فيروس كورونا: كيف تساعد الطفرات الجينية العلماء على كشف نقاط ضعفه؟
[ad_1]
خلال شبابه، كان ستيفن كرون يشعر بالعجز، وهو يراقب أصدقاءه يقعون، واحدا تلو الآخر، فريسة لمرض مجهول.
وحين طال المرض، الذي بتنا نعرفه باسم الإيدز، جسد شريك حياته المختص برياضة الجمباز جيري غرين، عام 1978، توقع كرون ألا يفلت من براثته.
ولكن، بينما فقد غرين بصره ووهن جسده، لم تظهر على كرون أي أعراض. وخلال عقد من الزمن، واجه عشرات أصدقاء كرون المصير ذاته، ونجا هو.
بقي سبب صموده مجهولاً إلى أن بدأ عالم المناعة بيل باكستون أبحاثه عن المثليين المقاومين لفيروس الإيدز، عام 1996.
كان باسكتون يعمل في مركز “أرون دياموند” لأبحاث فيروس الإيدز في نيويورك، وأجرى اختبارات على خلايا دم بيضاء حصل عليها من كرون.
حاول العالم إصابة تلك الخلايا بعدوى فيروس نقص المناعة المتسبب بمرض الإيدز، في المختبر، ولكن كلّ محاولاته باءت بالفشل.
تبين أن كرون يتمتع بطفرة جينية، لا تظهر إلا عند واحد بالمئة تقريباً من السكان، وتمنع فيروس الإيدز من الارتباط بسطح خلايا الدم البيضاء.
حاكى العلماء هذه الطفرة، على مدى العقد اللاحق، لتطوير دواء “مارافيروك” المضاد للفيروسات القهقرية، والذي شكل طفرة في علاج الإيدز.
خلال السنوات العشرين الماضية، شكّل اكتشاف باكستون نواة لأبحاث شملت حالات مثل كرون، لا تظهر عليهم أعراض الأمراض رغم التعرض للفيروسات، بهدف اكتشاف علاجات جديدة. يتمتع بعض الناس بمقاومة استثنائية لفيروس كورونا، ما دفع العلماء إلى فحص دمائهم وجيناتهم، أملاً بالعثور على نقاط ضعف الفيروس.
لسنوات طويلة، درس أخصائي جيسون بوب، أخصائي علم الوراثة في كلية إيكان للطب في ماونت سايناي بمدينة نيويورك، الأسباب التي تجعل بعضهم غير عرضة للإصابة بالأمراض، بدءاً من أمراض القلب، وصولاً إلى داء لايم، بالرغم من تعرضهم لعوامل خطر تزيد احتمالات الإصابة.
خلال الموجة الأولى لجائحة كوفيد-19، تساءل بوب على الفور عن إمكانية العثور على أشخاص يعجز الفيروس عن إصابتهم.
وركز بوب بحثه على العائلات التي أصاب كوفيد – 19 عدّة أجيال فيها، بأعراض وخيمة، فيما لم تظهر أي أعراض على أحد أفرادها. ويقول: “إن وجود عائلة بأكملها قد يساعدنا في فهم العوامل الوراثية وراء مقاومة المرض”.
ساعدت التقنيات الرقمية الحديثة بوب في العثور على عائلات كان البحث عنها قد يتطلّب سنوات أو عقوداً، في ذروة تفشي فيروس الإيدز.
ويتعاون بوب منذ شهر يونيو/حزيران مع مجموعات على منصة فيسبوك، كما دشن منصة عبر الإنترنت، للبحث عن مرضى كوفيد-19 الذين لم تظهر عليهم أعراض.
ويأمل بوب أن يتمكن من فك الخريطة الوراثية اللازمة من خلال تحليل عينات من دم من لم تظهر عليهم الأعراض، بحثا عن طفرات جينية.
قد تمهد نتائج هذه الدراسة لتطوير مضادات فيروسية، قد تقي من الإصابة بكوفيد-19، وتحول دون تفشي المرض مستقبلا.
