ميراثهنّ مُعلّق منذ 20 عاما: “أمي لم تسامح وهي على فراش الموت، وأنا لن أسامح”
[ad_1]
- شيرين النعنيش
- بي بي سي – عمّان/الأردن
“قالوا لي: أنتِ جشعة وطماعة وأنانية!”.
تصف داليا (اسم مستعار) ذات الـ58 عاما ما قاله لها إخوتها الذكور حينما طالبت بحقها في تركة والديها.
فالوالد توفي منذ أكثر من عشرين عاما، تاركا لزوجته ولأحد عشر ولدا (ست بنات وخمسة بنين) بناء يضم منزلهم الأرضي، الذي تقيم فيه زوجته، إضافة إلى عدة شقق سكنية في الطوابق العليا، تضخ إيجارات شهرية.
ولكن جميع الأبناء اتفقوا “بطيب خاطر” على تنفيذ وصية أبيهم، التي اقتضت عدم تقسيم التركة ما دامت زوجته على قيد الحياة؛ حتى تبقى أمهم “معززة مكرمة” في منزلها فيما تُدرّ الإيجارات لها دخلًا يكفيها.
لكن وفاة والدتها قبل خمسة أعوام كانت النقطة التي غيّرت الحال، فقد حان موعد تقسيم تركة الأب.
كما أن الأم خلّفت وراءها حصتها، التي من المفترض أنها ورثتها عن زوجها وابنها -أحد أشقاء داليا- الذي توفي لاحقًا وهي على قيد الحياة.
إلّا أن داليا لم تحصل على شيء حتى الآن.
الخوف من “خسارة العزوة”
“أريد حصتي كاملة، بلا نقص، كما أنزل الله في كتابه” – هكذا ردت داليا على أشقائها عند محاولتهم استرضاءها هي وشقيقاتها مستخدمين الأساليب الودية ومحاولات التخجيل عندما طالبت نساء العائلة بحصصهن؛ حيث عرض الأخوة عليهنّ مبالغ متواضعة، مقارنة بقيم حصصهن الكاملة، مقابل أن يتنازلن عنها.
وانقسمت الشقيقات فيما بينهن، فالبعض وقفن في صف داليا ضد مطالبات الأخوة “المجحفة”، بينما وافقت الأخريات على المساومة والرضا بجزء بسيط من نصيبهن على مضض؛ بسبب الخوف من تقطع أوصال الأسرة و “خسارة العزوة” على حد تعبير إحداهن، وخاصة أنهن هُدّدن مسبقًا وعلى مدى سنوات من قبل أشقائهن بعبارات من قبيل: “لن تكونوا شقيقاتنا بعد الآن، سننساكن وكأننا لا نعرفكن”.
تقول داليا: “لا ألوم من اختارت التنازل عن حقها من شقيقاتي، أنا أتفهمهن، لقد مللن، وشعرن بالقرف بعد كل هذه السنوات”، وتضيف: “ولكني لا أستطيع فعل ذلك. إخواني الآن يتمتعون بأموالهم وأموالنا التي لنا حق فيها، ونحن في عوز. وإن لم أحصل على حقي في الدنيا، سآخذه في الآخرة”.
قصة داليا، الأم العاملة التي تقطن في أحد ضواحي العاصمة الأردنية عمّان، هي واحدة من بين قصص أخرى لنساء عديدات في الأردن تضمنت انتهاكات لحق المرأة في الميراث.
ورغم أن القانون الأردني يضمن للمرأة ذمة مالية مـستقلة وحق الميراث وأهلية أداء كاملة غـير منقوصة، إلا أن هذا لم يمنع أن تكون هذه الانتهاكات موجودة على أرض الواقع.
وتظهر بيانات مسح أجري في العقد الماضي أنّ 74 بالمئة من نساء ثاني أكبر محافظة في الأردن، لم يحصلنَ على حقوقهنّ الكاملة في الميراث.
التنازل عن الميراث في الأسابيع الأولى لوفاة المورث
إلى جانب حاجة داليا وأسرتها إلى السيولة المالية من ناحية، إلا أنها من ناحية ثانية تكافح جاهدة من أجل هدف آخر، وهو “قطع ووقف مسلسل الظلم” المستمر.
فوالدتها المتوفاة عانت كذلك للحصول على حصتها من تركة ابنها، شقيق داليا، إذ أنكر أبناؤه الذكور، أي أحفادها، نصيبها في التركة، وتعددت محاولاتهم في ثنيها عن المطالبة بحقها بحجة أنه “مال أبيهم”.
تقول داليا واصفة ما حدث قبيل وفاة والدتها: “بدأوا باستمالة قلب جدتهم بالكلام المعسول لكسب ودها بعد وقت قصير على وفاة والدهم، في وقت كانت فيه في وضع نفسي متأزم بسبب حزنها على ابنها، وتوفيت بعده في العام ذاته. مارسوا عليها ضغوطا عاطفية، ورغم قطيعتهم التي امتدت لسنوات، إلا أنه عند وفاة أخي، أصبحوا يزورون جدتهم ويستعينون بالوساطات من رجال العائلة حتى يقنعوها بأن تترك لهم حصتها، السدس، التي تقدر بعشرات الآلاف من الدنانير”.
وأشارت اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة في استراتيجيتها الخاصة بالمرأة في الأردن 2020-2025 إلى أن المعتقدات الثقافية والممارسات المجتمعية السلبية تنعكس على مفاهيم وحقوق متعددة، منها الميراث.
وتقول المحامية الشرعية، شيرين يعقوب، لبي بي سي إن: “لدى بعض العائلات الأردنية والعربية بشكل عام ثقافة تقول إن المال لا يجب أن يذهب – للغريب – على حد وصفهم، هذه ثقافة مجتمعية ما زالت موجودة”.
وتؤكد يعقوب على أن كثيرات ممن “يسقطن حقهنّ” في التركة في المحاكم الأردنية يفعلن ذلك في الأسابيع الأولى لوفاة المورث و “يكنّ في كثير من الأحيان إما محرجات أو مُكرهات أو حتى مهددّات، إذ يستغل بعض الأهل هذه الفترة التي قد تعاني فيها المرأة من الصدمة العاطفية، الناتجة عن حالة وفاة مورثها، لنيل مرادهم وتضييع حقها”.
وتقترح المحامية أن يصدر الورثة حجة حصر إرث من المحاكم الشرعية أو الكنسية في التوقيت الصحيح الذي يتيح للجميع اتخاذ قرارات عقلانية، بلا مماطلة وإحجام عن السير بالمعاملات لسنوات طويلة، ولا تعجلٍ يؤدي لاستغلال وضع الورثة النفسي بعد وفاة المورث.
وتضيف: “يجب أن تكون المرأة واعية، وإن لم تستطع الذهاب بنفسها لمراجعة الدوائر الحكومية، يمكن أن ينوب عنها فرد من عائلتها، ولكن في هذه الحالة، يجب ألا تقدم وكالة عامة لهذا الفرد، بل أن تكتفي بالوكالة الخاصة”.
“الميراث ليس هبة بل حق”
تعتقد الدكتورة زينب المعابدة، الأستاذة المتخصصة في القضاء الشرعي والإصلاح الأسري، أن المرأة تستطيع أن تحصل على حقها بشكل كامل في المحكمة طبقًا للقانون والشريعة الإسلامية.
إلا أن “بعض الانتهاكات قد تقع في بعض الأحيان بسبب الموروثات المجتمعية، فبعضها يشجع التمادي على المرأة واستضعافها وغصب بعض حقوقها المعنوية والمادية”.
وتعقّب قائلة، “الميراث ليس عطاء أو هبة، بل حق. وحتى إن كانت المرأة مقتدرة، يفضل أن تطالب بحقها لكي تحيي هذا الحق وتكسر الموروثات السائدة، ويجب أن تكون واعية”.
كما ترى المعابدة أن العامل الآخر الذي يتسبب في هذه الانتهاكات هو التلاعب واستغلال ظرف المرأة والاستعجال بتسجيل ما يعرف بـ (التخارج) من أجل الضغط عليها.
والتخارج في أصله لا مشكلة فيه، وهو “أن يتصالح الورثة على إخراج بعضهم عن نصيبه في الميراث نظير شيء معين من التركة أو من غيرها، أي مقابل مال أو نصاب بنفس قيمته ويتم بإشراف قضائي”.
كما أن القانون الأردني يتضمن بنودًا لضمان تحقيق العدالة في معاملات التخارج؛ فمثًلا، ينص القانون على عدم شمول التخارج لأي أموال لم يكن المتخارج على علم بها عند تسجيل عقد التخارج.
ولكن المعابدة توضّح أن “الإشكال يقع في الحالات التي قد تُدفع فيها المرأة لتسجيل معاملة التخارج بعد فترة قصيرة من وفاة المورث”. وتضيف: “الأفضل تأخير تقسيم الإرث بعد فترة معقولة من وفاة المورث”.
هذا ما تؤيده كذلك إنعام العشا، رئيسة جمعية معهد تضامن النساء الأردني، التي تعتقد بأن هناك “علاقة وطيدة” بين الحفاظ على حق المرأة في الإرث، واستراتيجية التأني، وتأخير السماح بإجراء معاملة التخارج “مما يقلل من حالات استغلال ظرف النساء النفـسي وحزنهن على مورثهن” على حد تعبيرها.
وكان عام 2020 قد سجل انخفاضا ملحوظا في أعداد معاملات التخارج المسجلة في المحاكم الأردنية مقارنة بعام 2019.
كما أن دائرة قاضي القضاة أجرت في أواخر عام 2020 تعديلاً على التعليمات الخاصة بالتخارج، حيث منعت التعليمات تسجيل أي تخارج قبل مرور أربعة أشهر على وفاة المورث، بدلًا من ثلاثة أشهر.
ومن وجهة نظر العشا، فإن محاولة حرمان المرأة من ميراثها عبارة عن “إفقار ممنهج للمرأة وإضعاف لتمكينها الاقتصادي، لأن النساء حظوظهن أقل في تملك الأراضي والعقارات وغيرها”.
“لن يهضم حقي”
رفضت داليا تسجيل التخارج، و رفعت مؤخرا ، بالاستعانة بابنها المحامي الشاب، دعوى للحصول على كامل نصاب ميراثها بعد أن استنفدت جميع الطرق الأخرى.
حاولت داليا محاورة إخوتها بهدوء “ونصحهم بإعطاء كل ذي حق حقه”، ولكن محاولاتها باءت بالفشل، وقالت “عندما يتعلق الأمر بالمال، يضعون القرآن جانبا، هذا عصر المادة”.
وفي اللحظة التي أعربت داليا لإخوانها عن رفضها التام لـ”عرضهم” وأعلنت أنها ستلجأ لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للحصول على حقها، قال لها أحد أشقائها ساخرا: “المحكمة تغلق أبوابها عصرا، إذا أسرعتِ، يمكنك اللحاق بها”.
وتقول داليا “هم يعلمون أننا سنخسر جزءا كبيرا من حصصنا في دفع رسوم معاملات التثمين، وتقسيم الممتلكات، ويعلمون كذلك أن هذه القضايا ستأخذ وقتا”.
لكنها أضافت “أمي لم تتخلّ عن حقها ولم تسامح حتى اللحظة التي كانت فيها على فراش الموت، وأنا لن أسامح”.
[ad_2]
Source link