نوال السعداوي: كيف ينظر البعض إلى إرث الكاتبة المصرية؟
[ad_1]
ما كان لخبر وفاة الكاتبة والطبيبة المصرية نوال السعداوي أن يمر دون نقاش فكري وسياسي وديني. فهو قبل كل شيء حدث متعلق برحيل امرأة عُرفت بمواقفها الجريئة وأفكارها الرافضة للقيم الموروثة واستماتها في الدفاع عن القضايا النسوية.
تنوعت كتابات نوال السعداوي بين الطب والدراسات الفكرية في السياسة والدين والجنس، فكسرت بذلك المحظورات وربطت بين تحرير المرأة وتحرير الوطن سياسيا وثقافيا.
شكلت كتاباتها صدمة في أوساط المحافظة وجعلتها عرضة للاتهامات بازدراء الأديان، حتى أن بعض الإسلاميين رفع دعوى قضائية تطالب بتطليقها من زوجها.
كما لاحقتها الحكومات المصرية المتعاقبة وصادرت بعض كتبها ومنعتها من مزاولة عملها في وزارة الصحة، قبل أن ينتهي بها المطاف أكثر من مرة في السجن.
سيرة مثيرة للجدل
تلك اللمحة البسيطة عن حياة نوال السعداوي جعلت اسمها يتصدر محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي في معظم الدول العربية.
وانقسم المعلقون بين حزين يترحم على “إبداعاتها” ومنتقد يرفض تأبينها ويلعنها.
يرى البعض أن الكاتبة الراحلة ساهمت بأفكارها في تحرير المجتمع، وأماطت اللثام عن “العقلية الذكورية التي تتحكم في المرأة وتقمعها”.
فهي بالنسبة للكثيرين رمز وأيقونة للنضال النسوي، وامرأة عالجت قضاياها منطلقة من رحم الواقع.
وخاضت نوال السعداوي معركة ضد ختان الإناث بداية من عام 1972 بإصدار كتابها الشهير “المرأة والجنس” الذي حكت فيه تجربتها مع هذه القضية وتأثيرها على الفتيات.
وتحول هذا الكتاب وغيره من مؤلفات السعداوي إلى مراجع يتناقلها قراؤها بعد وفاتها، يبحثون فيها عن اقتباسات ملهمة للتذكير بجهودها في “تصحيح المفاهيم الخاطئة حول المرأة وجسدها” على حد قولهم.
في المقابل، شكك آخرون في منهجية السعداوي العلمية. فثمة من يرى أنها تفتقد للمنطق والحجة الدامغة.
في حين جدد فريق آخر من المعلقين المطالبات بحظر مؤلفاتها وحواراتها لأنها “تطعن في ثوابت الدين وقدسية القرآن”، وفق تعبيرهم.
بينما ينفي آخرون ذلك قائلين إنها “كانت تدعو إلى التعامل النقدي مع التراث واتباع مناهج علمية حديثة بعيدة عن الأطر التقليدية في التعاطي مع النص الديني”.
واستذكر البعض مواقفها التي أثارت الرأي العام ضدها كدعوتها إلى تقنين الدعارة تحت إشراف الحكومة.
كما أنها انتقدت الحجاب وطالبت بحظر النقاب بدعوى أنه ” لا يعبر عن الأخلاق” وأكدت في الوقت ذاته على موقفها الرافض للتعري ومحاولة تسليع المرأة.
وفي حوار أجرته مع بي بي سي عام 2018، قالت إنها لا تخاف الموت، مؤكدة كطبيبة “أن الإنسان لا يشعر بشيء لتوقف جميع حواسه”.
خلاف على صيغ الترحم
وما لبث أن تحول النقاش إلى سجال محتدم بين فريقين ينتسب كل منها إلى “قيم ومواقف مختلفة بل متناقضة إلى حد الخصام والوعيد”.
فمن من المعلقين من انخرط في نقاش ديني حول جواز الترحم على الكاتبة، ومنهم من راح يرصد مواقفها السياسية في حين دخل آخرون في معركة حول تشكيل الرموز وإعادة تعريف مفهوم النضال.
