أخبار عاجلةأخبار عربيةأخبار متنوعةسيكولوجية الأدب العربي

علم البديع (3) .. مقال للشاعر حماد الهمل

إيسايكو: علم البديع (3) .. مقال للشاعر حماد الهمل

علم البديع 3
اللف والنشر

اللف والنشر أو الطي والنشر وهو من البدائع في البلاغة التي تفيد بالتشويق والتأمل وقوة الربط والتوكيد ، وهذا الفن هو أن تذكر المتعدد به على سبيل التفصيل أو الإجمال ثم تذكر ما هو مناسب لكل واحدٍ دون تعيين ، ويتمثل هذا بقول امرء قيس حينما قال :

كأن قلوب الطير رطباً ويابساً
لدى وكرها العناب والحشف البالي

وقد لف الرطب واليابس في قوله ثم نشر ما يناسبه من قول العناب والحشف البالي ، وقوله العناب يقصد به التمر وبه الغضاضة وذكره الحشف وهو ما يلف النواة ويتصف بالجفاف ، وكان على المتلقي رد النشر على اللف فيعلم أن العناب يعود إلى قلب الطير الرطب أما الحشف البالي فهو عائدٌ إلى القلب اليابس ، وهذا اللف كان تفصيلاً أتى نشره مرتباً ، وقد يكون اللف متعدداً أكثر من إثنين ويدخل أيضاً من هذا الباب ، كقول ابن الرومي

آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم
في الحادثات إذا دجون نجوم
فيها معالم للهدى ومصابح
تجلوا الدجى والأخريات رجوم

فهنا كان اللف ثلاثة أمور وهي الآراء والوجوه والسيوف وساق النشر بالترتيب حيث أن الرأي معلمٌ للهدى والوجه مصباحاً والسيف شهاباً راجماً ، وقد ذكرت في نظم الحلل أيضاً

راثيٍ نفسه بضيعات الأمل
ناشبه روحه على يبس اللهاه

المدامع والمحاني والرجل
سايلاتٍ ذابلاتٍ هي حفاه

فكانت المدامع سائلة الدمع والمحاني أي الأضلاع شبه ميلانها بالذبول والرجل حافية من شقائها

أما النوع الثاني فهو أن يأتي النشر على غير ترتيب اللف مثلما ذكر الفرزدق

لقد خنتَ قوماً لو لجأتَ إِليهم
طريد دم أو حاملاً ثقل مغرمِ
لألفيت فيهِم مطعماً ومطاعناً
وراءك شزراً بالوشيج المقومِ

فكان النشر هنا مخالفاً اللف لأن العطاء يناسب المغرم الذي مطلوب بدية ثقيلة أما صد القوم بسيوفهم تكون قد ناسبت لمن يلجأ من القوم الذين يريدون إسالة دمه .
وقد ذكرت في نظم الحلل

سارقٍ قلبي ويمشي في عجل
وش علامه ما يهدّي في خطاه

انت نبض القلب في صوتك امل
يا صدى صوت المحبه والحياه

يا عيونٍ كنها كوكب زحل
والشعر والوجه بدرٍ في سماه

وقد أتى اللف والنشر في شطر البيت الأخير حينما كان اللف هو الشعر والوجه ونشر البدر بنوره للوجه في سماء سوداء كسواد الشعر ولم ينساقان بترتيب اللف .

أما النوع الأخير من اللف والنشر فهو الذي يكون اللف جملةً ليس مفصلاً ولا يكون للنشر شرط الترتيب على ذلك لأن اللف قد أتى مجملاً ، وأذكر أبياتًا من قصيدةٍ لي تبين هذا وهي

يا قاتل الارواح رفقاً بالبشر
تقتل ضحايا دون إخراج الدمِ
قتلاكمو أضحو على أبوابكم
شوقاً وإعجاباً هياماً تيم

وكان اللف هو القتلى وهذه كلمة مجملة وانساق النشر في تفصيلها بالشوق و الإعجاب والهيام والتتيم

وذكرت أيضاً أبياتاً عامية وقلت :

عيت نفوس الخلق تصلح من اسنين
إما هجر واعناد ولا عداوا
علامهم ضافوا على قلب مسكين
فيهم طمع واجروحهم ما تداوا

وقد تكرر اللف والنشر المجمل في البيتين ، ففي البيت الأول كان اللف نفوس الخلق وهي مجملة وجاء نشرها بالهجر والعناد والعداوة ثم تشكلت على هيئة مشاعر في البيت الثاني وكان اللف ضافوا وانساق النشر بطمعهم والتسبب في الجروح .
واللف والنشر هو من المهارات الرائعة التي يظهر بها الإيجاز حيث تعتمد على ملاحظة المتلقي وتمعنه لكي يربط بين اللف والنشر واستصاغ كثيرٌ من الشعار هذا الفن حتى بالغوا فيه وزادوا في عدد تفصيلاته حتى كتب أحدهم عشر تفصيلات كقول الشاعر

شعر جبين محيا معطف كفل
صدغ فم وجنات ناظر ثغر
ليل صباح هلال بانة ونقا
آس أقاح شقيق نرجس در

وكان لكل كلمة من البيت الأول ما يناسبها من البيت الثاني ولكن هذا لا يستلطف لأنه ركب تركيباً تمجه الآذان ، ولكن الذي يجذب المتلقي أن يرى الجمال قد أخذ مكانه ولابد أن يكون ذلك المكان هو من أجمل الأماكن .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى