الهرولة في درب الزلق | جريدة الأنباء
[ad_1]
بقلم: عبدالوهاب الحمادي
يعد «درب الزلق» من أشهر مسلسلات الخليج التلفزيونية، حيث يعادل في تأثيره على المتلقي المحلي أعمالا عربية فنية شهيرة مثل صح النوم في الشام، أو«الدنيا هيك» في لبنان ومسرحية مدرسة المشاغبين المصرية.
أعمال نحتت مفردات وعبارات وحركات وأصوات الممثلين فيها الثقافة الشعبية إلى درجة صارت فيها أمثالا سائرة.
ودرب الزلق فعل ذلك منذ عرض لأول مرة عام ١٩٧٧ حتى يومنا هذا. رافدا اللغة اليومية بمعجم يولد الضحكة في كل مرة يستعاد.
لذلك أردت منذ زمن أن أكتب عنه وعن مسلسلات محلية أخرى مؤثرة مثل: خالتي قماشة، الأقدار، رقية وسبيكة، على الدنيا السلام، التي باتت أيقونات ينظر إليها كأعمال منزهة من العيوب وتمثل زمن الفن الجميل.
ما هي فكرة المقال؟ هي ما عبرت عنه قبل أيام بست تغريدات مرفقة بصور من مسلسل درب الزلق.
اعتمدت عرض فكرة المقال «عمليا» بتغريدات عبر تطبيق تويتر، جاءت بعد قرار محطة mbc إذاعة المسلسل في أفضل الأوقات الرمضانية، بعد الإفطار مباشرة.
تفاعل
لم أتوقع التفاعل الذي حدث! السلبي منه والإيجابي، وإن رأيته إيجابيا في كل الأحوال.
فلو أني نشرته كمقال عوضا عن التغريدات، لما تيسر للفكرة هذا الحضور والتفاعل المذهل والتعليقات التي باتت كأنها تطبيق عملي لما أردت قوله! والآن بعد ان انطفأت نار السجال حول سلسلة التغريدات، بدأت في تأمل إعصار التلقي وآثاره وآثرت أن يأتي هذا المقال، تقودني إليه بضع أفكار.
النقد الفني، هناك من يراه مصطلحا أكاديميا خالصا لا يجوز لغير أصحاب الشهادات العلمية تداوله، وهناك من يراه رأيا انطباعيا بحتا وذوقا شخصيا، وبين المعسكرين تدور معارك النقد الفني! لكن، بسبب تدجين وسائل التواصل الاجتماعي المستمر لذائقة المشاهد عبر التنمر والتنمر المضاد، انصهر تعريف النقد الفني وجاوز المعسكرين أو ألف بينهما، عبر أمرين:
١ – البحث المستمر والدؤوب والتفتيش عن أي خطأ أو هفوة في أي مسلسل. لأن اصطياد الخطأ سيكفل للمكتشف حملا على الأكتاف، ومهرجانا احتفاليا، ونشوة تقارب نشوة اكتشاف قارة جديدة.
لكن، يبدو أمرا غير منطقي أن يتابع المرء انتاجا فنيا وينتقده يوميا منذ هلال بدء رمضان وحتى هلال العيد! ما الذي يدفع المشاهد لمواصلة مشاهدة عمل سيئ وتحمل الأذى؟
٢ – ممارسة الرقابة الأخلاقية، التاريخية، الفنية.. من قبل الأفراد، حتى باتت رقابتهم المتنمرة، هي القاطرة الأساس لردة الفعل الحكومية المقيدة للحريات أو تابعة لها حسب السياق.
تصيد الهفوات
التغريدات الست هي التالية مع ملاحظة تعمدي ركاكة الأسلوب والصياغة والأخطاء لتحاكي تغريدات من يتصيد الهفوات أو يمارس الرقابة.
كتبتها أفتعل انتقادا لأحداث المسلسل، لم آت بشيء من وحي الخيال، بل انتقيت مشاهد مشهورة في مسلسل درب الزلق وأعدت تفسيرها وفق الذهنية السائدة اليوم التي تحدثت عنها آنفا، تلك الذهنية التي باتت نمطا سائدا يحاكم الأعمال الفنية بشكل غير موضوعي، نظرت لها بالعين ذاتها التي تجلد الفن والفنانين ونتاجاتهم في حفل زار سنوي.
إذ إن من بديهيات الأعمال الفنية التي يتجاهلها البعض، أنها في جوهرها تختلف عن الأعمال التسجيلية والتوثيقية، والبون بينهما شاسع وإن كان الفن يتكئ على المادة التسجيلية والتاريخية في مواضع عدة، لكن الخيال هو الأساس. تدفق زخم ردود الفعل متنوعا، حاولت حصرها في التالي:
١ – هناك من فهم الغرض من السخرية في التغريدات، وضحك وأسماه باصا (حافلة).
وهذا المصطلح يعني خبرا كاذبا يروج عبر تغريدة فيركب الجمهور «الباص» متفاعلين معها حتى موعد انكشاف تزوير الخبر فتنتهي الحفلة ويهبط الركاب من الحافلة في أقرب محطة.
– ولهؤلاء جزيل الشكر على حسن ظنهم وروحهم المرحة وتعليقاتهم التي أضفت جمالا على الموضوع.
٢ – من اعترض اعتراضا شديدا على انتقاد المسلسل بعدة ذرائع منها: أنه مسلسل قديم وأبطاله توفوا ودخل التاريخ وسجل في سجل الخلود، فلماذا أطلب الشهرة عبر انتقاده؟ وان كتاباتي بمنزلة تطبيق عملي لمقولة خالف تعرف، وعمر المسلسل أكبر من عمري فلماذا أنتقده بعد هذا الزمن؟!
– وهل الزمن ووفاة الممثلين يمنح العمل الفني حصانة ضد النقد؟ ولماذا؟ إن حرية النقد – دون إهانة شخصية – تكفل تطور الأدب والفن، وهذا هدف النقد الأسمى برأيي.
حتى مثالنا وهو مسلسل درب الزلق كان تهكميا في انتقاده للمجتمع الكويتي في عدة مناحٍ في تعامله مع الحياة.
بل كان هناك إفراط ساخر في الانتقاد، انتقاد التجار واحتكاراتهم، انتقاد طرق توزيع الثروة، الطبقات في المجتمع، القضاء، الغش التجاري، السفر لمجتمعات أخرى واكتشاف الآخر، وأمور تتعرفون إليها من التأمل كلما قاومتم الانجذاب لمغناطيس الضحك.
٣ – من أيد الانتقاد ورفده بدلائل واتهم العمل بتشويه تاريخنا وعاداتنا.
– إذن هو الجيل ذاته الذي انتقد المسلسل إبان بثه تلفزيونيا، وقد تداول المغردون في الردود مقالة نشرت في زمن العرض الأول أواخر السبعينيات، تشير للمسلسل بوصفه يشوه عاداتنا وتقاليدنا.
أي ان الفكرة التي ترى المجتمع القديم ملائكيا ما زالت تعيش في زمن الانترنت، بل وجدت متنفسا عبر هذه التغريدات.
وهو الجمهور ذاته الذي يؤيد الرقابة على الكتابة، رقابة معرض الكتاب والمسرح والدراما والسينما، قصقصة الأعمال الفنية القديمة من مسرح وتلفزيون وإزالة أهم مشاهدها بدعوى خدش الحياء.
أو كتم الصوت عن عبارات في مسرحيات مشهورة لأن الممثل تجاوز خطوطا حمراء لم تكن حمراء آنذاك! دارت رحى معارك جانبية بسبب وضعي صورة نارجيلة (قدو) في منزل عائلة بن عاقول، طائفة ترى أن تدخين (القدو) أساس في البيت الكويتي القديم وفق ثقافتها، وطائفة تراها وصمة عار ولا توجد إلا في بيوت عوائل ترجع لأصول تراها أدنى منها وفق ثقافتها أيضا.
وعمليا الردود تبين بشكل صارخ مسطرة النقد لدى العامة وهي انتقاد كل ما يخالف «ثقافة الفرد» وحده باعتبارها ثقافة المجتمع في تغييب واضح لكل ثقافة محلية مغايرة.
ينطبق هذا الأمر على اللهجة التي احتكرتها كل فئة من فئات المجتمع باعتبارها «لهجة أهل الكويت» رغم أن اللهجة في ذاتها متطورة ليس بالضرورة أن تساير الماضي المتخيل في مسطرة واضحة.
إذ إن الأعمال الفنية القديمة ومنها درب الزلق وغيرها، بها مفردات ومصطلحات كثيرة اعتبرت آنذاك جديدة على المعجم الكويتي واستهجنت حينها، لكن الزمن جعل الجمهور يألفها ويتقبلها قبولا حسنا ويدرجها في قائمة مفرداته.
في النهاية احتكار الهوية الكويتية في صورة ولهجة واحدة، إفقار لأهم خصائص هذا المجتمع التي منحته هوية فريدة، وأعني خصيصة التنوع المجتمعي.
٤ – من كون رأيه من التغريدة الأولى ولم يكلف نفسه عناء قراءة تسلسل الخمس تغريدات الباقية، ناهيكم عن تحمل عناء قراءة الردود التي تعمدت منذ البداية إجابتها لتأييد فكرة التغريدات الساخرة.
إيهام
– أحالتني ردودهم لما تفعله القنوات الإخبارية من إيهام للمتلقين، عندما تقتطع من الخبر مانشيتا مثيرا ترفعه مثل خرقة مصارع الثيران الحمراء.
وهي تعلم أن المتابع لن يضغط على الرابط المؤدي لتفاصيل الخبر، لأنه سيكتشف حينها – إن فعل- أن المانشيت مقتطع من الخبر ومنسوب هناك لمصدر مجهول! تلك السياسة الإخبارية التي تريد توجيه الرأي العام وحشده باستخدام مفردات من نوع: عاجل، هام، فضيحة… الخ.
أرسل لي أحدهم رسالة على الخاص بعد نشر التغريدات يسأل: أين النقاد وما دورهم؟ في الحقيقة لا أدري، بعضهم ملهوج في البحث عن الأخطاء، آخر يتأمل في تفاصيل عمليات التجميل ويقارن بين الأعمال وفق انتفاخ الشفة ولون الملابس.
أفهم وأتفهم عمليات تجميل تؤثر على صورة الفنان عند أدائه دورا تاريخيا مثلا، لكن أن يكون الدور يمثل شخصية في الحاضر وينقد الناقد تفاصيل عمليات التجميل في وجه الفنانة، ربما هو أمر بعيد عن النقد حسب ظني.
انتقاء
لنخفف الوطء ونهون الحياة فمتاعبها الحقيقية كثيرة، لنوفر قوانا لجهازنا المناعي.
من أعجبه عمل فليتابعه ومن لم يعجبه فهذه المنصات تجري من تحتها المسلسلات، كل ما على المرء أن ينتقي ما يعجبه ويكرسه عوضا عن تكريس الرداءة.
قد يقول قائل: ألا نعبر عن مشاعرنا تجاه البرامج السادية والمسلسلات التافهة؟! الجواب الراهن: نعم.. شريطة أن تتوقف عن متابعة ما تظنه رديئا بعد حلقة أو اثنتين، لأنك غير مجبور على متابعة ثلاثين حلقة تافهة وفقا لذوقك، إلا إن كنت مسجونا وريموت التلفاز في يد السجان! وإن سأل أحد لماذا؟ سأجيب: للأسف محطاتنا التي أسميناها فضائية، أدمنت إنتاج برامج تثير الجدل السلبي والإيجابي، لكن في الآونة الأخيرة اكتشفت أن البرامج والمسلسلات المليئة بالنقص والأخطاء، تجتذب جمهور الباحثين عن الهفوات، إذ إنها تسوق للعمل عبرها وترفعه لقوائم الأكثر تداولا، مما يحقق هدف القناة باجتذاب أكبر عدد من المعلنين.
فصارت تنتج طوفان برامج مثل التي نشاهدها كل عام، مليئة بالأخطاء والأسقام.
وفي كل عام تفوز برهانها على: التريند، الهاش تاغ، الجدال، الحروب الكلامية، اجتذاب المعلنين، وكل مفردات التفاعل الجماهيري الذي يؤدي لمزيد من المتابعة وهو نجاح تجاري في حد ذاته على حساب المضمون. أرجو أن تكون إجابة مفهومة.
[ad_2]
Source link