البابا فرانسيس يرى أنّ الجنس “نعمة من الله”، فهل غيّرت الكنيسة تعاليمها؟
[ad_1]
“اللذة نعمة من عند الله، وهي أمرٌ مقدّس”، يقول البابا فرانسيس في كتاب صدر باللغة الإيطالية قبل أيام، بعنوان “أرض المستقبل”.
الكتاب من تأليف الكاتب والناشط البيئي الإيطالي كارلو بيتريني، وهو عبارة عن ثلاثة حوارات مطوّلة أجراها مع الحبر الأعظم بين عامي 2018 و2020.
يركّز الكتاب اهتمامه على الشؤون البيئية ومستقبل الكوكب، انطلاقاً من رسالة فرانسيس البابوية التي حملت عنوان “كُن مُسبَّحاً”، وصدرت عام 2018، وتستعرض موقف الكنيسة من تحديات التلوّث والتغيّر المناخي، وتدعو للحفاظ على “خليقة الله”.
لكنّ النقاش البيئي ضاع في الخلفية، مع انشغال الإعلام حول العالم بمقتطف من الحوار، يعلن فيه فرانسيس موقفاً إيجابياً من اللذة بشكل عام، ومن اللذة الجنسية بشكل خاص.
ويعدّ ذلك موقفاً متقدّماً، يكرّس قطيعة فرانسيس مع الخطاب المحافظ أو غير المتسامح في الكنيسة.
خلال أحد الحوارات، يقول بيرتيني للحبر الأعظم، إنّ الكنيسة الكاثوليكية لطالما تعاملت مع “اللذة بخزيّ، وكأنها شيء يجب تجنّبه”. فيجيبه البابا : “أدانت الكنيسة اللذة اللاإنسانية، الخشنة، المبتذلة، لكنها قبلت دائماً المتعة الإنسانية، الرصينة، الأخلاقية”.
وأضاف: “خلقت لذّة الأكل للحفاظ على صحتنا من خلال تناول الطعام، وعلى المنوال ذاته خلقت المتعة الجنسية لجعل الحب أكثر جمالاً، ولضمان استمرار النوع”.
ووصف البابا النزعة الرافضة للذة بأنها “أخلاقيات متعصّبة، تمثّل تفسيراً سيئاً للرسالة المسيحية، وقد خلّفت ضرراً كبيراً لا يزال يلمس إلى اليوم”.
ويعدّ الحديث عن الطعام والجنس كمتعتين في سياق إيجابي، أمراً مستغرباً في الأدبيات الكاثوليكية الشائعة، والتي تُربط دوماً بالتعفّف، ونبذ الشهوات الجسدية كافة، والابتعاد عن الملذات الدنيوية.
في القرون الوسطى على سبيل المثال، كانت الشراهة، أو استهلاك الطعام بإفراط، تعدّ خطيئة كبرى. وغالباً ما كانت الكنيسة عبر التاريخ تقدّس الشخصيات التي زهدت بالحياة حدّ إماتة النفس، وترفع من شأن القديسين الذين تحمّلوا الألم. فهل يدعو فرانسيس إلى مقاربة لاهوتية جديدة؟
يقول أستاذ اللاهوت في جامعة “الروح القدس” اللبنانية الكاهن بول ناهض، إنّ ما قاله البابا ليس جديداً، إذ أنّه يندرج “ضمن تعاليم الكنيسة، ولم يكن موقف البابا يوحنا بولس الثاني بعيداً عن هذا التفسير. هذه ليس المرّة الأولى التي يتطرّق فيها البابا الحالي لهذا الشأن، بل نجده في عدد من كتاباته السابقة، ويعبّر عنه بطريقة مختلفة، قريبة، ومباشرة، ما يجعل الناس تعتقد أنّه يخالف السائد أو يقول شيئاً جديداً”.
ويقول ناهض إنّ كتاب “أرض المستقبل” مخصّص لنقاش البابا في الشأن البيئي الذي خصّص له مساحة كبيرة في رسالته “كن مسبحاً”، داعياً لنظام حياتي متوازن مع الطبيعة، والابتعاد عن كلّ أشكال الاستهلاك المتوحّش للنعم الإلهية. فالجنس نعمة من عند الله، في إطارها المناسب، أي الزواج”.
منذ سيامته في العام 2013، يطلق البابا الأرجنتيني تصريحات مثيرة للاهتمام، تبدو أكثر انفتاحاً وتقدمية من مواقف أسلافه. على سبيل المثال، نسب إليه مقال صدر في صحيفة إيطالية قبل سنوات تأويلاً لاهوتياً عن “عدم وجود الجحيم”، الأمر الذي نفاه الفاتيكان لاحقاً.
كذلك نظر إليه كحامل لمشعل التغيير في محاسبة الكهنة المتحرشين بالأطفال، واتخاذ مواقف أكثر ليناً بشأن المثليين، وصولاً حدّ تسهيل معاملات بطلان الزواج. وأبعد من ذلك، انتظر البعض منه السماح بزواج الكهنة في الكنائس الكاثوليكية اللاتينية، لكنّ الأمر لم يتجاوز كونه تكهّنات.
يقول الكاهن بول ناهض: “ربما من نقط ضعف الكنيسة أنّها لم تقدر على إيصال رسالة المسيح بلغة جديدة. لكلّ بابا شخصيته الخاصة، وخلفيته التاريخية والثقافية، ولا ننسى كم عانى البابا فرانسيس في بلده (الأرجنتين) من الاضطهاد السياسي. لذلك أعتقد أنّه يشدّد على دور الكنيسة بأن تشهد للفرح والحب، في عالم لا يقدّم إلا الحزن واليأس والفقر والحروب”.
يرى محلّلون لمسيرة فرانسيس، أنّه يسعى لاحتضان فئة الشباب المبتعد عن الكنيسة، وتغيير صورتها من مؤسسة متحجرة إلى مؤسسة منخرطة في عالم اليوم. هكذا، يغرّد باستمرار بلغات متعدّدة عن الرحمة، والحبّ، والحنان، ويحكي عن البيئة، وعن العدالة الاجتماعية، وعن الفقراء. في هذا السياق، يمكن فهم انخراط البابا بشكل معمّق في النقاش حول البيئة، وتأسيسه لتيار بيئي كاثوليكي، يستند إلى مضمون رسالته “كن مسبحاً”.
هذه ليست المرّة الأولى التي يجري فيها البابا حوارات مع شخصيات بعيدة عن الدوائر الكاثوليكية، فصاحب كتاب “أرض المستقبل” كارلو بيتريني شيوعي سابق، ويعرّف عن نفسه بوصفه لا أدرياً.
أسّس بيتريني عام 1989 جمعية بيئية للذواقة، باسم “سلو فود” (الوجبات البطيئة) تهدف “لوقف اندثار التقاليد المحليّة في تذوق الطعام” بمواجهة انتشار سلاسل الوجبات السريعة. وتعمل المنظّمة غير الربحية على تطوير برامج تعليم حول التغذية وحماية التنوّع البيولوجي، والسعي لتأمين طعام نظيف وجيّد وبمتناول الجميع.
وقد زار بيتريني الفاتيكان السبت الماضي، مع عدد من الناشطين البيئيين في أوروبا الذين أسسوا جماعات تحمل اسم “كن مسبحاً”، للعمل على تطبيق رؤية البابا حول الحفاظ على البيئة. وألقى البابا أمامهم كلمة قال فيها: “لم نعد اليوم نتأمّل بالطبيعة التي تحيط بنا، وإنما نحن “نلتهمها”. لقد أصبحنا شرهين، معتمدين على الربح والنتائج الفوريّة مهما كان الثمن. أصبحت النظرة إلى الواقع سريعة بشكل متزايد، مشتتة، سطحية، فيما وفي وقت قصير يتم حرق الأخبار والغابات”.
من الواضح أنّ تصريح البابا فرانسيس حول اللذة الجنسية يأتي في إطار فلسفة أشمل، تهدف لمنح الكنيسة دوراً في مستقبل الكوكب، وفي السعي لإعادة التوازن بين الانسان والطبيعة، ونشر ثقافة الحفاظ على الأرض كجزء من نعم الخالق.
أمّا المهتمّون بمواقف البابا التقدمية، فيمكنهم زيارة موقع الفاتيكان الرسمي، والبحث عن “التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية”. سيجدون رابطاً للكتيّب (يشير الموقع إلى أنّه غير محدّث)، ويمكن فيه الاطلاع على العقائد الكاثوليكية كافة، من بينها تلك المرتبطة بالزواج والجنس، هنا، تظهر العفّة كفضيلة أساسية، وتعرّف بحسب التعليم الرسمي بأنها “سيطرة الانسان على أهوائه فلا تستعبده ويصبح تعساً”.
ويحدّد التعليم الكاثوليكي وظيفة الجنس بكونه اتحاداً حميماً وعفيفاً بين الزوجين، هدفه خيرهما، ونقل الحياة والحفاظ على مستقبل الأسرة.
كما يخصّص التعليم جزءاً كبيراً لإيضاح مساوئ الإباحية، ولرفض الأفعال التي تحطّ من كرامة الانسان مثل “البغاء، والاستمناء، والاغتصاب، واللواط”، بحسب ما يرد في النصّ.
[ad_2]
Source link