فيروس كورونا: لماذا يعزف الرجال عن ارتداء أغطية الوجه؟
[ad_1]
بعد الكثير من المناكفات، إتخذت مونيكا* قرارا حاسما.
فقد كان زوجها أدواردو يرفض وضع كمامة على وجهه بينما كان وباء كوفيد 19 يواصل انتشاره في البرازيل، البلد الذي شهد ثاني أكبر عدد من الوفيات جراء الوباء بعد الولايات المتحدة.
لذلك قررت مونيكا ترك شقة الأسرة الكائنة في نيتيروي، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 480 ألف نسمة وقريبة من ريو دي جانيرو، وانتقلت إلى مسكن والديها مصطحبة معها ابنها البالغ من العمر سبع سنوات.
وقالت لبي بي سي “أعاني من الربو، ما يجعلني معرضة بشكل خاص للإصابة بمضاعفات فيروس كورونا، ولكن زوجي كان يعتقد بأني مصابة بلوثة”.
وأضافت “وكان يعتقد بأنه ليس بحاجة إلى غطاء وجه لأنه لا يذهب إلى أي أماكن مغلقة بعد مغادرة الشقة…ولم يكن يفكر بأنه يضعني وابننا في خطر”.
الرجال أكثر عرضة للموت بكوفيد 19، ولكن أعدادا أكبر منهم يرفضون إرتداء الكمامات
لا نعلم بأزواج في بلدان أخرى وصل بهم الحال إلى خلافات مماثلة، ولكن قصة مونيكا وأدواردو تكشف عن انقسام بين الجنسين لوحظ أثناء إنتشار الوباء فيما يتعلق بالمواقف إزاء إرتداء أغطية الوجه.
يذكر أن أكثر من 12 مليون إنسان أصيبوا بكوفيد 19 لغاية التاسع من الشهر الحالي، مات منهم أكثر من 550 ألف، حسب قاعدة البيانات التي تعدها جامعة جونز هوبكينز الأمريكية.
وفي الغالبية العظمى من الدول التي تتوفر منها معلومات، تزيد نسبة الوفيات بين الرجال بشكل ملفت للنظر.
ولكن دراسات واستطلاعات توصلت إلى أن الرجال أكثر ترددا في إرتداء أغطية الوجه وغيرها من وسائل الوقاية الشخصية، وكان هذا هو الحال خلال مواجهة أوبئة سابقة أيضا.
ومن الجدير بالذكر أن السلطات الصحية توصي بإرتداء أغطية الوجه للمساعدة في منع انتشار مرض كوفيد 19.
وقد تغيرت التعليمات والتوصيات بهذا الخصوص في الأشهر الأخيرة مع ظهور حقائق علمية جديدة عن الوباء وتطوره.
وتوصي منظمة الصحة العالمية بإرتداء الكمامات وغيرها من أغطية الوجه “كجزء من استراتيجية شاملة لإجراءات تهدف إلى خفض معدلات العدوى”، ورغم قول المنظمة إنه لا توجد أدلة كافية تشير إلى فاعلية الكمامات غير الطبية المصنوعة من القماش في حماية المجتمع بشكل عام من خطر الإصابة، فإنها تشجع على استخدامها مع ذلك عندما لا يكون التباعد الجسدي ممكنا.
كما تشجع بلدان ومدن عديدة استخدام أغطية الوجه، وجعل البعض منها استخدام الأغطية إجباريا في الأماكن المزدحمة كوسائل النقل العام والحانات والمحال التجارية.
كبرياء وتحامل
فإذا كانت الكمامات وغيرها من أغطية الوجه يمكن أن تساعد في محاربة فيروس كورونا، لماذا يعزف الكثير من الرجال عن إستخدامها؟
أحد أحدث التحليلات – وأكثرها شهرة – لتصرف الذكور كان قد أجري من قبل المحاضر في علم الإقتصاد في جامعة ميدلسكس البريطانية فاليريو كابرارو وعالمة الرياضيات الكندية هيلين بارشيلو التي تعمل في معهد البحوث الرياضية في جامعة بيركلي الأمريكية.
شمل البحث الذي أجراه العالمان 2500 مشارك في الولايات المتحدة، وتوصل إلى أن الرجال ليسوا أقل ميلا لارتداء أغطية الوجه فحسب، بل أنهم يعدون إرتداءها “معيبا وغير جذاب وعلامة ضعف”.
ويقول كابرارو “إن هذا كان هو الموقف في الدول التي لا تجبر الناس على إرتداء الكمامات بشكل خاص”.
سئل المشاركون في البحث عن استعدادهم لارتداء الكمامات عند مشاركتهم في الفعاليات الإجتماعية أو عند التقائهم بأشخاص من أسر أخرى.
وكشف البحث عن أن ميل النساء للقول إنهن مستعدات “لإرتداء الكمامات خارج منازلهن” يبلغ ضعف هذا الميل عند الرجال.
