فيروس كورونا: كيف يمكن أن يكون الملل مصدرا مهما للإبداع؟
[ad_1]
قال الفنان الإنجليزي ديفيد بوي في عيد ميلاده الخمسين على مسرح حديقة ماديسون سكوير للحاضرين: “أعدكم أنكم لن تشعروا بالملل”. لا شك أن أكثر ما يخشاه الكاتب أو الموسيقي أو الفنان هو أن تبعث أعماله وإبداعاته الفنية على الملل.
لكن في الحقيقة، ثبت أن الملل هو أهم محفزات الإبداع، إذ طالما ألهم الشعور بالملل كتّابا وملحنين وفنانين لكتابة روايات وابتكار أعمال فنية لا حصر لها.
وتحدثت الكاتبة الأيرلندية الحائزة على جائزة بوكر مؤخرا، آن إنرايت، عن استمتاعها بالشعور بالفراغ في ظل الحجر الصحي، وتقول إن وجود القليل من الالتزامات قد يكون مفيدا للمبدعين. وذكرت في صحيفة الغادريان أن الملل يحفزك على الإنتاج ما دام لا يمثل مصدر ضيق وانزعاج. وتقول إنها تنتظر بفارغ الصبر تلك اللحظة التي تشعر فيها بالملل.
وتنسب الروائية أغاثا كريستي، التي لم تتنظم في الدراسة إلا بعدما بلغت 16 عاما، الفضل في غزارة أعمالها الروائية إلى الملل والفراغ. وقالت في حوار لها مع بي بي سي عام 1955: “لا شيء يساعد على الكتابة مثل الملل”. وقالت إنها عندما بلغت 16 عاما كانت قد كتبت بالفعل عدة قصص قصيرة ورواية طويلة.
ونصح الكاتب البريطاني، نيل غايمان، الكتّاب بأن يدعوا الملل يتسلل إلى نفوسهم لكي تضطر أدمغتهم لأن تحكي قصة لتسلي نفسها.
وكان الكاتب الراحل ديفيد فوستر والاس شغوفا بالملل إلى حد أنه ألف رواية عنه. إذ كانت روايته غير المكتملة “الملك الشاحب” تدور في مصلحة ضرائب. وكتب والاس معلقا: “لقد تبين أن السعادة والامتنان لنعمة الحياة والوعي باللحظة الراهنة، كلها تكمن في الجانب الآخر من الملل الشديد”.
ولم يكن الملل مفيدا للكتّاب وحدهم، إذ قال النحات الحائز على جائزة تيرنر، أنيش كابور: “لقد تعلمت على مر السنين أن الشعور بالملل، حين لا أجد شيئا يشغلني، يدفعني للتجربة”
حافز رتيب
وأشارت الممثلة والملحنة كيت ناش مؤخرا إلى أن الملل الذي عانت منه في مرحلة المراهقة قادها للتلحين، لأن حياتها كانت خالية من الأحداث. وعندما التحق أصدقاؤها بالجامعة، وجدت نفسها بمفردها في المنزل وعملت في متجر للملابس، وحفزها الملل مرة أخرى لكتابة الأغاني. ثم نشرت أغانيها على موقع “ماي سبيس”، وسرعان ما لمع نجمها وحققت أغانيها شهرة واسعة.
وقد أصبح الملل مؤخرا موضوع الساعة، بعد أن زاد الوقت الذي يقضيه معظم الناس حول العالم في المنازل في ظل الحجر الصحي بمعزل عن الآخرين. ولا شك أن الكثيرين تملكهم الملل. ويرى بعض الباحثين أن الحجر الصحي أتاح لهم فرصة لن تتكرر لدراسة آثار الملل.
وأجرى باحثون في عام 2013 دراسة عن العلاقة بين الملل والإبداع، قسم خلالها عالم النفس البريطاني ساندي مان المشاركين إلى مجموعتين، وكلف إحداهما بمهمة مملة تتمثل في كتابة أرقام هواتف، ثم طلب من المجموعتين اقتراح أكبر عدد من الاستخدامات للكوب البلاستيكي.
ولاحظ مان أن المجموعة التي كانت تشعر بالملل تفوقت على الأخرى. وعندما أضاف مجموعة أخرى وكلفها بمهمة أكثر مللا، اقترحت المجموعة الأكثر شعورا بالملل استخدامات أكثر ابتكارا للكوب البلاستيكي.
ويرى الباحثون أن الملل يدفعنا لاستشكاف وسائل مبتكرة للتخلص من الملل، لأن أدمغتنا تلاحظ وجود فراغ وتحاول ملأه.
ويقول جون إيستوود، عالم نفس بمختبر الملل بجامعة يورك في كندا، إن هناك عاملين رئيسيين يستدل منهما على الملل. أولا أن يشعر المرء أنه مكبل، كونه لديه رغبة جارفة في تأدية شيء ما لكنه لا يريد أن يؤدي المهام المكلف بها أو المتاحة أمامه. وثانيا، أن تكون قدراتك الذهنية غير مستغله، وتبحث عن أفكار تشغل بها ذهنك.
ويقول إيستوود إن الشعور بالملل في حد ذاته مزعج ومنفر، ولهذا يدفع المرء للبحث عن شيء للتخلص من هذا الشعور، وقد يستكشف المرء أثناء هذا البحث أشياء جديدة في المجال الذي يهتم به ويكون شغوفا به، وقد يصبح هذا البحث مصدرا للابتكار.
لكن عندما يسيطر عليك الملل، قد تشعر برغبة ملحة في التخلص سريعا من هذا الشعور المزعج بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي وقوائم الأفلام والبرامج المغرية على شبكة “نيتفلكس”.
لكن الملحن أمير خاليب تومبسون المعروف باسم “كويست لوف”، كتب عن صراعه لمقاومة جميع المغريات التي تدفعه بعيدا عن الاستسلام للملل. ويقول إن الملل هو وسيلة لإفساح مكان لفكرة جديدة تضيء في رأسه.
أوج إبداعك يكون في “العشرينيات والخمسينيات”
مقاومة المشتتات
وفي عام 1990 كانت الكاتبة جيه كيه رولينغ عائدة من مانشستر إلى لندن بمفردها في قطار متأخر عن موعده، وفجأة قفزت إلى مخيلتها صورة صبي نحيل يرتدي نظارات. ولم يكن بحوزتها قلم وخجلت من استعارة قلم من أحد الركاب.
وتقول رولينغ إنها كانت تشعر بالإحباط لعجزها عن كتابة فكرتها، لكنها أدركت فيما بعد أن هذا كان في مصلحتها. إذ أتاحت لها الساعات الأربع التي أمضتها في إدامة النظر عبر النافذة فرصة سانحة لتجميع الأفكار لكتابها الجديد. ولو كان لديها جهاز “أيباد” محمّل بحلقات للمسلسل المفضل أو حساب على تويتر لكانت فكرة هاري بوتر اختفت من ذهنها في لمح البصر.
وربطت أبحاث بين أحلام اليقظة وبين الإبداع، ويرى إيستوود أن أحلام اليقظة هي مصدر الأفكار الخلاقة. ويقول إن الملل يمهد لشرود الذهن، وهذا الشرود يؤدي إلى الابتكار.
ودرس ميسون كاري الروتين اليومي لمئات الفنانين والكتاب والمبدعين، ويقول إنه لاحظ أن الملل هو القاسم المشترك في حياة المبدعين، لكنه يرى أن مرحلة شرود الذهن هي التي تساعد على الابتكار وليس الملل نفسه. وبعبارة أخرى، أن تؤدي مهمة معتادة وروتينية لكنك غير منتبه لما تقوم به، ومن ثم تسمح لخيالك بأن يحلق بعيدا.
ويقول كاري إن التسكع بلا هدف أو قصد معين، يساعد على الابتكار. وذكر مصمم الرقصات جورج بلانشاين أن أفضل الأفكار الخلاقة كانت تراوده أثناء كي الملابس في الصباح. بينما تقول الروائية البريطانية دوريس ليسينغ إنها كانت تتوقف عن الكتابة بين الحين والآخر لترتيب المنزل أو غسل الصحون.
وتقول ليسينغ إنها لم تكن تقصد التنظيف بقدر ما كانت تقصد ذلك الشرود الذهني الذي يقترن بعملية التنظيف لأنه كان يساعدها على صياغة أفكارها. ويقول كاري معقبا إن الأفكار التي تدور في رأسها أثناء غسيل الصحون أو تنظيف المنزل هي العمل الحقيقي.
أما الروائية مارغريت آتوود فتقول إن مراقبة الطيور تساعدها على تصفية ذهنها. وعندما تسرح بخيالها وتصل إلى هذه الحالة من التدفق الذهني تبدأ في تدوين أفكارها.
وأشاد الكثير من المبدعين بفوائد المشي لعميلة الإبداع، إذ كانت المخرجة والفنانة ميرندا جولاي تواظب على ممارسة المشي بين الحين والآخر. وذكرت الكاتبة ريبيكا سولنيت، أن التفكير هو عملية ذهنية يقال إنها تحدث عندما يكون المرء متفرغا لا يفعل شيئا، ولهذا فإن المشي هو الوسيلة الأمثل التي تساعدك على التفكير بينما تتظاهر بأنك منهمك في نشاط ما.
لكن كاري يخشى من أن الوقت الحالي قد لا يشجع على الإبداع، حتى لو كان البعض منا يشعر بالملل، نظرا لأن القلق الذي يسيطر على تفكيرنا في الوقت الحالي قد يمنعنا من بلوغ هذه الحالة من الشرود الذهني الذي يذكي جذوة الإبداع. ويقول إننا جميعا مشغولون الآن بالإجراءات الوقائية أو الخوف من العدوى الذي يشتت انتباهنا ويعيقنا عن التفكير.
لكن إذا طرأت على رأسك فكرة أثناء الوقوف في طابور طويل أمام متجر البيع بالتجزئة، فلا ضرر من تدوينها لعلها تفيدك لاحقا.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Culture
[ad_2]
Source link