العلاقات الصينية – الأمريكية: بعيدا عن كليشيهات “الحرب الباردة”
[ad_1]
- جوناثان ماركوس
- محلل الشؤون الدبلوماسية – بي بي سي
سيكون الإجتماع المرتقب بين كبار مسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظرائهم الصينيين أول فرصة يلتقي فيها الجانبان وجها لوجه من أجل تقييم مسار العلاقات بين القوتين العظميين الأكثر أهمية ونفوذا في العالم.
فمن المقرر أن يجتمع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان مع كبير الدبلوماسيين الصينيين يانغ جيشي ووزير الخارجية وانغ يي في ولاية ألاسكا الأمريكية يوم الخميس.
وليست لدى الجانب الأمريكي أي أوهام بشأن النتائج التي قد يتمخض عنها اللقاء. فقد أكد وزير الخارجية بلينكن قبيل الاجتماع أن اللقاء ليس “حوارا إستراتيجيا”، و”ما من نية في الوقت الحاضر لإجراء سلسلة من الإتصالات الأخرى”.
وقال بلينكن “فتلك الإتصالات، إذا جرت فعلا، يجب أن تكون مبنية على اقتناعنا بأننا نرى تقدما ملموسا ونتائج حقيقية بشأن القضايا التي تثير قلقنا حول الصين”.
ومما لا شك فيه أن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة هي الأسوأ منذ عدة سنوات، ويبدو أنها تتجه نحو المزيد من التدهور. فقبل تعيينه في منصبه الحالي، شارك سوليفان مع كبير مستشاري بايدن للشؤون الآسيوية كورت كامبيل في كتابة مقال نشرته مجلة (فورين أفيرز) قالا فيه بصراحة ووضوح إن “حقبة التواصل مع الصين وصلت إلى نهايتها”.
وأصبح من المألوف وصف العلاقة بين الصين والولايات المتحدة بأنها “حرب باردة” جديدة، وذلك في إشارة إلى المواجهة التي دامت لجيل كامل بين الأخيرة والاتحاد السوفيتي والتي ألقت بظلال قاتمة على موسكو في النصف الثاني من القرن العشرين.
لا تخلو طريقة توصيف العلاقة بين بكين وواشنطن من أهمية، فهي تساعد في صياغة نوع الأسئلة التي نطرحها والردود التي نستلمها، كما تحدد أطر الخيارات المتعلقة بالسياسات. فنظرتنا إلى هذا الموضوع قد تقودنا للسير في طرق معينة وربما تغلق في وجهنا طرقا أخرى.
أصطلح على القول إن المقارنات التاريخية تعدّ من الأدوات المفيدة في توضيح الخيارات والسياقات والمعضلات. ولكن ثمة من يجادل بأن هذه المقارنات قد تؤدي إلى نتائج عكسية، فالتاريخ لا يعيد نفسه بهذه الطريقة وقد تتغلب الخلافات على أوجه التشابه.
فإذا كان المرء يقصد بتعبير “الحرب الباردة” وجود صراع هائل يشمل كل أوجه القوة والجبروت بين نظامين سياسيين غير متوافقين، فسيصبح من الواضح أن المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تشبه إلى حد بعيد تلك التي دارت بين واشنطن وموسكو في النصف الثاني من القرن العشرين.
وكما نصّت وثيقة إستراتيجية السياسات الخارجية المؤقتة لإدارة بايدن التي نشرت في وقت سابق من الشهر الحالي، فأن “صيناً أكبر نفوذا وأكثر إثباتا لوجودها هي المنافسة الوحيدة التي لديها القدرة على حشد قدراتها الإقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتقنية لتحدي النظام العالمي المستقر والمنفتح بشكل دائم”.
وأصبحت الترنيمة التي تسمع في زوايا البيت الأبيض في عهد بايدن تقول إنه ينبغي مواجهة الصين إن كان ذلك ضروريا والتعاون معها إن كان التعاون ممكنا.
وتتخذ الصين من ناحيتها موقفا مشابها، فهي تعبر عن رغبتها في تأسيس علاقات بناءة بينما تصرّ في الوقت ذاته على إعلاء مصالحها الخاصة – مثل قمع الحركة المطالبة “بالديمقراطية” في هونغ كونغ ومعاملتها القاسية لأقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ (والتي وصفها بلينكن بالإبادة الجماعية).
ولا تدع بكين أي فرصة تمر دون أن تؤكد على مثالب النظام الأمريكي، فقد استغلت الطريقة الكارثية التي تعاملت بها إدارة دونالد ترامب مع وباء كوفيد-19 وأعمال الشغب التي تكللت باقتحام مؤيدين لترامب لمقر الكونغرس الأمريكي لتثبت بأن نموذجها الاجتماعي والاقتصادي هو المتفوق.
ولذا يمكن القول بلغة سطحية إن وصف العلاقة بين القوتين الكبريين “بالحرب الباردة” يبدو مناسبا، ولكن إلى مدى هو مفيد فعليا هنا؟ في الحرب الباردة الأصلية، كان الاتحاد السوفيتي وحلفاؤه معزولين إلى حد كبير من الإقتصاد العالمي، وكانوا خاصعين لقيود مشددة على صادراتهم ووارداتهم. ولكن الوضع الآن يناقض ذلك الوضع بشكل جليّ. فالصين أصبحت الدعامة الرئيسية للإقتصاد العالمي، علاوة على أن اقتصادها مندمج إلى حد كبير مع الإقتصاد الأمريكي.
وبينما كان للحرب الباردة الأصلية بعدا تكنولوجيا مهما – من خلال سباق التسلح وسباق الفضاء بالدرجة الأولى – يتمحور التنافس الحالي بين الصين والولايات المتحدة حول التقنيات الحيوية التي تسيّر مجتمعاتنا الآن وفي المستقبل، كالذكاء الإصطناعي وتقنية 5 جي.
