهداف، سواء الحصول على وظيفة ذات راتب مجز أو شراء منزل رائع، قد لا يجلب لك السعادة. وتقول إن العبرة بأن تجد ما يناسبك أنت. وتنصح بأن تختلي بنفسك لبعض الوقت وتحاول الفصل بين الأهداف التي تريدها حقا وبين تلك التي تشعر أن والديك وعائلتك يتوقعون أن تحققها.
وتقول هودسون: “حاول أن تفهم الدوافع الحقيقية التي تحركك. فهل ترغب حقا في الالتحاق بالجامعة أم أنك تلبي فقط رغبة أبيك وأمك بدخولها؟”
وتشدد هودسون على أهمية التركيز على الأهداف التي تدخل السرور إلى نفسك، لا الأهداف التي تلبي توقعات الآباء والمجتمع.
وعندما كان سينغ في منتصف العشرينيات، استبد به اليأس لسنوات خوفا من عدم مسايرة أقرانه، لكنه سرعان ما ازداد إصرارا على تحقيق أهدافه. ويقول: “لم أكن قد عثرت بعد على شريكة حياتي، وتقبلت الأمر، وقررت أن أكرس وقتي للعمل وأحقق تطلعاتي المهنية”. ولأن الكثيرين من أصدقائه كانوا يدرسون مثله ويحاولون الحصول على شهادات مهنية، فلم يشعر بأن الدراسة لسنوات أطول من المعتاد تعطله عن تحقيق أهدافه الأخرى، مثل شراء منزل أو الإنجاب.
لكنه لا ينكر أنه لولا العثور على شريكة حياته والمضي في الطريق الذي رسمه لنفسه، لما كان الآن يشعر بالثقة وراحة البال.
ربما استغرق مسار سينغ وقتا أطول مما توقع، لكن ثمة أدلة على أن هذه التوقعات بشأن الاستقرار والإنجاب شهدت تغيرات مؤخرا. وأشار أيضا استطلاع الرأي الذي أجراه مكتب الإحصاء الأمريكي إلى أن الغالبية العظمى من الأمريكيين يرون أن إكمال الدراسة والحصول على وظيفة أكثر أهمية من الزواج والإنجاب.
وأصبح السكن في منزل الأب والأم بعد إنهاء الدراسة أكثر شيوعا في الوقت الراهن ولم يعد مدعاة للسخرية أو الانتقاد، وزاد الاهتمام بالتعليم والأمان المالي. ولهذا فإذا كنت تظن أن هذه التوقعات الاجتماعية راسخة ولا تتغير، فأنت مخطئ، فإنها تتغير في الواقع طوال الوقت، حتى لو كنت تعتقد العكس.
[ad_2]
Source link