ألبرت أينشتاين: من هم أبناؤه وكيف انتهى بهم الحال؟
[ad_1]
- مارغريتا رودريغاس
- بي بي سي – الخدمة الإسبانية
يقول زييف روزنكرانز، رئيس تحرير مشروع “وثائق أينشتاين”: “أعتقد أن أينشتاين وجد صعوبة في التأقلم مع مرض ابنه العقلي”.
إدوارد، أو تيتي كما أطلقوا عليه، كان أصغر أبناء أينشتاين.
وكانت الأسرة قلقة بشأن صحته البدنية منذ صغره، إذ لم تظهر مشاكل صحته العقلية حتى أصبح بالغا.
ويقول روزنكرانز لـ بي بي سي إن “حياته كانت شديدة المأسوية”.
رُزق ألبرت أينشتاين وزوجته الأولى، عالمة الفيزياء ميليفا ماريك، بثلاثة أبناء. يكتنف الغموض مصير ابنته الكبرى ليزيرل، وأصبح ابنهم الأوسط هانز ألبرت عالما معروفا في عصره، وإن لم يحقق شهرة مثل شهرة أبيه.
ويقول هانز ألبرت عن أبيه إن “ما يجعله استثنائياً، في رأيي، هو إصراره وتفانيه في مواجهة المشاكل، حتى رغم التعثر في حلول خاطئة، كان يستمر في المحاولات بلا توقف”.
وأضاف: “ربما كنت أنا المشكلة الوحيدة التي تجاوزها وأهملها. حاول تقديم النصيحة، لكن سرعان ما أدرك أنني عنيد جدا، وأن نصحي إهدار لوقته”.
ليزيرل: الإبنة البكر
ولدت ليزيرل، الإبنة الأولى لألبرت أينشتاين وميليفا ماريك، عام 1902، وهما غير متزوجان بعد.
ويقول روزنكرانز إن مصير هذه الابنة مجهول “فلا ندرى ما حدث لها بالتحديد بعد ميلادها بعامين. ضاعت ذكراها في تاريخ والدها”.
ودأب روزنكرانز على تطوير مشروع “وثائق أينشتاين”، الذي جمع وترجم ونشر آلاف الوثائق الخاصة بالعالم الفذ الحاصل على جائزة نوبل. والمشروع هو مبادرة من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، بتمويل من جامعة برينستون في الولايات المتحدة، والجامعة العبرية في القدس.
وتعد هذه الوثائق والخطابات مصدرا لا يقدر بثمن، يكشف جانبا مختلفا وأكثر إنسانية من حياة أينشتاين.
وتكشف هذه الخطابات لنا وجود ليزيرل.
وكتب أينشتاين خطابا من سويسرا، حيث كان يعيش الزوجان، إلى ميليفا التي كانت في بلدها الأم صربيا لتلد ابنتهما، وجاء فيه: “هل هي بصحة جيدة؟ هل تبكي ككل الأطفال؟ ما شكل عينيها؟ ومن منا تشبه أكثر؟ من يرضعها؟ هل هي جائعة؟ من المؤكد أنها صلعاء تماما. أنا لا أعرفها حتى الآن لكني أحبها بشدة”.
لكن لم غادرت ميليفا سويسرا لتلد في صربيا؟
“عارضت أمه زواجهما بشدة،” هو التفسير الذي خرج به هانوش غاتفرويند، أحد مؤلفي كتاب “أينشتاين عن أينشتاين: تأملات في سيرته الذاتية والعلمية”.
وقال غاتفرويند لـ بي بي سي إن أم أينشتاين شعرت أن هذا الزواج سيفسد مستقبله: “حتى أنها حذرته من أن حملها (ميليفا) سيكون كارثة. وكان الحمل خارج نطاق الزواج فضيحة كبرى آنذاك”.
“إخلاصي لك”
ويكشف غاتفرويند إن الاثنين كانا مغرمان ببعضهما البعض. ويرجح أن علاقتهما بدأت عندما كان أينشتاين في الثالثة والعشرين، وكانت ميليفا في التاسعة عشرة.
وكان الاثنان يدرسان الفيزياء في معهد زيورخ الفيدرالي للتكنولوجيا، إذ كانت ميليفا هي الطالبة الوحيدة في الصف، وثاني امرأة تتخرج في قسم الرياضيات والفيزياء.
ويقول والتر إيزاكسون، مؤلف كتاب “أينشتاين: حياته والكون”، إن خطابات أينشتاين تكشف عن قوة مشاعره تجاه ميليفا بقدر ما تكشف عن رفض والدته لها.
