فيروس كورونا: لماذا لن تكون معظم الوفيات المرتبطة بكوفيد-19 نتيجة للإصابة بالعدوى؟
[ad_1]
اعتاد بعض الأطفال، ومنهم إيميل أوامونو الذي لم يتجاوز من العمر عامين، اللعب عند شجرة مجوفة بقرية ميليانداو في قلب أحراش غينيا، وكانوا أحيانا يصطادون الخفافيش التي استوطنت الشجرة ثم يشوونها ويأكلونها في وجبة العشاء.
وفي نهاية 2013، أصيب إيميل بمرض شديد وغامض، ونقل العدوى لأمه واخته وجدته. وفي مارس/ آذار من عام 2014، بلغ عدد حالات الإصابة 49 حالة ووصل عدد حالات الوفاة إلى 29 حالة. وأكد الأطباء أن سبب الوفاة كان فيروس إيبولا. وعلى مدى ثلاث سنوات ونصف تجاوز عدد حالات الوفاة 11,325 حالة.
لكن الوباء أثقل كاهل نظام الرعاية الصحية في غينيا واستنزف موارده، إذ قضى الكثير من العاملين نحبهم إثر تفشي الوباء، وأغلقت مستشفيات عديدة فيما عجزت أخرى عن استيعاب المرضى.
وفي الوقت نفسه، كان المواطنون في البلدان الأكثر تأثرا بالفيروس، وهي سيراليون وليبيريا وغينيا، يفضلون مكابدة آلام الأمراض على الاقتراب من مراكز الرعاية الصحية، خوفا من الإصابة بالمرض الغامض، وخوفا أيضا من الأطباء، الذين ارتبطت بدلاتهم الواقية البيضاء في الأذهان بالموت المفاجئ. وعانى العاملون بأنظمة الرعاية الصحية من وصمة.
وخلص استعراض لنتائج بعض الدراسات في عام 2017 إلى أن الخوف من مرض إيبولا ومن العاملين بالرعاية الصحية أدى إلى انهيار الثقة في أنظمة الرعاية الصحية. فقد انخفض عدد النساء الحوامل اللائي لجأن لمراكز الرعاية الصحية أثناء الولادة بنسبة 80 في المئة، وتهاوت معدلات التطعيم، وتراجع عدد الأطفال الذين نقلوا للمستشفيات جراء الإصابة بالملاريا بنسبة 40 في المئة.
والنتيجة أن الأضرار غير المباشرة للفيروس كانت أشد وطأة على السكان من المرض نفسه.
وثمة أدلة تشير إلى أن العالم قد يشهد تداعيات مماثلة العام الحالي. فقد بادرت الكثير من الدول بطمأنة سكانها بالخطوات التي اتخذت لإعطاء الأولوية لعلاج مرضى فيروس كورونا المستجد، من تخصيص الأسرّة وأجهزة التنفس الاصطناعي للمصابين بالفيروس، وتخزين ما يكفي من الأدوية والعلاجات، ونقل آلاف الأطباء من مختلف التخصصات في أقسام أمراض الجهاز التنفسي.
وتعهدت الحكومة البريطانية ببذل كل ما في وسعها لتلبية احتياجات نظام الرعاية الصحية للتعامل مع الجائحة، واتخذت دول أخرى خطوات مماثلة لمكافحة المرض.
لكن في المقابل، أرجئت أو علقت بعض الإجراءات والخدمات التي باتت تعد غير عاجلة، مثل عمليات جراحية معينة وخدمات الصحة الجنسية وبرامج مكافحة التدخين وخدمات الدعم النفسي وطب الأسنان والتطعيمات والفحوصات الدورية للكشف المبكر عن السرطان وغيره من الأمراض.
وأدى التركيز المكثف على عدو واحد فقط دون غيره إلى تبعات مروعة. فقد اشتكى مرضى حول العالم من أنهم لم يحصلوا على علاجات السرطان أو لم تجر لهم بعض العمليات المهمة في موعدها، ومُنع آخرون من تلقي جلسات الغسيل الكلوي وتأجلت عمليات زراعة أعضاء عاجلة. وأسفر هذا التأجيل والتأخير في بعض الحالات عن وفاة المرضى.
