مراجعة الأدبيات (الدراسات السابقة) بقلم الأستاذة نجوى بنت ذياب المطيري

إيسايكو: مراجعة الأدبيات (الدراسات السابقة) من إعداد الأستاذة نجوى بنت ذياب المطيري .. باحثة دكتوراه تخصص أصول تربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
تمهيد:
يعتبر العلم سلسلة من التراكمات والمعارف العلمية الناتجة عن البحوث والدراسات الميدانية، وهكذا كل بحث علمي يضيف جزء من المعرفة، أو يوضح مبهم، أو يصحح ويعدل معارف كان يشوبها الغموض أو عدم الكمال، ولهذا فالباحث عند البدأ في أي دراسة علمية يجب أن يطلع على البحوث العلمية السابقة للموضوع الذي يريد دراسته، فهذه الدراسات تساهم في تحديد المشكلة محل البحث و تحديد الزوايا التي يريد أن يدرس منها الموضوع سواء كان يتطرق لزاوية جديدة لم يتم التطرق لها، أو يؤكد أو يعدل أو ينفي معلومات سابقة عن الظاهرة التي يريد دراستها.
بعد أن ينتهي الباحث من تحديد مشكلة بحثه وفروضه وأهميته وأهدافه، وقبل أن يبدأ في جمع البيانات يجب عليه مراجعة البحوث والدراسات التي سبق وأن أجراها باحثين سابقين في نفس الموضوع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة (مشابهة)، حيث تساهم هذه المراجعة في زيادة فهم الباحث للموضوع محل الدراسة، وبعدها يقوم بقراءة نقدية لها.
وتعد مراجعة الأدبيات ذات الصلة المحور الرئيس لمشروع البحث،فهي الخطوة الثالثة للطريقة العلمية التي وضعها ديوي (Dewey) والفلاسفة التربويون الآخرون، إذ من خلال القيام بمراجعة الأدبيات،يجد الباحث مسحاً شاملاً لما تم إجراؤه سابقاً من بحوث ودراسات،على مشكلة يساعده في حلها، ويعد هذا المسح عاملاً مهماً وحاسماً في التخطيط للدراسة، وأن الوقت المخصص لهذا الغرض يعد استثماراً معقولاً لا جدال عليه (Mouly,1963,p.111).
إن الهدف العام للبحوث الأكاديمية الرصينة هو تطوير وتقدم المعرفة الإنسانية، ومن أبرز ما يميز مراجعة الدراسات السابقة أنها تمكن الباحث من الوصول إلى ما يسمى بالفجوة المعرفية، أو بعبارة موجزة تفتح له المجال لمعرفة الثغرات أو الجوانب التي لم يسبق تناولها أومناقشتها من قبل الباحثين الآخرين وهي بحاجة ماسة لمساهمة الباحث لإضافة حلول جديدة (إن كانت الدراسة تعالج مشكلة معينة) أو طرح بدائل لحلول موجودة أو تفسير لغموض أو اكتشاف لمؤثرات جديدة لعلاقات قائمة. وتكمن أهمية الدراسات السابقة في التحقق من النتائج السابقة، أو نفيها، أو نفي جزء منها، ومعرفة هذه التناقضات التي قد ترجع لاختلاف الزمان والمكان ومجتمع البحث، أو من حيث الأسلوب والمنهجية والأدوات المستخدمة في جمع ومعالجة البيانات (الزيباري،2011م، ص111).
ولذلك يتبين أن مراجعة الدراسات السابقة مكانة وأهمية بالغة باعتبارها منطلق البحوث الأكاديمية وكونها قاعدة مهمة لبناء أي دراسة علمية – سواء كانت نظرية أو تطبيقية – وفي مختلفالتخصصات، هذه المراجعة ليست استعراض لجهود الباحثين السابقين بقدر ماهي مراجعة نقدية شاملة لجهودهم وتقييم لنتائجهم وتحليل عميق لتفسيراتهم لهذه النتائج (توفيق،2019م،ص17).
لأجل ذلك أردت من خلال هذا المقال تزويد الباحثين والطلبة الأكاديميين المقبلين على إعداد المذكرات والرسائل الجامعية، بمنهجية علمية كيفية التعامل مع الدراسات السابقة من حيث الاقتباس وشروط واجراءات عرضها وترتيبها ونقدها وتقييمها وتوظيفها في بحوثهم العلمية.
ومن هنا جاء هذا المقال لمعرفة المقصود بالدراسات السابقة، وماهي أهميتها؟، وماهي شروط الاستعانة بالدراسات السابقة؟، وكيف يتم تلخيصها وعرضها وتقييمها ونقدها وتوظيفها في البحث العلمي؟
أولاً: مفهوم الدراسات السابقة:
يقصد بالدراسات السابقة هي مجموع الدراسات والرسائل والأطروحات الجامعية في القطر الذي نعيش فيه، أو الأقطار المجاورة أو البعيدة، والتي على الباحث أن يطلع عليها من خلال متابعة كل ما يتعلق بموضوع بحثه، لمعرفه إن كان البحث قد سبق دراسته من باحثين آخرين أم لا، لذلك ينبغي على الباحث الإطلاع المتواصل على مستخلصات الرسائل والأطروحات (توفيق،2019م،ص18).
وعرفها العساف (1438ه) بأنها الدراسات العلمية السابقة ذات الصلة المباشرة بكل البحث أو بجانب من جوانبه ويتم العرض بتوضيح أوجه الشبه، الاختلاف، الاستفادة منها في البحث بعد وصف كل دراسة وصفا مختصراً (ص171).
وعرفها الحمداني وآخرون (2006م) بأنها تلك البحوث والدراسات التي قام بإجرائها باحثون آخرون في هذا الموضوع أو الموضوعات المشابهة، وماهية هذه الدراسات، والأهداف التي سعت إلى تحقيقها، وأهم النتائج التي توصلت إليها، ليتمكن الباحث فيما بعد من تمييز دراسته الحالية عن تلك الدراسات (ص34).
كما تتمثل الدراسات السابقة في جميع الرسائل العلمية التي كانت قد نشرت من قبل حول موضوع البحث العلمي وإن كان موضوع مشابه لموضوع البحث العلمي المتناول، وتتمثل الدراسات السابقة بالأبحاث العلمية المكتوبة في السابق حول أحد متغيرات عنوان البحث العلمي بحيث يستفيد منها الباحث العلمي في كتابة جزئية ما حول موضوع البحث العلمي للبحث المتناول، ومن هنا يمكن القول بأن الدراسات السابقة تتشكل في الأبحاث والرسائل العلمية التي قام بكتابتها باحثين من قبل سواء كانوا طلاب مرحلة بكالوريوس أو طلاب دراسات عليا متمثلة في الماجستير والدكتوراه (غربي، 2009م، ص54).
ثانياً: أهمية الدراسات السابقة:
تعد عملية استعراض الدراسات السابقة في البحث العلمي ذات أهمية بالغة، كونها تساعد الباحث أثناء تنفيذه لبحثه وللقارئ من حيث أنه بحث جديد لم يتطرق إليه باحثين آخرين أو معرفة ما توصل إليه الآخرين مما يمكنه من تفادي التكرار والانطلاق من حيث انتهى السابقين، و في بعض الأحيان إعادة دراسة نفس المشكلة بنفس الطريقة والمنهجية في ظروف ومعطيات جديدة للتأكد من ثبات النتائج أو تغيرها لتغير الظروف والمعطيات، أو تغير النتائج لقصور في تطبيق المناهج والأدوات المستعملة في البحوث السابقة، كما يمكن أن يكون القصور في طريقة تناول الموضوع في جانب وزاوية معينة التي يقوم الباحث بتناول هذا القصور والجوانب التي لم تتطرق إليها الدراسات السابقة (نعمان وآخرون، 1998م، ص 56).
إن أهمية الدراسات السابقة لا تقتصر على دورها في بناء وتكوين البحث وخطته في المراحل الأولية بل تتعدى ذلك إلى دورها المحوري في الفصول النهائية للدراسة حيث تلبي حاجة الباحث في ايضاح وتفسير ما يعترضه من نتائج قد لا تكون منطقية أو واقعية لرؤيته، إن هذه النقطة الجوهرية في البحث العلمي، وأعني مقارنة نتائج الدراسة بنتائج الدراسات السابقة التي عادة ما يخصص لها مبحث مستقل في نهاية البحث يسمى المناقشة تعد خلاصة المساهمة التيأضافها الباحث لموضوع الدراسة وتعكس قدرته على تبرير موقفه من نتائج الدراسات السابقة وما يمتلكه من أدلة وبراهين تعزز رأيه في تأييد ودعم او نقض ودحض النظريات السابقة (توفيق، 2019م, ص 20).
يعتبر العمل البحثي نشاط ممنهج وبناء مترابط يسعى لغاية محددة وأهداف واضحة ويتبنى أساليب علمية دقيقة للوصول إلى الحقيقة وللإسهام في تنمية المعرفة وتوسيع آفاقها، وهو في الوقت ذاته ممارسة حقيقية للتقريب بين النظرية والتطبيق وللوصول إلى حلول منطقية لإشكالات الواقع المتجددة، وتتمثل الأهداف من الرجوع إلى الدراسات السابقة التزود بالمعلومات والنتائج التي توصل إليها الباحثين السابقين حول الموضوع محل الدراسة، كما تبين ما توصل إليه الباحثين السابقين ومواصلة البحث في الموضوع لتأكيد نتائج الدراسات السابقة، أو نفيها كلياً أو جزئياً (معتوق، 2009م, ص58).