وكتب في أحد خطاباته: “ينتحب والداي وكأنني مت. يكرران الشكوى بأنني جلبت العار لنفسي بإخلاصي لك. هما يظنان أنك لست بصحة جيدة”.
لكن أينشتاين اتبع قلبه. وكتب إلى ميليفا أثناء حملها، يعدها بأنه سيكون زوجا جيدا. “المشكلة الوحيدة الباقية أمامنا هي أن نجد طريقة لتبقى ليزيرل معنا. لا أريد أن أتخلى عنها”.
وعلم أينشتاين جيدا مدى صعوبة أن يكون له “طفل غير شرعي” في المجتمع، خاصة بالنسبة لشخص يريد أن يصبح مسؤول عمومي ذو شان كبير.
الصمت الطويل
ويبدو أن أينشتاين لم يرى ابنته نهائيا، فحين أتى موعد عودة ميليفا إلى سويسرا، تركت ليزيرل مع أقاربها في صربيا.
ويلمح إيزاكسون إلى احتمال أن تكون ميليفا تركت ليزيرل في رعاية أحد أصدقائها المقربين، لكن لا دليل على هذه الفرضية.
ويقول غاتفرويند إن “كل ما نعرفه عن هذه الابنة يأتي من رسائل الحب التي كتبها والداها. لكن في مرحلة ما، اختفى ذكرها من هذه الخطابات”.
كما يقول روزنكرانز إن بعض الصحفيين والمؤرخين “ذهبوا إلى صربيا وحاولوا اقتفاء أثر ليزيرل والبحث في أي وثائق أو سجلات أو أوراق رسمية، لكن بائت محاولاتهم بالفشل”.
وأضاف: “آخر ذكر لها كان وهي بعمر العامين، إذ أصيبت بحمى شديدة، ولا نعرف إن كانت عاشت بعدها.”
واختفاء أي ذكر لـ ليزيرل بعد ذلك أثار الكثير من التكهنات. “ربما عرضوها للتبني، وربما ماتت. لا نعرف” على حد قول روزنكرانز.
وأغلب الظن أن أينشتاين، الذي توفي عام 1955، لم يخبر أحدا عن ابنته.
حتى أن فريق “وثائق أينشتاين” لم يعلم بوجود البنت قبل عام 1986، عندما اكتشفوا جزءا من مراسلاته مع ميليفا.
بيت خاص بهم
وبحلول عام 1903، حصل أينشتاين على وظيفة ثابتة في مدينة بيرن السويسرية، وعادت ميليفا من صربيا، وتزوجا.
وفي العام التالي، رُزقا بابنهما الثاني هانز ألبرت. أما ابنهما الثالث، إدوارد، ولد عام 1910 بعد انتقال العائلة إلى مدينة زيورخ.
وينقل إيزاكسون على لسان هانز ألبرت: “كان أبي ينحي عمله جانبا ويرعانا لساعات في الوقت الذي تنشغل فيه أمنا بأعمال المنزل. كنا نجلس على ركبتيه. أتذكر أنه كان يحكي لنا القصص ويعزف على الكمان في محاولة لإبقائنا هادئين”.
إدوارد: اعتلال بدني وعقلي
كانت طفولة إدوارد صعبة، فصحته كانت ضعيفة، وكثيرا ما كان يمرض ويمضي أسابيع في الفراش.
وعند إصابته بالتهاب رئوي عام 1917، كتب أينشتاين إلى أحد أصدقائه: “حالة ابني الأصغر الصحية تصيبني بالكثير من الإحباط”.
ورغم ذلك، “تفوق إدوارد في دراسته، وكان مهتما بالفنون، ينظم الشعر ويعزفعلى البيانو” كما ورد في كتاب “موسوعة أينشتاين”.
وانخرط إدوارد في نقاشات مع والده حول الموسيقى والفلسفة، والتي قال عنها أينشتاين إنها كشفت له أن ابنه “يجهد عقله بشأن الأمور الهامة في الحياة”.
نهاية الحب
نهاية الحب
ومع انغماس أينشتاين في عمله، تدهورت علاقته بـ ميليفا بشدة. وما زاد الطين بلة هو علاقته العاطفية بابنة عمومته إلسا.
وبحلول عام 1914، كانت الأسرة تعيش في برلين، لكن الأزمات تمكنت من الزواج، أغلبها بسبب أسلوب أينشتاين البغيض في التعامل مع ميليفا، ما دفعها إلى العودة إلى سويسرا.
وتم الطلاق في عام 1919، لكن غاتفرويند يقول إن بعد أينشتاين عن أبنائه كان صعبا عليه، وحاول الحفاظ على علاقته بابنيه.
كما أشار روزنكرانز إلى أنه “كان أبا محبا بدرجة كبيرة”.
وحاول أينشتاين زيارة ابنيه في الأوقات التي سمحت بها الحرب العالمية الأولى، أو اصطحابهما في إجازات، “وعندما كبرا قليلا، كان يدعوهما لقضاء بعض الوقت معه في برلين”.
“وكان يراسلهما كثيرا، خاصة الابن الأصغر إدوارد في فترة مراهقته”.
وكانت المراسلات مع إدوارد على فترات شديدة التقارب، وتدور حول نقاشات فكرية كبيرة، حتى أنهما تبادلا النقد حول مواقفهما المختلفة.
وأضاف روزنكرانز أن أينشتاين “استمتع كثيرا بهذه المراسلات”، ليس فقط لموهبته في الكتابة، إنما لعمق أفكاره كذلك.
وكتب إليه أينشتاين ذات مرة في عام 1930: “الحياة كركوب الدراجة. يجب أن تستمر في التحرك لحفظ التوازن”.
ويقول روزنكرانز إن علاقة أينشتاين بابنه الأكبر، هانز ألبرت “لم تكن بنفس القوة. وكانت شخصيته أكثر تواضعا”.
“وكان (هانز ألبرت) يميل للجوانب العملية، للاختراعات والأمور التقنية” وهو ما انعكس على ألعابه مع أبيه.
وبعد سنوات، كتب إليه أينشتاين عن نظريته ومحاولته إثباتها وكذلك نصائح للحصول على وظيفة.
التشخيص
كان إدوارد أينشتاين يحلم بأن يصبح طبيبا نفسيا، وكان مهتما بنظريات سيغموند فرويد.
وكان يدرس الطب عندما أودع في مصحة نفسية في سويسرا عام 1932، وهو بعمر الثانية والعشرين. وشُخصت حالته في عام 1933 على أنه مصاب بانفصام الشخصية.
ويقول غاتفرويند إن هذا “جرح أينشتاين كثيرا”.
وجاء في واحد من خطاباته: “الابن الأفضل والذي أعتبره أكثر شبها بشخصيتي أُصيب بمرض عقلي لا شفاء منه”.
وفي عام 1933، مع ازدياد خطر النازية في ألمانيا، اضطر أينشتاين لمغادرتها إلى الولايات المتحدة.
وبعد رحيله من ألمانيا، “زار أينشتاين ابنه إدوارد للمرة الأخيرة.” كما جاء في موسوعة أينشتاين: “أب وابنه لن يلتقيا بعد ذلك أبدا”
نهاية حزينة
كانت ميليفا هي المسؤولة الأساسية عن رعاية إدوارد. وعند اشتداد الأعراض عليه – وربما اشتداد مرضها أيضا – كان يجب إيداعه مصحة نفسية.
وبعد وفاتها عام 1948، استعان أينشتاين بوصي مدفوع الأجر يقوم بالترتيبات اللازمة لإدوارد.
ويقول روزنكرانز: “لا أعتقد أن هناك أي مراسلات بين الابن والأب طوال هذه السنوات”.
وبحسب إيزاكسون، لم يُسمح لإدوارد بالهجرة إلى الولايات المتحدة بسبب حالته العقلية.
وأمضى إدوارد سنواته الأخيرة في مصحة نفسية، حتى توفي إثر أزمة قلبية عام 1965، عن 55 عاما.
هانز ألبرت: رائد في عصره
درس هانز ألبرت الهندسة المدنية في المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيورخ.
وتفاخر أينشتاين بابنه في خطاب عام 1924، كتب فيه “ابني ألبرت أصبح رجلا صاحب مهارات وقدرات”.
وتخرج هانز ألبرت عام 1926، وبحلول عام 1936 أصبح دكتوراً في العلوم التقنية.
وفي عام 1938، هاجر هانز ألبرت إلى الولايات المتحدة بناء على نصيحة والده، واستكمل دراسته هناك ليتخصص في حركة الرواسب الجيولوجية.
وفي كتاب “هانز ألبرت أينشتاين: حياته كمهندس رائد”، يشير المؤلفان روبرت إتيما وكورنيليا ميوتل إلى “ولع هانز بفهم الأنهار والكشف عن تعقيداتها”.
وأرست دراساته أسس الكثير مما نعرفه اليوم عن حركة الرواسب مع سريان المياه في الأنهار. وفي عام 1988، دشنت الرابطة الأمريكية للمهندسين المدنيين جائزة هانز ألبرت أينشتاين عرفانا بإسهاماته العلمية.
وفي كتاب “نهاية النهر”، يسلط سايمون وينشيستر الضوء على الدور الكبير الذي لعبه هانز ألبرت في بناء “الكيان العملاق” الذي يُحكم السيطرة على نهر ميسيسيبي.