وأجبرت نساء في دول البلقان على تجربة طرق جديدة وغير مأمونة للإجهاض. وذكر خبراء في المملكة المتحدة أن الكثيرين الآن يعالجون أسنانهم بأنفسهم في المنزل بطرق عجيبة، منها مضغ اللبان، واستخدام أجهزة قطع الأسلاك وحتى الغراء القوي.
وأدى التهافت على شراء عقار “هيدروكسي كلوروكين” إلى نقصه في الأسواق، رغم أن تقارير أشارت إلى أنه يزيد احتمالات الوفاة جراء الإصابة بكورونا.
وحذر علماء من أن إيقاف برامج مكافحة فيروس نفص المناعة البشرية والسل والملاريا قد يؤدي إلى وقوع ضحايا بأعداد قد تضاهي أعداد ضحايا فيروس كورونا، في حين يخشى خبراء من أن حصيلة الموتى بسبب الكوليرا قد تتجاوز الحصيلة التي يتسبب فيها فيروس كورونا المستجد.
وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 80 مليون رضيع تقل أعمارهم عن سنة واحدة معرضون لخطر الإصابة بالدفتيريا وشلل الأطفال والحصبة بعد تعليق برامج التطعيم في 68 دولة على الأقل. وقد نشهد موجة جديدة من تفشي شلل الأطفال بسبب جائحة كورونا.
وحذر ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، الشهر الماضي من شبح مجاعة كارثية واسعة النطاق، إذ أن 130 مليون شخص معرضون لخطر المجاعة، بالإضافة إلى 135 مليون شخص يعانون من الجوع بالفعل.
وأخيرا، يرى محللون أن إجراءات الحجر الصحي، وما ترتب عليها من تبعات اقتصادية جسيمة، ستزيد من معدلات ما يسمى بالموت يأسا، سواء جراء الانتحار أو معاقرة الخمر.
وأجرى عالم الأوبئة تيموثي روبرتون وزملاؤه، من جامعة جونز هوبكينز بولاية مريلاند الأمريكية، دراسة عن حجم الضرر غير المباشر لجائحة كورونا، ووضعوا تصورات عديدة لتبعات الوباء والعوامل التي قد تؤدي إلى ارتفاع أعداد الإصابات وحالات الوفاة.
وكان على رأس هذه العوامل توقف بعض خدمات الرعاية الصحية، إما بسبب خوف المرضى من اللجوء لمراكز الرعاية الصحية أو بسبب قلة العاملين بالمراكز أو نقص الأدوية.
أما العامل الثاني فهو انعدام الأمن الغذائي، إذ أن عجز السكان عن الحصول على كفايتهم من الطعام سيجلعهم عرضة للإصابة بأمراض معدية.
وإجمالا يتوقع العلماء، على أسوأ الفروض، أن يؤدي تقليص خدمات الرعاية الصحية بنسبة 50 في المئة، بالتوازي مع ارتفاع معدلات سوء التغذية، إلى وفاة أكثر من مليون طفل و56,700 أم. وستكون معظم حالات الوفاة هذه بسبب تداعيات الجائحة، مثل عدم الحصول على العلاج اللازم في حالة الإصابة بالتهاب رئوي أو إسهال حاد بين الأطفال أو مضاعفات الحمل أو الولادة بين الأمهات.
وأشار تقرير لبرنامج الأغذية العالمي إلى أن البرنامج يقدم المساعدات الغذائية لنحو 100 مليون شخص يوميا، منهم 30 مليون شخص يعتمدون على هذه المساعدات للبقاء على قيد الحياة. وفي حالة عجز العاملين بالبرنامج عن إيصال المعونات الغذائية إلى الأشخاص الذين هم في أمسّ الحاجة إليها، قد يموت 300 ألف شخص جوعا كل يوم في الشهور المقبلة. بالإضافة إلى الأشخاص الذين دفعهم الوباء إلى براثن الفقر.
وتقول جين هوارد، رئيسة الاتصالات ببرنامج الأغذية العالمي، إن عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي قد تضاعف في السنوات الخمس الأخيرة بسبب الصراعات وتغير المناخ.
وبخلاف زيادة أعداد الجائعين، يهدد الوباء أيضا بقطع التبرعات التي يعتمد عليها البرنامج لإيصال المعونات للفقراء. وسيترتب على قطعها عواقب وخيمة.
وترى هوارد أن مشكلة سوء التغذية أصبحت أكثر شيوعا الآن في المدن ولم تعد تقتصر على المناطق النائية بدول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولهذا تتوقع أن يكون سكان المدن هم الأكثر تأثرا بالجائحة، كونهم تحت رحمة تقلبات الأسعار في الأسواق.
وقد يمثل متوسط العمر أحد العوامل التي تزيد أعداد ضحايا تداعيات الوباء في بعض الدول. ولهذا لم يتجاوز عدد حالات الوفاة في النيجر، التي تعد الدولة الأكثر شبابا في العالم، 254 حالة جراء الإصابة بالفيروس. بينما سجلت إيطاليا، التي يمثل كبار السن نسبة كبيرة من سكانها، واحدة من أعلى نسب حالات الوفاة في العالم.
ويرى العلماء أن أعداد حالات الوفاة الناتجة عن تداعيات الجائحة ستتجاوز على المدى الطويل أعداد حالات الوفاة جراء الإصابة بالفيروس.
وقد توقف الكثير من الجهود التي تبذل للكشف المبكر عن الأورام السرطانية، مثل اختبارات مسحة عنق الرحم أو فحوصات سرطان الثدي، للتركيز على إنقاذ حياة المرضى الذين يواجهون خطر الموت.
وتقول سارة هيوم، مديرة التشخيص المبكر بمركز أبحاث السرطان بالمملكة المتحدة، إن التشخيص المبكر للسرطان يلعب دورا كبيرا في علاجه والشفاء منه، لكن توقف فحوصات الكشف المبكر عن السرطان في المملكة المتحدة سيؤخر تشخيص وعلاج آلاف حالات السرطان التي كانت تكتشف شهريا.
وتشير البيانات إلى أن المرضى لا يذهبون للأطباء في الوقت الحالي، ربما لأنهم خائفون من مغادرة منازلهم، أو لأنهم لا يجدون طبيبا مختصا يشخص حالاتهم.
وتقول هيوم إن اسئناف العمل بعد انحسار الوباء سيكون بطيئا. وذكرت مجموعة من أطباء الأورام أن التأخر في تشخيص وعلاج حالات السرطان قد يودي بحياة 60,000 مريض سرطان في المملكة المتحدة وحدها.
وقد يلقي الركود الاقتصادي الناتج عن الجائحة بظلاله على أبحاث السرطان، إذ تعتمد المعاهد والمؤسسات الخيرية لبحوث السرطان على التبرعات. وقد تتعطل الجهود البحثية لسنوات عدة إثر توقف أنشطة جمع التبرعات.
ويقترح البعض حلولا عاجلة للتخفيف من تبعات غير المباشرة لجائحة كورونا، إذ تشدد هيوم على أهمية استئناف الفحوصات الدورية للكشف المبكر عن السرطان في أقرب وقت ممكن، لأن الأورام السرطانية كلما تأخر تشخيصها، أصبح علاجها أكثر تعقيدا وتكلفة على المريض وعلى نظام الرعاية الصحية.
وفي الوقت نفسه، اقترح أحد الخبراء الاقتصاديين ببرنامج الأغذية العالمي عدة حلول لتخفيف تداعيات الجائحة، منها دعم الحكومات لإنشاء شبكات أمان اجتماعي للسكان، وضمان استمرارية سلاسل الإمداد العالمية، وتفادي الحواجز التجارية.
وتقول هاورد إن سلاسل الإمداد قد تنهار، على سبيل المثال، في حال فرضت إجراءات الحجر الصحي على قائدي الشاحنات. ولهذا في جنوبي أفريقيا، يبذل البرنامج جهودا لإقناع الحكومات بإصدار خطابات لتيسير مرور سائقي الشاحنات عبر البلدان.
[ad_2]
Source link