الإيماءات الخفية التي تكشف عن شخصيتك دون أن تشعر
[ad_1]
يمكن أن تشي اللهجة التي تتسلل إلى طريقة نطقك للمفردات خلال حديثك، بالكثير عن المكان الذي نشأت فيه وأتيت منه. لكن معلومات مثل هذه، قد تتكشف أيضا، بفعل مؤشرات أخرى قد لا تُلحظ بسهولة، من بينها ما يظهر على وجهك، ومنها ما يتمثل في الطريقة التي تتحرك بها كذلك.
أثناء تصفحها بعض الأوراق البحثية القديمة، لاحظت الباحثة هيلاري ألفينباين شيئا غريبا يتعلق بصور فوتوغرافية، تضمنتها إحدى الدراسات الشهيرة، التي أُجريت أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وسُئِلَ فيها أفراد العينة، عما إذا كان بوسعهم، تحديد طبيعة المشاعر التي تظهر على وجوه الأشخاص الظاهرين في الصور. البعض من هؤلاء كانوا يابانيين، بينما انحدر البعض الآخر من أصل قوقازي. اليابانيون أنفسهم انقسموا إلى فئتين؛ إحداهما تضم يابانيين من حيث المولد والجنسية معا؛ بينما تألفت الأخرى من أمريكيين من أصل ياباني.
وجه الغرابة في الأمر، تمثل في أن ألفينباين، اكتشفت فجأة وهي تطالع الصور، أن بمقدورها التمييز بين المنتمين لهاتين الفئتين، وهو ما نجحت فيه أيضا شريكتها في إجراء الدراسات البحثية آبي مارش، ما دفعهما لإجراء تجربة ما في هذا الصدد، تشكلت عينة البحث فيها من مجموعة من الأمريكيين.
وكشفت هذه التجربة، عن أن من أخضعوا للبحث كانوا قادرين – وبغرابة – على التفرقة بين اليابانيين والأمريكيين يابانيي الأصل بمجرد رؤية صورهم، رغم أن هؤلاء وأولئك متماثلون عرقيا في نهاية المطاف، وأنهم كانوا يرتدون الملابس نفسها، والتُقِطَت لهم الصور في أجواء الإضاءة ذاتها. لكن النتائج أشارت في الوقت نفسه، إلى أن التفرقة بين المجموعتين، كانت أيسر بكثير، عندما كانت الصور تُظهر الوجوه، وقد ارتسمت عليها ملامح تعبر عن مشاعر معينة، وخاصة الحزن. ففي تلك اللحظة كان شيء ما ذو طابع أمريكي أو ياباني يظهر على وجوه أولئك الأشخاص ويجعل من اليسير التعرف على هويتهم. في المقابل، كان التمييز بين اليابانيين والأمريكيين من أصل ياباني يكاد يكون مستحيلا، حينما كانت صورهم تُظهر وجوههم، وقد بدت عليها ملامح محايدة.
وربما تكون أنت نفسك عزيزي القارئ، قد مررت بتجربة مماثلة من قبل. ألم يسبق لك مثلا أن شعرت فجأة وأنت خارج بلادك، بأن من مر بجوارك للتو، هو واحد من بني وطنك؟
على أي حال، تتنوع الاختلافات في الإيماءات والحركات بين الشعوب. فإذا كنت مثلا ممن شاهدوا فيلم “أوغاد مجهولون”، فستعلم أن البريطانيين والألمان يختلفون عن بعضهم بعضا، في الطريقة التي يشيرون بأصابعهم بها إلى رقم 3. فالألمان يستخدمون في ذلك الإبهام والأصبعيْن التالييْن له، فيما يثني البريطانيون الأصبع الصغير بالإبهام، ويرفعون الأصابع الثلاثة المتبقية في اليد. ولا يدرك معظم البريطانيين أو الألمان وجود اختلاف بينهم في هذا الصدد، حتى يرون الطريقة التي يتبعها الجانب الآخر على ذاك الصعيد، والتي تبدو لهم غريبة بطبيعة الحال.
وبينما قد تكون بعض هذه الإيماءات، مجرد تصرفات نزقة حدثت بشكل عشوائي، ثم باتت قابلة للاستمرار، ربما يكون لبعضها الآخر أسباب ما. من بين أمثلة ذلك، ما يتردد عن أن الطريقة التي يسير بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تكشف عن أسلوب التدريب على استخدام الأسلحة، الذي تلقاه في جهاز الـ “كيه جي بي” خلال خدمته فيه في السابق، إذ يشير البعض في هذا الشأن، إلى أن ذاك التدريب جعل بوتين، يسير دائما وإحدى يديْه، التي كان يستخدم بها السلاح وقت الخدمة، جامدة إلى جانبه.
وقد تمكنت ألفينباين ومارش، منذ أن اكتشفتا قدرتهما على التمييز بين اليابانيين والأمريكيين من أصل ياباني، من رصد مزيد مما قد نسميه “لهجات غير منطوقة” تُفرّق بين الشعوب وبعضها بعضا. وتتمثل هذه “اللهجات” في سمات وإيماءات حسية وحركية، تُظهر الموطن الأصلي لكل منّا، حتى دون أن يشعر أحدنا بذلك. فالأمريكيون مثلا، يستطيعون التعرف على الاستراليين، من طريقة ابتسامتهم أو سيرهم، أو حتى الأسلوب الذي يلوحون به.
وتقول مارش في هذا الصدد: “كان من اليسير للغاية رصد (هذه المؤشرات).. فقد أجرينا دراستيْن حول هذا الموضوع، وخَلُصنا في كل مرة إلى النتائج نفسها”.
وقد أسفرت دراسة أُجريت بعد ذلك، عن نتائج عززت الاستخلاصات التي توصلت إليها الباحثتان في هذا المضمار. وفي إطار هذه الدراسة، درب فريق من الباحثين بجامعة غلاسكو الإسكتلندية، جهاز كمبيوتر على التعرف على 60 من العلامات والمؤشرات المختلفة غير المنطوقة، ثم تجسيدها على وجه إنسان آلي (روبوت)، يحاكي الوجه البشري. وفي أغلب الأحيان، كانت الاختلافات بين هذه التعبيرات، تتمثل في فروق دقيقة، من قبيل التباين في طريقة رفع إحدى الشفتيْن إلى أعلى، أو في تعبيرات وجه من قبيل تحريك أرنبة الأنف بعض الشيء إلى أعلى مع إغلاق العينين قليلا.
وأظهرت الدراسة أن أفراد العينة من أبناء دول شرق آسيا، نجحوا في التعرف على التعبيرات، التي يُفترض أنها تظهر على وجوه بني جلدتهم في حياتهم العادية، عندما رأوها مُجسدة على وجه الروبوت، وذلك بقدر أكبر من نجاحهم في القيام بالمثل، عندما عُرِضَت عليهم تعبيرات يفترض العلماء أن الغربيين يُبدونها عادة. وتقول الباحثة ريتشيل جاك التي أُجريت التجربة في مختبرها إن “الأمر أصعب مما يبدو عليه في الظاهر”. فمن بين التعقيدات التي كان يتعين على فريق البحث إيجاد حل لها حتى قبل الشروع في إجراء الدراسة، ضرورة التوافق بينهم على المفردات التي سيشيرون من خلالها – باللغتين الإنجليزية والصينية – إلى المشاعر التي ستظهر تعبيراتها على وجه الروبوت.
رغم تلك الصعوبات، تقول جاك إن أي إنسان آلي يستطيع نظريا، محاكاة التعبيرات المتباينة، التي يُظهرها جميع المنتمين للثقافات الإنسانية المختلفة في كل المناسبات، مهما كانت الفروق بينها دقيقة للغاية. وفي دراسة أجرتها وزملاؤها العام الماضي، كُشِفَ النقاب عن أن التعبيرات التي تظهر على الوجه، خلال لحظات النشوة الجنسية مثلا، تختلف من ثقافة لأخرى.
على أي حال، لا ينبغي أن يُفاجأ أحد بوجود تلك “اللهجات غير المنطوقة”. فالناس يستطيعون – خلال ممارستهم لحياتهم اليومية – تحديد الأنماط التي تُميز طرق سير الآخرين أو ركضهم، ويميزون كذلك الطابع الذي تتفرد به أصوات هؤلاء وملامح وجوههم، دون أن يدركوا حتى السبب، الذي يجعل مثل هذه الأمور، قابلة للرصد والتمييز على تلك الشاكلة.
وتقول شركة صينية تعمل في مجال التكنولوجيا إنها طوّرت برنامجا قادرا، على التعرف على هوية شخص ما بدقة تصل إلى 94 في المئة، من خلال مسح لقطات له تُظهره خلال سيره. وهكذا فإذا سَلَمنا بأن ثمة سمات تجعل نمط حركة شخص ما مميزا بقدر يجعل بوسع برنامج إلكتروني تحديد هويته، فسيكون من المنطقي أن نتصور إمكانية أن يشترك أفراد جماعة ما في بعض القواسم المشتركة في هذا الصدد، بل وأن نعتبر أن تلك الصفات، قابلة لأن يتم رصدها وملاحظتها، من جانب من لا ينتمون لهذه الجماعة.
وتفيد الدراسات العلمية بأن هناك أدلة تثبت أن تأمل وضع جسد شخص ما، قد يمنحنا معلومات عنه، أكثر مما ندرك. وفي هذا السياق، كشفت دراسة أُجريت عام 2012، عن أن رؤية صور التُقِطَت لبعض لاعبي التنس فور انتهائهم من لعب نقاط حاسمة في مبارياتهم، ساعدت أفراد العينة على أن يحددوا بدقة أكبر ما إذا كان هؤلاء اللاعبون قد كسبوا هذه النقاط أم خسروها، حينما كانت تلك الصور تُظهر الوضع الجسدي للاعب وليس وجهه. فقد وجد الباحثون أن الوضع الجسدي؛ شكّل العامل الذي يحدد أكثر من غيره – وبنسبة كبيرة – الاعتقاد الذي سيُكوّنه من أجري عليهم البحث بشأن فوز اللاعب بالنقطة من عدمه، حتى عندما كان يتم وضع وجوه لاعبين خاسرين، على أجساد أقران لهم رابحين، أو العكس. وقد أظهرت نسخة لاحقة أُجريت من هذه الدراسة النتائج نفسها. فقد أشارت تلك النسخة، إلى أن أفراد العينة فيها، ممن كانوا طلابا جامعيين من هونغ كونغ، أبلوا بلاءً حسنا، عندما كانت الصور المعروضة عليهم تخص رياضيين من شرق آسيا، وهو ما يفيد مرة أخرى، بأننا نستطيع تمييز هذه “اللهجات غير المنطوقة”، كلما كانت مألوفة لنا بشكل أكبر، بحكم كوننا نراها على وجوه من حولنا، وفي إيماءاتهم البدنية كذلك.
وفي كتابه الذي صدر حديثا وحمل عنوان “السرب البشري”؛ يشير المصور وعالم الأحياء مارك موفيت، إلى أن هذه التعبيرات والإيماءات غير اللفظية، قد تشكل سمات اجتماعية مُمَيِزة، تساعد الناس على التفرقة بين من ينتمون لجماعتهم ومن لا ينضوون تحت لوائها. ورغم أن هذه المؤشرات تنطوي في بعض الأحيان، على ما يبدو – على معلومات تفصيلية بشكل أكبر، فإن ذلك لا يعني أنها تتسم بالمصداقية بالضرورة. ففي دراسة أجراها باحثون بجامعة برنستون الأمريكية؛ تبين أن أفراد العينة، نجحوا في التعرف على من فازوا في انتخابات ما، من بين من عُرِضَت عليهم صورهم، من خلال اختيارهم لـ “من `بدوا` في هذه الصور أكثر قدرة وكفاءة من الآخرين”. بل إن الأطفال الذين أطْلِعوا على الصور نفسها، أثبتوا أنهم قادرون على أن يصبحوا محللين سياسيين أكفاء بدورهم، حينما اختاروا الساسة الناجحين نفسهم، ليكونوا “قادة متخيلين” في إحدى ألعاب الفيديو. رغم ذلك، لم يبدُ أن هناك صلة عمليا، بين أن يبدو المرء في الصور شخصا موثوقا به، وأن يكون على هذه الشاكلة على أرض الواقع بالفعل.
من جهة أخرى، يبدو أن ملامح بعض الوجوه، تعكس تفاصيل وطبيعة الحياة التي عاشها أصحابها. فقد كشفت دراسة أُجريت عام 2017، عن أن عرض مجموعة صور تُظهر وجوه مستخدمي تطبيق للمواعدة، وقد ارتسمت عليها ملامح محايدة؛ ساعد أفراد عينة البحث، على أن يحددوا بشكل أكثر دقة، ما إذا كان هؤلاء المستخدمون فقراء أو أثرياء، مُقارنة بعدم عرض الصور عليهم، وتركهم يخمنون الوضع المادي لأولئك الأشخاص، دون وسائل مساعدة. بل إن النتائج أشارت، إلى أنه كان بوسع أفراد العينة، تحقيق الهدف نفسه، حتى حينما رأوا صورا لعينيْ المستخدم، أو فمه على وجه الخصوص. وبعد إجراء مزيد من الجهود الاستقصائية على هذا الصعيد، خَلُصَ الباحثون إلى أن الأثرياء يبدون في الصور أكثر جاذبية بقليل أو إيجابيين على نحو أكبر، مقارنة بالفقراء. ولذا، فقد من أخضعوا للبحث قدرتهم على التمييز بين الأثرياء والفقراء، عندما عُرِضَت عليهم صور، ظهر فيها الجميع مبتسمين، أو ذوي طابع إيجابي على نحو متعمد.
وقد يساعد وجود مثل هذه الفوارق الطفيفة، على توضيح أسباب التحيزات التي قد تتسلل إلى نفوسنا، عندما نتعامل مع أشخاص ينتمون لخلفيات تغاير خلفياتنا. فكما سبق أن رأينا في السطور السابقة؛ غالبا ما يؤدي صدور هذه الإيماءات والمؤشرات غير المنطوقة، من أشخاص لا ينتمون لمجموعتنا، إلى جعل مسألة فهمنا لتصرفاتهم وطبيعة شخصياتهم، أمرا أكثر صعوبة علينا. لذا يتعين على من يريدون من الآخرين فهمهم، السعي لجعل طبيعة ما يشعرون به هم أنفسهم، أكثر وضوحا.
وفي هذا الإطار، تشير دراسة ذات طابع مبتكر أُجريت حديثا في جامعة ويسكونسن-ماديسون الأمريكية، إلى أن بذل جهود لتحقيق هذا الهدف، ربما تجعل المجتمع الأمريكي المعاصر، يتسم بطابع أكثر تفاؤلا وإيجابيا. ويعتمد الباحثون هنا على نظرية تفيد بأن المقيمين في بقعة تستقبل عددا كبيرا من المهاجرين، يعانون غالبا لفهم بعضهم بعضا، ولكنهم يضطرون رغم ذلك، للسعي بجدية لإيجاد مثل هذا الفهم المشترك، لكي يتسنى لهم ممارسة حياتهم اليومية. نتيجة لذلك، توقع الباحثون أن يكون القاطنون في مجتمع يتسم بهذه الصفات – كالمجتمع الأمريكي – بحاجة إلى رسم الكثير من الابتسامات على الوجوه، والتعبير عن مشاعرهم وعواطفهم بقدر كبير من الإيماءات غير المنطوقة، ما سيجعل ذلك المجتمع يبدو في نهاية المطاف متفائلا أو إيجابيا، ظاهريا على الأقل.
وقد وجد هؤلاء الباحثون أيضا أن القاطنين في دول تشهد تنوعا كبيرا في أصول سكانها، مثل الولايات المتحدة، يقولون عادة إنهم أكثر تبسما من نظرائهم في الدول الأخرى.
وقد يفسر تنوع الأصول العرقية للأمريكيين، أسباب بعض الصور النمطية السائدة؛ سواء عنهم أو في أذهانهم. ومن أمثلة هذه الصور؛ ما يراه بعض الأمريكيين، من أن الأجانب باردون ومتعجرفون، على ما يبدو. وكذلك، نظرة البعض للأمريكيين، بأنهم أُناس مرحون ومبتهجون بشكل أحمق.
في نهاية المطاف، يمكن القول إن المؤشرات والإيماءات غير اللفظية التي تحدثنا عنها، وما قد ينجم عنها من إرباك في بعض الأوقات، تظهر لنا – على أقل تقدير – أن من الأهمية بمكان أن نحرص على التحدث مع بعضنا بعضا، إذا كنا نريد حقا، الوصول إلى مستوى معقول من الفهم المتبادل.
[ad_2]
Source link