قبل جدل آيا صوفيا: مساجد وكنائس بحيوات كثيرة
[ad_1]
يخيّل لمن يُتابع النقاش الراهن حول آيا صوفيا، أنّ صوت حوافر خيول الصليبيين ورنين سيوف العثمانيين يتردّدان في الخلفية، وكأن التاريخ يدور ثمّ يعود ليتوقّف عند محطتين: سقوط القسطنطينية عام 1453، وسقوط غرناطة عام 1492.
وإن كانت آيا صوفيا من أبرز المعالم التي عادت لتأجج النقاش حول مآلات أماكن العبادة كرموز هوياتية، إلا أنّها ليست المعلم الوحيد الذي يستحضر أزمات مماثلة.
تحويل الكنائس إلى مساجد، والمساجد إلى كنائس، كان من أبرز تبعات الحروب والفتوحات. وغالباً ما كان الجيش المنتصر في معركة يبحث عن أبرز المعالم الدينية وأضخمها وأثراها في المدينة التي كسبها، كدليل على غلَبته الحتمية ولفرض شرعيته على الفضاء الجغرافي المقدّس الجديد.
تكتب الباحثة التركية في مجال الأنثروبولوجيا، توغبا تانييري اردمير، في ورقة بحثية بعنوان: “بقايا النهار – كنائس الأناضول المتحوّلة”، إنّ “المعالم الدينية، ليست فقط جزءاً من يوميات السكان، وماضيهم وحاضرهم، بل هي أشبه بأدوات ضد النسيان، تحمل في طياتها سمات الذاكرة والهويات الجمعية”.
آيا صوفيا ليس الوحيد: دور عبادة شهدت تحولات عبر الزمن
لماذا أثار تحويل آيا صوفيا إلى مسجد كل هذا الجدل والانقسام؟
وتشير في بحثها إلى أنّ تحويل الكنائس إلى مساجد في تركيا والبلقان، كان يجري على مستويات عدّة: نفعية، جمالية، وأيديولوجية، وذلك بما يتناسب مع تغيّر السياقات التاريخية والظروف المصاحبة للتحولات على وظيفة المعلم العباديّ.
وتلحظ في هذا السياق أن معظم الكنائس الأرثوذوكسية في المناطق التي سيطر عليها العثمانيون عبر التاريخ، خضعت لتحويل وجهة الصلاة لتصير موازية للقبلة في مكة، بجانب إزالة الايقونات والرموز المسيحية بشكل جزئي أو كامل، وبناء مئذنة، مع الاحتفاظ بشكل البناء الأساسي من دون تغيير.
وتضيف: “كان الوافدون الجدد يثبتون وجودهم على الأرض وحقهم بها، من خلال تشييد مبان دينية، كنوع من المنافسة مع البنى القائمة، وكطريقة لفرض سيطرتهم على الجماعة الأخرى. لذلك كان من الشائع تحويل الكنيسة المركزية إلى مسجد عند الغزو، للظفر بالفضاء الديني للمكان (…) كفعل رمزي مهم. وهناك أمثلة تاريخية كثيرة عن مشاركة السلطان أو القائد العسكري بالصلاة في أول يوم جمعة بعد الغزو، كتجربة مهمة لتثبيت الفضاء الديني الجديد”.
وفي بحث بعنوان “من مساجد إلى كاتدرائيات: تحويل الأماكن المقدسة خلال حروب الاستعادة” يكتب الباحث الألماني في مجال التاريخ الثقافي، جاستن كروسن، عن تحويل المساجد الأساسية في المدن والقرى الاسبانية إلى كنائس، بعد سقوط الأندلس. “الاستيلاء على أكثر الأبنية الدينية رمزية، والاحتفال بالقداس الأول داخله، كان اشبه بإعلان التفوّق المسيحي. بعض المساجد دمّرت لبناء كاتدرائيات قوطية مكانها، ويمكن تفسير الحفاظ على عدد كبير منها، بنقص التمويل، مع استنفاد الكنيسة الاسبانية لمواردها على الحملة العسكرية حد الافلاس”.
وتلحظ الباحثة، سيرينا هوفمان، في دراسة بعنوان: “العمارة المسيحية والإسلامية المتحوّلة: طريق نحو التفاهم” الجانب المشرق من ذلك الاستحواذ المتبادل والمتتالي، بحيث جعل أماكن العبادة لدى الديانتين متشابهة معمارياً إلى حدّ ما.
