أخبار عاجلةأخبار عربيةأخبار متنوعةسيكولوجية الأدب العربي

القريحة الفياضة .. مقال بقلم الشاعر حماد الهمل

إيسايكو: القريحة الفياضة .. مقال بقلم الشاعر حماد الهمل

لم تكن قريحة الشاعر والأديب أمة مملوكة يسيرها كيف شاء ، ويزيد من عطائها متى أراد ، أو يستعبدها ويجبر حضورها في أي وقت ، كلا .. إنها صديقٌ متغير المزاج قد يحضر هذا الصديق دون أن تستدعيه ، وقد ينتظر منك دعوة لبقة قد أعددت له بها شأنا يناسب مقامه، أو يكون مشغولا لا يستطيع منادمتك أو كان مسافرا فيتوجب عليك انتظاره، وهذا الصديق لايحب الفضاضة والجلفة، فإذا دعوته بغلضة عاندك ورفض الحضور وإن أجبرته سوف يشوه صورتك بين الحضور فإياك وإجباره على ما لا يريد.
ويكثر بين الكتاب والشعراء مشاكسة تلك القريحة لهم حينما يكونون في أمس الحاجة إليها ولكنها لم تعرهم أي اهتمام، فهل هي بهذا المستوى من الدون تتخلى عن صديقها في وقت الحاجة؟
كلا إنها تريد منك فهمها لكي تتحقق من كونك نعمَ الصديق، إذا ما الذي تريده منا لكي ترضى عنا وتتشرف بالقدوم؟
حينما نحتاج إلى الكتابة في وقت تتدلع به القريحة علينا يجب علينا تهيئة أجوائها بإغلاق مدارك التفكير التي تشغل عقولنا بغير الموضوع الأساسي، والإبتعاد عن الأماكن التي قد نجد بها ما يقطع حبل الأفكار، والإكثار من القراءة وسماع ما يناسب الموضوع، وإن كان شاعرا يقرأ أو يستمع أيضا لقصائد من أعلى الطبقات، فسوف يتأثر بهذا المحيط بشكل جيد، ويستحسن ربط كتاباته بشيء ما مثلما كان ابن حجر العسقلاني يربط كتاباته بالحجر الذي كان يجلس فوقه، فيكتب إن أراد عند البحر أو يشرب قهوة خاصة لوقت الكتابة أو ما يشاء، حتى إذا أراد استحضار القريحة ذهب لذلك المكان أو أكل أو شرب ما كان يأخذه في وقت الكتابة مع عدم ربطها بسلوك سيء.
وبعد هذا كله يبدأ بكتابة ما يخطر بباله، كلا على حدة لأن كتاباته قد لا تتناسب مع بعضها، وبعد ذلك سيجد بعض العبارات أو الأبيات التي تشد انتباهه فتلك هي نواة الموضوع أو بيت القصيد، فيبني بنيانه عليه ولا يشترط أن ما كتبه أن يكون بالمقدمة فقد يكون بالوسط أو بالأخير، واعلم أن القريحة سيسيل سيلها الذي قد يغرق أوراقك حبرا لتمتلئ آبارها ومن ثم تزهر تلك الأوراق بما يناسب فكرك.
أما إذا لم يحصل المراد بعد هذا كله وكانت جميع المحاولات فاشلة والكتابات لم ترتقي لمستواك فاعلم أن القريحة قد سافرت لبعض الوقت، فما عليك إلا انتظارها في وقت لاحق فقد تجدها عند بابك يوم غد، فإذا أتت فلا تلمها ولكن تناجى معها بأعذب الكلمات.

حماد الهمل

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. فعلا صديق حساس جداً ??
    يجيك احيانا في اصعب الاوقات
    واحيانا في اجمل الاوقات
    واحيان تحس انه نساك

    مقال جميل ?

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى