أخبار عربية

قصة المكان “الساحر” الذي احتضن لقاء سريا لمناقشة إنشاء البنك الدولي

[ad_1]

فندق ماونت واشنطن بين قلة من الفنادق القديمة الفاخرة التي مازالت باقية بمنطقة نيو إينغلند شمال شرقي الولايات المتحدة

مصدر الصورة
Philip Scalia/Alamy

Image caption

فندق ماونت واشنطن بين قلة من الفنادق القديمة الفاخرة التي مازالت باقية بمنطقة نيو إينغلند شمال شرقي الولايات المتحدة

يطل فندق “ماونت واشنطن” كبناء رفيع شامخ باللون الأبيض بين الطبيعة البكر لجبال “وايت ماونتز” ببقعة نائية بشمالي ولاية نيوهامشير الأمريكية.

يقف الفندق، الذي بني إبان ما عرف في الولايات المتحدة بـ”العهد الذهبي” أواخر القرن التاسع عشر، تحتضنه غابات بريتون على سفوح جبل “ماونت واشنطن” الشاهق الذي يعد أعلى قمم شمال شرقي الولايات المتحدة وذروة سلسلة مرتفعات “بريزيدنشال” التي تطوق الفندق بين تلك الجبال.

يقول كريغ كليمر، مدير مبيعات وتسويق الفندق، إن هذا الأثر يشبه “قلعة من الحجر الصلد” عندما ننظر إلى “المرتفعات البيضاء” من شرفته الضخمة، ويضيف: “حتى يومنا هذا يتمتع الفندق بوضع منيع جغرافيا بالجبال التي تحيط بالوادي. ويمكن بسهولة عزله عن العالم الخارجي بغلق الطريق عند كروفورد نوتش جنوبا، والتقاطع الحالي لمساري 302 و3 شمالا. يقع الفندق وسط 800 ألف فدان من المحمية الوطنية لغابات وايت ماونت، فمن يستطيع اختراق كل ذلك؟”.

يشرح كليمر كيف وقع هذا الاختيار على فندق ماونت واشنطن لانعقاد اجتماع سري خلال الحرب العالمية الثانية – وهو الاجتماع الذي أسفر عن السياسات الاقتصادية العالمية الراهنة.

ففي مطلع صيف عام 1944، وبينما لم تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها رغم الإنزال الناجح في نورماندي في يونيو/حزيران، أصبح الحلفاء أكثر ثقة بالنصر ضد قوات المحور. ورغم أن الحرب لم تنته إلا بعد عام من ذلك، كان قادة الحلفاء يخططون بالفعل لإعادة هيكلة الاقتصاد العالمي الموحد.

وفي يوليو/تموز، التقى سرا ممثلون عن 44 بلدا من الحلفاء هنا في فندق ماونت واشنطن للخروج بإطار للتعاون الاقتصادي العالمي ما بعد الحرب. وخلال اللقاء، الذي عرف بالمؤتمر النقدي والمالي للأمم المتحدة وأيضا بمؤتمر غابات بريتون، تأسس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ما أرسى لأول مرة إطارا من القواعد للحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمي.

وفي أوقات الاضطرابات الاقتصادية الدولية، تظهر أهمية صندوق النقد الدولي، ومقره الآن في العاصمة الأمريكية واشنطن ويضم في عضويته 189 بلدا، فقد أعادت المبادئ التي أرسيت في هذا الفندق الجبلي عام 1944 الرخاء والازدهار لأغلب بقاع العالم بعد الكساد الذي طرأ عام 2008، بينما جلب عام 2020 تحديا آخر للاقتصاد العالمي يتمثل في كيفيه التعافي من تداعيات فيروس كورونا.

مصدر الصورة
Comstock/Getty Images

Image caption

يعد جبل ماونت واشنطن وسلسلة جبال بريزيدنشال بين أعظم الجبال بالساحل الشرقي للولايات المتحدة

واعتمدت المبادئ التي استند إليها صندوق النقد الدولي على نظرية رائدة للاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز تقوم على زيادة الإنفاق الحكومي وخفض الضرائب لتنشيط الطلب الاستهلاكي، وقد كان لها الفضل في إخراج العالم من الكساد العظيم الذي شهدته ثلاثينيات القرن الماضي.

اجتمع كينز مع وزير الخزانة الأمريكي آنذاك هنري مورغنتاو ومسؤول الخزانة الأمريكي هاري دكستر وايت بفندق ماونت واشنطن بحضور 730 مندوبا. وكان الاجتماع بتوجيه من الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل.

ولثلاثة أسابيع تباحث الوفود للخروج بمجموعة محكمة من المبادئ الاقتصادية أطلق عليها اسم “منظومة بريتون وودز”، تمخضت عن تأسيس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، وذراعه التمويلي البنك الدولي. وفي نهاية المطاف جرى التوقيع على اتفاق بريتون وودز.