ربطت دراسات بين فصيلة الدم O، وفصائل الدم السالبة، وبين انخفاض مخاطر الإصابة بمضاعفات قاسية للمرض. وقد افترض الباحثون أن الأشخاص الذين يحملون فصائل دم معينة قد يكون لديهم أجسام مضادة قادرة على التعرف على بعض خصائص الفيروس، لكنهم لم يتمكنوا بعد من تحديد طبيعة الصلة بين فصيلة الدم وبين مضاعفات المرض.
من جهتها، تجري مايانا زاتز، مديرة مركز أبحاث الجينوم البشري في جامعة ساو باولو، أبحاثاً على 100 ثنائي بين أزواج وشركاء حياة، أصيب أحدهم بكوفيد – 19، ولم يصب الآخر، رغم عيشهم تحت سقف واحد.
وتقول زاتز: “نحاول البحث عن الأسباب وراء عدم إصابة البعض بمرض كوفيد-19 رغم تعرضهم للفيروس، وعدم وجود أجسام مضادة للمرض في دمهم. وقد لاحظنا أن هذه الظاهرة منتشرة نسبيا، فقد تلقينا نحو ألف رسالة بالبريد الإلكتروني من أناس يقولون إنّ هذا الوصف ينطبق عليهم”.
تنكب زاتز أيضاً على فحص جينات 12 معمرا، يتجاوزون المئة عام، عانوا أعراضا طفيفة، ومن بينهم امرأة تتجاوز الـ 114 عاما في ريسيفي بالبرازيل، تعافت من كوفيد-19.
وقد تساعد هذه الدراسات على كبار السن المقاومين للمرض، في التوصل إلى طرق لحماية الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض من الموت في الجوائح القادمة.
جذب الأشخاص الذين يتمتعون بمقاومة استثنائية للأمراض انتباه علماء في مجالات أخرى، وقد توصلوا خلال الشهرين الماضيين إلى نتائج مهمة عن سر ارتفاع أعداد وفيات كوفيد-19.
تعطيل نظام الإنذار بالجسم
منذ عشرين عاماً، يعكف العلماء في جامعة روكفلر في نيويورك، على دراسة الخريطة الوراثية البشرية، بحثاً عن أدلة لتفسير أسباب معاناة بعض الأشخاص من أعراض حادة، بمجرد الإصابة بفيروسات “معتادة”، مثل الهربس أو الإنفلونزا.
وتقول كيان زانغ، أخصائية علم الوراثة في الجامعة: “قد تجد دائما أنّ بعض الناس يعانون من أعراض شديدة وحادة عند اصابتهم بأخد الأمراض المعدية، لأن لديهم طفرات جينية تجعلهم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالمضاعفات”.
وعندما تفشت جائحة كوفيد-19، بدا واضحا أن كبار السن، خصوصاً من يعانون من أمراض مزمنة، كانوا أشد الناس تأثرا بالمرض.
لكن العلماء في روكفلر، بحثوا عن الحالات الاستثنائية، مثل شباب أصحاء في سن الثلاثين، انتهى بهم المطاف في المستشفيات على أجهزة التنفس الاصطناعي.
وفي أبريل/ نيسان الماضي، دشن الفريق مشروعا عالميا بالتعاون مع جامعات ومراكز طبية من بلجيكا إلى تايوان، بهدف التعرف على الأسباب وراء ذلك.
وفي ستينيات القرن الماضي، اكتشف العلماء نظام إنذار داخل خلايانا لتحذير الجسم في حالة التعرض لهجوم فيروسي.
تقول زانغ: “عندما يدخل فيروس إلى خلية، تنتج الخلية المصابة بروتينات تسمى الإنترفيرون، وتطلقها خارج الخلية. وعندما تتلقى سائر الخلايا الإشارة تتخذ الاستعدادات لمحاربة الفيروس. وإذا كانت الإصابة خطيرة، تنتج الخلايا كميات كافية من الإنترفيرون وتطلقها في مجرى الدم لتنبيه الجسم بأكمله بأنه يتعرض للهجوم”.
لكن في بعض الأحيان قد يتسبب خلل جيني في تعطيل هذا النظام. إذ لاحظ علماء روكفلر، عام 2015، وجود طفرات جينية لدى الشباب الأصحاء، تؤدي إلى إصابتهم بمرض الالتهاب الرئوي الشديد المصاحب للإنفلونزا. وبسبب هذه الطفرة الجينية لا تطلق الخلايا بروتينات الإنترفيرون. وتقول زانغ: “في حالة إيقاف نظام الإنذار، قد ينتشر الفيروس ويتكاثر سريعا في الجسم”.
وقارنت دراسات نشرت في سبتمبر/ أيلول 2020، بين 987 مريضا بكوفيد-19 أصيبوا بالتهاب رئوي وكانت أعمارهم أقل من 50 عاما أو أكبر من 50 عاما ولا يعانون من أمراض مسبقة، وبين مصابين بفيروس كورونا، لم تظهر عليهم أعراض.
واكتشفت الدراسات أن نحو 3.5 في المئة من المرضى في المجموعة الأولى كانت لديهم طفرة جينية تمنع الخلايا من إنتاج الإنترفيرون وإطلاقه، وأن 10 بالمئة منهم لديهم أضداد ذاتية في الدم، أي أجسام مضادة تستهدف البروتينات التي ينتجها الجسم.
هذه الأجسام المضادة ترتبط ببروتينات الإنترفيرون التي تطلقها الخلايا، وتزيلها من مجرى الدم قبل وصول إشارة التنبيه إلى سائر الجسم.
ويقول إيغناشيو سانز، خبير علم المناعة في جامعة إيموري، إن هذه النتائج تؤيد نتائج دراسات أخرى أثبتت أن الأضداد الذاتية تؤدي دورا مهما في الإصابة بمضاعفات كوفيد-19 الخطيرة، من خلال تعطيل قدرة الجسم على الدفاع عن نفسه.
ويعتزم علماء روكفلر استخدام هذه المعلومات للبحث عن أشخاص أكثر عرضة للإصابة بالأعراض الحادة لمرض كوفيد-19، وغيره من الأمراض التنفسية مثل الإنفلونزا الموسمية.
وتقول زانغ إن أي شخص تكتشف لديه طفرة جينية تعطل إنتاج الإنترفيرون استجابة للهجوم الفيروسي، من الممكن علاجه ببروتينات الإنترفيرون من النوع الأول سواء كعلاج وقائي أو في المراحل الأولى من الإصابة بالمرض.
وتقول: “تلقى ثلاثة مرضى في باريس، كانت لديهم هذه الطفرات الجينية، حقنة إنترفيرون، بعد أن تأكدت إصابتهم بكوفيد-19. وكانت النتائج رائعة، ولم يصب أي منهم بأعراض حادة”.
ويتعاون الفريق أيضا مع بنوك الدم حول العالم، لحصر عدد الأشخاص الذين لديهم أضداد ذاتية تستهدف الإنترفيرون من النوع الأول. وتقول زانغ: “نريد أن نتعرف على عدد الأشخاص الذين لديهم الأضداد الذاتية، لأن الكثير من المشاركين في الدراسة كانوا يبدون طبيعيين ولا يعانون من أية مشاكل صحية، إلى أن أصيبوا بكوفيد-19”.
الاستعداد الوراثي
لم تكن الأضداد الذاتية مسؤولة عن تعطيل استجابة الإنترفيرون إلا لدى 14 بالمئة فقط من المرضى المصابين بالمضاعفات الشديدة لكوفيد-19.
وتقول أليساندرا رينيري، أستاذة علم الوراثة الطبي في جامعة سيينا: “يصاب عدد قليل من المرضى بمضاعفات المرض الحادة، لأن لديهم طفرة في جين رئيسي واحد، في حين أن الغالبية العظمى من المرضى تتفاعل لديهم جينات عدّة، تجعلهم أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات كوفيد – ١٩ الحادّة”.