بروفيسور محل إعجاب
وبمجرد وصول هانز إلى الولايات المتحدة، عمل في محطة للتجارب الزراعية بولاية ساوث كارولاينا، ثم في وزارة الزراعة، وأخيرا في تدريب هندسة المحركات المائية في جامعة كاليفورنيا، بمدينة بيركلي.
وتذكر وثائق الجامعة أنه “كان لديه خليط نادر من مهارات البحث العلمي الرفيعة، والتفوق في الهندسة العملية، بالإضافة لكونه معلماً ممتازاً”.
“وكان البروفيسور أينشتاين شديد السخاء في وقته، سواء في تدريس الكثير من طلاب الدراسات العليا لديه، أو فترات التدريس القصيرة في جامعات أجنبية، أو كمستشار لدول حول العالم لتقديم حلول لمشاكل الترسيب المعقدة”.
وفي خطاب كتبه ألبرت أينشتاين عام 1954، أثنى كثيرا على ابنه هانز، قائلا إنه ورث منه “السمة الرئيسية في شخصيته، وهي القدرة على التفوق على الجهد العادي عن طريق الإصرار على تكريس كل قدراته لتحقيق هدف غير شخصي”.
خلافات
وشهدت علاقة ألبرت أينشتاين بأبنائه تقلبات كثيرة، وفي حين كانت بعض خطاباته مفعمة بالمشاعر، امتلأت خطابات أخرى بالبرود وإطلاق الأحكام.
ويقول روزنكرانز إنه كأي أسرة “مرت أسرة أينشتاين بفترات صعبة وأخرى جيدة. وكانت هناك بعض الخلافات بينه وبين ألبرت هانز”.
وعندما كان هانز ألبرت في سن المراهقة، أخبر والده بقراره دراسة الهندسة، وهو قرار لم يسعد الأب كثيرا.
وجاءت خلافات أخرى بعد سنوات، “ففي البداية، لم يوافق الأب على الزوجة التي اختارها هانز ألبرت”.
واتفقت ميليفا مع ألبرت في هذا الموقف، لكن هانز ألبرت أصر على موقفه وتزوج من عالمة فقة اللغة فريدا كنيشت عام 1927.
ومع الوقت، تقبل ألبرت أينشتاين قرار ابنه ورحب بـ فريدا – التي أنجبت ثلاثة أحفاد – في عائلته.
وبحسب غاتفرويند، فإنه رغم استمرار التواصل والزيارات، إلا أن هانز ألبرت ووالده عاشا حياة مختلفة. الأول ظل في الساحل الغربي للولايات المتحدة، في حين عاش الثاني في الساحل الشرقي في جامعة برينستون.
وأضاف أن ألبرت أينشتاين كانت قد بدأ حياة جديدة مع أسرته الثانية المكونة من إلسا وابنتيها من زيجة سابقة.
وبعد وفاة فريدا عام 1958، تزوج هانز ألبرت من عالمة الكيمياء الحيوية إليزابيث روبوز، التي بقيت معه حتى وفاته عام 1973 إثر أزمة قلبية، عن 69 عاما.
عناء أن تكون ابن ألبرت أينشتاين
ويقول إيزاكسون إن أينشتاين قال لـ ميليفا ذات مرة إن “ابنيه هما الجزء الأفضل في حياته الخاص، وهما امتداد باقٍ لحياته بعد أن يفنى جسده”.
لكن أن يكون أحدهم ابنا لعالم فذ مشهور ليس أمرا سهلا.
إدوارد نفسه كتب ذات مرة: “أحيانا يصعب على المرء أن يكون له أب بهذه الأهمية، لأنه يجعله يشعر بالضآلة”.
أما هانز ألبرت، الذي ولد قبل عام من نشر والده نظرية النسبية، فعند سؤاله عن شعوره كابن لعالم بهذه الشهرة قال: “كان الأمر سيصبح ميؤوساً منه إذا لم أتعلم أن أضحك في مواجهة المضايقات منذ طفولتي” ثم أسهب في شرح ما يجعل والده استثنائيا.
ويقول غاتفرويند، الذي ساهم في توثيق “وثائق أينشتاين” إنها تكشف “مراسلات جميلة ومثيرة للاهتمام بين أب محب وأبنائه”.
وعلى مدار سنوات، اعترف أينشتاين بإخلاص وتفاني ميليفا في سبيل أبنائهما، وتربيتها الجيدة لهم.
ويقول روزنكرانز: “لا أعتقد أنه اعتبر نفسه زوجا عظيما. أعتقد أنه شعر بأنه كان أفضل كأب منه كزوج”.
[ad_2]
Source link