لم يتم التصديق على اتفاق بريتون وودز حتى عام 1946، إذ كان يجب حسم الحرب أولا. وكانت روسيا هي البلد الوحيد العضو بالمؤتمر الذي لم يوقع على الصيغة النهائية في سافانا بولاية جورجيا – ليمثل ذلك خروجا كبيرا عن الخط ويمهد السبيل لمسار انعزالي مازالت تسلكه روسيا حتى يومنا هذا.

ومازال خبراء الاقتصاد يعقدون قمما وندوات في فندق ماونت واشنطن، كما مازالوا يندهشون من الإنجاز الذي تحقق في هذا المكان الذي يقصده السائحون أيضا. وقد تم توقيع اتفاق بريتون وودز في الغرفة الذهبية الصغيرة بالفندق، والتي يرى فيها الزائر صورا لوفود الاجتماع التاريخي ولوحات النحاس التي حملت أسماء المشاركين. ومازالت الطاولة والكراسي التي جلس عليها الموقعون شاهدة على هذا الحدث التاريخي.

وفي الصالة الضخمة المجاورة، استمعت الوفود يوميا بين العاشرة صباحا والثالثة بعد الظهر لأطروحات كينز، وأجرت الكثير من المباحثات. وقد سقط كينز على درج بالفندق بعد إصابته بنوبة قلبية.

يقول كليمر، المتابع لوقائع التاريخ والحريص على الانضمام لجولات التعريف اليومية بالفندق ما أمكن، إن كينز “واصل المؤتمر كأن شيئا لم يكن، وتحمل كل الصعاب بجلد وصبر”.

وكان قطب صناعة تعدين الفحم، جوزيف ستيكني، قد افتتح فندق ماونت واشنطن عام 1902 خلال ما شهدته الولايات المتحدة من انتعاش في السفر والترفيه إبان ما عرف بـ”العهد الذهبي”، حيث تقاطر الأثرياء من سكان المدن على جبال وايت ماونتنز ذات النسيم العليل هربا من تلوث المدن وحرارتها صيفا.

وفي عام 1944، وبعد عامين من إغلاقه بسبب الحرب، حجزت الحكومة الأمريكية الفندق بالكامل لاستضافة المؤتمر، وتقرر تجديده بطلائه بالكامل باللون الأبيض. يقول كليمر: “حتى قطع الثرايا النحاسية والزجاجية من طراز تيفاني طليت بالأبيض. كل شيء أمكن طلاؤه جرى طلاؤه باللون الأبيض!”

مصدر الصورة
Pat & Chuck Blackley/Alamy

Image caption

اليوم يوفر الفندق سبل الرفاهية المتعددة ومنها ساحات تزلج على رقعة 464 فدانا

يقول كليمر مشيرا للصالة الكبيرة إنه خلال القرن الحادي والعشرين أعيد الفندق لسابق عهده خلال “العصر الذهبي” وأزيل عنه الكثير من اللون الأبيض “باستثناء قطعة نحاسية تركت بيضاء تذكارا لما جرى من طلاء في الماضي”.

ويعد الفندق اليوم جزءا من منتجع أومني ماونت واشنطن، ويشمل حمامات استجمام وملاعب غولف واسعة وساحات تزلج تمتد على رقعة 464 فدانا (وتعد أكبرها في نيوهامشير). كما تُنظم رحلات يستطلع من خلالها الزوار رؤية غابات بريتون على مسارات وكابلات معلقة أعلى الغابات الصنوبرية العتيقة.

ولاشك أن السفر والرفاهية على نطاق واسع كانا من نتاج الاستقرار الاقتصادي الذي شهدته فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وفي هذا الفندق أيضا أرسيت أسس هذا الاستقرار العالمي. وحين قدم قادة العالم للفندق عام 1944 لم يكن قصدهم الترفيه، بل وجدوا في الموقع المكان المناسب لما يتمتع به من خصوصية وسرية وأمن، وأيضا لاتساع فندق ماونت واشنطن لاستضافة كل الحضور من وفود وأطقم مساعدة وداعمة.

وقد زاد التمييز بشكل واضح مع تصاعد مشاعر معادة السامية في الولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر عقب الهجرات الضخمة لليهود الأوروبيين إلى الولايات المتحدة. وبخلاف بعض المنتجعات السياحية التي لم تكن تستقبل اليهود، فتح فندق ماونت واشنطن أبوابه لاستقبال الجميع ومنهم الأعضاء اليهود مثل مورغنتاو، ووايت.

كما لا ننسى الهواء العليل الذي تشتهر به جبال وايت ماونتنز كأحد أسباب استقبال الفندق للمؤتمر!

يقول كليمر: “قبل اختراع تكييف الهواء كان الطلب كبيرا على الأماكن التي يمكن فيها التمتع بأمسيات باردة صيفا في يوليو/حزيران. أحب أن اقتبس قولا لكينز حين سئل عن اختيار الموقع إذ قال شيئا من قبيل: أرجوكم ابعدونا عن واشنطن العاصمة في يوليو/حزيران وألا هلكنا جميعا!”.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Travel

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى