هل يمكن للفيزياء إثبات وجود إله؟
[ad_1]
إذا كان هناك إله، فهل ستكون قدراته مقيدة بقواعد الفيزياء وقوانينها؟
“أنا الآن ملحد، وكنت لا أزال أؤمن بوجود إله حتى سمعت خلال مشاركتي في ندوة ما، سؤالا طُرِح في الأصل من جانب العالم الفيزيائي الشهير آلْبِرْت أينْشتاين، وقد شعرت وقتذاك بالدهشة إزاء رشاقة هذا السؤال وعمقه، إذ يقول: إذا كان هناك إله خلق الكون بأسره، ووضع كل ما فيه من قوانين تختص بالفيزياء والطبيعة؛ هل يتقيد هذا الإله بالقوانين التي وضعها هو نفسه؟ أم أن بمقدوره إبطال مفعول قوانينه؛ كأن يتحرك بسرعة تفوق سرعة الضوء، ما يجعله قادرا على الوجود في مكانيْن في آن واحد؟ هل يمكن أن تساعدنا الإجابة على هذا السؤال، على إثبات ما إذا كان هناك إله أم لا؛ أم أننا هنا بصدد نقطة يتقاطع فيها الإيمان الديني بالمنطق التجريبي العلمي؛ دون أن تكون هناك أي إجابة حقيقية؟”.
هذا السؤال طرحه ديفيد فروست، البالغ من العمر 67 عاما، من مدينة لوس أنجليس الأمريكية.
وصلني السؤال المنشور أعلاه، خلال خضوعي لقيود الإغلاق العام التي فُرِضَت للحد من تفشي وباء كورونا. شعرت وقتذاك بالذهول، فالتوقيت كان مناسبا لأسئلة من هذا القبيل؛ إذ أن الأحداث المأساوية كالأوبئة، غالبا ما تدفعنا للتساؤل عن مسألة وجود إله؛ فإذا كان هناك إله رحيم، فما السبب يا ترى في حدوث كارثة كهذه؟ ويبدو من المثير والممتع، في الوقت نفسه، أن يتمعن المرء في أبعاد فكرة أن الإله، ربما يكون “مقيدا” بقوانين الفيزياء، التي تحكم كذلك مجاليْ الكيمياء والأحياء، وبالتالي العلوم الطبية.
فإذا لم يكن الإله قادرا على كسر قوانين الفيزياء؛ ربما سيدفعنا ذلك للقول، إنه ليس بالقوة التي يُتوقع من كائن أسمى وأعلى أن يكون عليها. أما إذا كان بمقدوره تجاوز هذه القوانين؛ فلماذا لم نشهد في الكون من قبل أي دليل يثبت حدوث كسر لأيٍ من قوانين الفيزياء؟
للتعامل مع هذا السؤال، ربما يتعين علينا تبسيطه وتفكيكه في البداية قليلا. بداية دعونا نسأل؛ هل يمكن للإله التحرك بسرعة تفوق سرعة الضوء، التي تبلغ 186 مليون ميل في الثانية (299,500 كيلومتر في الثانية)؟ لعلنا نذكر أننا نتعلم في مدارسنا، أنه لا يوجد ما يمكنه الحركة بسرعة تفوق سرعة الضوء، وهو ما ينطبق حتى على المركبة الفضائية، التي تظهر ضمن أحداث فيلم “ستار تريك”، باسم “يو إس إس إنتربرايز”، وهي سفينة فضاء تعجز عن القيام بعمل من هذا القبيل، حتى وإن كانت بلورات الليثيوم الموجودة فيها، مشحونة إلى حدها الأقصى.
لكن هل ذلك صحيح؟ قبل بضع سنوات، افترضت مجموعة من العلماء، أن بوسع جسيمات افتراضية يحمل الواحد منها اسم تاكيون، التحرك بسرعة تفوق سرعة الضوء. ولحسن الحظ، من المستبعد للغاية وجود مثل هذه الجسيمات على أرض الواقع. فمن شأن وجودها، جعلها ذات كتلة متخيلة، وتشويه نسيج الزمان والمكان حولها، ما يؤدي في نهاية المطاف، إلى انتهاك قواعد قانون السببية.
وهكذا يبدو حتى الآن على الأقل، أننا لم نرصد وجود أي شيء قادر على الحركة بسرعة تفوق سرعة الضوء. ولا يشير ذلك في حد ذاته، إلى أي أمر يتعلق بوجود إله من عدمه، بل يؤكد فقط ما نعرفه عن أن الضوء يتحرك بسرعة فائقة بالفعل.
