أخبار عاجلةأخبار عربيةأخبار متنوعةمقالات

كلام الناس … مقال بقلم الدكتورة هلا السعيد

إيسايكو: كلام الناس … مقال بقلم الدكتورة هلا السعيد

يتأثر الإنسان بالبيئة التي يعيش فيها ويؤثر فيها، وقد يكون التأثير إيجابياً أو سلبياً، والبيئة إما أن تكون محفزة ودافعة للتعلم والتطوير، فتخلق إنساناً منتجاً، أو تكون بيئة محبطة ومثبطة، تأخذ الإنسان إلى الحضيض، وتعوق تقدمه وتطوره، وبين هذا السياق وذاك ينجح البعض في تفادي التأثيرات السلبية للبيئة، فينجو بنفسه، ويشق طريقه بالكيفية التي يراها مناسبة، والتي تتفق مع قيمه الشخصية وطموحاته،
ومن ضمن العوامل شديدة التأثير في البيئة الاجتماعية «كلام الناس»، وهو مصطلح يختزل الكثير من المعاني والمفاهيم والموروثات الثقافية، والقناعات والممارسات والقوالب الذهنية،
فـ«كلام الناس» يعني رأي الناس في ما نفعل، وحكمهم على ما يرونه من أفعالنا وتصرفاتنا، ويختلف تأثير «كلام الناس» من مجتمع إلى آخر، ففي الدولة نفسها قد يختلف تأثيره من منطقة إلى أخرى، كما يرتبط أيضاً مدى التأثير بالمستوى التعليمي، وإن كان لا يمكن تأكيد ذلك دون دراسة علمية.
«كلام الناس» هو ببساطة حكم الناس، وهو من دون شك في معظم الأحوال حكم منقوص غير عادل، ويشوبه الميل إلى اللوم، وعدم تحري الحقيقة، وعدم الاستناد إلى الدليل، بل هو مجرد «هوى» مفعم بعدم الموضوعية، ومن يحكم على الآخرين قد يستند أحياناً إلى الموروث الشعبي والعرف، ولكن غالباً ما يستند إلى رأيه وتوجهه الشخصي البحت، واعتبار نفسه بمثابة مسطرة القياس التي تقاس عليها الأمور، ودائماً يرتبط الحكم بالمغالاة وعدم فهم دوافع الطرف الآخر، وفي الكثير من المجتمعات يأخذ «كلام الناس» قوة وشرعية، قد تصل إلى حد أخذه في الحسبان قبل تعاليم الدين، فيتصرف الإنسان في حياته ويتخذ قرارته وفق ما يتماشى مع العرف، وخوفاً من «كلام الناس»، لدرجة أن ينعكس ذلك على القرارات المالية، فمثلاً في بعض المجتمعات يغالي الأهالي في مهور بناتهم، وفي تكاليف وتجهيزات الزواج، خوفاً من «كلام الناس»، متناسين تعاليم الدين التي تنص على «إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه»، ومثال آخر يتكرر دائماً مع بداية الإجازات الصيفية، حيث يقترض البعض من أجل قضاء الصيف مثل جيرانهم أو أصدقائهم، وهناك قصص مأساوية انتهت بالسجن أو بجرائم بشعة، خوفاً من «كلام الناس»، ومنها جرائم الشرف.
لا أدري إن كان هناك حل جذري لهذه الآفة المجتمعية، ولكن الحقيقة المؤكدة أن التغيير يحدث، وليس هناك مستحيل، وقد سمعت ورأيت أمثلة كثيرة تخلص الناس فيها من بعض الآفات المجتمعية، مثل البذخ في تكاليف الزواج، لأن قناعة الشخص بأن تصرفاته تخصه وتتناسب مع ظروفه، إضافة إلى قوة إرادته في عدم التأثر بآراء الآخرين، قد يسهمان في حل المشكلة على المدى الطويل.

نصائح تساعدك عن التفكير بكلام الناس:
ولكي تستطيع أن تتوقف عن التفكير بكلام الناس عنك أو ما يظنه الناس بك، إليك النصائح التالية:

أولاً/ عليك أن تقوي ثقتك بنفسك فليس هناك على وجه البسيطة أحد مثالي أو كامل في كل شيء، فالكمال لله وحده، اعمل كل جهدك على تطوير ذاتك بقدر المستطاع واعلم أنك كما تتمنى أن تكون مكان شخص آخر أفضل منك -سواء أكان لعلمه أو عمله أو وضعه الاجتماعي أو غيره من الأسباب- فإن هناك من يتمنى أن يكون في مكانك أنت، فاحمد الله وتقبل نفسك ولا تلتفت لما يقوله الناس.
قد تكون لديك أمور أو صفات يصعب عليك تغييرها وتسمع الكثيرين ينتقدونك لأجلها، فمثلاً شكلك، طولك، صوتك وما إلى ذلك، في هذه الحالة، ما عليك إلا أن تتقبل نفسك كما هي فهذه أشياء لا يمكن تغييرها ، بل على العكس حاول دائماً التركيز عليها والتفكير بها كنعم منحك الله إياها وأن هناك الكثيرين ممن يتمنون الحصول على بعض ما عندك.
ثانياً/ تجنب التفكير في تقدير الأشخاص لك في أيّ عمل تؤديه أو أيّ كلمة تصدر منك، حاول التركيز على نفسك وتذكر أن الناس أيضاً لديهم ما يشغلهم غير الانتباه لك ولأفعالك، لذا إن كان لديك هدف معين فابذل قُصارى جهدك للوصول إليه وتوقف عن التحليل الزائد لما سوف يظنه الناس أوما سيحكمون عليك جراءه، هدّئ من روعك وتجنب القلق؛ فالناس سيتحدثون ويقولون سواء أقلقت من كلامهم أم لم تقلق فالنتيجة واحدة .
صدقاً إن أردت أن تحقق ذاتك وتصل إلى ما تصبو إليه فلا تستمع إلى كلام الناس ولا تفكر فيما يقولون بل ولتضرب به عرض الحائط ولتكمل مسيرتك ما دمت تتبع الطريق الصحيح والنهج السليم.

