أخبار عاجلةأخبار عربيةأخبار متنوعةسيكولوجية الأدب العربي

علم البديع (2) .. بقلم الشاعر حماد الهمل

إيسايكو: علم البديع (2) .. بقلم الشاعر حماد الهمل.

علم البديع 2
مراعاة النظير
وهو ما يسميه البلاغيون أيضا التناسب والمؤاخاة والتوفيق ، فيجمع بين أمرين أو أكثر من الأمور المتناسبة من غير تضاد بينها ، والتضاد هو جمع كلمتين متعاكستين في المعنى وسوف يبين لاحقاً في فن الطباق ، أما التناسب فهو مثل ذكر الظل والشجر ، والشمس والقمر ، والسماء والأرض ، والغنم والإبل والبقر ، وغيرها الكثير ، حيث يراعي مقتضى الحال في السياق وهو من أساسيات البلاغة فإذا ذكر الليل وذكر النار والسمر فهو يشد المتلقي في تفاصيل الليل من سياقه الجميل بتناسق المفردات دون تكلف ، وإذا لم يوفق المتحدث في اختيار كلماته ظنًا منه أنها مراعاة النظير ولكنها ليست كذلك فسوف يجد نفرةً من المتلقي ولن يستساغ ما صاغه من كلمات ، ويروى أن عقبة عرض على أبيه رؤبة أبياتاً قد كتبها فقال رؤبة له : قد قلت الشعر لو كان له قران ، وقد يسقط كبار الشعراء في نسج مراعاة النظير كما سقط أبو نواس لما قال :

وقد حلفت يميناً مبرورةً لاتكذب
برب زمزم والحوض والصفا والمحصب

فزمزم والصفا والمحصب بمكة وليس للحوض مكاناً بينهم ، وقد راعى النظير البحتري في قوله :

حلفت برب زمزم والمصلى
ورب الحِجر والحجر اليماني

ومن جماليات مراعاة النظير قول ابن الرشيق

أصح وأقوى ما سمعناه في الندى
من الخبر المأثور منذ قديم
أحاديث ترويها السيول عن الحيا
عن البحر عن جود الأمير تميم

وهنا ناسب بين الصحة والقوة ، والسماع والخبر المأثور ، والسيول والحيا أي المطر والبحر وقد يدخل في سياقهم الجود لأن الأدباء قد قرنوه بتلك الأشياء بكثرة ، ومن الإستشهادات العامية قولي :

غايصٍ بحْر المراجل ابي دره
والمراجل مثْل لولو ومرجانه

وهنا تناسق بين البحر والدر واللؤلؤ والمرجان ، ولو أن الدر يقصد به اللؤلؤ ولكنه جاء بالسياق كمراعاة للنظير .

وهناك نوعٌ آخر من مراعاة النظير وهو تناسب الأطراف وهو أن يختم الكلام بما يناسب أوله بالمعنى مثل ما قال أبو تمام في فتح عمورية

أمٌّ لهم لو رجوا أن تفتدى جعلوا
فداءها كل أم منهم وأبِ

فجاء بقول الأم في أول البيت وختم البيت بالأب وهما متناسقان مع أن الأب عائد على الأم الأخيرة ولكن يبقى الجمال جمالاً

وأيضاً نذكر قول محمد بن فطيس

مشيت درب الثقل وتحب ذاتك
ما تدري أنه للمهالك يودّيك

فقوله يوديك متناسب مع مشيت التي هي في أول البيت ، وقد ذكرت بيتاً في وصف الإبل من قصيدة نظم الحلل

سبلهن تومي تدله من زعل
يا نسيم الصبح لاعب لي شفاه

وهنا كانت الشفاة تتوافق مع السبال فأصبحت الأطراف متناسبة

ومن مراعاة النظير هو إيهام التناسب فيكون اللفظ مشترك بين معنيين أحدهما يناسب الكلام في سياق المعنى ولكنه غير مراد ، والآخر لا يناسب وهو المراد ، ولتبيان ذلك فقد قلت هذا البيت

أرى وردٌ بها والغصن مائل
لسدرٍ صار ظلاً صافي الخد

والسياق هنا بين الورد وغصن السدر والخد ولكن لايقصد بالخد الأرض بل الخد الذي يكسو الوجه جمالاً ، وقلت أيضاً بيتاً بالعامي وهو

طيرت عقله قصور وعماير
وانسحر بين البيوت وقوافي

وهنا نجد تناسبًا بين القصور والعماير والبيوت ، ولكن بالحقيقة البيوت ليست المنازل بل هي بيت القصيد وتناسبت مع ما كان بعدها وهي القوافي ، وقد يذكر المرء شيئاً دون توضيح لمبتغاه وقد يوضحه في بيتٍ آخر ، ومراعاة النظير أو التناسب أو المؤاخاة أو التوفيق تجمل النص وتجعل المتلقي يسبح في بحارك ويعيش في أجوائك ليفهم مشاعرك التي تود أن توصلها إليه ، فكلما تناسبت مفرداتك كانت عطراً في آذان المتلقي .

الشاعر حماد الهمل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى