لماذا لم نعد بحاجة لأبطال خارقين في الوقت الراهن؟
[ad_1]
عندما تشاهد الموسم الجديد من مسلسل الأبطال الخارقين “ذا بويز” (الفتيان) من إنتاج شركة “أمازون” الذي ينتمي إلى نوعية الكوميديا السوداء، قد تجد نفسك مجبرا على التفكير في معنى أن تكون بطلا، وأهمية البطولة، إن كان لها أهمية، في الوقت الراهن؟
ففي مسلسل “الفتيان”، الذي اقتبس من سلسلة قصص مصورة تحمل نفس الاسم صدرت في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، لا يجسد الأبطال الخارقون- المستوحون من الشخصيات الشهيرة مثل “سوبرمان” و”وواندر وومان” و”باتمان” لكن بأسماء مختلفة – نماذج براقة للشهامة والشجاعة، بل كانوا في المقابل عصبة من المعتلين نفسيا الأنانيين واللاهثين وراء السلطة والنفوذ.
أما “الفتيان”، الذين يدور حولهم المسلسل، فهم مجموعة من البشر الذين لا يملكون قوى خارقة ويخططون في الخفاء لقتل الأبطال الخارقين تحقيقا للعدالة.
وتتمثل مهمة هؤلاء “الفتيان” في مكافحة آفة الأبطال الخارقين، أو القضاء عليهم بالمعنى الأدق. وينفذون مهمتهم بطريقة فوضوية وهمجية ومفرطة في العنف والدموية.
وقد عالج إريك كريبك، المنتج والكاتب والمخرج، سلسلة قصص “ذا بويز” دراميا في قالب ساخر يذكرنا بأفلام بول فيرهوفن مثل “روبوكوب” و”جنود المركبة الفضائية”، الذين أطاح فيهما فيرهوفن بالكثير من الثوابت الهوليودية.
لكن في عالم “ذا بويز”، فإن الحياة لا قيمة لها. ففي غمضة عين، تتحول الشخصيات إلى أشباح مضرجة بالدماء، وتتلاحق الأحداث تباعا بإيقاع متسارع دون نظرة خاطفة إلى الماضي.
ويطرح المسلسل تساؤلا مفاده، ماذا تفعل عندما تواجه أناسا يظنون أن أموالهم أو سلطتهم-التي استحوذوا عليها في الغالب بطرق غير مشروعة أو ربما هبطت عليهم من السماء- تعصمهم من الخطأ وترفعهم إلى مصاف الآلهة؟ ربما أصبح هذا السؤال ملحا في اللحظة الراهنة بعد ظهور أصحاب الثراء الفاحش والزعماء الشعبويين، أو لعل هذا السؤال كان دائما يشغل الحيز الأكبر من اهتمام البشر.
فقد شكا الملك لير من أن البشر في نظر الآلهة كالذباب. وربما كنا دائما ذبابا لأصحاب القوة والنفوذ. لكننا نحن الحشرات لدينا افتتان مرضي بأولئك الذين يسحقوننا تحت أقدامهم.
قصة قديمة قدم الزمن
ويبدو أن البشر في كل زمان ومكان لديهم هوس بالأبطال والآلهة، فلو نظرت إلى الأدب الشعبي القديم، سواء قصيدة بيوولف البطولية الإنجليزية أو ملحمة مهابهاراتا أو قصة جلجامش وأساطير الملك القرد الصينية والملاحم الأيسلندية أو ديانة الشنتو اليابانية، ستجد أبطالا جسورين يخوضون معارك إما بمساعدة الآلهة أو رغم إرادتها.
فالبطل في الكثير من الأساطير الشعبية يسعى سعيا حثيثا لتحقيق شيء يتخطى قدرات البشر، وعندما ينجح نجاحا يذهل الجميع، يكافأ بثروة طائلة أو مكانة مرموقة أو ربما بعض القدرات الإلهية.
