العنصرية ضد السود: هل ينبغي منح أحفاد العبيد تعويضا ماليا؟
[ad_1]
كانت مايا موريتا تدرك صلة جامعة جورج تاون بالعبودية حين التحقت بهذه المؤسسة التعليمية الأمريكية المرموقة لدراسة منهج علوم السود.
لكن الطالبة البالغة 21 عاما من العمر، لم تكن مستعدة تماما لما رأته من انعكاس ماضي العبودية في أرشيف الجامعة الذي نقبت فيه أثناء دراستها.
“ما صدمني هو الوثائق عن معاملة السود وكأنهم أشياء، مثلا كيف أن الطلبة كان يأتون بعبيدهم للعمل في الجامعة كوسيلة لتخفيض رسومها المقررة عليهم”.
“كانت لحظة فتحت عينيّ، شعرت بضرورة فعل شيء ما لتصحيح إرث كل هذا الظلم”.
وانخرطت مايا بعد ذلك بشدة في نقاشات حول دفع تعويضات عن هذه العبودية – وهو مفهوم سياسي للعدل يلبي الحاجة إلى تقديم تعويضات اقتصادية عن الممارسات الظالمة في الماضي.
وينقسم الناس بشدة حول هذا المفهوم كما اكتشفت الطالبة نفسها حين شنت حملة تدعو فيها جامعة جورج تاون لأن تتعامل مع ماضيها العبودي.
“عارض بعض الطلبة أي شكل من أشكال العمل، رغم وجود طلبة بيينا ممن كان أسلافهم عبيدا مملوكين للجامعة”، كما قالت لبي بي سي.
وهذا الجدل ليس حديث العهد، لكنه احتدم من جديد مع اندلاع احتجاجات حركة “حياة السود مهمة” في الولايات المتحدة ودول أخرى، وخاصة بعد تشويه عشرات النصب والتماثيل المرتبطة بمالكي عبيد سابقين أو تحطيمها.
وبادرت شركات ومؤسسات إلى الاعتذار عن تورطهم في الاتجار بالعبيد.
من بين هذه المؤسسات كنيسة إنجلترا و”لويدز أوف لندن” الهيئة المالية التي أسست قبل ثلاثة قرون وكانت تؤمن على مالكي العبيد ضد خسارة عبيدهم والسفن التي تنقل العبيد.
حتى الأمم المتحدة شاركت في هذا النقاش، فحثت ميشيل باشيليه – رئيسة المفوضية العليا لحقوق الإنسان فيها والرئيسة السابقة لتشيلي – القوى الاستعمارية في السابق إلى “تصحيح ما ارتكبته لقرون من عنف وتمييز” بتقديم التعويضات.
فما الفكرة من وراء حركة التعويضات هذه؟
التعويضات هي في الحقيقة جزء من برنامج حركة “حياة السود مهمة” المنشور عام ألفين وستة عشر، إلى جانب كونها مطلبا قديما لناشطين ومنظمات في جميع أنحاء العالم.
والحجة الرئيسية في هذا المطلب هو ضرورة منح أحفاد الذين أخضعوا للاستعباد تعويضا ماليا عن أضرار استمرت بعد فناء الأجيال التي تأثرتهم حياتهم مباشرة بالعمل القسري.
وركز القائمون على هذه الحملة على ضحايا الاتجار بالعبيد عبر المحيط الأطلسي، أي استعباد ونقل أحد عشر مليون رجل وامرأة وطفل إفريقي إلى الأمريكيتين، وذلك ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر.
لكن دولا أخرى اتخذت خطوات لمواجهة إرث الاستعباد في مجتمعاتها، وأبرز هذه المجموعة الكاريبية (كاريكوم)، فقد أنشات هذه المجموعة المؤلفة من خمس عشرة من دول حوض الكاريبي عام ألفين وثلاثة عشر مفوضية من أجل “وضع الأساس الأدبي والأخلاقي والقانوني لدفع التعويضات”.
“حين استقلت هاييتي عن فرنسا عام 1804 بعد ثورة العبيد الظافرة، أجبرت على دفع ما يوازي 21 مليار دولار بالسعر الحالي لتضمن عدم عودة قوات نابليون للقتال ثانية”، كما قال الكاتب الهاييتي ديميتري ليغر لبي بي سي.
