زيارة إلى المدينة التي تحولت إلى “مقهى عملاق في الهواء الطلق”
[ad_1]
“إنه اليوم الرابع على التوالي، الذي أعكف فيه على تنظيف الطاولات المتناثرة في الهواء الطلق وتجميعها”، هكذا شكت أستا باسكوسكايت؛ سيدة الأعمال الليتوانية المنحدرة من أصل أمريكي، خلال تنظيفها وترتيبها للساحة القريبة من إحدى أسواق منطقة “البلدة العتيقة” في العاصمة الليتوانية فيلنيوس.
انهماك باسكوسكايت في القيام بعمليات التنظيف والترتيب هذه، يستهدف تمكين المشاة من السير في الساحة، التي تحولت إلى نادٍ ليلي غير رسمي، مثلها مثل السوق نفسه والكثير من الساحات القريبة منه بموجب مبادرة حكومية أُعْلِنَت قبل شهور. فمرتادو ذلك “النادي الليلي” يتركون الطاولات في العراء، حينما تنتهي في الساعات الأولى من صباح كل يوم سهراتهم الصاخبة، التي تحتضنها تلك البقعة من فيلنيوس، التي تشتهر منطقة “البلدة العتيقة” فيها، بأنها تعج بالشوارع المتعرجة، التي تعود للعصور الوسطى.
وتوضح هذه السيدة، وهي من بين الوجوه البارزة في المجتمع المحلي هنا، سبب انخراطها في مثل هذا النشاط بالقول: “بعض أصحاب الحانات يتذمرون من نقص العمالة، ويقولون إنه ليس لديهم عدد كافٍ من العمال لجمع الطاولات خلال الليل. حينها أُريهم صورة للطاولات التي جمعتها، وأقول لهم `أنا في الستين من عمري وجمعت كل هذه الطاولات في 20 دقيقة. أريد أن أضرب نموذجا يُحتذى به لهؤلاء الأشخاص”.
ويندرج تحول الفضاءات العامة في العاصمة الليتوانية، من شوارع وساحات، إلى ما بات أشبه بمقهى فسيح للغاية في الهواء الطلق، في إطار المبادرة، التي دُشِنَت في المدينة، من أجل إعطاء دفعة للاقتصاد، وذلك خلال فترة الإغلاق، التي شهدتها فيلنيوس للحد من تفشي وباء كورونا.
وبموجب هذه المبادرة، سُمِحَ للمؤسسات العاملة في قطاع الضيافة، باستخدام الفضاءات العامة، لتقديم خدماتها لزبائنها، بهدف تقليل احتمالات التكدس والازدحام في الأماكن المغلقة.
وبينما استفادت بعض هذه المؤسسات، من تلك المبادرة، واعتبرها أصحابها بمثابة شريان حياة اقتصادي لهم بعد شهور من المصاعب والمشاق؛ أبدى بعض سكان المدينة استياءهم الشديد إزاءها، ووصفوها بأنها “مبادرة قصيرة المدى”، ستؤثر بالسلب على قابلية المدينة للعيش فيها. من بين هؤلاء، باسكوسكايت التي تقول إن هذه الخطة “تنطوي على تضليل، فقد أصبحت المدينة أشبه بحفل شراب صاخب واحد كبير، يجري في العراء”.
وفي الوقت الذي تحاول فيه مختلف دول العالم تحديد السبل المُثلى لإنعاش اقتصاداتها، التي تضررت بشدة بسبب وباء كورونا، تكشف تلك المبادرة التي طُبِقَت في العاصمة الليتوانية، أنه من الصعب للغاية بلورة خطة أو حل في هذا الصدد يحظى بإجماع مختلف الشرائح والسكان. فهناك العديد من العوامل التي يتعين مراعاتها على هذا الصعيد. كما أن محاولة المضي قدما على طريق الإنعاش الاقتصادي، بدون وجود نموذج تاريخي يمكن الاسترشاد به، أمر يتطلب السير بحرص شديد للغاية، لتجنب أي عثرات.