ويذكر الصيرفي (2002م) بعض النقاط لأهمية التطرق والتعرض للدراسات السابقة، وهي كالتالي:
ثالثاً: شروط اختيار الدراسات السابقة:
لا شك أن الدراسات السابقة لها دور قوي في بلورة المشكلة، وكذلك يمكن تحليل نتائج البحث العلمي بالاستعانة بنتائج الدراسات السابقة، ويستطيع الباحث كذلك التعرف على أوجه التشابه والاختلاف بين بحثه العلمي والأبحاث الأخرى، وذكر توفيق(2019م) مجموعة من الشروط التي يجب على الباحث الالتزام بها عند اختياره للدراسات السابقة وهي كالتالي:
عند عرض الدراسات السابقة في فصل ومحور الدراسات السابقة يتخذ الباحث في سرده لها بما يناسب طبيعة بحثه وما يراه مناسب حسب الأهمية البحثية للدارسة ولذلك صنف المهتمين بالمنهجية العلمية للبحوث العلمية مجموعة من الإجراءات والتصنيفات المنهجية، يذكرها بوترعه وضيف (2019م) وهي كالتالي:
ويعتمد هذا التصنيف على تصنيف الدراسات السابقة حسب أسئلة البحث وفروضه أو حسب التقسيم المتصور للدراسة (موضوعات, الفصول, المباحث) ومن أهمية التطرق والتعرض للدراسات السابقة، ويعتبر هذا التصنيف هو الأفضل فهو يوضح بشكل مباشر كيفية توظيف الدراسات السابقة في البحث الحالي, والقضايا الأساسية التي يمكن أن توفرها هذه الدراسات للبحث الحالي, كما أن استخدام هذا التصنيف لن يكون ممكناً إذا كانت أسئلة الدراسة شديدة الجزئية أو التخصص حيث يصعب توفر دراسات سابقة تعالج هذه الجزئيات بشكل مباشر, كما أن توفر عدد كبير من الدراسات التي تناولت الموضوع ككل بمختلف أبعاده (التساؤل الرئيس للبحث) مع ندرة الدراسات المتخصصة لمعالجة كل تساؤل من التساؤلات الفرعية بشكل مستقل.
على الرغم من أهمية هذا التصنيف من الناحية المنهجية وطبيعته العملية الملائمة للبحث إلا أن بعض المؤشرات والدلالات التحذيرية التي على الباحث أن يأخذها في الاعتبار عند استخدامه هذا التصنيف وهي:
ج- تصنيف الدراسات السابقة حسب الزمن:
يرتكز هذا التصنيف على تقسيم الدراسات السابقة حسب معيار التسلسل الزمني، حيث يتم ترتيب الدراسات وفق تسلسل زمني أو تاريخي في صور حقب أو فترات زمنية حسب متغيرات الدراسة أو العلاقات التي بينها، ويمكن أن يرتبط هذا التصنيف بتطورات ترتبط بحدوث الظاهرة قيد الدراسة الحالية. وتتجلى أهمية هذا التصنيف للدراسات السابقة في أهميته وملاءمته لبعض البحوث دون غيره، خصوصاً الدراسات التي تتمحور حول المقارنة الزمنية، أو تلك التي ترتكز على البعد التاريخي في وصف أو تفسير العلاقة بين متغيرات الدراسة والتي يسعى الباحث فيها إلى توضيح كيفية تطور دراسة الظاهرة عبر الزمن، كما تكمن أهمية هذا التصنيف في قابلية النطاق الزمني للدراسة للتجزئة نتيجة وجود حوادث فاصلة أفرزت تغيرات كبيرة. كما نشير إلى أمر مهم في معيار التسلسل الزمني، حيث يمكن للباحث استخدام تصنيف الترتيب الزمني ضمنياً في التصنيفين السابقين للدراسات السابقة فيتم ترتيب الدراسات السابقة حسب المواضيع أو المتغيرات أو المؤشرات ترتيب إما تصاعدي أو تنازلي زمنياً (ص90-93).
خامساً: الأخطاء الشائعة التي قد يقع الباحث فيها خلال كتابة الدراسات السابقة:
ذكر توفيق (2019م) بعض الأخطاء الشائعة التي يقع الباحث فيها وهي كالتالي:
أولاً: المراجع العربية:
– بو ترعه، بلال وضيف، الأزهر.(2019م). استعراض الدراسات السابقة في البحث العلمي “ضوابطواعتبارات”, مجلة العلوم الإنسانية، جامعة الشهيد حمة لخضر الوادي، الجزائر.
ثانياً: المراجع الأجنبية:
– Mouly, G.j.(1963).The Science of Educational Research, New York: American Book Co.
إعداد الأستاذة نجوى بنت ذياب المطيري .. باحثة دكتوراه تخصص أصول تربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.