ولتأبين الراحلة، لجأ بعض محبيها إلى قاموسهم الثقافي من رموز دينية وطقوس اجتماعية، كالدعاء لها بالمغفرة وتلاوة ما تيسر من آيات قرآنية أو بترديد تعابير مثل “الله يرحمها” أو “يجعل مثواها الجنة” أو “للفردوس الأعلى”.
وهذا ما جعلهم يصطدمون بفريق ثان يرفض الاستعانة بصيغ تعبر عن الرؤية الدينية للحياة والموت، للترحم على الكاتبة التي يتهمونها بمعاداة الأديان.
وذهب البعض إلى حد “تكفير” الكاتبة ومهاجمة كل من يترحم عليها.
ولكن ما يعتبره البعض صيغا تخص المتدينين فقط يراه آخرون تعابير إنسانية ورموزا تشمل كل المتشاركين في اللغة والوطن.
وفي خضم النقاش حول وفاة السعداوي، فجر بعض الدعاة والمغردين الجدل السابق حول مصير بعض الشخصيات العامة بعد الموت .
وتفاعلاً مع تلك الضجة، نشرت دار الإفتاء المصرية بيانا تستنكر فيها تعليقات الشامتين في وفاة الكاتبة.
حرب الرموز
في السجال أيضا حول نوال السعداوي، خاض فريقان نقاشا آخر حول تجليات ومفهوم البطولة والنضال.
ثمة من يصف حملة الشتائم التي طالت الناشطة المصرية بعد وفاتها، بأنها نتاج لتعاليم “النظام الأبوي الذي يرفض تمثيل المرأة كرمز للبطولة”.
ويسعى البعض إلى اختزال مفهوم المرأة البطلة ضمن أداور وسرديات تقليدية، فتحصرها مثلا في صورة المرأة المستكينة أو الأم الحنون التي توفق بين عملها ومنزلها أو صاحبة الأعمال الخيرية.
ومن هذا المنطلق يفسر بعض المغردين حملة الشتائم التي طالت الناشطة المصرية بعد وفاتها، فهي بنظرهم امرأة دعت إلى التمرد على الرجال ومزاحمتهم على السلطة الاجتماعية.
موقفها من الحكومات العربية
على النقيض، يرفض مغردون تلقبيها بالمناضلة النسوية أو السياسية ويقولون إنها أضرت بقضايا المرأة والشعب أكثر مما نفعت.
ويستدلون ببعض آرائها السياسية الأخيرة التي دافعت فيها عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، متغاضية عن “انتهاكات حقوق الإنسان في عهده”، وفق قولهم.
وصفت السعداوي الانتقادات الموجهة لسجل مصر الحقوقي، بـ “المبالغات وبالأجندات الخارجية”.
واستنكر البعض الآخر اختصار تاريخ السعداوي ومواقفها السياسية في السنوات العشر الأخيرة من حياتها.
واستشهدوا بآرائها الداعمة لثورة 25 يناير والناقدة لبعض القوى الخارجية، وما وصفتها بالعولمة الاستغلالية والسيطرة الاستعمارية.
وبينما يصف البعض مواقفها السياسية الأخيرة بسقطة خريف العمر، يعتبرها البعض الآخر دليلا على عدم موضوعيتها، مشيرا إلى أن “الأفكار التقدمية في المجال النسوي لا يمكن فصلها عن المجال العام للحريات في البلاد”.
في حين يرى آخرون أن موقفها من بعض الحكومات العربية الحالية هو مساندة لإزاحة كل “تفكير يمثل حجرة عثرة في مشروعها التحريري”.
ويبدو أن النقاش حول نوال السعداوي لن ينته وسيتواصل الانقسام حول إرثها وأفكارها.
رحلت السعداوي عن عمر يناهز 90 عاما وودعت محبيها بأربع كلمات.
“أنا بنت الله وتفكيري حر”، هذه فحوى التغريدة التي انتشرت على حساب الكاتبة قبل 12 ساعة من إعلان وفاتها، وكأنها أرادت أن تبعث برسالة لمنتقديها قبل رحيلها بأنها فخورة بنفسها وبما قدمته.
[ad_2]
Source link