لكن الأمر يصبح أكثر إثارة، عندما نفكر في المسافة التي قطعها الضوء منذ ميلاد الكون، أو بالأحرى منذ أن وُجِدَ الكون الذي يمكننا إدراكه، قبل 13.8 مليار سنة. فوفقا للنظرية التقليدية التي تتحدث عن أن الكون نشأ نتيجة حدوث ما يُعرف بـ “الانفجار العظيم”، وبافتراض أن الضوء يتحرك بسرعة 186 مليون ميل في الثانية الواحدة، يمكننا القول إن الضوء قطع منذ ذلك الحين، مسافة قدرها 13 وأمامها 22 صفرا من الكيلومترات.
وفي ضوء أن الكون يتمدد بمعدل يصل إلى 70 كيلومترا في الثانية لكل مليون فرسخ فلكي، ما يعني أن المسافة إلى حافة الكون تبلغ بالتقديرات الحالية 46 مليون سنة ضوئية، وبناء على أن حجم الفضاء يزداد بمرور الوقت، يعني كل ذلك، أنه بات يتعين على الضوء الآن، الانتقال لمسافة أطول للوصول إلينا.
أكثر من ذلك، لا بد أن نقر بأن الكون أكبر بكثير، من تلك الأجزاء التي نستطيع أن نراها منه. فأبعد ما يمكن أن نرصده فيه، مجرة يُطلق عليها اسم “جي إن – زد11″، والتي تم رصدها باستخدام تلسكوب هابل الفضائي. وتقع هذه المجرة على بعد نحو 13.4 مليار سنة ضوئية من الأرض. بعبارة أخرى، يستغرق الضوء 13.4 مليون سنة، للوصول إلينا قادما من تلك المجرة. المفارقة أنه عندما “انبعث” الضوء للمرة الأولى، كان البعد بين هذه المجرة، ومجرتنا “درب التبانة”، لا يتجاوز قرابة ثلاثة مليارات سنة ضوئية.
ويشير ذلك إلى أنه ليس بوسعنا، أن نرصد أو نرى ما يوجد في شتى أنحاء الكون، من موجودات ظهرت منذ حدوث الانفجار العظيم، نظرا لأنه لم يمر بعد وقت يكفي لكي يصل إلينا الضوء المنبعث منها. ويقول البعض إن ذلك يحول دون أن يكون بمقدورنا التحقق، مما إذا كانت قوانين الفيزياء سارية بشكلها الذي نعرفه في مختلف أرجاء الكون، أم أنها “تُخرق” في بعض المناطق الكونية، أو أن لكل منطقة قوانينها الفيزيائية الخاصة. ويقودنا ذلك في كل الأحوال، للحديث عما هو أكبر من الكون نفسه.
الأكوان المتعددة
يعتقد الكثير من علماء الكونيات، أن كوننا قد يكون مجرد جزء من كون أكثر اتساعا، أو من “وجود متعدد الأكوان”، تتعايش فيه أكوان مختلفة دون أن تتفاعل مع بعضها بعضا. وتبدو هذه الفكرة، مدعومة بنظرية “التضخم الكوني”، التي تشير إلى أن الكون تضخم بشكل هائل، وفي غضون الثانية الأولى من عمره. وتكتسب هذه النظرية أهميتها من كونها، تقدم تفسيرا للسبب الذي يجعل الكون، يأخذ الشكل والبنية التي نراها الآن من حولنا.
لكن إذا كان هذا التضخم قد حدث من قبل مرة؛ فما الذي يمنع أن يحدث مرات عديدة؟ بجانب ذلك، نعلم من خلال التجارب العلمية، أن حدوث ما يُعرف بـ “التموج الكمي”، يمكن أن يؤدي إلى ظهور أزواج من الجسيمات بشكل مفاجئ، فقط لتختفي بعد لحظات قليلة. وهكذا فإذا كانت هذه “التموجات”، قد تفضي لظهور جسيمات، فلِمَ لا ينجم عنها أن نرى ولادة ذرات أو حتى أكوان بأسرها؟ بل إنه يُقال إن فترة التضخم العشوائي للكون، شهدت تباينا في معدلات اتساع وتمدد مكوناته، إذ أن “التموج الكمي”، كان يقود لظهور فقاعات، يمكن أن تنفجر ليصبح كل منها كونا في حد ذاته.
لكن كيف تتلاءم مسألة وجود إله مع نظرية الأكوان المتعددة؟ في البداية، يتعين علينا الإشارة، إلى أن من بين الأمور المزعجة لعلماء الكونيات، حقيقة أن كوننا يبدو وكأنه أُعدّ بدقة بالغة لكي توجد فيه الحياة بصورتها الحالية. فالجسيمات الأساسية التي نشأت بفعل حدوث “الانفجار العظيم” احتوت على الخصائص اللازمة لتكون الهيدروجين والديوتيريوم، وهما العنصران اللذان تشكلت منهما النجوم الأولى على الإطلاق.
بعد ذلك، وبموجب قوانين الفيزياء التي تحكم التفاعلات النووية التي شهدتها هذه النجوم، ظهرت المواد التي تكونت منها الحياة؛ وهي الكربون والنيتروجين والأكسجين. فكيف تسنى إذا أن تكون كل القوانين والمعايير الفيزيائية في الكون، على شاكلة سمحت للنجوم والكواكب بالتشكل، وقادت لظهور الحياة في نهاية المطاف؟
هنا يذهب البعض للقول، إن الأمر لا يعدو سوى مصادفة سعيدة. بل ويرى آخرون منهم، أنه لا يتعين علينا أن نُفاجئ إذا رأينا قوانين فيزيائية “صديقة للبيئة”! فقد أدت هذه القوانين والقواعد، إلى أن نُخلق نحن أنفسنا، فماذا بوسعنا أن نرى أكثر من ذلك غرابة؟ من جانبهم، يرى بعض المؤمنين بوجود الله، أن ذلك يشير إلى أن هناك إلها، وفّر الظروف الملائمة لظهور الحياة.
لكن وجود إله لا يشكل تفسيرا مقبولا للأمر من الوجهة العلمية. هنا يبدو أن نظرية وجود أكوان متعددة، تشكل حلا لهذا اللغز، لأن القبول بها يعني أنه يمكن أن يكون لهذه الأكوان المختلفة، قوانين متباينة بدورها. ويعني ذلك، أنه من الجائز أن يتصادف أننا موجودون في واحد من الأكوان القليلة، التي تسودها ظروف تلاءم حياتنا بشكلها الحالي. لكن لا يمكن للمرء هنا، دحض فكرة أن هناك إلها، ربما يكون قد خلق هذه الأكوان المتعددة بدورها.
بيد أن كل ما سبق لا يعدو سوى افتراضات محضة إلى أبعد حد. فمن بين أكثر الانتقادات، التي تُوجه للنظريات التي تتبنى فكرة “الأكوان المتعددة”، أن عدم وجود تفاعل – على ما يبدو – بين كوننا وبين هذه الأكوان المفترضة، يجعلنا غير قادرين على اختبار فكرة وجودها، بشكل مباشر.
غرابة “الكم”
دعونا ننتقل الآن إلى بحث فكرة ما إذا كان بمقدور الإله الوجود في أكثر من مكان، في آن واحد من عدمه. لعل علينا الإشارة أولا هنا، إلى أن الجانب الأكبر من النظريات العلمية والتقنيات، التي نستخدمها في علوم الفضاء، يستند إلى نظرية تبدو غير بديهية للوهلة الأولى، وتُعرف باسم ” ميكانيكا الكم”، وتركز على ذلك العالم الزاخر بالأشياء دقيقة الحجم للغاية، من قبيل الذرات والجسيمات.
وتشير هذه النظرية إلى حدوث ما يُعرف بـ “التشابك الكمي”، بين اثنين أو أكثر، من الجسيمات المترابطة بشكل وثيق للغاية. ووفقا لهذه النظرية؛ يؤدي تحكمك في جسيم من هذه الجسيمات، إلى تمكينك من أن تتحكم بشكل تلقائي في الجسيمات الأخرى “المتشابكة كميا” معه، حتى وإن كانت بعيدة للغاية عن بعضها بعضا، ولا يوجد بينها تفاعل.
الآن، تخيل أن هناك جسيما تحلل إلى جسيميْن فرعييْن: “أ” و”ب”. في هذه الحالة، يجب أن تكون خصائص هذين الجسيميْن متماثلة مع خصائص الجسيم الأصلي، وفقا لنظرية علمية تحمل اسم “الحفاظ على الطاقة”. ومن بين هذه الخصائص المرتبطة بآليات “ميكانيكا الكم”؛ ما يُعرف بـ “الدوران المغزلي”، وهي خاصية تجعل الجسيمات تتحرك وكأنها أشبه بإبر بوصلة صغيرة الحجم للغاية.
وعلى هذا الأساس؛ إذا كانت محصلة “الدوران المغزلي” للجسيم الأصلي تساوي صفرا؛ فإن ذلك يعني أنه يجب أن يكون لأحد الجسيميْن الفرعييْن محصلة “دوران” إيجابية، وأن يصبح للآخر محصلة سلبية. ويعني ذلك أيضا، أن فرصة أن يكون للجسيم محصلة دوران إيجابية أو سلبية، تتساوى بين هذين الجسيمين الفرعييْن. وتشير نظرية “ميكانيكا الكم” بالمناسبة، إلى أن الجسيم يظل يتسم بحكم التعريف، بالازدواجية ما بين الطابعين الإيجابي والسلبي في هذا الشأن، إلى أن يتم تحديد طبيعة ما هو عليه بالفعل في المختبر.
ولأن هذين الجسيمين الفرعيين يرتبطان بشكل وثيق ببعضهما البعض، في إطار نظرية “التشابك الكمي”، فإن هناك علاقة قوية بين خصائصهما، حتى وإن كانا يوجدان في مختبريْن يقعان على كوكبيْن مختلفيْن. ومن هذا المنطلق، فإنك إن اختبرت محصلة “الدوران المغزلي” للجسيم “أ” ووجدتها إيجابية، فإن ذلك يعني أن إجراء اختبار مماثل للجسيم “ب” في الوقت نفسه، لا بد وأن يكشف أن محصلة دورانه سلبية، لكي تكون المحصلة الإجمالية لهما صفرا.
نصل هنا إلى المرحلة التي يكتنف فيها الغموض كل شيء. فبما أن إمكانية أن تكون محصلة “الدوران المغزلي” إيجابية أو سلبية، تتساوى بين الجسيميْن “أ” و”ب”، فإن ذلك يعني أن محصلة دوران الجسيم الثاني “تصبح” سلبية، في اللحظة ذاتها التي تكشف فيها الاختبارات، عن أن نظيرتها للجسيم الأول “إيجابية”. مؤدى ذلك، بعبارة أخرى، أن المعلومات الخاصة بحالة “الدوران المغزلي” تنتقل بين الجسيميْن بشكل فوري. ويبدو أن مثل هذا الانتقال لتلك المعلومات الكمية، يحدث بسرعة تفوق سرعة الضوء.
إذا هناك، برغم كل شيء، ما يستطيع الانتقال بسرعة تفوق سرعة الضوء، وهو هنا المعلومات الكمية. ومع أن ذلك لا يؤكد وجود إله ولا ينفيه، فإنه قد يساعدنا على التفكير في الإله بمعايير فيزيائية مادية؛ كأن نتصوره في شكل وابل من الجسيمات المتشابكة، التي تتناقل المعلومات الكمية ذهابا وإيابا؛ ما يجعلها تشغل أماكن مختلفة في الوقت نفسه، بل وربما أكوانا متعددة، في آن واحد.
ولذا ثمة صورة في ذهني للإله وهو ينقل المعلومات الكمية من كون لآخر للإبقاء على كل شيء في حالة حركة. بل ولحسن الحظ، بوسع هذا الإله القيام بأكثر من مهمة في الوقت ذاته، مع الحفاظ على نسيج الزمان والمكان قيد العمل بشكل طبيعي. ولا يتطلب تصديق ذلك والثقة فيه، سوى أن يتحلى المرء بالقليل من الإيمان.
إذا؛ هل اقتربنا عبر هذا المقال، من تقديم إجابة على السؤال الذي طُرِح في مستهله؟ أعتقد لا. فإذا كنت تؤمن بوجود إله (كما أفعل)، فسيكون بحث فكرة، ما إذا كان الإله يتقيد بقوانين الفيزياء من عدمه مجرد هراء، لأن الإله بالنسبة لك قادر على كل شيء، بما في ذلك التحرك بسرعة تفوق سرعة الضوء. وسيكون التساؤل نفسه هراء بالقدر ذاته، إذا كنت لا تؤمن بوجود إله. ففي نظرك لا إله من الأصل مبدئيا، كما أنك موقن في الوقت نفسه، بأن لا شيء قادرا على التحرك بسرعة تفوق سرعة الضوء. ولذا ربما يناسب هذا السؤال “اللا أدريين” بشكل أكثر، وهم أولئك الأشخاص، الذين لم يحددوا بعد موقفهم من مسألة وجود إله.
في واقع الأمر، ما نتحدث فيه يشكل مسألة يختلف فيها العلم مع الدين. فالعلم يحتاج إثباتات وأدلة، بينما تحتاج المعتقدات الدينية للإيمان بها. وبينما لا يحاول العلماء إثبات وجود إله من عدمه، لأنهم يعلمون أنه لا يمكن تأكيد مثل هذا الوجود عبر أي تجربة علمية مهما كانت؛ لا يهمك – إذا كنت مؤمنا بوجود إله – طبيعة ما يكتشفه العلماء بشأن الكون. ويعود ذلك لأنك ترى أن أي شيء يوجد في كوننا سيتوافق مع وجود إله، ما يعني أن رؤانا حيال هذا الأمر، سواء كانت ذات طابع مادي فيزيائي أو غير ذلك، تعتمد في نهاية المطاف، على الزاوية التي ينظر منها كل منّا له.
[ad_2]
Source link