ثالثاً/ لا تجعل كلام الناس السلبي يؤثر فيك وفي شخصيتك أبداً، كأن يحكم عليك بأنك تمتلك صفة سيئة، فإن كان فيك ما قيل حقيقة فما عليك إلا أن تحاول التخلص من هذه الصفة وتتلقى الانتقاد بصدر رحب بل وتشكر من وجّه لك هذا الانتقاد فكما قيل: “رحم الله من أهدى إليّ عيوبي” أمّا إن كان ما قيل عنك زوراً وبهتاناً فقل لنفسك: “إنّ الناجح دائماً يواجه الكثير من الانتقادات ” فلا تأبه ولا تفكر فيما يقال أبداً، فما قيل ما هو إلا نتيجة للغيرة العمياء التي تدفع الحاسدين لإحباطك وتثبيط همتك وإبطاء مسيرتك نحو النجاح، فمن سقط يحب إسقاط الجميع معه؛ لكي يشعر بأن هناك من يشاركه في إخفاقاته .

رابعاً/ تجنب أن تكون إمّعة للناس إن أحسنوا أحسنت وان أساءوا أسأت؛ فليس صحيحاً أن تكون انعكاساً لأحد، بل كن أنت مصدراً للضوء الحقيقي، يمشي الآخرون على هداك.

ليس صحيحاً أن تكون انعكاساً لأحد، بل كن أنت مصدراً للضوء الحقيقي، يمشي الآخرون على هداك
يوجد كثيرون ممن يتبعون الآخرين بغير هدى تجنباً لانتقاد الناس، لذا احرص على أن تكون صاحب شخصية أساسها المبادئ والقيم السليمة وليس اتباع الآخرين أو اتباع رأي الأغلبية فقط؛ لتتجنب تسليط الضوء عليك أو لا تكون محط انتقاد الآخرين فكما ذكرت آنفاً ما دمت على الصواب فلا تهتم لمقولة حاسد أو عدو أو مغرض.

خامساً/ فيما يتعلق بالقرارات، لتكن قراراتك مبنية على أخلاقك ومبادئك وأولوياتك لا على ما سيفكر أو سيظن به الناس ، رتب أولوياتك قبل التفكير بالآخرين وآرائهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر: عائلتك في قمة قائمة أولوياتك فلا تتهاون في أي حق من حقوق أفراد أسرتك لإرضاء أصدقائك أو زملائك في العمل أو لتجنب انتقاداتهم اعتمادا ًعلى قناعاتهم المختلفة.

سادساً/ لا تغير طريقة حياتك أو أسلوب معيشتك لكي تكون متوافقاً مع الآخرين من حولك بغض النظر إن كنت سعيداً بهذا التغيير أم لا، كأن تغير طريقة ارتدائك لملابسك أو طريقة كلامك، ارتد ما يعجبك وكل ما يعجبك وقل ما يعجبك طالما أنك لا تتعدى على أحد وطالما كنت على الصواب؛ فلا تغير من حياتك وتستبدلها بما لا تحب بهدف إرضاء الآخرين الذين لا يتوقفون عن الكلام والانتقاد مهما عملت.

تذكر دائماً أن الناس مختلفون في طبائعهم وأفكارهم وأذواقهم وأنّ رضاهم جميعاً من المستحيلات فإن أردت أن تتقدم في حياتك وتحقق نجاحاً تلو الآخر فلا تأبه لكلامهم وامض على بركة الله بدون أن تنظر خلفك أو تحاول أن تسمع ما يقال عنك ممن لا يتوقفون عن الكلام والانتقاد لتفاهتهم وقلة انشغالهم بما يفيد، فأنت واثق الخطوة يمشي ملكاً.

وأخيراً، إن كنت أنت نفسك ممن يتحدث عن الناس فاعلم أن من أسوأ الأعمال هو تتبع أخبار الناس وعثراتهم ونشر الشائعات حولهم وانتقادهم بما لا يليق بهم، لذا، نصيحتي لك في كل مرة تبدأ بانتقاد غيرك من الناس، ضع نفسك مكانهم وتخيل أن الناس تتحدث عنك بما تتحدث به عنهم، هذه الطريقة كفيلة بأن توقفك عن الانشغال بالناس وبانتقادهم، واعلم أن رسولنا الحبيب – عليه أفضل الصلاة والتسليم – قال: “إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ ” (رواه البخاري).

الدكتورة هلا السعيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى