طبيبة الصحة الجنسية ساندرين عطالله تروي حكايتها مع التحرّش والمفاهيم الخاطئة
[ad_1]
تتلقى الطبيبة المختصة بالصحة الجنسية ساندرين عطالله، عبر حسابها على إنستغرام، أسئلة غريبة. فمثلا يقتحم أحدهم حسابها ويكتب: “لماذا كلّ حديثك عن الجنس؟”. وبهدوء تجيب: “لأن هذا هو اختصاصي، والهدف من حسابي هو التوعية”، فيرد السائل: “أنت مهووسة جنسياً”.
تبلّغ الطبيبة اللبنانية عن عشرات الحسابات والمحادثات المماثلة كلّ أسبوع، أو تحظر أصحابها عن التعليق عبر صفحاتها على مواقع التواصل. للأسف، بات هذا النوع من التحرّش اللفظي، جزءاً معتاداً من يومياتها، بعد عشر سنوات من ممارسة مهنة الطب الجنسي في لبنان، وبعد تصوير عشرات حلقات التوعية الصحيّة والنفسيّة، الموجهة للجمهور العربي.
درست عطالله الطب العام في لبنان، ثم تخصصت في مجالي العلاج بالتنويم المغناطيسي والطب الجنسي في فرنسا. حين عادت إلى لبنان من فرنسا عام 2007، كانت أول طبيبة تفتح عيادة للطب الجنسي في البلاد.
نالت شهرة بعدما قدّمت أول برنامج عن الصحّة الجنسية بعنوان “لازم تعرف” عام 2010، مع زميلها الطبيب النسائي لبيب غلمية. تسبّب البرنامج بعد عرضه على شاشة “المؤسسة اللبنانية للإرسال” بصدمة، لكنّ الناس تقبلته تدريجياً.
منذ ذلك الحين، تظهر ساندرين عطالله بشكل منتظم على شاشة التلفزيون للحديث في مجال اختصاصها. ورغم أنّ جدولها العيادي مزدحم، إلا أنّها تسجّل بودكاست بعنوان “حكي صريح”، وتقدّم فقرات توعية عبر يوتيوب بالتعاون مع عدد من المنصات العربيّة.
امرأة تحكي عن الجنس؟
الحديث بشكل علني وتلقائي عن الجنس، ليس أمراً مقبولاً في المجتمعات العربيّة، خصوصاً إن كانت من تدلي بدلوها في الموضوع سيّدة. لا يهمّ إن كانت طبيبة مختصّة في المجال أم لا. لذلك، وبمجرّد حديثها باللغة العربية عن الجنس، تحطّم ساندرين الكثير من مفاهيم العيب، خصوصاً حول حياة النساء الجنسية، وقدرتهنّ على طرح أسئلة “محرّمة”.
ذلك لم يأت من دون ثمن، إذ بات عليها على مرّ السنين أن تتلقّى أشكالاً متنوعة من الأسئلة الفجّة التي قد تصل أحياناً إلى حدّ الاعتداء. بعض المتابعين يتجاوزون حدود الاستفسار الطبّي المشروع، فيرسلون لها روابط أفلام اباحيّة، أو صوراً لأعضائهم الذكريّة.
عبر حسابها على تويتر، تحذّر من أشخاص ينتحلون صفتها للتحرّش بالنساء، أو يتعقّبون المعلّقات على حساباتها، للتحرّش بهنّ. حتى مساعدتها في العيادة لم تسلم من المتحرّشين؛ وطال الأمر أيضاً طبيبة أطفال، شاركتها في حلقة حول تطهير الذكور، فإذا برجال بالغين يرسلون لها صور أعضائهم الذكريّة للكشف عليها!
“حمقاء، كافرة، وعاهرة”
خلال الأسابيع الماضية، قرّرت أن تنقل تجربتها إلى العلن، وراحت تنشر عبر تويتر مقتطفات من محادثات تتلقاها. مثلاً يشكو لها أحدهم: “شريكتي لا تبلغ النشوة، فما العمل”. تأتيه بالإجابة العلميّة: “70 بالمئة من النساء لا يبلغن النشوة بل يحتجن إلى مداعبة”. يردّ السائل: “لكن كلّ شريكاتي السابقات كنّ يبلغنها، وعددهنّ أكثر من مئة”. تنبهه الطبيبة: “بحسب الإحصاءات العلميّة، 70 واحدة منهنّ على الأقلّ يتصنعنّ النشوة”. هنا يغضب السائل، ويصفها بالحمقاء.
في حادثة أخرى، يسألها مستخدم آخر عن “الممارسة الشرجية” فتجيبه بشكل علمي لكنه يهاجمها ويتهمها بتشجيع المحرمات.
نسأل الطبيبة عن سبب نقلها لهذه الأقاصيص إلى الحيّز العام، ولماذا لا تكتفي بحظر المتحرّش. تقول لـ”بي بي سي”: “الأسباب عديدة، منها وجود أفكار خاطئة كثيرة عن الجنس. بالرغم من محاولتنا نشر التوعية، ما زلت أتلقى أسئلة تصيبني بالدوار. خلال مسيرتي، أنجزت عشرات الحلقات حول مفاهيم مغلوطة مثل غشاء البكارة وعلاقته بالعذرية، وحول عدم ارتباط قدرة الرجل الجنسية بحجم العضو، لكنّ البعض يبقى مصراً على طرح أسئلة حول المواضيع ذاتها”.
بالنسبة لساندرين عطالله، فإنّ التنمّر الالكتروني أو التحرّش اللفظي لا يؤثران عليها، إذ أنّها تقدر على الفصل بين شخصها وحياتها، وبين ما يردها من تعليقات مؤذية. لكن ما يزعجها، هو اقتحام خصوصيتها. “بعضهم يصفني بـ “الكافرة”، أو “العاهرة”، حتى أن البعض يوجه لي عروضاً جنسية مباشرة. لكني لم أكتب عن هذه الاعتداءات على صفحاتي، لأن البعض قد يسيء فهمها للأسف، ويظنّ أننّي أتباهى”.
لو كانت رجلاً
تقول الطبيبة: “هناك فهم خاطئ عن دور المختصّين بالصحة الجنسية، يعتقد الناس أنّ من يمارس هذه المهنة، مهووس جنسياً، وأنه متاح للتعدّي الجنسي أو اللفظي، أو أنّ خصوصيته مباحة لأنّه طبيب وبالتالي لا يحقّ له أن ينزعج. وإن لم أجب، يتشبثون بموقفهم، فيتصلون مراراً، وبعضهم يهددني بقرصنة حساباتي. والحقيقة أنّه من المستحيل أن أردّ على مئات الاتصالات التي تردني، كما أن مواقع التواصل ليست المكان الأمثل للردّ على أسئلة صحيّة شخصيّة”.
لكن هل هي تعتقد أنّ المستخدمين كانوا سيخاطبونها بذات الطريقة، لو كانت رجلاً؟ تضحك قائلةً: “بالتأكيد لا، فالطبيب الرجل لن تصله تعليقات من نوع “أنت تثيرني”، أو “أتخيّلك في السرير”، وأشياء من هذا القبيل. لكن ذلك لن يثنيني، لأنّ نشر التوعية الجنسية ما زال يتطلّب الكثير من الجهد”.
تلاحظ ساندرين أنّ الكثير من المفاهيم تغيّرت خلال عشر سنوات من عملها في المجال الإعلامي، خصوصاً في ما يتعلّق بالحديث عن حياة النساء الجنسية. صحيح أنّ هناك الكثير من الأفكار النمطيّة السائدة، لكنّ مواقع التواصل تساعد في تفكيكها، وتقول:”من لا يريد تغيير رأيه، فلن يغيّره”.
من بين تلك الأفكار النمطية، أن الرجال يرغبون بالجنس طوال الوقت، والنساء لا. “ذلك يسبب قلة ثقة لدى الرجل في حال تدنّي رغبته الجنسية، كما أنّ العديد من النساء يرغبن بالجنس أكثر من شريكهنّ”، تكتب عبر حسابها على تويتر.
ومن أكثر المفاهيم المغلوطة الشائعة هي قدرة الفحص الطبي على اثبات ممارسة الجنس أو العذرية، وذلك ما تتحدّث عنه كثيراً في حلقاتها التوعوية. وتشير الطبيبة إلى أنّ نساءً كثيرات يولدن من دون غشاء بكارة، أو بغشاء مطاطي لا ينزف عند ممارسة الجنس للمرة الأولى.
التراضي أولاً
ساعد الحديث عن التحرّش خلال السنوات الماضية عدداً من النساء على مشاركة تجاربهنّ، وتعتقد العديد من الناشطات في مواجهة التحرّش اللفظي على الانترنت، أنّ من يمارسونه، يحاولون فرض نوع من السطوة على النساء المعتدى عليهنّ.
وترى الطبيبة ساندرين عطالله أنّ هناك أسبابا كثيرة تدفع بالرجال لإرسال صور غير مستحبّة، أو التوجّه بكلام في غير موضعه للنساء عبر الشبكة. “بعضهم يظنّ أن النساء يفرحن بتلقّي مثل هذه الصور، أو أنهنّ ينتظرنها، ولا يفهم أنّ ذلك اعتداء وتحرّش. في المقابل، بعضهم يفهم تماماً ما يفعله، لكنه يهدف لاستفزاز ردة فعل سلبيّة، لأنّه يستثار من غضب النساء. وبعضهم قد تكون لديه ميول استعراضية، ويحبّ أن يكشف عن جسمه. أضف إلى ذلك أنّ البعض يعتقد أنّ التحرّش اللفظي حقّه، لأن المرأة “شيء”، ويعطي نفسه الحقّ بالاعتداء عليها إن كانت ترتدي قميصاً بأكمام قصيرة مثلاً. وإن كانت تتحدّث عن الجنس من دون حرج، يظنّ بعضهم أنّها تطلبه”.
تنصح ساندرين عطالله الرجال بضرورة إيلاء أهمية قصوى لمفهوم التراضي، في كلّ أشكال التواصل مع النساء. وتقول: “قبل التواصل مع الطرف الآخر، يجب على الشاب أن يسأل إن كان التواصل ممكناً أو لا. فإن كانت الإجابة لا، وإن تجاهل الطرف الآخر الردّ، عليه أن يحترم رغبته”. وتغرّد عبر حسابها على تويتر في هذا الإطار، موضحةً الفرق بين الغزل والتحرّش: “أفعال الغزل والتحرش الجنسي قد تكون قريبة من بعضها بشرط واحد، أنها في التحرّش الجنسي تكون بغير رضا الطرف الآخر وغصباً عنه وعواقبها النفسية والجسدية قد تكون وخيمة، أما الغزل فيكون بالتراضي بين الطرفين”.
من ناحية ثانية، تشدّد الطبيبة على ضرورة تنبيه النساء لعدم مشاركة أي صور أو محتوى جنسي مع أي أحد، حتى ولو كان شريكاً يثقن به، لأن الهاتف قد يقع في اليد الخطأ، ويستخدم المحتوى للابتزاز أو الاستغلال.
الجنس بعد الصدمة
عاودت الطبيبة عملها بعد أسبوعين من الراحة إثر تفجير مرفأ بيروت، وتحكي عن تأثير تلك الصدمة الجماعية على حياة الناس الجنسية. وتوضح: “بعد الصدمات، هناك نوعان من ردود الفعل، قد تزيد الرغبة الجنسية عند البعض، لأنّهم يجدون في الاتصال الحميم الأمان، ويشعرون من خلاله أنّهم على قيد الحياة، وبوجود الآخر. وفي حالات أخرى، قد يشعر الأشخاص أنهم مخدرون، وغير قادرين على التفكير بالجنس، أو بأي شيء يفرحهم، ونلاحظ تأخراً لدى بعض النساء ببلوغ النشوة”.
في الحالة الثانية، تنصح الطبيبة بمحاولة إيجاد روتين حياة جديد، والابتعاد عن مواقع التواصل، “لكي يستعيدوا الاتصال مع أجسادهم. ممارسة الجنس قد لا تكون ضرورية في هذه المرحلة، يكفي تخصيص وقت مع الشريك، للتلامس والمداعبة، والأهم ألا يشعروا بالذنب لأنهم لا يزالون على قيد الحياة”.
[ad_2]
Source link