ودرس علماء من جامعة إدنبره الخريطة الورثائية لدى 2700 مريض في غرف العناية المركزة في المملكة المتحدة، وقارنوها بالخريطة الوراثية لمتطوعين أصحاء.
ولاحظوا أن الجينات التي ترتبط بإنتاج الإنترفيرون والاستعداد للإصابة بالالتهاب الرئوي، كانت أكثر نشاطا أو أقل نشاطا لدى المرضى الذين أصيبوا بالمضاعفات الوخيمة لمرض كوفيد-19، مقارنة بالأصحاء.
وتقول إيرولا بايرو كاستينييرا، أخصائية علم الوراثة التي قادت الدراس: “إن الخلل في نشاط هذه الجينات يتيح للفيروس الانتشار بسهولة في الجسم وقد يسبب أيضا تلف الرئة”. وتتوقع كاستينييرا أن تغير هذه النتائج أنواع العلاجات خلال الجوائح مستقبلا.
في فبراير/شباط 2020، تنبأت خوارزميات بأن يصبح دواء باريسيتينيب، المستخدم في علاج التهاب المفاصل الروماتيزمي، فعالا في علاج كوفيد-19. لأن هذا العقار المضاد للالتهاب يكبت نشاط جين واحد على الأقل من الجينات التي تساعد على الإصابة بالأمراض الرئوية.
وأثبتت تجارب سريرية أن إعطاء المرضى توليفة من عقار باريسيتنيب ومضاد الفيروسات ريمديسفير تساعد مرضى كوفيد-19 على التعافي في وقت أقصر.
وبالتعاون مع الباحثين من جامعة روكفلر، يجري علماء جامعة إدنبره دراسات أوسع نطاقا على المرضى الذين لديهم الاستعداد الوراثي للإصابة بمضاعفات كوفيد-19. وقد تساعد هذه الدراسات العلماء في التعرف على الأسباب التي تجعل الأشخاص الذين يحملون فصيلة الدم A أكثر عرضة للإصابة بمضاعافت حادة.
وساعدت هذه الدراسات العلماء في كشف غموض تفاوت تأثير كوفيد-19 بين الجنسين. ويقول رينييري: “كشفت هذه الدراسات عن مدى أهمية دور الإنترفيرون لتنبيه الجسم. فالرجال يرتفع لديهم هرمون الذكورة “التستوستيرون” في الدم بعد البلوغ، وهذا الهرمون يؤثر على نشاط الجينات التي تتحكم في إنتاج الإنترفيرون. ولهذا فإن الرجال الذين لديهم خلل بالفعل في هذه الجينات، أكثر عرضة بمراحل للإصابة بالفيروس”.
ربما لن تحدث هذه الإجابات فارقا كبيرا في الجائحة الحالية، لكنها قد تسهم حتما في إنقاذ الأرواح في الجوائح المقبلة. فتفشي متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد وإنفلونزا الخنازير والإيبولا ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية في السنوات العشرين الماضية، أثبت أن الفيروسات ستظل تنتقل من الحيوانات البرية إلى البشر. وقد أصبحنا الآن في أمسّ الحاجة لتطوير طرق جديدة لعلاج الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بمضاعفات الأمراض.
ويستخدم فريق زاتز الخلايا الجذعية لتحويل عينات الدم المأخوذة من المعمرين الذين تمتعوا بمقاومة استثنائية لمرض كوفيد-19، إلى أنسجة رئة، وإصابتها في المختبر بفيروسات عدّة، لاستكشاف مدى قدرة الطفرات الجينية على حمايتها من هذه الفيروسات.
على غرار الدراسة التي أجريت على عينة الدم المأخوذة من ستيفن كرون، قد تساعد هذه الدراسة في تطوير مضادات فيروسات جديدة.
وتقول زاتز: “إن هدفنا هو اكتشاف الاختلافات الجينية التي تعزّز مقاومة بعضهم، ليس ضد فيروس كورونا فحسب، بل أيضا ضد سائر الفيروسات أو الأمراض. ونأمل أن يفتح لنا هذا الاكتشاف آفاقا جديدة للعلاج”.
[ad_2]
Source link