وخلص البحث أيضا إلى أن “الرجال أقل ميلا لارتداء أغطية الوجه، وأحد أهم أسباب ذلك هو اعتقادهم بأنهم أقل عرضة للإصابة بالمرض مقارنة بالنساء”.
“وهذا أمر مثير للتعجب بشكل واضح لأن الأرقام الرسمية تثبت أن فيروس كورونا يصيب الرجال بشكل أكثر خطورة مما يصيب النساء”، وفق ما أشارت نتائج البحث.
وكشفت دراسات أخرى أن الرجال أقل إلتزاما بغسل أياديهم من النساء، وهو من الإجراءات الصحية الأساسية لمنع إنتشار المرض.
وجاء في استطلاع أجري مؤخرا أن 65 في المئة من النساء يقلن إنهن يغسلن أياديهن بشكل دوري، بينما بلغت النسبة عند الرجال 52 في المئة فقط.
عندما يتغلب الجنس على السياسة
من المثير للإنتباه أن النتائج التي توصل إليها كابرارو وبارشيلو تعتمد على البحوث التي أجرياها في الولايات المتحدة.
فقد أصبح واضحا في الأسابيع الماضية أن الولاءات السياسية في الولايات المتحدة لها تأثير كبير على كيفية تصرف الرجال والنساء أثناء أزمة فيروس كورونا.
فمؤيدو الحزب الجمهوري، حزب الرئيس دونالد ترامب، أقل ميلا من نظرائهم مؤيدي الحزب الديمقراطي لإرتداء الكمامات أو مراعاة شروط التباعد، وذلك حسبما جاء في نتائج عدة استطلاعات للآراء.
ولكن حتى من هذا المنظور، ظهر أن الجنس هو العامل الأقوى فيما يتعلق بالسلوك.
ففي آخر إستطلاع للآراء أجري في حزيران/يونيو ظهر أن 68 في المئة من النساء اللواتي يؤيدن الحزب الجمهوري يرتدين الكمامات خارج منازلهن.
أما الرجال، فقد قال 49 في المئة منهم فقط إنهم يرتدونها خارج منازلهم.
عدد أكبر من الكمامات، عدد أقل من الوفيات
يتوقع أن ترتفع أهمية ارتداء الكمامات خصوصا مع زيادة الأدلة التي تشير إلى أن فيروس كورونا ينتقل بواسطة الهواء ويمكنه الانتشار من خلال جزيئات صغيرة جدا عالقة في الجو وليس فقط عن طريق القطرات الأكبر حجما التي يفرزها المصابون أثناء السعال أو العطاس.
وفي حقيقة الأمر، فإن دراسة أجراها علماء يابانيون لم تنشر نتائجها بعد تقول بوجود ارتباط غريب بين استخدام أغطية الوجه ومعدلات الوفيات في 22 من بلدان العالم.
فقد توصل العالمان دايسوكي ميازاوا وجين كانيكو – نتيجة تحليل نتائج استطلاعات للآراء أجرتها مؤسسة (يو غوف) – إلى أن تلك البلدان التي ترتدى فيها الكمامات بشكل أوسع نطاقا شهدت أعدادا أقل من حالات الوفاة لكل مليون نسمة من سكانها.
كما اكتشف ميازاوا وكانيكو أن لارتداء الكمامات تأثيرا لا يقل قوة عن تأثير العمر على معدلات الوفيات في تلك البلدان.
والأمر الأكثر إثارة للإهتمام هو أن بعضا من الدول الـ 22 التي شهدت معدلات وفيات مرتفعة هي نفسها التي كشفت استطلاعات يو غوف عن أن الرجال فيها أقل ميلا لإرتداء الكمامات، ومنها بريطانيا.
هل الرجال أكثر ثقة بأنفسهم من اللازم؟
لم تتفاجأ كريستينا غرافيرت، العالمة في مجال السلوكيات في جامعة كوبنهاغن في الدنمارك، برؤية الفرق بين الجنسين في مجال ارتداء أغطية الوجه الذي كشفت عنه البحوث والأدلة.
وتقول إن هناك كما كبيرا من البحوث العلمية التي تشير إلى أن الرجال والنساء ينظرون إلى المخاطر بطرق مختلفة.
ولكن غرافيرت قالت لبي بي سي إن نظرة بسيطة إلى العاصمة الدنماركية أعطتها انطباعا قويا بأن النساء أكثر تحوطا من الرجال فيما يخص الجهود المبذولة لاحتواء انتشار مرض كوفيد 19.
وقالت “حوّلت الطرقات في كوبنهاغن إلى طرقات ذات اتجاه واحد (بعد تفجر أزمة فيروس كورونا)، لكي لا يواجه الناس بعضهم البعض أثناء المشي أو العدو”.
وأضافت “كان الإنطباع الذي خرجت به أن عددا أكبر من الرجال لا يتقيدون باتجاه الطرقات”.
كما لوحظ الفرق بين الجنسين في بلدان أخرى خلال أوبئة سابقة.
فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة أجريت في العاصمة المكسيكية لسلوك مستخدمي وسائط النقل العام خلال انتشار مرض إنفلونزا الخنازير في عام 2009، والذي أدى إلى وفاة نحو 400 شخصا، أن عددا أكبر من النساء كن يرتدين الكمامات من الرجال بشكل يومي.
وحتى الدول الآسيوية، التي أصبح ارتداء الكمامات فيها تقليدا اجتماعيا ثابتا ومتبعا على نطاق واسع، تشهد فروقا بين الجنسين في الالتزام به.
فقد خلصت دراسة لسلوك المجتمع أجريت أثناء انتشار مرض سارس في هونغ كونغ في عامي 2002 و2003 إلى أن النساء أكثر ميلا بكثير لاتخاذ إجراءات الوقاية التي تشمل غسل الأيادي وارتداء الكمامات.
ويقول ماثيو سميث، وهو صحفي مختص في تحليل الأرقام في مؤسسة يو غوف، “تشير المعلومات المتوفرة لنا إلى أن الرجال أقل ميلا لارتداء أغطية الوجه في معظم بلدان العالم”.
يذكر أن الرجال والأولاد كانوا هدفا حصريا لحملات الصحة العامة أثناء انتشار وباء الإنفلونزا في عام 1918، والذي أودى بحياة عشرات الملايين من البشر، لإقناعهم بارتداء أغطية الوجه.
فهل الرجال أكثر إهمالا فعلا؟
علاوة على البحوث الأكاديمية التي ذكرتها كريستينا غرافيرت، تشير الأدلة المستقاة من الحياة العادية إلى صحة هذا التصوّر.
فشركات تأمين السيارات ما لبثت منذ زمن طويل تطلب من النساء أسعار أقل لقاء تأمين سياراتهن، لأن الرجال هم المسؤولون عن معظم الحوادث المرورية في كل أنحاء العالم، رغم الحقيقة القائلة إن عدد الذكور الذين يقودون السيارات أعلى من عدد النساء.
وهناك نموذج آخر لا يخلو من غرابة، وهو المتمثل في جائزة داروين المتعلقة بأغرب حالات الوفاة وأكثرها إمكانية للتجنب. فقد أظهرت الأرقام المستقاة بين عامي 1995 و2014 أن الرجال شكلوا أكثر من 90 في المئة من “الفائزين” بهذه الجائزة.
وحتى الباحث فاليريو كابرارو يقر بتقاعسه عن ارتداء الكمامة.
ويقول “لم أبدأ بارتداء الكمامة إلا قبل بضعة شهور عندما سافرت إلى إيطاليا، حيث يعتبر ارتداؤها إجباريا في مواقف معينة”.
وقال “كنت محتاطا، وتقيدت بشروط التباعد الإجتماعي. ساعدني ذلك في إقناع نفسي بعدم ارتدائي لغطاء الوجه”.
ويؤمن كابرارو الآن بأن جعل ارتداء الكمامات إجباريا سيجبر عددا أكبر من الرجال على إتباع تعليمات الصحة العامة.
ويقول “بيّنت الدراسات أن الفرق بين الجنسين يختفي بشكل كامل تقريبا في البلدان التي تجبر مواطنيها على ارتداء الكمامات”.
ولكن كريستين غرافيرت تعتقد أن هناك قدرة أكبر في حملات التوعية الاجتماعية الموجهة إلى الذكور.
وتقول “إذا كانت الثقة الزائدة هي المشكلة، فقد تسهم هذه الحملات في توعية الرجال بحقيقة الأرقام وتفهمهم بأنهم أكثر عرضة للإصابة بكوفيد 19 من النساء”.
وتضيف “إذا أخذنا مأخذ الجد أن الرجال عموما أقل مبدئية وأكثر أنانية (من النساء)، فإن الرسالة يجب أن تركز على حماية الفرد نفسه أكثر من تركيزها على حماية الآخرين”.
نهاية سعيدة
ولكن ثمة أدلة تشير إلى أن المواجهات الأسرية قد تؤتي ثمارها، كما يثبت نموذج أدواردو ومونيكا، وهما الزوجان اللذان فرّق بينهما غطاء الوجه.
فبعد أن واجهت مونيكا زوجها، لاحظت تغيرا في سلوكه – ونهاية سعيدة – إذ باشر أدواردو بارتداء الكمامة منذ مدة.
وتقول مونيكا “ما زلت أظن أن زوجي يعتقد بأن رجلا صحيح البنية مثله لن يمرض، ولكنه يعي الآن أن سلوكه الصحيح سيحمي أسرته”.
*غيّرت الأسماء نزولا عند طلب أصحابها.
[ad_2]
Source link