كما يختلف السياق الدولي الآن عن ذلك الذي كان سائدا آنذاك. فإبان الحرب الباردة، كان العالم منقسما إلى معسكرين ثابتين – إضافة إلى كتلة عدم الإنحياز (التي كان الغرب يرى أنها موالية للسوفيت).
أما الآن، فنحن نعيش في عالم متعدد الأقطاب تتعرض فيه مؤسسات النظام العالمي الليبرالي إلى تحديات غير مسبوقة. ويمنح هذا الموقف الصين نفوذا كافيا لفرض نظرتها الخاصة للعلاقات الدولية.
ولكن نموذج الحرب الباردة يعدّ خطرا جدا في جانب أساسي واحد من جوانبه.
كانت الحرب الباردة الأصلية عبارة عن صراع سياسي لا هوادة فيه ولا تفاهم، ينفي فيه كل من الجانبين شرعية الجانب الآخر.
وعلى الرغم من أنه من النادر أن تنشب مواجهات مباشرة بين الأمريكيين والسوفيت، إلا أن عددا هائلا من البشر فقدوا أرواحهم في صراعات خاضها الجانبان بالوكالة (أي من خلال أطراف أخرى) في أرجاء عديدة من العالم.
وفي المحصلة النهائية، دحر أحد الجانبين – فقد طوت صفحات التاريخ النظام السوفيتي.
ويخشى كثيرون من أن النظر إلى المنافسة الراهنة بين الصين والولايات المتحدة بهذه الشروط الأيديولوجية الواضحة قد يؤدي إلى سوء تقدير عند الجانبين المتنافسين، ويعطي الصين تحديدا مبررات أكثر لاتخاذ مواقف قد تكون نتائجها كارثية من أجل تجنب أي هزيمة ممكنة.
ولكن الصين ليست الاتحاد السوفيتي، فهي أقوى بكثير، فعلى سبيل المثال لم يبلغ الناتج المحلي الإجمالي السوفيتي في ذروته إلا 40 في المئة من نظيره الأمريكي. إلا أن الصين ستتساوى مع الولايات المتحدة في هذا المعيار خلال هذا العقد.
وتعد الصين أقوى منافس تواجهه الولايات المتحدة منذ القرن التاسع عشر، ولذا فإن العلاقة بين البلدين يجب أن تدار بحكمة وربما لعدة عقود قادمة.
وهذه المنافسة هي المنافسة الجوهرية والأساسية التي تهيمن على زمننا الراهن، ويجب علينا التخلي عن الكليشيهات والمقاربات التاريخية الكاذبة في توصيفها. فهذه ليست “الحرب الباردة الثانية” – وإنما أخطر من ذلك بكثير.
فالصين أصبحت ندا للولايات المتحدة في العديد من المجالات، وعلى الرغم من أنها لم تصبح بعد قوة عالمية عظمى، فقد نجحت في أن ترتقي إلى أن تكون منافسا عسكريا حقيقيا للأمريكيين في المجالات التي تهم أمنها الذاتي.
ويواجه الرئيس بايدن مشكلة معقدة بشأن الصين، فسياسته الخارجية تشمل مواقف متناقضة إزاء بكين. فكيف يمكن له أن يضغط على بكين لإجبارها على الإلتزام بسياسات تجارية أكثر إنصافا وحثها على احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية بينما يأمل في الوقت ذاته بالتعاون معها في التصدي للتغير المناخي وضمان استقرار منطقة آسيا والمحيط الهادئ؟ وسيتعلق الأمر بأسره بقدرته على إدارة المنافسة الإستراتيجية.
ولكن في وقت لا ينبغي لنا أن نقلل من قيمة طبيعة المنافسة بين الجانبين، علينا ألّا نعطيها أهمية أكبر من حجمها. فالكليشيه المستهلك الذي يتحدث عن صين صاعدة وأمريكا متدهورة – كسواه من الكليشيهات – يحمل في جنباته شيئا من الحقيقة، ولكنه لا يروي الحقيقة كاملة.
هل بإمكان الولايات المتحدة النهوض من كبوتها “الترامبية” وإعادة إحياء ديمقراطيتها؟ هل تستطيع إقناع حلفاءها بأنها عادت كما كانت لاعبة تحظى بالثقة على المسرح الدولي؟ وهل تتمكن من توسيع قاعدتها العلمية والتكنولوجية بسرعة؟
تمكنت بكين في العديد من المجالات من التفوق على واشنطن، ولكن هل سيشكل ميلها إلى التسلط عائقا أمام تقدمها الإقتصادي؟ هل بإمكان الصين التأقلم مع نمو اقتصادي متباطئ ومجتمع آيل للشيخوخة؟ وهل يتمكن الحزب الشيوعي من الاحتفاظ بولاء ودعم المجتمع الصيني على المدى البعيد؟
للصين العديد من عناصر القوة، ولكن لديها أيضا العديد من نقاط الضعف. أما الولايات المتحدة، فتعاني هي الأخرى من نقاط ضعف خطيرة، ولكنها تمتلك في الوقت ذاته دينامية ملفتة وقدرة على النهوض من جديد.
ولكن، كما رأينا بجلاء أثناء وباء كوفيد-19، فإن الذي يحدث في الصين لا يبقى حبيس حدودها، فالصين قوة كونية لها تأثير على حياتنا جميعا.
ولذا عليكم شدّ أحزمتكمّ! فالرحلة ستكون كثيرة المطبات، وما نحن إلا في بدايتها.
[ad_2]
Source link