أخبار عربية

قصة الفتاة التي حملت البندقية “للدفاع عن أسرتها” في أفغانستان

[ad_1]

نوريا تحمل الكلاشنكوف

مصدر الصورة
GHOR DISTRICT GOVERNMENT

Image caption

صورة لنوريا تحمل بندقية أبيها الكلاشنكوف وقد انتشرت بكثافة عبر الإنترنت

كان الليل قد أرخى سدوله وخيّم الظلام، عندما قدم رجالٌ إلى القرية. وبحسب رواية نوريا، كانت الساعة حوالي الواحدة صباحا عندما داهم الرجال بيت أبيها.

كانت نوريا، ذات الخمسة عشر عاما، في غرفتها نائمة قبل أن يوقظها الضجيح، فلبثت لحظة ساكنة تُرهف السمع وتفكِّر في أخيها الذي لم يتجاوز الثانية عشرة.

ثم سمعت الفتاة صوت الرجال الغرباء وهم يخرجون بوالديها إلى خارج البيت الصغير، قبل أن تسمع إطلاق رصاص.

“لقد أعدموا والدي”، هكذا قالت نوريا لبي بي سي.

شبّت نوريا في قرية صغيرة، في منطقة مضطربة من أفغانستان. ولا تخطئ العين خجلا وهدوءا تتسم به الفتاة. ورغم ذلك تستطيع نوريا التعامل مع البنادق وتجيد إطلاق النار – ثمرة تدريبٍ للدفاع عن النفس على يد أبيها.

في تلك الليلة، لم تختبئ نوريا، بل سارعت إلى التقاط بندقية أبيها الكلاشنكوف وفتحت النار على الرجال خارج المنزل. فتحت النار حتى فرغت خزينة الطلقات، بحسب روايتها.

تقول نوريا إنهم كانوا يتقهقرون في الظلام. وفي النهاية تكشَّف المشهد عن خمس جثث ملقاة خارج المنزل: الأم، والأب، وجار مسنّ من الأقارب، واثنان من المهاجمين.

“كان أمرا مريعا. كانوا شديدي القسوة. أبي كان مُقعدا. أمي كانت بريئة. وقد قتلوهما”.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

نوريا رُحّلت من قريتها إلى منزل آمن في كابول

نمى الشباب المعاصرون في أفغانستان على أصوات الرصاص ولم يعرفوا إلا الحرب متمثلة في صراع مستعر منذ أكثر من 25 عاما بين قوات موالية للحكومة من جهة وحركة طالبان من جهة أخرى.

وتبسط القوات الحكومية سيطرتها على المدن والحواضر الكبرى، بينما تسيطر طالبان على المناطق النائية الشاسعة. وفي المنتصف بين هذه المناطق وتلك تقع قرى مثل قرية نوريا.

وفي منطقة الغور الريفية حيث تقطن نوريا، لا تُعدّ هجمات طالبان التي تستهدف مواقع حكومية، أمرا غير عادي.

تقول نوريا وأخوها الكبير غير الشقيق، وهو ضابط شرطة، إن والدهما كان مستهدفا من قبل مسلحين لأنه كان من شيوخ القبيلة ومن القيادات المجتمعية الموالية للحكومة.

لكن بعد مرور ثلاثة أسابيع من الواقعة، برزت عدة روايات عنها وعن ملابسات مختلفة حدّ التناقض.

هناك روايات كل من نوريا، وأخيها الكبير، وأهالي المهاجمين القتلى، والشرطة المحلية، وشيوخ القبيلة، وممثلي حركة طالبان، والحكومة الأفغانية.

واستنادا على عدد من الروايات التي قيلت لبي بي سي، كان أحد المسلحين في تلك الليلة زوجا لـنوريا، وبهذا لم تكن قصة بطولة الفتاة في التصدي لمسلحي طالبان سوى شجار عائلي.

بعض الروايات المتضاربة لأحداث الواقعة وملابساتها يهدد بضياع حقيقة ما حدث لـنوريا، كما يكشف في المقابل اللثام عن وجه مأساوي للحياة في ريف أفغانستان – حيث تعيش السيدات الصغيرات أسيراتٍ للثقافة القبلية، والتقاليد، والسلطة الأبوية.

وكثيرات في ظل هذه الظروف، لا يحصلن إلا على قدر ضئيل من التعليم وقدر ضئيل من الاختيار في مجريات الحياة.

اعتقال الفتاة الأفغانية التي ظهرت على غلاف ناشيونال جيوغرافيك بتهمة انتحال شخصية

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

جنود حكوميون يقفون في نوبة حراسة في منطقة غور

أكثر الأمور المتنازع عليها في روايات ما حدث بتلك الليلة يتمثل في هوية الرجال الذين جاؤوا إلى منزل نوريا، وسبب مجيئهم.

أمر واحد تتفق عليه كل الروايات هو أن هجوما وقع في القرية في ساعات مبكرة من صباح ذلك اليوم.

