أخبار عربية

انتشار واسع للتدخين في مصر رغم الفقر والمخاطر الصحية

[ad_1]

سيجارة مشتعلة

مصدر الصورة
Reuters

“فات الأوان. لا أستطيع التخلي عن هذه العادة. فالسيجارة رفيقة لي منذ أكثر من أربعين عاما”، هكذا يقول حسين موظف بنك سابق في الستين من عمره، وأب لثلاثة أبناء جامعيين.

بدأ حسين التدخين وهو في المرحلة الثانوية ومنذ ذلك الحين لم يتمكن من الإقلاع عن التدخين رغم كل ما سببه له من مضاعفات صحية. فقد أجرى جراحة لتغيير شريان في القلب قبل بضع سنوات.

لم يكتف بتدخين السجائر فقط لكنه يدخن الأرجيلة أو الشيشة كما يسميها المصريون. يقول حسين: “منذ أن ظهر فيروس كورونا، ومع منع تقديم الشيشة في المطاعم والمقاهي، توقفت عن تدخينها، خاصة بعد أن علمت أن الفيروس ينتقل عن طريق اللمس. وهذا أقصى ما يمكنني فعله. لكنني لن أستغني عن السجائر”.

ويمثل حسين نموذجا لملايين المصريين؛ فعدد المدخنين في البلاد يصل إلى نحو 11 مليون مصري ممن هم فوق الخمسة عشر عاما، بحسب دراسة كشف عنها مؤخرا الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وفق بيانات الإحصاء السكاني لعام 2018.

وتشير الدراسة إلى أن عدد المدخنين السلبيين في مصر يصل إلى نحو 30 مليون شخص. واللافت في الدراسة هو أن أعلى نسب المدخنين تأتي في الفئة العمرية التي تتراوح بين 45 و54 عاما.

الضغوط الحياتية

وتكشف الدراسة أيضا عن أن الحاصلين على الشهادات الجامعية فأعلى، تتراجع نسب التدخين بينهم لتصل إلى حوالي 13 في المئة، بينما تزيد معدلات التدخين لتصل إلى حوالي 28 في المئة بين الفئات الأقل تعليما مثل أولئك الحاصلين على شهادة محو الأمية.

ويرى رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد والاستثمار والتمويل الدولي في مصر، أنه كلما زادت الدول فقرا ارتفعت معدلات التدخين. ويوضح أن هذا يرجع إلى القيم ومستوى الوعي والسلوك والتعليم.

يقول عبده: “الأسرة الفقيرة مثلا تنجب الكثير من الأبناء في حين تكتفي الأسر الميسورة ماليا باثنين أو ثلاثة”. ويضيف أن المواطن الفقير “يجد في السيجارة متنفسه الوحيد، كأنما ينفث همومه وضغوطه مع دخان السجائر”. كما يعتقد أن الشخص الغني لديه الكثير من البدائل للتنفيس عن تلك الضغوط..

وكشف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، العام الماضي، عن أن نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر وصلت إلى 32.5 في المئة بنهاية العام المالي 2018/2017.

مصدر الصورة
Reuters

وحدد الجهاز حينها مستوى خط الفقر للفرد بدخل سنوي يصل إلى 8827 جنيها (نحو 550 دولارا).

ولفت الجهاز إلى أن نسبة المدخنين بين الذكور بلغت 34.2 في المئة مقابل 0.2 في المئة بين الإناث، مما يشير إلى أن ظاهرة التدخين في مصر هي ظاهرة ذكورية بالأساس.

القدرة على الإنتاج

ويقول الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إن الأسرة المصرية تنفق نحو ستة آلاف جنيه (400 دولار أو أقل قليلا) من متوسط دخلها السنوي إذا كان بها مدخن أو أكثر.

ويرى عبده أن التدخين لا يضغط على ميزانية الأسرة المصرية فحسب بل إنه يضر الاقتصاد بشكل واضح بسبب تأثيره السلبي المباشر على إنتاجية الفرد.

يقول عبده: “تلجأ بعض شركات القطاع الخاص إلى منع التدخين خلال ساعات العمل وتحديدا في المصانع والأماكن التي تحتاج لجهد بدني. فالشخص المنهك، المعتل صحيا لا يمكنه أن يقدم عملا يوازي الراتب الذي يتقاضاه. فالإنتاجية هي ترجمة العمل بشكل نقدي خلال فترة زمنية معينة”.

ويتفق الدكتور عصام المغازي استشاري الأمراض الصدرية مع هذا الرأي، ويقول إن “التدخين يؤثر على كل أجهزة الجسم ويسبب الكثير من أمراض الرئة والقلب والمعدة. ويتسبب في لجوء العامل في كثير من الأحيان للإجازات المرضية بسبب ما يصيبه من تداعيات صحية جراء التدخين”.

ويوضح المغازي، الذي يرأس جمعية مكافحة التدخين والدرن وأمراض الصدر، أن مصر من أكثر الدول التي ينتشر فيها التدخين بجميع أنواعه ويتسبب في نسب عالية من الوفيات.

ويقول إن “هناك اعتقادا سائدا بين كثيرين أن التدخين هو المخرج من القلق والتوتر. والتجربة أثبتت أن إقناع شخص بالإقلاع عن التدخين أمر بالغ الصعوبة، لذلك نحاول أن نلجأ للوقاية وننقذ الشباب قبل أن يقعوا في براثن هذه العادة القاتلة”.

التدخين وفيروس كورونا

ويوضح المغازي أن مريض فيروس كورونا المدخن “يتعرض لخطورة تفوق بكثير تلك التي يواجهها المريض غير المدخن لأن رئته منهكة بالفعل من أثر التدخين”.

ويتمنى أن تستغل الدولة والمجتمع المدني أزمة الفيروس لتكثيف حملات التوعية بأضرار التدخين ومدى خطورته على مرضى كورونا.

ويضيف المغازي: “أتمنى أن نجد في نقمة كورونا نعمة ونحولها لشيء إيجابي. فالمقاهي المغلقة حاليا ستعود للعمل إن عاجلا أم آجلا، لذلك أرجو أن يستمر منع الشيشة داخل المقاهي والمطاعم لأنها عامل مهم من عوامل نقل الفيروس”.

ولاتزال المقاهي والمطاعم مغلقة في مصر منذ أسابيع ويقتصر العمل فيها على خدمات التوصيل المنزلي في إطار الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا. لكن الحكومة تتحدث عن بدء اتخاذ خطوات لإعادة الحياة إلى طبيعتها اعتبارا من منتصف يونيو/حزيران الجاري.

“مدخن رغم أنفه”

مصدر الصورة
Getty Images

بحسب دراسة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن عدد المدخنين السلبيين، أي الأشخاص المخالطين لمدخنين، يصل لحوالي 30 مليون مصري. ويعتقد كثيرون أن الأرقام الواردة في التقرير لاتزال أقل من الأرقام الحقيقية.

ويقول عصام المغازي: “حتى عندما يترك المدخن الغرفة فإن أثر الدخان يبقى على الأسطح لفترة من الوقت”. ويتذكر أن أحد مرضاه اعتاد أن يدخن في غرفة بعيدة عن زوجته وأولاده “لكنني علمت من زوجته أن بإمكانها أن تشتم رائحة الدخان ولهذا فهي تعد مدخنة سلبية، وتعاني تقريبا نفس الأعراض الصحية التي يشكو منها المدخن الإيجابي”.

وينبه المغازي إلى أن الكثير من المدخنين السلبيين لا يدركون “حقهم في الحصول على هواء نظيف، ويعتقدون أن لجوء شخص للتدخين في شرفة المنزل مثلا يحمي باقي أفراد أسرته من الأضرار الصحية، وهذا غير صحيح. فالمدخن السلبي هو مدخن رغم أنفه”.

الضرائب على السجائر

خلال السنوات القليلة الماضية فرضت الدولة زيادات متتالية على أسعار السجائر. لكن رشاد عبده لا يعتقد أن هذه الزيادات ستسهم في إقناع المدخنين بالإقلاع عن هذه العادة السيئة.

يقول عبده: “قد يلجأ البعض إلى تخفيف الاستهلاك بعض الشيء لكن ليس الإقلاع. فمن ينفق مثلا عشرة جنيهات لن يضره كثيرا إذا دفع اثني عشر جنيها مثلا”.

ويضيف أن الحكومة تدرك أن السجائر سلعة غير مؤثرة ولذلك فهي لا تعاملها معاملة رغيف الخبز على سبيل المثال، “فأي تحريك في سعر الخبز قد يحدث غضبا اجتماعيا واسعا، لأنه لا غنى عنه، ولا يوجد له بديل. لكن المدخن عليه أن يتحمل نفقة تدخينه”.

ومن ناحية أخرى، يقول المغازي إن مصر بحاجة لعيادات وعقاقير تساعد المدخنين على الإقلاع عن هذه العادة، وهو أمر غير متوفر بصورة جيدة. “فكثيرون يدركون تماما مخاطر التدخين بل يجرون جراحات بسبب التدخين، لكنهم عاجزون عن التخلّي عنه، وأولئك يحتاجون لمساعدة علاجية متخصصة”.

ويتفق كثير من الخبراء أيضا على أن الإعلام وكذلك المؤسسات التعليمية والدينية تلعب دورا مهما في تغيير المفاهيم والقناعات الراسخة منذ سنوات، والتي تجعل البعض يرى في التدخين ملاذا من الأزمات والضغوط.

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى