تركيا واليونان: هل التناحر بينهما في شرقي المتوسط برميل بارود على شفا الانفجار؟
[ad_1]
تصاعدت التوترات في مياه شرقي البحر المتوسط خلال الأسابيع الأخيرة، جراء ما يبدو تنافساً على مصادر الطاقة في هذه المنطقة.
إذ واصلت تركيا جهود استكشاف للغاز فيها وصفت بالعدوانية، عندما أرسلت سفينة تنقيب إلى المنطقة ترافقها سفن حربية من البحرية التركية لحمايتها. وقد حدثت مواجهات مع سفن تابعة لليونان، البلد المنافس، وتدخل عضو ثالث في حلف شمالي الأطلسي (ناتو) هو فرنسا، ليقف إلى جانب اليونانيين.
وقد أُعلن في الأيام الأخيرة عن أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد أرسلت عددا قليلا من مقاتلات أف 16 إلى جزيرة كريت للمشاركة في مناورات مشتركة مع اليونان. ويبدو أن إرسال هذه الطائرات المقاتلة كان، ظاهريا، إجراءً روتينيا.
إذن، ما الذي يجري في هذه المنطقة؟ وهل أن التوترات تتعلق بمصادر الغاز فقط؟ ولماذا تنجر بلدان، تبدو بعيدة، لهذا الصراع؟ وما هو وجه الخطر بالتحديد في أن تسوء الأوضاع الجيو-سياسية هناك وتتحول منطقة شرقي البحر المتوسط إلى برميل بارود متفجر.
إن ما يحدث هناك أمر معقد وخطر ويهدد باستفحال الانقسامات وخطوط التصدعات الموجودة في المنطقة.
من ليبيا إلى سوريا
على الرغم من أن قضية التنقيب عن الغاز هي السبب المباشر للتوتر، إلا أن جذور المشكلة أعمق من ذلك بكثير. فما نشهده هو صراع طويل بين اليونان وتركيا يتم إحياؤه في سياق جديد.
وبناء على ذلك، لدينا تنافس إقليمي أو جيو -استراتيجي يدفع بتركيا إلى أن تكون أكثر حزما وتشددا ضد عدة لاعبين آخرين في المنطقة. وتمتد ساحة المعركة في هذا النزاع من ليبيا وعبر مياه شرقي البحر المتوسط إلى سوريا وما بعدها.
إن هذه التوترات فعلية ومتنامية. ويتمثل أحد المخاوف في أن تركيا ستشعر بعزلة أكبر مع تكتل الدول الأخرى في معارضة مطامح أنقرة الإقليمية، وهذا ينذر بخطر جعلها أكثر حزما وتشددا في هذا الملف.
وتسلط التوترات في شرقي المتوسط الضوء أيضا على تحول آخر في المنطقة هو هبوط مستوى القوة الأمريكية، أو بصورة أدق، هبوط مستوى الاهتمام الاستراتيجي لإدارة الرئيس ترامب بما يجري هناك.
فالرئيس دونالد ترامب علق مساهمة تركيا في برنامج الطائرة المقاتلة أف- 35، إثر شرائها منظومة صواريخ أرض-جو روسية متقدمة. بيد أنه ليس ثمة أي ضغط أمريكي ثابت وفعلي على تركيا يتناسب مع المشكلة التي خلقتها للسياسة الأمريكية داخل حلف الناتو وفي سوريا وأماكن أخرى.
وتسعى ألمانيا إلى التوسط بين اليونان وتركيا في ظل غياب أي فعل أمريكي واضح وإلقاء فرنسا بثقلها بوضوح إلى جانب اليونانيين.
لذا دعونا ننظر في مناطق التوتر تلك واحدة بعد الأخرى:
الطاقة
في أحد المستويات، تبدو القضية بمجملها بشأن الغاز. فعدة بلدان في المنطقة؛ إما اكتشفت حقول غاز مهمة أو أنها تنشط بقوة لاستكشاف مثل هذه الحقول. وقد يكون لذلك نتائج مختلطة ومتداخلة جدا. فهو يغذي ويشحن التناحرات والتنافسات ذات النزعة الوطنية في المعارك الجارية بشأن ترسيم الحدود البحرية من جهة، ومن يمتلك أي خطة للمنطقة تحت البحر وما إلى ذلك.
وفي الواقع تسببت اتفاقات لضمان الحقوق الخاصة بكل طرف في المزيد من التوتر. ففي العام الماضي وقعت تركيا اتفاقية بحرية مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، وشرعت في تجديد عمليات استكشاف الغاز في مناطق تعتبرها اليونان تقع ضمن نطاق منطقتها الاقتصادية.
وتلا هذه التوترات توقيع اليونان ومصر مطلع هذا الشهر لاتفاقٍ لترسيم الحدود البحرية أثار غضب تركيا، وتجديدها عمليات استكشاف ونشر قطع بحرية حربية.
بيد أن المثير في ذلك، أنه في حين تقود عمليات استكشاف الطاقة إلى تفاقم يتعذر تجنبه في التوترات، وقد تغذي على المدى الطويل سباق تسلح إقليمي في البحر والجو؛ ستكون هناك حاجة لاتخاذ أفعال ملموسة إذا تأكدت الفوائد الاقتصادية لهذا الغاز بشكل فعلي. ويجب أن تمد أنابيب النقل وتبنى بنى تحتية قد تكون معرضة للهجوم، إذ أنها ستمر في مناطق تحت البحر تابعة لعدة بلدان قبل أن تصل إلى البر في السوق الأوروبية المهمة.
وثمة بنى تحتية دولية ناشئة تُؤسس لمنتجي الطاقة المحتملين في حوض البحر الأبيض المتوسط، وقد يساعد ذلك في النهاية على تخفيف التوترات وربما حتى تقديم مسار لحل مشكلة قبرص المستمرة منذ أمد طويل أيضا.
قبرص
لقد ظلت قبرص مصدر نزاع بين اليونان وتركيا منذ غزو القوات التركية للجزيرة في عام 1974، والإعلان من جانب واحد عن قيام جمهورية شمالي قبرص التركية. وينهل ذلك النزاع من تاريخ طويل من العداء بين اليونانيين والأتراك يمتد تاريخه إلى ما قبل قيام الدولة التركية الحديثة.
وكانت هناك آمال في أن اقتراب تركيا من الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، قد يسهل حل قضية قبرص، ولكن على الرغم من الجهود الدبلوماسية المتعددة لم يتحقق ذلك وثبت أنها ما زالت عصية على الحل كما كانت من قبل.
والآن، ليس ثمة احتمال في الأفق لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وأضافت التوترات بشأن الطاقة عنصرا جديدا إلى النزاع القديم جدا.
“العثمانيون الجدد”
ثمة عامل مهم أخر في هذه المعضلة ، يتمثل في اتباع تركيا لسياسة خارجية أكثر تشددا وصرامة، يُشبهها البعض ببعث للامبراطورية العثمانية القديمة. فالآفاق الجغرافية للرئيس رجب طيب أردوغان قد اتسعت بالتأكيد.
وتحول موقف تركيا الاستراتيجي منذ نهاية الحرب الباردة بعد اندثار الدولة الملتزمة بقوة بمبدأ العلمانية وظهور نبرة إسلامية اكثر في سياساتها.
ويرى حزب العدالة والحرية الحاكم أن الاقتصاد التركي المتنامي والديناميكي بوصفه عاملا مساعدا في جعل البلاد لاعبا أساسيا في الامتداد الاقليمي، وعلى الرغم من تعثر هذا الاقتصاد مؤخرا، إلا أن أردوغان لم يظهر أي علامة على التوقف عن العزف على هذه النغمة.
وبالفعل، يستشرف ما عرف بمبدأ “الوطن الأزرق” الذي اعتمدته الحكومة التركية بوضوح، لعب تركيا لدور أعظم في البحار ضمن ما تعتبره تركيا مياهها الاستراتيجية.
وعادة ما يصور الأتراك على أنهم مصدر للقلاقل وأن سعيهم المنغلق لتحقيق لما يرونه مصالحهم الخاصة قد أغضب الأصدقاء والخصوم على حد سواء.
ولكن بالمقابل ترى تركيا أن ما تعتقده مصالحها القومية الحيوية تتعرض للتهديد – لاسيما في سوريا – حيث تشعر أن العديد من حلفائها الغربيين، والولايات المتحدة من بينهم، قد خذلوها هناك.
وتسعى تركيا لقيادة مسارها الخاص، مرتبطة بلاعبين آخرين كروسيا وإيران عند الضرورة، فقد تمتعت بهذا القدر النسبي من الاستقلال الاستراتيجي وسعت إلى توسيع مناطق نفوذها الإقليمية، ملقية بثقلها خلف حكومة الوفاق الوطني في الحرب الأهلية الليبية.
ومثل العديد من المعارك في المنطقة، كما هي الحال فعليا في سوريا، أصبح ذلك نوعا من الحرب بالوكالة إلى حد ما، مع لاعبين خارجيين يصطفون بعضهم ضد البعض. ففي ليبيا يواجه تركيا فاعلون أقوياء كمصر ودولة الإمارات.
لقد تدخلت تركيا بشدة لدعم الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، بينما دعمت مصر والإمارات قوات شرق ليبيا التي يقودها الجنرال خليفة حفتر. وقد صعدت تركيا والإمارات حرب طائرات مسيرة تخاض بالنيابة في السماء الليبية، حيث تُشغّل الإمارات طائراتها المسيرة التي زودتها بها الصين وتنشر تركيا طائرات مسيرة مسلحة صنعتها محليا. وقد ثبت أن القوة الجوية التركية لعبت دورا حاسما في إنقاذ حكومة الوفاق في ليبيا.
لقد عمق النزاع الليبي أيضا العداء بين تركيا ومصر، اللتين جمدتا العلاقات بينهما في أعقاب الإطاحة بنظام حكم الإخوان المسلمين، الذي يراه الأتراك توأما لنظامهم.
وأدى الخلاف بشأن ليبيا بين تركيا ومصر الى توتر العلاقات بين تركيا وفرنسا أيضا. وقد حدثت مواجهة بحرية قبل وقت ليس بالبعيد؛ عندما تدخلت سفن حربية تركية لمنع قيام البحرية الفرنسية باعتراض سفينة شحن يعتقد أنها كانت تحمل أسلحة قبالة الساحل الليبي.
ووسط تصاعد التوترات بين تركيا واليونان، أرسلت فرنسا سفينتين حربيتين وطائرتين هجوميتين بحريتين كنوع من إظهار التضامن مع أثينا.
لذا قد يكون السبب الآني للتوترات في البحر المتوسط متعلقا بالطاقة، لكن ذلك ليس سوى جانبا واحدا من القصة فقط.
وثمة توترات دبلوماسية متنامية وأخرى عميقة الجذور قد تنفجر كلها من دون سابق إنذار.
وإذا كانت هناك منطقة بحاجة ماسة إلى إدارة الأزمات، فهي منطقة شرقي البحر المتوسط، لكن السؤال هو: من سيدير هذه الأزمة على وجه التحديد، وهل يرضى الفرقاء فيها فعليا بوجود من يدير أزمتهم؟
[ad_2]
Source link