تقول نوريا إنهم غرباء عرّفوا أنفسهم بأنهم “مجاهدون” قدموا من أجل أبيها.

وتنفي طالبان أية صلة بصدامٍ مع فتاة مراهقة، لكن الحركة في الوقت ذاته تؤكد أنها نفذت هجوما في نفس القرية ذلك المساء، ولكن الهجوم كان على مركز تفتيش تابع للشرطة أسفر عن إصابة اثنين من عناصر الحركة، دون خسائر في الأرواح.

أما مسؤولو الحكومة فيشيدون بانتصارٍ وقع على مسلحي طالبان، ويصفون نوريا بالبطولة.

وما أنْ نقلت السلطات الحكومية نوريا وأخاها الصغير بعيدا عن المنطقة بمروحية عسكرية، حتى ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بقصة الشابة التي حملت السلاح في معرض الدفاع عن النفس والأهل.

وليس أمرا نادرا في أفغانستان أن يمتدح الرئيس مدنيين كبّدوا حركة طالبان خسائر. لكن دعوة الرئيس أشرف غني لـ نوريا إلى العاصمة كابول، أصدرت ردود فعل مختلطة.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

نوريا وأخواها يستعدان لركوب مروحية عسكرية

البعض يقول إن نوريا بطلة. وثمة مَن يصف الأمر بأن طفلة بريئة وقفت بين طرفين متحاربين – هاجمها طرفٌ واستغلها الطرف الآخر إعلاميا.

وكتب أحد المغردين على تويتر: “في بلد شهد الناس فيه الكثير من الدماء والعنف بما يؤهلهم للوقوف على قيمة الحياة والسلام، في بلد كهذا لا أستطيع أن أفهم معنىً لتمجيد العنف والثناء على حمل السلاح. العنف ليس مبررا للعنف”.

مغرد آخر اعتبر نوريا “رمزا للمرأة الأفغانية التي نجحت في الدفاع عن حياتها”، قائلا إن هناك “الكثير من الضحايا في أفغانستان لا يستطعن القيام بأي شيء غير المعاناة من ويلات الحرب مع طالبان”.

وفي مسرح الجريمة، في اليوم التالي، عثر رجال الشرطة على بطاقتَي هوية فوق جثتين لشخصين كانا معروفين بتأييد حركة طالبان، بحسب ما قالت الشرطة لبي بي سي.

الشخص الثالث الذي أصيب، تمكن من الهرب، وهو ضابط كبير في صفوف طالبان يُدعى سيد معصوم كامران، بحسب الشرطة.

واستطاعت بي بي سي، على نحو مستقل، التأكد من هوية القتيلين اللذين كانا في العشرينيات من العمر ويرتديان الزي الأفغاني التقليدي الذي أصبح مغموسا في الدماء.

وقالت مصادر مقربة من طالبان إن الضابط الكبير الذي سمّته الشرطة وقالت إنه هرب مصابا من الحادثة، هو بالفعل تعرض للإصابة، لكن تلك المصادر لم تؤكد مكان أو زمان تعرُّضه لتلك الإصابة.

كما أكدت مصادر محلية تابعة لطالبان أن أحد الرجال الذين تضمنهم مشهد الحادثة كان قبل سنوات عديدة على صلة بشبكة أعمال الحركة في هلمند جنوبي أفغانستان.

ما قصة الأفغانية التي رفضت ارتداء البرقع؟

Image caption

مسرح الحادثة خارج منزل نوريا

وعندما وصلت نوريا وأخوها الصغير إلى العاصمة بأمر من رئيس البلاد، بدت جريمة قتل والديهما مأساوية لكنها واضحة المعالم على كل حال.

لكن بعد أسبوع من الواقعة، بدأت تشيع تقارير تفيد بأن أحد القتيلين المهاجمَين ليس مسلحا مجهولا ممن يقومون بعمليات مداهمةٍ روتينية تشنها حركة طالبان، وإنما هو في الحقيقة زوج نوريا.

وقال أفراد من عائلة نوريا ومصادر محلية لبي بي سي إن زوج نوريا، ويدعى رحيم، أتى إلى القرية بنية مصالحة زوجته بعد نزاع عائلي تمخض عن ذهابها إلى بيت أبيها بمعية الأب.

تقول المصادر إن “رحيم” انضم إلى طالبان وأتى إلى منزل والد نوريا رفقة مسلحين من الحركة.

وكان الرجل الذي تقول المصادر إنه زوج نوريا هو أحد القتيلين في تلك الليلة.

أما نوريا فتنكر أنهما كانا متزوجين من الأساس.

وثمة روايةٌ وسَطٌ تقول إن نوريا كانت جزءا من اتفاقِ تزاوُجٍ بين عائلتين، فيما يُسمى في الثقافة الأفغانية “موخي”.

وكان مقررًا أن يتزوج رحيم من نوريا كزوجة ثانية له، على أنْ يتزوج والد نوريا ابنة أخت رحيم كزوجة ثانية له أيضا.

ولما كانت العروستان لا تزالا صغيرتين، تم الاتفاق على الانتظار عددا من السنوات قبل إتمام الزواج والبناء بهما.

وليس التحقق من وقائع قصة كتلك في ريف أفغانستان بالأمر السهل.

وتغرق قرية نوريا في مساحة شاسعة من الأرض الزراعية، تحيطها جبالٌ شمّاء، وإذا طمح أحد أبناء القرية إلى عمل اتصال هاتفي يتعين عليه الصعود إلى الجبل لالتقاط الإشارة.

وللتحقق من مسألة زواج رحيم من نوريا، كان على بي بي سي البحث عن والدة رحيم، شفيقة، والتي تعيش في ولاية نمروز جنوب غربي أفغانستان رفقة ابن رحيم من زوجته الأولى.

وأكدت شفيقة عبر الهاتف من نمروز أن ابنها كان قد تزوج نوريا قبل ثلاث سنوات في إطار اتفاق عُقد بوجبه أيضا قرانُ حفيدتها -ابنة أخت رحيم- على والد نوريا.

وأضافت شفيقة أنه وبينما كان ابنُها، رحيم، قبل أقل من عامين يشتغل في هلمند، أتى والدُ نوريا في زيارة غير متوقَّعة وأخذ ابنته، تاركا عروسه، ابنة أخت رحيم، وراءه. في إلغاء للاتفاق، بحسب شفيقة.

Image caption

منظر غروب الشمس فوق العاصمة كابول

وقالت شفيقة إنهم طلبوا وساطة الكبار لحل المشكلة. لكن لأن عائلة نوريا كانت أكثر ثراء من عائلة رحيم فإن الوساطة لم تشفع للأخير.

وأكدت شفيقة أن “رحيم” ذهب إلى منزل نوريا ليلة الهجوم، ولكنها نفت أنه كان ينتوي القتل.

وقالت شفيقة: “هم عائلة قوية، ونحن فقراء. لم يذهب (رحيم) إلى هناك بعد منتصف الليل، إنما ذهب في المساء بدعوة من والد نوريا، لحل المشكلة، بل حتى لمناقشة مسألة الطلاق”.

وأنكرت الأم أن ابنها كان من مقاتلي طالبان، لكن حديثها عن سفره للعمل في هلمند وتوقيت ذلك يتناسب تماما مع رواية مصادر من طالبان تفيد بأن “رحيم” كان من عناصر الحركة في هلمند قبل عامين من زواجه من نوريا.

تقول شفيقة: “ابني لم يكن من عناصر طالبان. إنما كان من عمال البناء. لم يحمل سلاحا طوال عمره. نحن عائلة فقيرة. لا أحد يعيرنا اهتماما. لا أحد”.

وكانت شفيقة قد فقدت قبل اثني عشر عاما ابنًا آخر كان ضابطا في الشرطة راح ضحية هجوم إرهابي في نمروز.

والآن خلتْ عائلة شفيقة من الرجال وبالتالي من كاسبي المال، لتنضم بذلك إلى قائمة طويلة من النساء الأفغانيات اللائي دمر العنفُ حياتهن.

Image caption

مع شروق شمس اليوم التالي للواقعة، دفنت نوريا وجيرانها جثماني والديها

لكن الشرطة المحلية في المقاطعة التي تعيش فيها نوريا، جنبا إلى جنب مع عدد من كبراء قريتها، فضلا عن السلطات الأفغانية المركزية – كلهم يصرون على أن رحيم ونوريا لم يتزوجا، وأن الهجوم على منزل الأخيرة كان هجوما روتينيا لحركة طالبان، وأن والد نوريا كان هدف هذا الهجوم.

قليلون جدا من الناس هم مَن يعرفون حقيقة ما جرى في تلك الليلة، بينهم نوريا وأخوها الصغير؛ وذلك المهاجم المصاب الذي فرّ. ربما، وربما أيضا ألا يكون أحد يدري الحقيقة كاملة.

وفي صبيحة تلك الليلة الدامية، دفنت نوريا وجيرانها والديها في قبور مؤقتة على مقربة من المنزل. وبينما كانوا يهيلون التراب على جثتي القتيلين، كانت أفغانستان تتأهب لأول محادثات سلام مباشرة بين الحكومة وحركة طالبان.

وتنعقد الآمال على أن تتكشّف تلك المحادثات عن واقع حياة مختلف في أفغانستان، لكن المئات من الأفغان لا يزالون يلقون حتفهم كل شهر. بينهم كثير من الأبرياء أطفالا ونساء. ومثل نوريا، لا حول لهم ولا صوت ولا اختيار إلا الاستمرار في الدفاع عن أنفسم ماديا ومعنويا، بأي شكل يستطيعونه.

(كل الأسماءالواردة بالنصغير حقيقية لأسباب تتعلق بالأمان)

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى