الحمل: هل يُمكن الحفاظ على خصوبة المرأة رغم تقدمها في السن؟
[ad_1]
أصبح بمقدور النساء، بفضل التقنيات الحديثة في مجال الطب الإنجابي، الحمل والإنجاب في مراحل عمرية أكثر تقدما بمراحل مقارنة بأسلافهن، لكن إلى أي مدى يمكن أن تسهم هذه التقنيات في الحفاظ على خصوبة المرأة؟
يشير داغان ويلز، أستاذ الطب الإنجابي بجامعة أوكسفورد، إلى التدهور التدريجي في خصوبة المرأة من سن 35 عامًا فصاعدًا، قائلا: “إنها إحدى مظاهر عدم المساواة الكبيرة في الطبيعة”.
ويعاني الرجال أيضًا من انخفاض في قدرتهم على إنجاب الأطفال مع تقدمهم في السن، لكن هذا الانخفاض في الخصوبة يبدأ في وقت متأخر ويحدث ببطء أكثر من النساء. ويميل معدل الخصوبة عند الرجال إلى البدء في الانخفاض من سن 40 إلى 45 عاما.
لكن متى بالضبط تبدأ خصوبة المرأة في التراجع؟ ومتى يفضي هذا التراجع إلى فقدان القدرة على الإنجاب؟
على مدى آلاف السنين، كانت النساء تحمل وتلد في سن المراهقة ومستهل العشرينيات من العمر. وقد استدل العلماء من حفريات لأسلافنا من سلالة النياندرتال في مدينة كرابينا، شمالي كرواتيا، تعود إلى 30,000 عام، على أن نساء النياندرتال كن ينجبن أطفالهن للمرة الأولى في سن 15 عاما. وحتى الستينيات من القرن الماضي، كان متوسط عمر النساء العاملات عند إنجاب طفلهن الأول يتراوح بين 17 و19 عاما.
لكن في عام 2017، خلص تقرير إلى أن متوسط سن الأمهات اللاتي يلدن في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وصل إلى 30 عاما. وتشير الإحصاءات إلى أن 44 في المئة من المواليد الأحياء في إنجلترا وويلز في العام نفسه، كانوا لأمهات في سن 30 عاما. وفي كوريا الجنوبية أيضا، كان متوسط سن النساء عند إنجاب الطفل الأول 31 عاما.
أهمية العدد
ظل العلماء لعقود يربطون بين تراجع خصوبة النساء وبين انخفاض عدد البويضات في المبايض بفعل التقدم في السن.
وعلى عكس الرجال، الذين تنتج أعضاؤهم التناسلية ملايين الحيوانات المنوية يوميا، فإن المرأة تولد بجميع البويضات التي قد تنتجها طوال حياتها. ومن ثم، يتضاءل هذا العدد باستمرار كلما تقدم بها العمر.
إذ تولد المرأة بنحو مليون بويضة وتقل إلى 300 ألف عند البلوغ، ثم 25 ألف عندما تبلغ 37 عاما وتصل إلى 1000 فقط عندما تبلغ 51 عاما. ومن بين هذه البويضات لا ينضج سوى ما يتراوح بين 300 و400 بويضة فقط، وتطلقها المبايض- بويضة واحدة في المعتاد شهريا – أثناء عملية الإباضة. ولأسباب غير مفهومة، تموت سائر البويضات قبل النضوج وتتحلل طبيعيا قبل الخروج من المبايض.
ويبدأ الحيض عند معظم الفتيات من 9 سنوات إلى 13 عاما، لكن مبياضهن لا تطلق بويضات إلا بعد عام أو عامين على الأقل من الدورة الشهرية الأولى. وقد يكون بديهيا أن تستنفد المرأة مخزونها من البويضات بعد نحو 33 عاما. وبالفعل، تفقد معظم النساء خصوبتهن قبل انقطاع الطمث بما يصل إلى ثماني سنوات.
هذه الحسابات بالتأكيد لم تأخذ في الحسبان التفاوت الطبيعي بين النساء في الخصوبة، أو الشهور التي قد تطلق فيها مبايضهن أكثر من بويضة أو لا تطلق بويضات على الإطلاق. ولهذا فهي مجرد تقديرات تقريبية للسنوات التي تكون فيها المرأة قادرة على الإنجاب.
ويمكن في المقابل الحصول على قياس أكثر دقة لعدد البويضات، أو ما يسمى بمخزون البويضات، من خلال تحليل مستوى هرمون مضاد مولر “إيه إم إتش” في الدم. ويلعب هذا الهرمون دورا محوريا في تطور الخلية البيضية لتصبح بويضة ناضجة تمتلك جميع الخصائص البيولوجية المطلوبة لتكوين جنين سليم.
وتقل مستويات هذا الهرمون في الدم كلما تراجعت خصوبة المرأة، فالمرأة في سن 45 عاما يكون لديها ربع مستويات هذا الهرمون التي توجد لدى نظيرتها في سن العشرين.