من الإغلاق الكامل إلى إلغاء كل القيود
في البداية، لنُشِر إلى أن ليتوانيا تضررت من وباء كورونا، بشكل متوسط نسبيا، مقارنة بغيرها من الدول. ففي مطلع أغسطس/آب، كان عدد حالات الإصابة هناك أكثر من ألفين بقليل، أما الوفيات فلم تتجاوز 80 حالة. ورغم أن سريان إجراءات الإغلاق الكامل، استمر في هذا البلد لثلاثة شهور؛ تحديدا من السادس عشر من مارس/آذار وحتى اليوم نفسه من يونيو/حزيران، فإن هذه التدابير كانت قد رُفِعَت في بعض مناطق العاصمة، في وقت مبكر عن ذلك كثيرا.
ففي الثاني والعشرين من إبريل/نيسان، أعلن مركز الطوارئ الخاص بالتعامل مع الوباء، أنه بات من المسموح للحانات والمقاهي والمطاعم فتح أبوابها، شريطة التزامها بشروط صحية صارمة؛ من بينها تحديد عدد الزبائن المسموح لهم بالجلوس على كل طاولة، وإلزام مرتادي هذه الأماكن، بالحفاظ على قاعدة التباعد الاجتماعي.
وبعد يوم واحد من ذلك الإعلان، كشف مكتب عمدة العاصمة الليتوانية، ريميوس شيمارسيس، عن خطوة غير مسبوقة، تمثلت في أن سلطات المدينة، ستسمح للمؤسسات العاملة في مجال الضيافة، أي تقديم المأكولات والمشروبات، باستخدام الفضاءات العامة دون أن تضطر لدفع أي رسوم. وهكذا وبجرة قلم، ألغت سلطات فيلنيوس كل الإجراءات الصارمة التي كانت مطلوبة سابقا في هذا الصدد، وحلت محلها عملية بسيطة، تسجل من خلالها الشركات الراغبة في الاستفادة من هذه المبادرة، اسماءها للحصول على فرصتها في هذا الشأن. وبعد فترة وجيزة من إطلاق ذلك التحرك، كتب مستشار لعمدة فيلنيوس على حسابه على “فيسبوك” أن “نحو 400 مقهى استجابت بالفعل” لهذه المبادرة.
وفي بادئ الأمر، كانت وتيرة الإقبال على الحانات والمقاهي التي استفادت من تلك الخطة، بطيئة خلال النهار، بعكس ما كان الحال عليه أثناء الليل، إذ تدفق الزبائن السعداء من مختلف أنحاء العاصمة إلى القلب التاريخي لها، لاحتساء مشروبات تخفف الضغوط عنهم، في هذه البيئة الجديدة، التي يجري فيها الاحتفال والترويح عن النفس في الهواء الطلق. ولعل هذا ما دفع شابا يُدعى يوستاس إلى القول، وهو يحتسي شرابا خلال وقوفه في أحد أكثر شوارع فيلنيوس ازدحاما، إنه يرى عاصمة بلاده “مفعمة بالحيوية للمرة الأولى” في حياته.
لكن كان هناك من بين سكان المدينة، من لم يشعروا بالسعادة لما حدث، مثل المهندسة المدنية دايفا دامبراسكين. فقد راقبت هذه السيدة، وهي في الأربعينيات من عمرها، تأثير تلك المبادرة، على الوضع في المنطقة التي تقطن فيها في فيلنيوس. وأشارت في هذا الصدد إلى جهازٍ لقياس مستوى تلوث البيئة مثبت إلى جوار نافذتها، وقالت إن “الحشود التي تحتسي الخمور وتدخن السجائر في المنطقة تلوث الهواء، وتسبب تلوثا ضوضائيا أكثر من ذاك التي تسببه السيارات”.