آيا صوفيا: إعراب الماضي والحاضر والمستقبل في سطر واحد
البابا فرانسيس “يتألم من التفكير” في تحويل آيا صوفيا إلى مسجد
فصحيح أن بعض أشكال العمارة كان يستحيل تحويلها إلى مساجد على سبيل المثال، ولكن يمكن ملاحظة أن موقع المحراب في المسجد، وموقع المذبح في الكنيسة، يكون على الجهة الشرقية من البناء. يضاف الى ذلك شكل القبة، وهي نتيجة تلاقح ثقافي ومعماري بين اتباع الديانتين، وامتزاج طرق البناء على مر العصور.
من الصعب إحصاء كلّ أماكن العبادة التي حوّلت من مساجد إلى كنائس أو العكس، إذ أنّ ذلك لا يقتصر فقط على أماكن عبادة الديانتين المسيحية والإسلامية، بل يشمل أيضاً معابد لديانات أخرى. نورد هنا بعض أبرز المعالم المسيحية والإسلامية التي حوّر استخدامها.
كاتدرائية مسجد قرطبة – اسبانيا
رغم مرور أكثر من 700 عاماً على تحويل البناء من مسجد إلى كاتدرائية سميت باسم سيدة الانتقال، لا يزال سكان قرطبة يسمونها “مسكيتا” أو المسجد باللغة الاسبانية.
تختلف المصادر التاريخية حول أصل البناء، وتشير أشهر الفرضيات حوله إلى أنّه كان كنيسة، قبل فتح الأندلس. مع بداية سنوات حكم عبد الرحمن الداخل في اسبانيا، استخدم المكان للصلاة المشتركة بين المسيحيين والمسلمين، ثمّ قرّر الأمير في العام 784 تحويله إلى مسجد كبير. تطلّب استكمال الجامع قرنين من الزمن، إذ تولّى خلفاء عبد الرحمن الأول المهمّة، بمشاركة آلاف المعماريين والحرفيين.
عام 1236، ومع عودة قرطبة إلى الحكم الاسباني، بدأ تحويل المسجد إلى كاتدرائية، مع إضافة مساحات جديدة عليه على طراز عصر النهضة، ما يجعل البناء اليوم مثالاً معمارياً مهماً عن تلاقح تيارات مختلفة من الفنون.
تعرف كاتدرائية – مسجد قرطبة اليوم بأبوابها المزخرفة، وبأشجار الليمون المزروعة داخلها، إلى جانب المحراب والأعمدة والقناطر والمزارات.
ومثل آيا صوفيا، صنّفت المسكيتا كأحد معالم التراث العالمي من قبل اليونيسكو، وتتبع اليوم لأبرشية قرطبة الكاثوليكية.
الجامع الأموي – سوريا
بدأت خلافة بني أمية في العام 661، واتخذت من دمشق عاصمة لها. في العام 706، أمر الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان بتشييد مسجد فوق الكاتدرائية البيزنطية التي كانت قائمة في المكان.
لم يكن ذلك التحوّل الأول في مسار البناء التاريخي الضخم. فعمره يعود إلى ما قبل الميلاد، حين استخدم كمعبد لهرقل، ولاحقاً لجوبيتر. في القرن الرابع للميلاد، ومع اعتناق الامبراطور ثيودوسيوس الأول، حوّل المعبد إلى كاتدرائية كرّست لاحقاً للقديس يوحنا المعمدان أو النبي يحيى، إذ يسود اعتقاد أن رأسه دفن هناك.
في بداية الحكم الأموي، تقاسم المسيحيون والمسلمون من أهل دمشق الصلاة في المكان، ثمّ تقرّر تحويل البناء إلى جامع كبير يتسع لعدد كبير من المصلين.
لم يستطع الوليد بناء المسجد خلال حياته، فأكمل المهمة ابنه سليمان، وتشير مراجع تاريخية إلى أنّ تكلفته كانت كبيرة جداً، واستعين لإتمامه بمعماريين فرس وأقباط وهنود، إلى جانب حرفيين بيزنطيين.
بعد الخلافة الأموية، تحوّل المسجد إلى شاهد على كافة الخلافات الإسلامية اللاحقة، وبقي مقراً للصلاة، حتى الحكم العثماني، وصولاً إلى اليوم. في العام 2001، زاره البابا يوحنا بولس الثاني، للتبرك من بقايا يوحنا المعمدان، وكانت أول زيارة يؤديها حبرٌ أعظم إلى مسجد.
كنيسة سيدة البشارة – البرتغال
تنتصب هذه الكنبسة على تلة في مدينة مارتلة، جنوبي البرتغال، وهي محاطة بالآثار، من بينها قصر مارتلة الشهير.
من دون بحث معمّق، تظهر عمارة الكنيسة الخارجية منذ النظرة الأولى، أصلها المعماري.
وقد شُيّد البناء كمسجد في القرن الثاني عشر، وحوّلت إلى كنيسة في القرن الثالث عشر، وتواصلت إضافة التعديلات المعمارية عليها في القرون اللاحقة، وأضيف إليها السقف القرميدي، والثلم البيضاء المحيطة به.
تظهر الكنيسة تلاقح العمارتين الإسلامية والمسيحية، من خلال تفاصيل عدّة، مثل شكل المحراب داخلها، وأساس البناء المربع الذي ألحق به جزء مستطيل، إلى جانب شكل برج الجرس الشبيه بالمئذنة.
أبواب الكنيسة أقواس بقبب مزخرفة، وفي داخلها أعمدة وقباب تمتد إلى أمام المذبح الذي يحمل الكثير من سمات المحراب القديم.
تضررت الكنيسة بفعل زلزال ضرب المنطقة عام 1969، لكن معالمها لا تزال واضحة. هي واحدة من عشرات المساجد التي تحوّلت إلى كنائس في البرتغال، وبنيت بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر. بعضها مصنف كمعالم أثرية محلية رسمية، نظراً للقيمة التاريخية التي تكتنفها.
جامع كتشاوة – الجزائر
يعد مسجد كتشاوة من أشهر المعالم الأثرية في الجزائر، ويقع في حي القصبة الأثري في العاصمة، وهو شاهد على تاريخ الجزائر خلال القرون الماضية، منذ تشييده في القرن السابع عشر على يد العثمانيين.
كان المسجد مركز المدينة، قريباً من سوقها وبواباتها، وأحيائها الارستقراطية.
وسمي المسجد “كتشاوة” نسبة إلى سوق الماعز المجاور، وتعني الكلمة بالتركية “ساحة الماعز”. تلك الساحة باتت تعرف بساحة الشهداء بعد استقلال الجزائر، لما شهدته من اعدامات خلال الحكم الفرنسي.
مع بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830، استولت الحملة العسكرية على المسجد، وسمي “كاتدرائية القديس فيليب”، وعلّق صليب على مدخله، وأقيمت الصلاة فيه كمعبد مسيحي حتى استقلال الجزائر عام 1962. حينها، أقيمت صلاة الجمعة الأولى فيه، كفعل رمزيّ للدلالة على استعادة المكان لهويته الثقافية.
يمتاز المسجد بتداخل بين المعالم المعمارية الإسلامية والبيزنطية، ويتطلّب الوصول إليه عبور درج ضخم، يفضي إلى مدخله المشيّد على شكل ثلاث قناطر، تعلوها مئذنتان.
مسجد فتحية – اليونان
حيوات عدّة شهدها مسجد فتحية في أثنيا. في القرن الثامن للميلاد، كان البناء كنيسة بيزنطية، وبعد الفتح العثماني، حوّل إلى مسجد، تزامناً مع زيارة محمد الفاتح إلى المدينة في العام 1458.
شهد المسجد تحوّلات عدّة في البناء، وأضيفت إليه معالم معمارية كثيرة، على امتداد أكثر من قرنين، من بينها القبة الرئيسية التي تتميّز بالقرميد الأحمر، وتحيطها قبب مشابهة صغيرة. لفترة قصيرة خلال الحرب بين العثمانيين وجمهورية البندقية، في القرن السابع عشر، حوّل المسجد إلى كنيسة للقديس ديونيسوس.
بعد حرب الاستقلال اليونانية، وفي العام 1824، لم يعد المسجد مستخدماً بغرض الصلاة، واستضاف مدرسة للفلسفة، ثم هدمت مئذنته.
منذ ذلك الحين، استخدم لأغراض عدّة: سجن عسكري، فرن للعسكر، ومخزن. في العام 2017، وبعد تحديث المبنى وترميمه، حوّلت وزارة الثقافة اليونانية إلى مركز ثقافي. وهو واحد من مئات المساجد في اليونان التي هجرت ولم تستخدم منذ عشرات السنين، أو حوّلت إلى كنائس.
[ad_2]
Source link