وفي كتابه الشهير “البطل بألف وجه”، يرى المؤلف الأمريكي جوزيف كامبل، أن الأساطير في الكثير من الثقافات تسرد قصصا متشابهة، عن بطل يترك حياته اليومية الهادئة ليخوض مغامرة تنطوي على مراحل من الصراع والتحول وطقوس العبور من طور إلى آخر، وفي النهاية يتغير للأبد وربما يتجاوز حدوده المادية والطبيعية ليصبح خارقا.
قد يبدو هذا التسلسل بدءا من الرحلة ثم الصراع والتحول مألوفا، فقد أصبح كالمعيار الذي يسترشد به كتاب السيناريو حول العالم.
وأشار جورج لوكاس إلى أنه استلهم الحبكة الدرامية لسلسلة أفلام حرب النجوم من كتاب “بطل بألف وجه” لجورج كامبل. إذ تدور أحداث حرب النجوم حول صبي مزارع عفوي ينجرّ إلى مغامرات بين المجرات البعيدة ويكتشف أثناءها أنه يمتلك قوى خارقة وأنه كان الشخص المختار لإنقاذ الكون.
وأخذ حلم التحرر الشخصي والقوة في السنوات الأخيرة يداعب مخيلة الناس في مختلف الثقافات حول العالم. وفي الوقت الحالي، قد تلاحظ أن القصص الخيالية، سواء كانت في صورة روايات أو قصص مصورة أو كتب أطفال أو أفلام أو دراما تليفزيونية أو ما يدور في فلكها من ألعاب فيديو، كلها تقريبا تدور حول بطل يخوض صراعات لاكتشاف القوى الخفية الكامنة بداخله، ويطلق طاقاته وقدراته الفذة. وقد يكون الخيال هو السمة المهيمنة على الأعمال الفنية في عصرنا الحالي.
وفي العصور الحديثة، أصبحت القصص والروايات المصورة كالبوتقة التي انصهرت فيها أساطير البطولة والسمو والتعالي من مختلف الثقافات. وبدأ العصر الذهبي للقصص المصورة في الولايات المتحدة في الثلاثينيات من القرن الماضي، وكانت تركز في البداية على أبطال يعتمدون على ذكائهم وقوتهم البدنية وقدرتهم على تهذيب النفس، وقد يكون “بات مان”، الذي يعد من الأبطال القليلين الذين لا يمكلون قدرات خارقة، واحدا من أولئك الأبطال.
ثم ظهر الأبطال الخارقون، مثل سوبرمان و”فلاش” و”كابتن أمريكا”، وغيرهم الكثير. ويسخر هؤلاء الأبطال قواهم الخارقة لتحقيق الخير للبشرية ومحاربة قوى الشر.
وبالمثل، انتشرت في أعقاب الحرب العالمية الثانية في اليابان، قصص “المانغا” المصورة ولاقت رواجا كبيرا حول العالم، وكانت تتفق إلى حد كبير مع فلسفة القصص المصورة الأمريكية.
وفي عصرها الذهبي، كانت القصص المصورة في الولايات المتحدة، تحظى بشعبية كبيرة وكانت أيضا وسيلة لتحرير الفكر واستكشاف آفاق علم النفس البشري من خلال أنواع أدبية مثل الرعب، وأثارت تساؤلات حول العرق والنوع الاجتماعي والميول الجنسية.
لكن في خمسينيات القرن الماضي، أثار البعض مخاوف وشائعات حول القصص المصورة زاعمين أنها تمثل تهديدا للقيم الأمريكية وتقوض دعائم الأسرة. وأغلقت الكثير من الشركات المنتجة للقصص المصورة أبوابها، ووافقت الشركات المتبقية على فرض رقابة على محتويات القصص المصورة لتتفق مع المثل الأمريكية للأدب والوقار والرجولة.
ولهذا باتت القصص المصورة تروج لأبطال ذكور أقوياء البنية يستخدمون قوتهم العضلية المفرطة لتحقيق الخير، بينما تؤدي النساء فيها أدوارا هامشية. وشبه النقاد زيّ “واندر وومان” التي كانت من بقايا السنوات الأولى للقصص المصورة، بملابس الفتيات المثيرات بمجلة “بلاي بوي”. لكن هذه القصص لم تتضمن أي محتوى جنسي.
كيف أصبحت القصص المصورة ظاهرة عالمية
باتت القصص المصورة، بسبب الرقابة الذاتية على محتوياتها، هدفا سائغا للاستغلال في الأسواق العالمية. فكلما قلت المشاهد الساخنة والأفكار غير الملائمة، زادت سهولة بيع الأفلام في مختلف الثقافات وبين مختلف الشرائح السكانية.
ومن ثم، من المستبعد أن ترى شخصيات مثلية أو مشاهد جنسية في أفلام مارفل، لأنها قد تؤثر على إيرادات الأفلام.
وظهرت في العقود الأخيرة الروايات المصورة التي تتناول أي موضوعات بحرية، مثل رواية “واتشمن” (المراقبون) المصورة للمؤلف ألان مون والفنانين غيبونز وهيغينز، وتنتمي إلى نوعية الكوميديا الأكثر عمقا وسوداوية.
وقد ينطبق الأمر نفسه على التلفزيون، فبعد خروج التلفزيون من سيطرة الشبكات الأرضية التي تحركها أهواء الشركات المعلنة والقيم الأخلاقية التي تختلف من بلد لآخر، أطلق عصر البث التلفزيوني عبر الإنترنت القائم على الاشتراكات الشهرية، العنان لحرية الرأي والتعبير، ومهّد لظهور أعمال فينة مثل “ذا بويز” ومسلسل “واتشمن”، للمخرج دامون ليندلوف الذي تنتجه شبكة “هوم بوكس أوفيس” (اتش بي أو) وقد حصل على 26 ترشيحا لجوائز إيمي.
ويتناول مسلسل “واتشمن” عدة قضايا من بينها طبيعة العدالة، ومعنى أن تكون بطلا وتقرر أن تنتزع حقوقك بيدك.
غير أن هذه الأعمال التي تشكك في جدوى البطولة لا تزال نادرة مقارنة بالكم الهائل من الأعمال التي تمجد الأبطال الخارقين. وقد لا يبدو مستغربا أن يتسابق المنتجون والمخرجون على اقتباس أفلام ومسلسلات من القصص المصورة للأبطال الخارقين، فهذه القصص المصورة تتضمن قوالب جاهزة لأبطال خارقين وحبكة درامية جاهزة ومفعمة بالأحداث الخيالية التي من شأنها إلهاء الناس عن الواقع، ولا شيء يثق المديرون التنفيذيون في تسويقه بقدر ثقتهم في قصص الآلهة والأبطال التي تحقق دوما أعلى الإيرادات عالميا.
ولا يسمح لهذه القصص بأن تحيد عن عالم الخيال، فإذا تضمنت أي إشارات أو إيحاءات سياسية، تحذف منها على الفور. وعلى عكس، الأبطال الحقيقيين مثل مارتن لوثر كينغ وإيميلين بانكهرست أو غاندي، فإن سوبرمان وواندر وومان، لا يثيرون قضايا سياسية.
وتستغل الشركات الإعلامية بدهاء ظاهرة البطولة السائدة في الثقافات القديمة، وتعرضها للجمهور للإيحاء بأن البطولة هي تحقيق الذات، أو انتصار الأنا، لإرضاء نرجسية المستهلك في العصر الحالي. وخير مثال على ذلك شخصية توني ستارك أو “الرجل الحديدي”، في أفلام مارفل، وهو رجل مغرور فاحش الثراء يعشق ذاته حد الجنون ويؤدي أعمالا بطولية بهدف الإثارة والمتعة. فهل يفترض بنا أن نقتدي بهذا الشخص؟ وهل يصلح هذا المهرج لقيادة فريق من الأبطال الخارقين الذين يحاربون قوى الشر في المجرة؟
دحض أسطورة البطل الخارق
ويتناول مسلسل “ذا بويز” هذه القضايا بنبرة تهكمية لاذعة. فإن أبطاله الخارقين غير ناضجين عاطفيا ويتعاملون بفظاظة واستعلاء مع البشر العاديين. ويتزعم مجموعة الأبطال “السبعة”، في إشارة إلى مجموعة “أفنجرز” (المنتقمون)، هوملاندر، ذلك النموذج المغرور وسريع الغضب من شخصية سوبرمان، الذي يطلق دائما تهديدات رعناء وهمجية. أما كوين ميف، التي تجسد شخصية واندر وومان، فهي تحاول إخفاء علامات الندم التي تبديها بين آن وآخر خوفا من هوملاندر، الذي يبدو أنها تعرضت للإيذاء منه مرارا في الماضي.
ويتميز “ذا ديب” (الذي يجسد أكوامان)، بملامحة الجذابة، لكنه غبي ولا يثق في الآخرين، ومتبلد المشاعر، ويوظف شهرته للاعتداء على النساء جنسيا. أما بلاك نوار (باتمان)، فيتخفى وراء قناعه المخيف، ونادرا ما يتفوه بكلمة.
ويعمل السبعة الذين يحاربون الجريمة و”الإرهاب”، لحساب شركة كبرى تدعى “فوت الدولية”، التي تتعامل “ظاهريا” في المستحضرات الدوائية، لكنها تمتلك أذرع خفية تفوق الحصر. وتدافع إدارة العلاقات العامة القوية بالشركة عن السبعة أبطال في حالة ارتكاب أخطاء قاتلة، مثل الأرواح التي يزهقها الأبطال الخارقون بسبب الإهمال، وفي المقابل تطالبهم المؤسسة بأن يمثلوا نماذج لامعة للإيثار.
وكما هو الحال في الكثير من شركات القرن الحادي والعشرين، فإن مسؤولي العلاقات العامة يتحكمون في مؤسسة فوت، بدعوى الحفاظ على المظهر العام، ورفع أسعار أسهم الشركة بالطبع.
وفي الموسم الأول من المسلسل انضمت إلى فريق الأبطال “ستارلايت” البطلة الجديدة الساذجة، وأعطاها قسم العلاقات العامة، زيّ بطلة خارقة ساخر، يبدو كزي لاعبة السيرك. وعندما رفضت ارتداءه، هددها موظفو العلاقات العامة حتى رضخت لأوامرهم، وأصبح الزي جزءا من صورتها العامة “الجذابة جنسيا”. لكن هذه الإهانة غرست بذور التمرد بداخلها.
ولعل الفكرة التي يريد المسلسل إيصالها أن قصص الأبطال أصبحت وسيلة جديدة تحاول المؤسسات من خلالها السيطرة بدهاء على عقلنا الباطن وتسخيره ضدنا لتحقيق أرباح، والمفارقة أن المسلسل من إنتاج شركة “أمازون” العملاقة. فهل من الممكن أن تكون شركة أمازون قد صدقت ادعاءاتها إلى حد أنها لم تعد تدرك أنها هي المقصودة من هذا النقد؟
لكن ما مصير الأبطال الخارقين في العصر الحالي المليء بالظلم والمآسي؟ يقال إن ألان مور مؤلف رواية “واتشمن”، لم يرحب بتجرؤ ليندلوف على العبث بعالم واتشمن، ربما لأنه يخشى من استغلال روايته المصورة تجاريا أو تحريفها. غير أن مسلسل واتشمن يستمد قوته من كشف الجوانب القبيحة للبطولة.
ويمثل مسلسل “ذا بويز”في جميع تفاصيله انقلابا على أسس الحبكة الملحمية لكامبل، زاعما أن البطولة الخارقة لا تعدو كونها هدفا تسويقيا براقا لا علاقة له بالواقع الذي نعيشه. وربما يكون المسلسل مهّد لصعود بعض الأبطال غير المعصومين من الخطأ الذين يناسبون القرن الحادي والعشرين.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Culture
[ad_2]
Source link