قانون التصالح في مخالفات البناء: لماذا ينشغل به المصريون وما أبرز المشكلات المتعلقة به؟
[ad_1]
لا يزال القانون رقم 17 لسنة 2019، المتعلق بالتصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها، يشغل بال عدد غير قليل من المصريين هذه الأيام، وربما مثلما لم يفعل أي قانون من قبل.
وقد استغرق تشريع القانون نحو 4 سنوات، وصدرت نسخته الأولى في 8 أبريل/ نيسان من العام الماضي، وقد عدل القانون أكثر من مرة، لكن أبرز التعديلات التي طرأت عليه هي ما تضمنها القانون رقم 1 لسنة 2020.
ويقضي القانون بجواز تصالح السلطات في مخالفات البناء، التى ارتكبت بالمخالفة لأحكام القوانين المنظمة للبناء (وأبرزها القانون 119 لسنة 2008).
وحدد القانون الجديد غرامات التصالح، لتتراوح من 50 إلى 2000 جنيه للمتر المسطح الواحد، وذلك حسب المستوى العمرانى والحضارى وتوافر الخدمات في المناطق المختلفة، وهو ما تحدده لجان محلية معنية بكل محافظة.
ويستثني القانون حالات بعينها من التصالح، أبرزها: المباني التي تتضمن خللا إنشائيا يضر بسلامتها، أو الأراضي المملوكة للدولة.
ويهدف قانون التصالح وفقا للحكومة إلى “استيفاء حقوق الدولة ومحاربة العشوائيات، ومنع المخالفات وتجاوز القوانين”.
“مشكلات في التطبيق”
يثير القانون العديد من المشكلات، من وجهة نظر من ينطبق عليهم.
أولى تلك المشكلات أن القانون لا يحدد من يلتزم وجوبا بالقيام بإجراءات التصالح، وترك الباب مفتوحا على سبيل المثال بين مالك العقار وملاك الشقق داخل ذلك العقار.
يقول حسن عبد الله: “اشتريت شقتي بنحو 300 ألف جنيه في الطابق التاسع، ولم أكن أعلم أن هذا الطابق من العقار مبني بالمخالفة للقانون”.
ويضيف: “نشب خلاف بيني وبين مالك العقار، الذي يريد أن يتهرب من المسؤولية، ولا أجد في القانون ما يلزمه هو تحديدا بدفع تلك القيمة، مع أنه هو صاحب المخالفة وليس أنا”.
ويتابع: “كما إنني أخشى أن أخسر شقتي التي لن أستطيع أن أشتري غيرها، وذهبت مضطرا لدفع قيمة جدية التصالح، ولا أجد طريقا لكي أرغم صاحب العقار حتى على المشاركة في دفع جزء من قيمة التصالح”.
ويقول المهندس إسماعيل نصر الدين، عضو لجنة الإسكان بمجلس النواب المصري، لبي بي سي، إن المالك الأصلي للعقار أو من ينوب عنه، أو مشتري الوحدة أو حتى المستأجر يجوز له القيام بذلك، تسهيلا على الناس، إلا أن هذا لا يسقط المسؤولية القانونية عن مالك العقار الأصلي مرتكب المخالفة.
ويقول علي أحمد، صاحب إحدى الشقق المخاطبة بذلك القانون: “اشتريت شقة سكنية، على سطح عقار بأحد أحياء مدينة 6 أكتوبر وذلك عام 2008، ويفترض أن تكون المساحة المبنية على السطح 25 في المئة من مساحة العقار، أي 50 مترا”.
ويضيف: “لكنى خالفت وبنيت بقية المساحة ليصبح الإجمالي 200 متر، وحين تقدمت للتصالح وجدتهم يحاسبونني على إجمالي المساحة، أي 200 متر بما فيهم الـ 50 مترا القانونية”.
وتابع: “دفعت مبلغ جدية التصالح، وهو 25 في المئة من قيمة الغرامة المحددة”.
ويقول علي إن سعر الغرامة على المتر المسطح، في الحي الذي يقيم فيه محل المخالفة، هو 700 جنيه بينما يبلغ في أحياء أخرى بمدينة أكتوبر 1200 جنيه للمتر.
الرسوم الهندسية
ينص القانون في مادته الرابعة على أن يقدم طالب التصالح، ضمن الأوراق المطلوبة، تقريرا هندسيا معتمدا من مكتب استشارى هندسي، عن السلامة الإنشائية لكامل العقار المخالف.
وأدى ذلك إلى تزاحم المواطنين أمام المكاتب الهندسية، التي تطلب مقابلا ماليا يبدأ من أربعة آلاف جنيه فأكثر.
يسري سعيد شاب لديه مخالفة بناء، في إحدى قرى محافظة القليوبية شمالي القاهرة، ويقول: “لماذا يضطروني للذهاب إلى مهندس استشاري، لأدفع 4 آلاف جنيه للرسم الهندسي؟ ويزيد هذا المبلغ ليصل إلى 6 أو 7 وربما 8 آلاف جنيه، في المدن الكبرى وعواصم المحافظات”.
ويضيف: “هناك لجنة مشكلة من إدارات الأحياء والقرى، وتحصل على نسبة من حصيلة الغرامات، لماذا لا تتولى تلك اللجان وضع الرسوم الهندسية؟”
وينص القانون في مادته الثامنة على أن يحصل أعضاء تلك اللجان على “نسبة لا تزيد عن 1 في المئة، من المبالغ المحصلة”.
وتقدم علي بالرسم الهندسي إلى لجنة التصالح بجهاز مدينة 6 أكتوبر، وطلبوا تعديله ثلاث مرات قبل أن يقبلوه.
ويقول: “في كل تعديل كنت اضطر لدفع مزيد من الأموال، إلى مكتب الاستشارات الهندسية”.
التوقيت
ينص القانون على أن يقدم طلب التصالح، خلال 6 أشهر من العمل بلائحته التنفيذية، وتنتهي تلك المدة في 30 سبتمبر/ أيلول المقبل، ويجوز لرئيس الوزراء تمديدها مرة أخرى.
لكن علي يرى أن توقيت صدور وتطبيق القانون جاء في خضم جائحة فيروس كورونا، والتي طالت تداعياتها الاقتصادية كثيرا من المصريين.
ويقول: “التوقيت غير مناسب بالمرة. لقد تركت عملي بسبب الوباء، والتحقت مؤخرا بعمل جديد وأموري المالية غير مستقرة تماما”.
“هل يعقل في خضم هذه الظروف أن تطلب مني عشرات الآلاف من الجنيهات من أجل جدية التصالح، ومئات الآلاف قيمة التصالح؟”
ويرى بعض المصريين، خاصة المغتربين بالخارج، أنه يجب فتح مدة تقديم طلبات التصالح، حتى يتمكن ملاك العقارات المسافرين من العودة وترتيب أوضاعهم.
“مبالغ كبيرة“
يروي خالد حسب الله قصته مع قانون التصالح، وقد ورث بيتا عن أبيه بني منذ عام 1998، في حي الجمالية بوسط القاهرة برخصة بناء ثلاثة طوابق، لكنه قام عام 2013 ببناء ثلاثة طوابق إضافية مخالفة.
ويقول: “لقد حرر محضر مخالفة لي عن طابق واحد (الرابع)، وحول للقضاء وحكم علي بدفع غرامة، بقيمة 75 ألف جنيه”.
ويضيف: “اضطررت لدفع رشاوي لموظفي الحي، ليتم التغاضي عن الطابقين الأخيرين، واستقر الأمر”.
“بعد تطبيق القانون بدأت الشرطة تبحث عن المخالفين، وتم ضبطي وعرضي على النيابة العسكرية، التي قررت خروجي بكفالة قدرها 250 ألف جنيه على ذمة القضية”.
لم يكن مع حسب الله هذا المبلغ الضخم، فـ”قررت النيابة العسكرية حبسه 15 يوما”.
ويضيف: “لكن تم عرضي على النيابة مرة أخرى، بعد 4 أيام من احتجازي لدى الشرطة، لتخفض الكفالة إلى 120 ألف جنيه، ودفعتها بالفعل”.
“لقد طلبوا مني السير في إجراءات التصالح، ومنذ نحو شهرين وأنا في خضم تلك الإجراءات، وفوجئت اليوم بأن أوراق التصالح (المسماة نموذج 3) شملت فقط الدور الرابع، الذي كنت دفعت عنه غرامة بالفعل في السابق، ولا يشمل الدورين الأخيرين محل المخالفة”.
“ولما استفسرت من موظفي اللجنة، قالوا لي أعد تقديم الطلب من جديد. هل سأعيد هذه المعاناة مرة أخرى؟”
دستورية القانون
يرى بعض منتقدي ذلك القانون عوارا فيه، ويطعنون في دستوريتة، لأنه “يُطبق بأثر رجعي”.
وتنص المادة 95 من الدستور المصري على أن “العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون”.
لكن إسماعيل نصر الدين، عضو لجنة الإسكان بمجلس النواب المصري، يرى أن القانون دستوري وله سوابق قانونية مماثلة، مشيرا إلى القانون رقم 30 لسنة 1983 المتعلق بتنظيم أعمال البناء.
ويقول نصر الدين إنه يطبق بأثر رجعي “لأن المخالفة لا تزال قائمة ولم ينقض أثرها”.
لكن محمود فريد المحامي يرى أن القانون غير دستوري، ويتوقع أن تقضي المحكمة الدستورية العليا بذلك في نهاية المطاف.
يقول فريد: “القانون يطبق فعليا بأثر رجعي، إلى زمن صدور القانون رقم 106 لسنة 1976، وهو أول قانون لتنظيم البناء في مصر، وهذا يتعارض مع حكم للمحكمة الإدارية، يقول إن تراخي جهة الإدارة في تنفيذ قرارات الإزالة للمباني المخالفة خلق أوضاعا مستقرة، وانتقالا للملكيات”.
ويضيف: “كما أن توصيل الدولة المرافق إلى المباني المخالفة إقرار منها، بوجود المخالفة واستقرارها. بل إنها تحصل عنها ضريبة عقارية”.
ويقول: “منذ تطبيق القانون والمحامون يتزاحمون أمام مجلس الدولة، لرفع قضايا بالطعن على قرار رئيس الجمهورية بإصدار القانون ولائحته التنفيذية، والخطوة اللاحقة هي التقدم إلى المحكمة الدستورية، للطعن في دستورية القانون، وهو ما أتوقع أن تقضي به المحكمة في نهاية الطاف”.
السلم المجتمعي
خالد حسب الله، صاحب مخالفة حي الجمالية وسط القاهرة، من مؤيدي الحكومة، وهو لا يبدي اعتراضا واضحا على القانون، ولكن ينتقد المعاناة التي يتكبدها في خطوات تطبيقه.
ويقول: “أخشى أن يثير هذا القانون مشاعر كراهية ضد الدولة، وإذا حدث ذلك سوف تستغله جماعات بعينها من أجل تحريض الناس على التظاهر”.
ويضيف: “إذا خرجت حشود للتظاهر، فلن يستطيع أحد تمييز من يتظاهر احتجاجا على قانون البناء، ومن يتظاهر لأي سبب آخر”.
نفس الهاجس أعرب عنه محمود فريد المحامي، لكنه حذر أيضا من كمية الخلافات المجتمعية والنزاعات القضائية، التي ستثور بين الملاك الأصليين للعقارات وبين من اشتروها، وأصبحوا مهددين بسحب المرافق منها أو إزالتها.
ويقول: “هذا يهدد استقرار منظومة التقاضي. ستمتلئ المحاكم بالقضايا فضلا عما هو موجود بالفعل”.
“سيؤدي القانون إلى خلافات بين من باع عقارا ومن اشترى، وخلافات أسرية وحالات طلاق، أما إذا تمت إزالة عقارات مسكونة فأين يذهب هؤلاء؟ سيمتلؤون بمشاعر الحقد والغضب إزاء الدولة”.
لكن النائب إسماعيل نصر الدين يرى عكس ذلك تماما، ويقول إن إجراءات التصالح ستوقف القضايا الجارية في المحاكم بشأن المخالفات.
ويضيف: “لو كان المخالف يحاكم في قضية بناء تتوقف إجراءات القضية، ولو كان قد صدر عليه حكم يلغى الحكم، ويعمل بما انتهى إليه التصالح”.
وفي نهاية حديثه، قال خالد حسب الله لبي بي سي: “كلما غلظ القانون العقوبة زادت قيمة الرشوة. هذا القانون يفتح أمام موظفي الأحياء والمحليات بابا جديدا للرشوة”.
ويتابع: “بعض أعضاء اللجان هم أنفسهم موظفو الأحياء، الذين تقاضوا الرشاوى قبل ذلك”.
“على أية حال، أنا أريد أن أدفع المبلغ الذي تقرر علي، لكي أنتهي من المعاناة في أروقة الأحياء والمحاكم”.
تنويه: تم تغيير بعض الأسماء الواردة في النص بناء على طلب أصحابها.
[ad_2]
Source link