وقبل فرض نظام الإغلاق الكامل، كان المئات ممن يترددون بانتظام على الحانات الخمس العاملة في الشارع الذي تقطنه دامبراسكين، يقضون مضاجع السكان خلال نومهم. وقد زادت المسألة سوءا، عندما تمت إزالة قيود الإغلاق، وكذلك الضوابط الخاصة باستخدام الفضاءات العامة من جانب المطاعم والحانات، إذ تفاقمت مخاوف القاطنين في هذه المنطقة، من أن يتدهور الوضع البيئي بشكل أكبر.
وتقول دامبراسكين في هذا الصدد: “كان من المستحيل على المرء في الأسبوع الأول من تطبيق هذه المبادرة أن يصل إلى المنزل ليلا أو نهارا، من خلال اختراق الحشود المتمثلة في رواد هذه الحانات”.
وأضافت: “لم يكن هناك من يعبأ بقواعد التباعد الاجتماعي هنا”، مشيرة إلى أن الشرطة التي لم تكترث بشكاواها من دخان السجائر والضوضاء قبل فترة الإغلاق، لم تبدِ أي اهتمام لاحقا، عندما أبلغتها عن انتهاك قواعد التباعد الاجتماعي.
وربما يعود ذلك إلى عدم وضوح التعليمات الواجب الالتزام بها في هذا الإطار. فرغم أن البرلمان الليتواني، كان قد حدد في بداية فترة الإغلاق، قيمة الغرامات التي ستُفرض على مخالفي قواعد الحجر الصحي، بما يتراوح ما بين 500 و6000 يورو، لم تكن هناك تعليمات واضحة بما يكفي، بشأن كيفية تطبيق هذه القواعد في الأماكن التي تقدم خدماتها في الفضاءات العامة..
وفي هذا السياق، يقول أوريماس بوزا، نائب رئيس قسم الشرطة في “البلدة العتيقة” بالعاصمة الليتوانية، إن قوات الأمن تركز خلال الأيام التي يسودها طقس حار، على مواجهة المخالفات التي تقع في المتنزهات والبحيرات المحيطة بهذه المنطقة التاريخية، والمناطق الطبيعية الموجودة هناك كذلك. ويضيف أن رجال الشرطة لم يكونوا على دراية في العديد من الحالات، بماهية التصرفات التي يمكن اعتبارها مخالفات من عدمه.
ويستطرد قائلا: “حُدِدَت مسافة التباعد الاجتماعي بمتريْن بالنسبة للموجودين بداخل المنشآت القانونية، وهو ما يعني الشركات والمؤسسات. لكن ذلك لا ينطبق على من يجلسون في المقاهي القائمة في الهواء الطلق. فهل كان يتعين علينا أن نعاقب أشخاصا احتشدوا حول طاولة واحدة مثلا؟”.
في الوقت نفسه، أكدت مؤسسات معنية بالإشراف على تطبيق قواعد الحجر الصحي، في الشركات العاملة في قطاع الضيافة في ليتوانيا، أنها قامت بعمليات تفتيش وتحقق في هذا الصدد خلال ساعات عمل موظفيها هي، أي عندما كانت كل الحانات مغلقة!
“هذه المبادرة أنقذتنا”
ومن بين المناطق التي طُبِقَت عليها المبادرة؛ الساحة الواقعة قبالة مقر الأوركسترا الوطنية في البلاد، ما أدى إلى أن يُحجب هذا الصرح التاريخي، بفعل بحر مؤلف من نحو 200 طاولة تستخدمها المقاهي الموجودة هناك، وتعلوها مظلات تقي الجالسين عليها أشعة الشمس.
وتقول غيردا أوزيونايت، المسؤولة عن فرع الإدارة الوطنية لحماية التراث الثقافي في فيلنيوس: “لا نتولى الآن ضبط الأمور وتنظيمها في الأماكن التي يتم فيها تناول الطعام في الهواء الطلق، رغم أننا نقوم بذلك في الظروف العادية”.
ففي السابق، كان يتعين الحصول على تصريح، لكل شيء يُستخدم في هذه الأماكن مهما كان صغيرا، من قبيل المظلات واللافتات والمصابيح، بل وحتى التصميم الذي تتخذه المقاعد والطاولات. أما الآن، ففي ظل التغييرات الحالية، لم تعد هناك حاجة للانصياع لكل القواعد الصارمة، التي يُفترض تطبيقها لحماية “البلدة العتيقة”، المُدرجة على قائمة منظمة اليونسكو للتراث الثقافي. وتقر أوزيونايت بأن بعض الأمور التي تم استحداثها في الفضاءات المفتوحة التي تضمها هذه المنطقة التاريخية، تفسد سماتها الجمالية. لكنها تستدرك بالقول: “هذا وضع مؤقت. سنفرض النظام من جديد في نهاية الموسم”.
من جهة أخرى، كانت هناك مؤسسات في العاصمة الليتوانية، أوفر حظا من غيرها، فيما يتعلق بقدرتها على إعادة فتح أبوابها بعد انتهاء فترة الإغلاق، مثل الحانات التي تتخصص في تقديم بعض الوجبات الخفيفة لا أكثر. وقد شكلت هذه الحانات، أكثر من نصف المؤسسات التي سجلت اسماءها، للمشاركة في الخطة التي طرحتها سلطات المدينة، وتحولت بموجبها فيلنيوس إلى مقهى كبير مفتوح.
وتكتسي هذه الخطة بأهمية كبيرة في نظر أصحاب الحانات المستفيدة منها، ممن أصبحوا يقدمون الآن خدماتهم مؤقتا داخل ساحات العاصمة الليتوانية. ويقول أحدهم إن تلك المبادرة شكلت طوق نجاة بالنسبة لهم. ويشير إلى أنهم لم يكونوا سيستطيعون مواصلة ممارسة أنشطتهم لشهر واحد إضافي خلال فترة الإغلاق، لولا اتخاذ السلطات هذه الخطوة.
ويتبنى عمدة فيلنيوس رؤية مماثلة، إذ يقول في تصريحات لبي بي سي إن السماح للمقاهي والمطاعم والحانات بالانتفاع من الفضاءات العامة في العاصمة “أنقذ الكثير من المشروعات التجارية، وحسّن كذلك الحالة النفسية للسكان”. وأضاف: “دعوني أُذكرِّكم بأنه لم يكن هناك من يمكنه، وقت صدور ذلك القرار، التفكير في إمكانية التجمع بداخل أماكن مغلقة، وهذا ما شكّل السبب وراء انتقال الأنشطة الحياتية إلى الشوارع”.
وفي بداية فترة تطبيق تلك المبادرة، أعرب بعض سكان منطقة “البلدة العتيقة” عن دعمهم لها، وشعروا بالتعاطف مع المطاعم والحانات والمقاهي التي انتقلت فجأة للعمل بجوارهم. كما حاول آخرون تبني موقف إيجابي، حيال هذه الخطوة، من باب الرغبة في إنعاش الاقتصاد. لكن أي شعور بالتعاطف تلاشى في الثامن عشر من مايو/أيار، عندما سمحت السلطات للحانات والمقاهي بإعادة فتح أبواب مقارها المغلقة بشكل معتاد، لكن أصحابها واصلوا رغم ذلك – وحتى اليوم – تقديم خدماتهم للزبائن في الفضاءات العامة.
وفي الوقت الحاضر، يشكو السكان، الذين نفد صبرهم إزاء هذا الوضع، من أن مرتادي تلك الأماكن، يواصلون سهراتهم الصاخبة حتى الرابعة من صباح كل يوم، بالرغم من أن القواعد المطبقة في المدينة، تُلزم المشروعات التجارية العاملة في الأماكن العامة، بإغلاق أبوابها بحلول منتصف الليل.
“وهم الحيوية”
ولا يقتصر الشعور بالاستياء على السكان وحدهم بل يشاركهم فيه أصحاب النوادي الليلية والقاعات التي تشهد عروضا موسيقية حية، والتي تشكل جميعها جزءا أساسيا، مما يمكن اعتباره البنية التحتية الثقافية للعاصمة الليتوانية، وهي الأماكن التي لم يُسمح لها، بإعادة فتح أبوابها بشكل كامل، سوى في مطلع يوليو/تموز الماضي.
من بين هؤلاء جيدروس أسكليتيس، الذي يمتلك مكانا يُعرف بأنه “مركز للحياة الليلية” في فيلنيوس، يوفر من خلاله أنشطة متنوعة لمرتاديه، ممن ينتمون لخلفيات ثقافية ومن أعمار مختلفة أيضا. وتخدم هذه الأنشطة عشاق التزلج والتصميم الفني والحفلات الصاخبة وكذلك محبي حركة فنية بصرية تُعرف باسم “فن البوب”.
ويقول أسكليتيس: “الإجراءات الخاصة بإتاحة الفرصة للانتفاع بالفضاءات العامة في `البلدة العتيقة` ربما تكون قد ساعدت البعض. لكن قائمة المستفيدين منها لم تشمل أصحاب القاعات التي تحتضن الحفلات الموسيقية. لقد نسينا من اتخذوا هذه المبادرة”.
وأضاف: “لم نتلق أي مساعدة من تلك التي وعدت بها بلدية المدينة حتى الآن. نحن الآن مدعوون لكي نتقدم بطلب للحصول على مساعدة مالية بقيمة خمسة آلاف يورو، لكن يتعين علينا في المقابل دفع رواتب خمسين موظفا، وهذا لن يساعدنا بأي حال من الأحوال”.
كما لم تساعد مبادرة تحويل المدينة إلى “مقهى مفتوح كبير” المطاعم الراقية في العاصمة الليتوانية، التي واجهت تعقيدات أكبر، على صعيد إعادة فتح أبوابها، بعد انتهاء فترة الإغلاق. وحتى الآن لم تستطع نصف المطاعم العشرين الأعلى تصنيفا في فيلنيوس، استئناف النشاط من جديد. ويبدو أن 25 في المئة منها على الأقل، لن تتمكن من ذلك أبدا.
وتقول راسّا لابينسكيني، التي تمتلك أربعة مطاعم في المدينة واضطرت لإغلاق أحدها، إن الناس أصبحوا الآن يتناولون وجبات أقل خارج المنزل، ويركزون بشكل أكبر على احتساء المشروبات. وتضيف: “سمعت عن تلك الحانات التي أصبحت تحقق أرباحا أكبر بعدة مرات من المعتاد. لكن الأمر يختلف تماما مع المطاعم. أحتفظ الآن بـ 20 موظفا من أصل 80 كانوا لديّ”.
وربما يجدر بنا هنا التعرف على رؤية مارك هارولد، الذي أصبح في عام 2014 عضوا في مجلس مدينة فيلنيوس، كأول أجنبي ينضم إلى هذا المجلس على الإطلاق، وهو يرأس كذلك رابطة تتولى تمثيل أصحاب الأندية الليلية في العاصمة الليتوانية. فقد تولى هارولد تقييم مبادرة السلطات المحلية في المدينة لدعم المقاهي والمطاعم والحانات، وذلك في إطار تقرير أوسع نطاقا نُشِرَ مؤخرا، وبدا بمثابة دليل عملي لكيفية إعادة إنعاش القطاعات التي تعتمد على الأنشطة الترفيهية الليلية، وشارك في إعداده أكاديميون ونشطاء من مختلف أنحاء العالم.
وفي هذا التقرير، قال هارولد إن تركيز سلطات العاصمة الليتوانية على خيار واحد من خيارات “الحياة الليلية” وخلقها لـ “وهم بأن هناك أجواء من الحيوية” في المدينة، أدى في نهاية المطاف إلى تقليص الدعم الحكومي لمختلف مكونات قطاع الضيافة الأوسع نطاقا. واعتبر أن المبادرة الأخيرة خذلت “الأطراف الرئيسية في مجال الاقتصاد المحلي، وخدمت الحانات الموجودة في عدد محدود من الشرايين الرئيسية لمنطقة `البلدة العتيقة`”.
“الاستماع بشكل أكبر إلى آراء السكان”
لكن عمدة فيلنيوس يعتبر أن المبادرة الخاصة بإتاحة الفرصة لقطاع الضيافة للانتفاع بالفضاءات العامة “ناجحة للغاية”. كما يقول مستشاره إن قرار تمديد العمل بهذا النظام، حتى نهاية الموسم الحالي، اتُخِذَ لـ “مساعدة هذه المشروعات التجارية على تجاوز خسائرها”.
وترى إيفالدا سيسكاسكين، رئيسة رابطة المطاعم والفنادق في ليتوانيا، وهي الرابطة الأكثر نفوذا في قطاع الضيافة في البلاد، أن تلك المبادرة اجتذبت عددا أكبر من الزبائن. وتقول: “أثبت توفير مساحات إضافية للمقاهي لكي تعمل في الهواء الطلق فائدته، وهو ما يُعزى في الغالب إلى كونه، ساعد على الحفاظ على التباعد بين الناس لمسافة متريْن”.
أما ريموندس برانكا، المسؤول عن رابطة الحانات والمقاهي التي تمثل أصحاب المشروعات الصغيرة العاملة في هذا المجال، فيقول إن المبادرة ساعدت بحسب اعتقاده، على أن تتمكن “المشروعات التجارية من البقاء واقفة على قدميها” خلال فترة الإغلاق. غير أنه يقر في الوقت نفسه، بأن السلطات المحلية لم تشاوره بشأنها مسبقا.
لكن توماس إس. بوتكوس، وهو خبير في شؤون تخطيط المدن وحامل لدرجة الدكتوراه في العلوم الإنسانية وشاعر كذلك، يتبنى رؤية مغايرة، إذ يرى أن مدن العالم المختلفة، بحاجة إلى أن تكون أكثر مرونة، بحيث تحظى بالقدرة على الصمود في وجه الأزمات. ويقول إن خلق هذا النوع من المرونة أو “المناعة الاجتماعية” في مدينة ما، يتطلب التفاعل مع الفئات الاجتماعية والشرائح السكانية القاطنة فيها، لا اتباع سياسة تقوم على اتخاذ القرارات بشكل فوقي، وفرضها على السكان دون التشاور معهم بشأنها مسبقا.
ويضيف: “وجود مقاهٍ ذات طابع فوضوي تعمل في الهواء الطلق، أفضل بكثير من أن تصبح المدينة خاوية على عروشها. لكن إذا أرادت السلطات المحلية في فيلنيوس أن تتحلى المدينة بمرونة اقتصادية واجتماعية، فيتوجب عليها أن تنصت أكثر لآراء سكانها”.
على أي حال، أصبح ارتداء الكمامات إلزاميا في بعض الأماكن المغلقة في ليتوانيا، اعتبارا من الأول من أغسطس/آب، وسط مخاوف من ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا المستجد. وحتى الآن، لا تزال المقاهي التي تقدم خدماتها لمرتاديها بين جدران أربعة، قادرة على العمل بشكل معتاد، رغم أنها معرضة لخطر الإغلاق لدواع صحية في أي وقت.
لكن بعض الأماكن تشعر وسط كل هذه الأجواء، بقدر أكبر من الأمان، في ضوء أن بوسعها الاستفادة من مبادرة الانتفاع بالفضاءات العامة مجانا، وهو ما يعني أن قدرة سكان “البلدة العتيقة” في العاصمة الليتوانية على أن ينعموا براحة البال، ستظل – خلال الشهور القليلة المقبلة على الأقل – رهنا بمسار منحنى تفشي الوباء، الذي قد يجبر المسؤولين المحليين في المدينة على إلغاء تلك المبادرة، ما لم يقرروا تعديلها من تلقاء أنفسهم، دون انتظار عوامل خارجية.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Worklife.
[ad_2]
Source link