“لم تنته بلادي من تسديد هذا الدين لسيدها المستعمر لها سابقا إلا عام 1947وأربعين، بتكلفة باهظة جدا”.
“ولو لم أتوقع من فرنسا تعويضنا عن ذلك، لما كنت أكرّم تضحيات أسلافنا”، أضاف ليغر.
وأنشأت البرازيل – التي استقبلت أكثر من أربعة ملايين إفريقي على مدى أربعة قرون – مفوضية الحقيقة حول العبودية، لوضع التعويضات على برنامج عمل الحكومة.
كما أطلقت دول إفريقية دعوات لدفع تعويضات، وقُدر بأن القارة تستحق من مستعمريها الأوروبيين السابقين بحلول عام 1999 مبلغ 777 تريليون دولار أمريكي.
إرث مكبل
وفيما أبطل بيع البشر وشراؤهم قبل أكثر من 200 عام، فإن التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية الشنيعة لهذه الممارسات لا تزال قائمة. ففي الولايات المتحدة اتبع إلغاء العبودية عام 1865 بتعهد بدفع “أربعين فدانا من الأرض وبغل” لكل عامل تحرَّر.
لكن ما واجهه هؤلاء حقيقة هو عنصرية متفشية بما فيها التفرقة وفقا لقوانين جيم كرو سيئة الذكر، وهي تشريعات حكومية ومحلية حرمت السود في أجزاء شاسعة من البلاد من حقوقهم الأساسية حتى عام 1965.
ومن الحجج التي تسوقها حركة التعويضات هو أن تأثير العنصرية وعدم الاختلاط أسفر عن تباينات دائمة وتفاوت اقتصادي بحاجة إلى الإصلاح.
فأسر البيض في الولايات المتحدة على سبيل المثال أشد ثراء من السود بمعدل عشرة أضعاف، وتنعكس هذه الفجوة في مؤشرات كثيرة مثل امتلاك منزل أو الحصول على التعليم العالي.
“الثروة ليست شيئا يمكن للناس تكوينها بأنفسهم، وإنما تتراكم عبر أجيال”، تقول الصحفية والناشطة نيكول هنّا- جونز في مقالة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز في السادس والعشرين منيونيو/ حزيران.
وفازت هنّا- جونز في مارس/ آذار الماضي بجائزة بوليتزر اشهر الجوائز الأمريكية في حقل الإعلام، وذلك عن مشروعها “مشروع1619” التفاعلي الذي سمي نسبة إلى تاريخ وصول أول عبيد أفارقة إلى الولايات المتحدة.
وهي من بين كثيرين يعتقدون أن التعويضات هي الوسيلة الوحيدة لمعالجة التباينات.
“لو كانت حياة السود مهمة حقيقة في أمريكا، فعلى الأمة أن تتجاوز الشعارات والرمزية. آن الأوان لهذه البلاد أن تسدد ديونها”.
ومن السياسيين المؤيدين بشدة لدفع التعويضات ألكساندرا أوكاسيو-كورتيز، أصغر أمرأة عضوة في الكونغرس الأمريكي.
حساب الفاتورة (وتسديدها)
ومن أكثر جوانب التعويضات عرضة للنقاش والجدل هو من سيسدد الفاتورة؟وكم ينبغي أن تكونقيمتها؟
فقد كانت هناك دعوات لشركات الأعمال والمؤسسات والأسر التي امتلكت عبيدا إلى دفع تعويضات، لكن معظم الاقتراحات كانت تنتهي إلى مطالبة الحكومات بذلك.
“الحكومة ضالعة، فهي التي خلقت الأجواء التي اشترك فيها الأفراد والمؤسسات والهيئات في ممارسات العبودية والاستعمار”، كما تقول فيرين شبرد الأستاذة في جامعة ويست إنديز ونائبة رئيس مفوضية كاريكوم.
“ولذا فالاستراتيجية الرئيسية هي التفاوض مع الأمم المستعمرة السابقة، لوضع خطة تنمية وهي ما لم تقدمه هذه الدول بعد تحرير العبيد”، كما تضيف.
لكن كيف يمكن تحديد سعر التأثير طويل المدى للعبودية؟
هناك التقديرات العالية – مثل مبلغ 777 تريليون دولار الذي طالبت به الدول الإفريقية عام 1999، وهناك تقديرات أكثر تواضعا.
ويليام داريتي أستاذ الاقتصاد في جامعة ديوك هو أحد الأكاديميين البارزين الباحثين في مسألة التعويضات. ويقدر داريتي أن هناك قرابة 30 مليون شخص يمكن تتبع أسلافهم العبيد، وأنه يجب أن يحصل كل منهم على ربع مليون دولار.
لكن هذا المبلغ المتواضع نسبيا قد يكلف عشر تريليونات دولار، وهو مبلغ يتجاوز ضعفي ميزانية الحكومة الأمريكية كاملة.
“إن الغرض من التعويضات هو محو اللامساواة بين السكان البيض والسود”، يقول بروفيسور داريتي لبي بي سي.
ويضيف: “بعد انتهاء العبودية، وحين تمكن أحفاد العبيد من تحقيق درجة من الرفاهية دُمرت تجمعاتهم السكنية بالمذابح التي ارتكبها البيض”.
وهناك تقديرات أخرى حجم التعويض فيها للفرد أقل بكثير، وتقدر بنحو 16200 دولار للشخص.
لكن ماذا تأخذ هذه التقديرات في الاعتبار؟
استند بروفيسور داريتي مثلا في تقديراته على التعهد بتسليم 40فدانا وبغلا لكل عبد أمريكي تحرر، وبالذات على ثمنها عام 1865 والفوائد التي كانت ستجنيها كمدخرات، وعلى معدل التضخم.
وقدرت دراسات أخرى أجور العمل المستحقة للعبيد بعد قرن من العمل بلا أجر.
وغني عن القول إن عملية الحساب هنا معقدة جدا، وغالبا ما يطعن فيها.
التعويضات على لائحة العمل
ويأمل المؤيدون لدفع تعويضات عن الاستعباد أن تدعم قضيتَهم التطورات الأخيرة ضد اللامساواة العنصرية وعنف الشرطة في الولايات المتحدة، وخاصة تلك التي فجرتها وفاة جورج فلويد في الخامس والعشرين من مايو/ أيار الماضي.
وكان أحدث استطلاع للرأي نشره معهد غالوب قبل عام قد أظهر تنامي التأييد بين الناس.
وتعارض الغالبية العظمى من الأمريكيين (67 في المئة) فكرة وجوب دفع الحكومة مبلغا نقديا لمن ينحدرون من عبيد، لكن هذه النسبة تنخفض باستمرار، فقد كانت عام 2002، 81 في المئة.
وهناك انشقاق بين السود، ويظهر استطلاع الرأي أن 25 في المئة منهم ضد فكرة الحصول على أموال.
“العبودية كانت جريمة مالية، إذ استخدم العمل المجاني لتكوين الثروات، لكني لست على يقين من أن دفع مبالغ نقدية هو الطريق لمعالجة ذلك”، يقول الكاتب ديميتري ليغر.
“بدلا من ذلك علينا بحث الاستثمار في برامج عمل فعالة على المدى الطويل”.
ويضيف: “الأمر الأهم هو تغيير العقلية التي تبرر الاستعباد، والتي لا تزال تبرر العنصرية في الدول ذات الماضي الاستعبادي.”
وهناك سوابق تاريخية. ويشير مؤيدو دفع التعويضات إلى مبادرات مماثلة عمل بها في الماضي في مناطق مختلفة من العالم.
فقد دفعت ألمانيا منذ عام 1952 لضحايا النظام النازي من اليهود مبلغا يفوق ثمانين مليار دولار.
كما سلمت هيئات ألمانية – مثل فولغسفاغن لصناعة السيارات وسيمنز الصناعية العملاقة، تعويضات لأحفاد ضحايا الهولوكوست.
وفي عام 1988 دفعت الحكومة الأمريكية تعويضات 82 ألف ياباني – أمريكي سجنوا خلال الحرب العالمية الثانية.
واستهلت مؤسسات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالفعل برامج خاصة بها لتعويض بعض ضحايا العبودية.
ومن القضايا الشهيرة في هذا المجال قرار جامعة جورج تاون برصد مبلغ 400 ألف دولار سنويا لأحفاد مجموعة من 272 من العبيد باعتهم الجامعة عام 1838 لموازنة ميزانيتها.
وفي المملكة المتحدة أعلنت جامعة غلاسكو عام 2019 أنها ستنفق حوالي25 مليون دولار كتعويضات مقابل التبرعات التي حصلت عليها من مالكي عبيد في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
وتعهدت هيئة التأمين لويدز بدفع مبالغ لأفراد من الجالية السوداء في المملكة المتحدة، واحتذت بها مجموعة التقطير والبارات العامة (غرين كينغ) التي امتلك مؤسسوها في السابق مئات العبيد.
وكانت غرين كينغ من شركات الأعمال التي استفادت ماليا من قرار الحكومة البريطانية بدفع تعويضات لمالكي العبيد- وليس للعبيد أنفسهم بعد صدور قانون إلغاء العبودية عام 1833.
وانتهجت فرنسا نفس السياسة بعد إلغاء العبودية عام 1848.
وفي البرازيل مارس مالكو العبيد ضغوطا على الحكومة كي يحصلوا على تعويضات، فحرقت الحكومة جميع سجلات التعاملات المالية المتعلقة بالعبيد. ورغم دور الدولة البارز في الاتجار بالعبيد، إلا أن أهم خطوة اتخذتها الحكومة إزاء التعويضات كانت سن قانون عام2012 يخصص عددا من المقاعد للطلبة السود في الجامعات الحكومية.
غير أن الأمر ليس بهذه السهولة، فإحدى المشاكل المتعلقة بالتعويضات عن العبودية هي انقضاء الزمن، فقد سويت الحالات في معظم السوابق الماضية – كدفع أموال لضحايا الهولوكوست – بينما كان الناجون على قيد الحياة.
ويعتقد لوك موفيت الخبير القانوني والأستاذ المساعد في جامعة كوينز ببلفاست بشمال إيرلندا أن هناك خطرا في أن تصبح التعويضات التي تدفعها شركات الأعمال والمؤسسات “دعاية ذاتية ومسألة علاقات عامة لا محاولة صادقة للتكفير”.
ولم تنجح القضايا القانونية في هذا الحقل في الماضي، وكان أحدثها القضية التي رفعها أحفاد عبيد ضد مؤسسات أمريكية.
كما يجادل معارضون بأن من الظلم استخدام أموال دافعي الضرائب لعلاج أخطاء الماضي.
ويقول آخرون إن المعركة القضائية للحصول على تعويضات يعصب الحصول عليها قد تحرف الأنظار عن القضايا الأهم مثل عنف الشرطة وعنصرية المؤسسات.
هل اعتذرت الدول عن ماضيها الاستعبادي؟
حتى الآن لم تصدر معظم الدول التي انتفعت بالعبودية في الماضي أي اعتذار رسمي.
وفي الحقيقة هذه واحدة من الشكاوى الرئيسية لمفوضية كاريكوم.
“إن عملية تعافي الضحايا والأحفاد تتطلب عرض اعتذار صادق ورسمي من قبل حكومات أوروبا”، تقول فيرين شبرد.
وتضيف “أصدرت بعض الدول بيانات تعرب فيها عن أسفها، هذه البيانات تظهر أن الضحايا وأحفادهم لا يستحقون الاعتذار”.
وكانت الولايات المتحدة استثناء إلى حد ما، فقد أصدرت بالفعل اعتذارا من خلال الكونغرس عام 2009، غير أنها أوضحت تماما أن إعلانها هذا لا يعني تأييد القضايا القانونية المرفوعة ضد الدولة.
وهناك دلائل على أن المد السياسي ربما يتبدل.
فقد أدرج كل مرشح عن الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأمريكية مسألة التعويضات عن العبودية في خطته الحكومية – هذا فيما عدا جو بايدن.
وفي أوروبا، وقبل أيام فقط أيد برلمانيون مشروع قرار يدعو الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بالاتجار بالعبيد كجريمة ضد الإنسانية، وإلى تحديد يوم الثاني من ديسمبر/ كانون الأول “يوما أوروبيا للاحتفال بإلغاء الاتجار العبيد”.
وبعيدا عن الجدل، يبدو أن النقاشات في هذه القضية تكتسب زخما جديدا، ومن غير المحتمل أن يخفت ذلك قريبا.
[ad_2]
Source link