وأجرت أندريا جوريسيكوفا، أخصائية أجنة بمستشفى ماونت سيناي بكندا، أبحاثا لسنوات حول كيفية إبطاء وتيرة تراجع خصوبة المرأة بفعل التقدم في العمر. وخلصت أبحاثها إلى أن التجارب التي تمر بها كل امرأة على حدة، مثل الضغوط النفسية والتعرض للإشعاعات والمواد الكيميائية السامة وحتى المؤثرات التي تعرضت لها عندما كانت في رحم أمها، تلعب دورا في تحديد عدد البويضات في المراحل المتقدمة من العمر.
العبرة بالنوعية
ورغم صعوبة تقييم نوعية البويضات، فقد ثبت أن نوعية الكروموسومات والحمض النووي في كل بويضة، وليس عدد البويضات فحسب، تتراجع أيضا مع التقدم في العمر.
ويقول ويلز إن شذوذ الكرموسومات في البويضات أمر شائع للغاية، ولا يقتصر على المسنات فحسب، بل إن الشابات أيضا قد يكون لديهن شذوذ كروموسومي في بويضاتهن، لكن بمستوى منخفض وقد يزيد مع التقدم في السن.
وبعد سن 35 عاما، تزيد نسبة البويضات التي تتضمن اختلالات في عدد الكروموسومات أو تركيبتها بنسبة 0.5 في المئة شهريا، حتى إن ثلاثة أرباع بويضات المرأة في مستهل الأربعين قد تتضمن اختلالات في الكروموسومات. وبسبب هذه الاختلالات، قد تقل احتمالات تحول البويضات التي تنتجها المرأة أثناء الدورة الشهرية إلى أجنة.
وخلصت دراسة أوروبية إلى أن نسبة الاختلالات الكروموسومية كانت مرتفعة أيضا في بويضات الشابات من سن 13 عاما إلى مستهل العشرينيات. وهذا يدل على أن خصوبة المرأة ترتفع تدريجيا ثم تأخذ منحنى منخفضا مع التقدم في العمر، بحيث تبلغ ذروتها في منتصف العشرينيات.
وقد تزيد أيضا نسبة الميتوكوندريا المعيبة في بويضات الأمهات الأكبر سنا، وتعد الميتوكوندريا مراكز توليد الطاقة في الخلايا التي نرثها عن أمهاتنا. وأشارت دراسات إلى أن نصف بويضات الأمهات اللائي تجاوزن 35 عاما تحمل طفرات في المادة الوراثية (الحمض النووي) للميتوكوندريا.
وتقول جوريسيكوفا إن البويضة تحتاج لنحو 40 ألف نسخة من المادة الوراثية للميتوكوندريا على الأقل لتتحول إلى جنين.
ويقول ويلز إن معظم النساء يفقدن القدرة على الإنجاب عندما يبلغن 45 عاما، أي قبل انقطاع الطمث بسنوات عدة. وتتراجع الخصوبة تدريجيا كلما تقدم العمر، لكن بدرجات متفاوتة.
وأشارت بعض الدراسات إلى أن نوعية الحيوانات المنوية تتراجع أيضا لدى الرجال مع التقدم في العمر، بدءا من العشرينيات من العمر. وخلصت دراسات إلى أن قدرة الحيوانات المنوية على الحركة داخل الجسم تتراجع بنسبة 0.7 في المئة سنويا، وكلما زاد عمر الرجل زادت احتمالات وجود طفرات في المادة الوراثية للحيوانات المنوية. وكشفت دراسة أن الآباء الأكبر سنا يوّرثون طفرات أكثر لأطفالهم مقارنة بالأمهات.
أفضل بويضة
يقول ويلز: “إن البويضات هي خلايا استثنائية، تعد الأكبر بين خلايا الجسم ولها خصائص فريدة”. إذ تمتلك البويضة القدرة على التوقف عن النمو والدخول في حالة سبات لسنوات أو عقود حتى تُطلق من الرحم أثناء عملية التبويض. وأشار بحث أجراه ويلز إلى أن قدرة البويضة على التحول لجنين تتوقف على قدرتها على الاحتفاظ بالكروموسومات في الفترة التي تكون فيها في حالة السبات.
وتشير جوريسيكوفا إلى أن البويضات تنمو وتنضج داخل المبيض قبل إطلاقها من الرحم بتسعة أشهر على الأقل. وتتوقف جودة البويضة على المؤثرات البيئية والصحية التي تعرضت لها المرأة أثناء فترة نمو البويضة، فقد يؤثر الضغط النفسي والتعرض للإشعاعات والكيماويات سلبا على البويضة.
والعجيب أن نمو البويضة بعد خروجها من السبات يستغرق نفس عدد الأشهر التي يقضيها الجنين داخل الرحم. وأثناء هذه الفترة، تجمع البويضة الموارد التي تحتاجها في حالة إخصابها.
ويقول ويلز إن الجنين في الأشهر الثلاثة الأولى بعد الإخصاب يعتمد كليا على ما جمعته البويضة أثناء فترة النمو.
ورغم أن الطب لا يزال عاجزا عن تغيير عدد البويضات التي ترزق به كل امرأة طيلة حياتها، فإن ويلز وجوريسيكوفا يوافقان على أن هناك طرقا لتحسين نوعية البويضات أو إنقاذها، مثل اتباع نمط حياة صحي والمواظبة على التمارين الرياضية والابتعاد عن الضغوط النفسية وعلاج المشاكل الصحية، مثل فرط نشاط الغدة الدرقية وغيرها من أمراض المناعة الذاتية.
وخلصت دراسة أجرتها جوريسيكوفا، إلى أن إعطاء إناث الفئران الإنزيم المساعد “Q10” المضاد للأكسدة أسهم في تحسين جودة بويضاتها، من حيث الكروموسومات وكفاءة الميتوكوندريا. وساعدها على إنجاب صغار أحياء بنجاح.
وسيلة وليس غاية
ولا تقتصر التحديات التي تواجهها الراغبات في الإنجاب كلما تقدم بهن العمر على تراجع الخصوبة، بل يواجهن أيضا مخاطر أكبر أثناء الحمل والولادة. وفحصت دراسة في الولايات المتحدة السجلات الصحية لأكثر من 36 ألف امرأة، وخلصت إلى أن الأمهات اللائي يتجاوزن الأربعين، أكثر عرضة مرتين أو ثلاثة من نظيراتهن الأصغر سنا للإصابة بمشاكل صحية أثناء الحمل، مثل داء السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأكثر عرضة مرتين للإصابة بالنزيف من المشيمة، والخضوع لعملية قيصرية والإجهاض.
وعندما تنجب الأم طفلها الأول بعد بلوغ الأربعين، تكون أكثر عرضة بنسبة 50 في المئة للولادة قبل الآوان، ويكون الطفل أكثر عرضة للإصابة بمشاكل صحية عند الولادة، مثل نقص الوزن والعيوب الخلقية.
لكن هذا لا يمثل سوى نصف المعادلة، فسن الآباء قد يزيد مخاطر إصابة الطفل بمشاكل صحية. إذ كشفت دراسة أنه كلما زاد عمر الآب، زادت احتمالات الولادة قبل الآوان، ونقص وزن الطفل عند الولادة وزادت مخاطر إصابته بنوبات التشنج. وربطت دراسات بين عمر الآب وبين مخاطر الإصابة بالتوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، إذا كان الآب يتجاوز الأربعين.
أما عن محاولات الحفاظ على خصوبة المرأة لأطول فترة ممكنة، فيبذل العلماء محاولات لتحقيق المساواة بين الجنسين في هذا الصدد. وفي العالم الماضي، أنجبت مسنة هندية عمرها 74 عاما، توأمتين عبر الإخصاب في المختبر، بعد أن ظلت عاقرا لمدة 57 عاما. ومنذ ثلاث سنوات أنجبت مسنة أخرى من شمال الهند عمرها 72 عاما، طفلا بعد انتظار خمسة عقود ومحاولتين فاشلتين للتخصيب في المختبر.
وقد أسهمت التطورات المتلاحقة في مجال الطب الإنجابي على مدى العقود الماضية، في زيادة أمان التقنيات الإنجابية الاصطناعية ونسب نجاحها وسهولتها وانخفاض أسعارها. ففي عام 2014، كان تسعة في المئة فقط من الأمهات ينجبن أطفالا للمرة الأولى بعد بلوغ 35 عاما، لكن الآن يولد سنويا نحو 230 طفلا في المملكة المتحدة لأمهات يتجاوزن الخمسين.
لكن هذه التقنيات لا تزال تعتمد على عمر البويضة، لا بسبب تأثير الشيخوخة على الحمض النووي فحسب، بل أيضا لأن البويضات تتعرض مع مرور الوقت لملوثات بيئية متزايدة. ومن الممكن في المقابل إجراء الإخصاب في المختبر باستخدام بويضة من متبرعة شابة. وتتيح الآن معظم عيادات علاج العقم حول العالم للنساء إمكانية تخزين بويضاتهن أو تجميدها حتى يصبحن مستعدات للحمل، عندها تلقح البويضة وتزرع في أرحامهن.
ويقول ويلز إن صعوبة الحمل في سن متقدمة لا تكمن في تدهور الرحم، إنما في تدني نوعية البويضة، وتحديدا الشذوذ الصبغي، فالبويضة هي البذرة التي يعتمد عليها الجنين في تنفيذ الكثير من العمليات المطلوبة في مراحل تطوره الأولى.
ويعكف ويلز وزملاؤه من الأخصائيين في علم الأجنة على تطوير تقنيات لاختيار أفضل البويضات لاستخدامها في علاجات الإخصاب في المختبر، مثل الفحص الوراثي قبل زراعة البويضة. وتساعد عمليات استبدال الميتوكوندريا في علاج العيوب في البويضات لمساعدة الأمهات على إنجاب أطفال أصحاء.
غير أن هذه التقنيات الجديدة قد تسهم في الحفاظ على خصوبة النساء لفترة أطول ولكن ليس للأبد، فجميع النساء ستتراجع خصوبتهن لا محالة مع مرور الزمن.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future
[ad_2]
Source link