جورج فلويد: الملك الأوروبي الذي كان يملك “حديقة حيوانات” يعرض فيها أفارقة
[ad_1]
خلف أسوار متحف بليجكا الفخم المخصص للقارة الأفريقية تنتصب تماثيل الملك ليوبولد الثاني، حيث يلخص كل نصب تذكاري له ذكرى مقتل ما يقارب عشرة ملايين أفريقي خلال فترة حكمه.
قال أحد الزائرين وهو يقف بجواره أحد النصب “لم أكن أعرف أي شيء عن ليوبولد الثاني حتى سمعت عن التماثيل التي شوّهت المدينة”.
المتحف محمي إلى حد كبير بموجب “قانون حماية التراث”، ولكن خارج تلك الأسوار، لا يوجد أي نوع من الحماية لتماثيل الملك الذي استولى على مساحات كبيرة في وسط أفريقيا عام 1885 .
وفي الأسبوع الماضي، أُضرمت النيران في تمثال ليوبولد الثاني في مدينة أنتويرب، قبل أن تفككه السلطات. وصُبغت التماثيل بالطلاء الأحمر في مدينتي غينت وأوستند وتم تحطيم تماثيله في العاصمة بروكسل.
كان حكم ليوبولد الثاني في ما يعرف الآن باسم جمهورية الكونغو الديمقراطية في غاية الوحشية والدموية لدرجة أن القوى الاستعمارية الأخرى ادانت سياسته الاستعمارية في عام 1908 لكن الأمر استغرق وقتاً أطول بكثير في بلجيكا ليعرفوا الفظائع التي ارتكبها.
وانضم الآلاف في البلد الذي يبلغ عدد سكانه 11 مليون نسمة الأسبوع الماضي، إلى احتجاجات التضامن مع حادث مقتل الأمريكي الأفريقي جورج فلويد على يد الشرطة الأمريكية.
وسلط التركيز العالمي على موضوع العنصرية الضوء على الماضي الاستعماري العنيف لهذا البلد والذي كان سبب ثرائه لكنه جلب الموت والبؤس للكونغوليين.
تشرح ذلك ديبورا كاييمبي، محامية كونغولية مدافعة عن حقوق الإنسان وعاشت في بلجيكا: “بدأ الجميع يستيقظ من سباته، إنها محاكمة للماضي”.
تشويه التماثيل وإزالتها
قد تكون أيام ليوبولد الثاني في الشوارع البلجيكية باتت معدودة الآن بعد أن تعرضت تماثيل لشخصيات عنصرية تاريخية للتخريب أو الإزالة في كل من بريطانيا والولايات المتحدة.
وأزالت جامعة مونس تمثالا للملك الراحل، بعد أن أطلق الطلاب عريضة يقولون فيها أن التمثال هو رمز “الإغتصاب والتمثيل بالانسان وإبادة ملايين الكونغوليين”.
وتقول جويل سامبي نزيبا، وهي شاعرة بلجيكية كونغولية ومتحدثة باسم الشبكة البلجيكية لـ “حياة السود مهمة”، إن هذه التماثيل تقول لها إنها “أدنى من البلجيكي العادي”.
وتوضح: “عندما أسير في شوارع مدينة تمجد العنصرية والاستعمار في كل ركن من أركانها، تخبرني أنني وتاريخي لا أهمية لهما”.
وبالنسبة للناشطين فإن هدفهم الأكبر هو تمثال عملاق للملك ليوبولد الثاني على ظهر الخيل على أبواب القصر الملكي في بروكسل. لذلك أطلقوا عريضة تطالب السلطات بإزالته، ووصل عدد الموقعين عليها إلى أكثر من 74 ألف شخص
وتضيف كاييمبي: “سأرقص إذا سقط التمثال. لم أتخيل أبداً حدوث ذلك في حياتي”. وأوضحت أن ذلك سيكون “حقاً مهماً للكونغوليين، وخاصة أولئك الذين فقدوا أفراداً من أسرهم”.
وتعتقد كاييمبي أن الأمر لن يكون سريعاً أو سهلاً، فهناك ما لا يقل عن 13 تمثالاً لليوبولد الثاني في بلجيكا، بالإضافة إلى العديد من الحدائق والساحات الشوارع التي تحمل اسمه.
وأوضح أحد زوار متحف إفريقيا، الذي تم تشويه أحد التماثيل المنصوبة أمامه، أنه لا يوافق على فكرة إزالة التمثال مبرراً ذلك “إنهم جزء من التاريخ”.
الملك الذي لا يزال يأمر بالثناء عليه
يوم الجمعة دافع الأمير لوران، الأخ الأصغر لملك بلجيكا فيليب، عن جده قائلاً إن ليوبولد الثاني لم يكن مسؤولا عن الفظائع في المستعمرة السابقة “لأنه لم يذهب إلى الكونغو ابداً”. في حين لم يصدر القصر الملكي رداً رسمياً بعد على الحملة.
ولسنوات عديدة، كان ليوبولد الثاني محط تقدير لأنه حافظ على حياد بلجيكا في الحرب الفرنسية-البروسية عامي 1870-1871 ودشن الأشغال العامة المناسبة لدولة حديثة.
وفي عام 2010 وصف وزير الخارجية البلجيكي السابق لويس ميشيل ووالد رئيس الوزراء المستقبلي تشارلز ميشيل، ليوبولد بأنه كان “بطلاً صاحب طموحات لبلد صغير مثل بلجيكا”.
وقال هيرفي هاسكوين، الرئيس السابق لجامعة “بروكسل الحرة”، في حوار تلفزيوني هذا الأسبوع: “ثمة جوانب إيجابية للاستعمار”، موضحاً أن بلجيكا هي من جلبت النظام الصحي والبنية التحتية والتعليم الابتدائي إلى وسط أفريقيا.
مستعمرة بُنيت على العمل القسري والوحشية
كانت “الحضارة” في صميم عرض ليوبولد الثاني للقادة الأوروبيين عام 1885 عندما قاموا بتقسيم القارة الافريقية الى مستعمرات وهي العملية التي أصبحت لاحقاً تعرف باسم “التسابق على أفريقيا”. ووعد بالقيام بمهمة إنسانية وخيرية من شأنها تحسين حياة الأفارقة.
وفي المقابل منحه الزعماء الأوروبيون، الذين اجتمعوا في مؤتمر برلين، مليوني كيلومتر مربع، لاقامته مستعمرة شخصية له حيث كان حراً في فعل ما يحلو له فيها. وأطلق عليها اسم ولاية الكونغو الحرة.
وسرعان ما أصبح نظاماً وحشياً واستغلالياً اعتمد على العمل القسري لزراعة وتجارة المطاط والعاج والمعادن.
وتوثق صور الأرشيفية لولاية الكونغو الحرة أساليب العنف والوحشية التي اتبعها.
وفي واحدة من تلك الصور، يجلس رجل على منصة منخفضة ينظر إلى قدم صغيرة مقطوعة ويد صغيرة، كانتا لابنته البالغة من العمر خمس سنوات التي قتلت لاحقاً لأن قريتها لم تنتج ما يكفي من المطاط.
ولم يكن ذلك أمراً نادراً أو غير مألوفاً وقتها، فقد كان أبناء الكونغو يعاقبون بشكل روتيني بقطع أطرافهم عندما كان يتعسر عليهم الوفاء بالحصص المفروضة عليهم من قبل الملك ليوبولد الثاني.
كما قام المسؤولون الاستعماريون باختطاف الأطفال الأيتام من تلك المجتمعات ونقلوهم إلى “مستعمرات الأطفال” للعمل أو التدريب كجنود. وتشير التقديرات إلى وفاة أكثر من 50 بالمئة منهم هناك.
وتضافرت عمليات القتل والمجاعة والمرض لتتسبب بموت ما يقرب من 10 ملايين شخص في كونغو خلال المرحلة الاستعمارية، رغم اختلاف المؤرخين حول العدد الحقيقي.
وربما لم تطأ قدم ليوبولد الثاني هناك بتاتاً، لكنه ضخ الكثير من الأرباح إلى بلجيكا وإلى جيوبه.
وقام ببناء متحف إفريقيا في ساحة قصره في ترفورين وضمت “حديقة حيوانات بشرية” عرض فيها 267 كونغولياً.
لكن الأخبار عن الانتهاكات بدأت في الانتشار وكشف المبشرون والصحفي البريطاني إدموند دين موريل عما يدور في تلك المستعمرة.
وبحلول عام 1908 اعتبر الأوروبيون الذين كانوا هم أيضا يستعمرون افريقيا حكم ليوبولد الثاني قاسياً وأدانوه وأجبره البرلمان البلجيكي على التخلي عن إقطاعيته.
وتولت بلجيكا إدارة المستعمرة في عام 1908 ولم يتم تأسيس جمهورية الكونغو حتى عام 1960 في اعقاب حرب الاستقلال.
وعندما توفي ليوبولد الثاني عام 1909 دفن وسط صيحات استهجان البلجيكيين .
لكن خلال مرحلة الفوضى أوائل القرن العشرين، عندما هددت الحرب العالمية الأولى بتدمير بلجيكا، أقام ابن أخ ليوبولد الثاني الملك ألبرت الأول تماثيل لتخليد إنجازات السنوات الماضية.
وأدى هذا إلى تغيير صورة ليوبولد الثاني في أذهان الناس ونسيان ماضيه لعقود.
دعوات للاعتذار
الاحتجاجات الحالية في الشوارع ليست الأولى من نوعها التي يتم فيها فضح تاريخ بلجيكا القبيح في الكونغو. ففي عام 2019 أعادت مدينتا كورتريك ودندرموند تسمية الشوارع كانت تحمل اسم ليوبولد الثاني ووصف مجلس مدينة كورتريك الملك بأنه “سفاح”
وفي عام 2018 اطلقت مدينة بروكسل على إحدى الساحات العامة اسم باتريس لومومبا، بطل حرب الاستقلال وأول رئيس وزراء للكونغو والتي باتت تحمل اسم جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ ذلك الحين.
وفي العام الماضي، دعت مجموعة عمل تابعة للأمم المتحدة، بلجيكا إلى الاعتذار عن الفظائع التي ارتكبتها خلال الحقبة الاستعمارية.
ورفض تشارلز ميشيل، رئيس الوزراء في ذلك الوقت تقديم الاعتذار، لكنه اعتذر عن اختطاف آلاف الأطفال المختلطي الأعراق الذي كانوا يعرفون باسم ” ميتيس” من بوروندي والكونغو الديمقراطية ورواندا في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.
وتم نقل حوالي عشرين ألف طفل ولدوا للمستوطنين البلجيكيين من نساء كونغوليات قسرا إلى بلجيكا بغرض التبني.
ماذا بعد التماثيل؟
وتقترح ميريل-تشيوسي روبرت مديرة المنظمة غير الحكومية المناهضة للعنصرية، بامكو كران وضع تماثيل ليوبولد الثاني في متاحف لتعليم التاريخ البلجيكي. وتشير إلى أن تدمير تماثيل ونصب أدولف هتلر لم يؤد أبداً إلى نسيان تاريخ ألمانيا النازية.
في كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية تم نقل تماثيل ليوبولد الثاني إلى المتحف الوطني.
ويوافق بامبي سيوبنز، المفوض العلمي في متحف إفريقيا على أن “ليوبولد الثاني بالتأكيد لا يستحق تمثالًا في الأماكن العامة”، ويعتقد أن إبعاد النصب التذكاري لا يحل مشكلة العنصرية، في حين أن إنشاء متحف واحد مخصص للتماثيل لن يكون مفيداً أيضاً.
يقول يولس مولامبا، وهو محام من مدينة لوبومباشي جنوب شرق البلاد، إن في جمهورية الكونغو الديمقراطية نفسها، لم يلاحظ أحد حقاً الاحتجاجات البلجيكية.
ويحمل مولامبا الملك المسؤولية عن فظائغ المرحلة الاستعمارية بدلاً من الشعب أو الدولة البلجيكية.
ويجادل المتظاهرون وجماعات السود أن هناك الحاجة إلى مزيد من العمل للقضاء على العنصرية بالاضافة الى ازالة التماثيل.
ولعقود من الزمن بالكاد تم تدريس التاريخ الاستعماري لبلجيكا. ولا تزال العديد من صفوف المدارس تحتوي على كتاب الرسوم المتحركة الشهير تان تان في الكونغو، الذي يحوي صوراً للسود تعتبر عنصرية جداً حالياً.
وأعلن وزير التعليم البلجيكي هذا الأسبوع أن المدارس الثانوية ستدرس التاريخ الاستعماري اعتباراً من العام المقبل.
وتقول كاييمبي: “من الجيد أن يستيقظ فجأة الجميع ويلقوا نظرة عما يجري حولهم ويسألوا انفسهم: هل هذا صحيح؟ “.
[ad_2]
Source link