نوروز: هل هو عيد قومي أم ديني لدى الأكراد؟
[ad_1]
- هيفار حسن
- بي بي سي عربي
يحتفل حوالي 300 مليون شخص، منهم الكرد والفرس والبشتون والآذريين وغيرهم، في 21 آذار/مارس من كل عام بعيد نوروز، رأس السنة الفارسية والكردية.
ويحتفل به الأكراد منذ عام 612 قبل الميلاد، أي سيدخلون عام 2633 هذه السنة. أما الفرس، فاحتفلوا به بعد هذا التاريخ، وسيدخلون عام 1400 هذا العام.
ومعظم المحتفين بنوروز، يعدونه عيداً دينياً أو ثقافياً منذ مئات السنين، لكنه أخذ طابعاً قومياً عند الأكراد وخاصة في العصر الحديث إذ بات حدثاً سنوياً يؤكد من خلاله الأكراد على هويتهم ومطالبهم وحقوقهم القومية والسياسية في كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا.
ولم يُسمح بإحياء احتفالات نوروز في تركيا وسوريا حتى وقت قريب، لكن أكراد إيران والعراق كانوا أوفر حظاً من أقرانهم، لأن الإيرانيين أنفسهم يحتفلون به ولو بطقوس مختلفة، كما أن الأكراد في العراق عززوا الاحتفال به بعد حصولهم على الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق في سبعينيات القرن الماضي.
أما في كل من تركيا وسوريا فكانت الحكومات المتعاقبة تمنع الاحتفالات بشدة وتعتقل المشاركين فيها لدرجة أن كثيرين دفعوا حياتهم ثمناً لإحياء هذا اليوم، وخاصة في أوائل التسعينيات، عندما استخدمت المدرعات والرصاص الحي ضد المشاركين في الاحتفالات في مدينة جزرة الواقعة جنوب شرقي تركيا واعتقلت السلطات من هم دون سن الـ 18 عاماً.
وفي الأسطر التالية، نسلط الضوء على احتفالات نوروز في سوريا، في ظل ما يزيد عن نصف قرن من الزمن من حكم الأسرة الواحدة، وما رافقتها من إجراءات واعتقالات وأحكام لمنع الاحتفالات بالعيد.
نوروز وأكراد سوريا
عمّقت سياسات الحكومات السورية المتتالية، التي رفضت الاعتراف بالهوية الكردية في البلاد، من شعور الأكراد بالتمييز ضدهم والظلم وجعلتهم أكثر تمسكاً بقوميتهم التي كانت تتعرض لمحاولات طمس بشكل مستمر.
ويُعتقد أن الأكراد يشكلون بين 10 و 15 في المئة من سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليون نسمة قبل الحرب أي ما يزيد عن مليوني شخص. ولكن لا توجد إحصاءات رسمية بذلك.
وكانت احتفالات نوروز قبل الثمانينيات تقام في بساتين أو أقبية أو داخل البيوت في تجمعات صغيرة سرية بعيداً عن أنظار أجهزة الأمن.
ومع قدوم كوادر حزب العمال الكردستاني في بداية الثمانينيات الى سوريا هرباً من السلطة العسكرية في تركيا، بدأ الأكراد يخططون للاحتفال بنوروز على الملاً مستخدمين حيلاً للمضي قدماً في إحياء الاحتفالات.
ومن بعض الأساليب التي استخدموها أحياناً، تظاهر شاب وشابة بأنهما عروسان وأن الحشود ليسوا إلا مدعوين إلى حفل الزفاف.
ويتذكر حسين ذلك “العرس الكبير” في عفرين بقوله: “هاجمت أجهزة الأمن احتفال نوروز الذي كان في الظاهر عرساً، هرب معظم الحضور، وبقي طبّالان دون أن يعلما ما الذي يجري حولهما، فاعتُقلا واقتيدا ليُحقق معهما من قبل الأمن السياسي، فما كان من أحد الطبالين إلا أن قال:” سمعت الكثير ولكنني لم أسمع في حياتي عن متابعة طبالين سياسيا”.
نوروز دمشق ومقتل أحد المتظاهرين
في دمشق 1986، شددت الحكومة الإجراءات الأمنية وفرقت قوات الأمن الجماهير المحتشدة في ساحة شمدين لمنع الناس من الوصول إلى مكان الاحتفال الذي كان مقرراً في الغوطة بضواحي دمشق، فتوجهوا في مسيرة سلمية نحو القصر الجمهوري، احتجاجاً على منع الاحتفال، لكن عناصر الأمن فرقتهم بأن أطلقت الرصاص الحي عليهم، مما أدى إلى مقتل شاب يدعى سليمان آدي وإصابة خمسة آخرين.
وسرعان ما انتشر خبر مقتله، فخرج الأكراد في كل المدن التي يوجدون فيها بكثافة منددين بمنع السلطات لحفلات العيد وبمقتل الشاب.
وجرى المزيد من الاعتقالات وخاصة في منطقة الجزيرة في شمال شرقي سوريا وفي مدينة حلب.
نوروز وعيد الأم في سوريا
لم يكن عيد الأم في سوريا الذي اعتمدته الحكومة بعد إعلان الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عن الاحتفال به يوم 21 مارس/آذار عام 1956، يوم عطلة رسمية في البلاد.
ولكن اعتاد كثيرون التغيب عن مدارسهم وجامعاتهم والدوائر الرسمية في ذلك اليوم، لأنه يصادف يوم نوروز.
وكانت المؤسسات الحكومية تمنع موظفيها من الحصول على إجازة من العمل في ذلك اليوم، ويتوعدونهم بخصم جزء من رواتبهم إذا فعلوا ذلك، عدا عن تعرضهم للمساءلة والتحقيق من قبل الأجهزة الأمنية.
كما كانت تحدد مواعيد الامتحانات في المدارس في اليوم نفسه، وإذا صادف يوم نوروز عطلة نهاية الأسبوع، كان يُطلب من جميع الطلاب في الأحياء ذات الغالبية الكردية الحضور إلى المدرسة من أجل القيام بـ “عمل تطوعي”، وكذلك في بعض المؤسسات الحكومية في مناطق معينة.
ورغم التهديد بالفصل من المدرسة واستدعاء أولياء الأمور والتحقيقات بشأن التغيب، كان بعض الطلبة الأكراد يتغيبون عن الدوام لقضاء العيد مع أسرهم.
ومع استمرار قضية الغياب العام في المناطق ذات الغالبية الكردية، جاء قرار حافظ الأسد بإعلان يوم 21 مارس/آذار 1988، يوم عطلة رسمية، ولكن ليس بمناسبة عيد نوروز بل بمناسبة عيد الأم.
طقوسُ عيدٍ أم ثورة؟
تبدأ طقوس العيد لدى الأكراد في يوم 20 آذار/مارس عند الغروب، بإشعال نار نوروز – وهي عادة ترجع إلى تاريخ سقوط الإمبراطورية الآشورية على يد الميديين (أسلاف الأكراد) على يد كاوا الحداد الذي خرج إلى الجبل وبيده شعلة نار لإرسال إشارة النصر إلى الناس بحسب الرواية الكردية لشرح تاريخ عيد نوروز.
ويروي آزاد، وهو طبيب يبلغ من العمر 46 عاماً، لبي بي سي عربي، تفاصيل طقوس نوروز المتبعة في سوريا مشبها إياها بـ “24 ساعة من الثورة” التي كانت تتكرر مرة في كل عام.
ويقول: ” كنا في مدينة القامشلي، حيث عشت معظم حياتي، نواجه الدوريات العسكرية ورجال الشرطة التي كانت تستنفر منذ صباح يوم 20 آذار، لتلاحق مجموعات الشباب وأي تجمع قد تصادفها وتمنعهم من إشعال نار نوروز، وهو جزء أساسي من طقوسنا في الاحتفال، كنا شباباً ولم نخشَ شيئاً، بالنسبة لنا، كان ذلك اليوم بمثابة يوم تحد للسلطات وتأكيد على وجودنا”.
ومع بداية دخول القرن الـ 21، تحولت عادة إضرام النيران بإطارات السيارات، إلى مسيرات شموع منظمة، إذ كان يخرج الناس في مسيرات سلمية تجوب الشوارع الرئيسية في المدينة وهم يحملون مشاعل وشموعاً مطلقين شعارات التهنئة بقدوم عيد نوروز والمطالبة بحقوق الأكراد.
لكن الأجهزة الأمنية، كانت تفرقها وتعتقل النشطاء منهم وتقتادهم إلى السجون بتهمة “إثارة النعرات الطائفية”.
تخريب ونشر المخلفات والقمامة
وبعد مسيرة الشموع يبدأ الرجال والنساء والأطفال بالتزين بأزياء فلكلورية كردية للخروج إلى موقع الحفل الذي يٌحدد سلفاً في كل مدينة.
ولكن قبل وصول عامة الناس، كانت مجموعات المتطوعين والمتطوعات يخرجون بعد الفجر لبناء خشبة المسرح وحمايته من الأجهزة الأمنية التي تنتشر هناك منذ الليلة السابقة لنوروز.
ويقول جمال رشو، أحد المتطوعين ممن كانوا في لجان حماية وتنظيم الحفل في عام 1995: “كانت الدوريات والفرق العسكرية بانتظارنا منذ الفجر أثناء مسيرتنا الصباحية باتجاه موقع الحفل، كنا أحياناً نزيد عن ألف متطوع، وكان بيننا كثير من الشابات والأمهات، كنا نواجه الدوريات التي كانت تطلب منا التراجع وإلا سيطلقون النار علينا، لكننا لم نأبه لتهديداتهم”.
ويضيف: “ولكن، ما إن نتخلص من الحاجز الأول المؤلف من رجال الشرطة، يأتي الحاجز الثاني المكون من قمامة المدينة ومخلفات الأبنية وغيرها التي كانت تأتي بها السلطات وتنثرها على الطريق لتشويه المكان”.
ويتابع: “ليست القمامة فقط، بل كانت تأتي بالجرارات لحرث الأرض رغم مساحتها الكبيرة، مما يؤدي إلى غوص أقدامنا في الأرض الرخوة، والسير بصعوبة بالغة، وكانت المشكلة تتضاعف عندما كانت تهطل أمطار آذار الغزيرة”.
وتقول نورهان، وهي مدرسة لغة انجليزية، إنها تتذكر جيداً كيف كان يُمنع ارتداء أزياء كردية، وكيف كانت الدوريات تعترض طريقهم وتمنعهم من مواصلة رحلتهم نحو موقع الحفل إذا رأتهم يرتدون تلك الأزياء الفلكلورية.
وتشرح: “كنا نخبئ ثيابنا الفلكلورية في حقائبنا، وعند وصولنا إلى مكان الحفل، كنا ننصب خياماً صغيرة، نستطيع تغيير ملابسنا فيها ونرتدي أزياءنا التي كنا نفرح بها يوماً واحداً في كل عام”.
من سيء إلى أسوأ
بعد رحيل حافظ الأسد، واستلام نجله بشار كرسي الرئاسة، ظن الأكراد كغيرهم من السوريين، أن الشاب الذي درس في بريطانيا وأصبح طبيباً، ربما يريد عهدا جديدا. لكن الأمور ازدادت سوءاً ومُنعت التجمعات والاحتفالات بنوروز بشدة.
ففي نوروز عام 2008، أطلقت قوات الأمن النار على المشاركين في عدة مدن وخاصة في مدينة القامشلي.
وفي عام 2009، قتل اثنان في مدينة الرقة بالرصاص الحي واقتيد العشرات منهم إلى السجون، كما اعتقل العشرات في حلب ومثلها في مناطق أخرى من البلاد.
تهم وأحكام لقمع الحريات
كانت الاعتقالات بحق الأكراد المحتفلين بنوروز تجري موجب حالة الطوارئ المعلنة منذ 8 آذار 1963 (تم إيقاف العمل بها عام 2012 بعد اندلاع الحرب في البلاد).
وتستطيع السلطات بموجب حالة الطوارئ، احتجاز المعتقلين واستجوابهم دون أمر قضائي وقد تستغرق فترة الاستجواب أسابيع أو شهوراً أو أكثر من ذلك، وقد يتعرضون خلالها لكافة أنواع التعذيب المعروفة في سوريا.
وإذا لم يعثروا على الشخص المطلوب، كانوا يلقون القبض على أي فرد من أفراد أسرته ويُعرض الفرد البديل لنفس أنواع التعذيب ريثما يسلم المطلوب نفسه.
وهذا ما حدث بالضبط مع ريبوار أحمد، الذي يبلغ من العمر 51 عاماً، والذي اقتيد إلى السجن بدلاً من شقيقه الذي كان غائباً عن المنزل أثناء مداهمة رجال الأمن لمنزلهم في عام 1998.
يقول ريبوار: “تعرضت للضرب على قدمي بعد حشري في إطار سيارة، ولم يتوقفوا رغم سيلان الدماء من قدمي، ولو كان شقيقي المطلوب في مكاني، لكان في عداد الأموات الآن، لأنه كان يعاني من مرض في القلب”.
كانت جريمة شقيق ريبوار هي “نقل المعدات والآلات الموسيقية الخاصة بالحفل إلى موقع الحفل في حلب”.
وغالبا ما يكون المعتقلون ممن يشاركون بنشاط في احتفالات نوروز، كأن يكونوا من الفنانين مثلاً أو أحد أعضاء فرق الرقص الفلكلورية أو أحد منظمي الحفل أو ممن شارك في مسيرات سلمية ومسيرات مشاعل نوروز التي تسبق العيد بيوم أو حتى من يقومون بنقل المعدات كما شقيق ريبوار.
ماذا يقول القانون؟
بحسب المادة 307 من قانون العقوبات السوري، “يُجرم ويُعاقب كل من أقدم على عمل أو كتابة أو خطاب يقصد منه أو ينتج عنه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة، وتكون العقوبة السجن مدة 6 إلى 24 شهراً مع دفع غرامة مالية”.
أما المادة 267 فتجرم كل عمل أو خطاب أو كتابات “تدعو إلى اقتطاع جزء من الأرض السورية وضمه إلى دولة أجنبية” ويعاقب مرتكبها بعقوبة السجن مدى الحياة”.
وكانت التهم التي توجه إلى المعتقلين الأكراد تستند على هاتين المادتين، حيث كانت تدعي السلطات بأن الأكراد يسعون إلى تقسيم سوريا، إلا أن الأحزاب الكردية في سوريا تنفي ذلك.
[ad_2]
Source link