فيروس كورونا: كيف نجحت تركيا في احتواء الوباء؟
[ad_1]
وصل “كوفيد – 19” إلى تركيا متأخراً، في 11 مارس/آذار، لكنه سرعان ما ترك بصمة في كل زاوية من زوايا البلاد. وخلال شهر واحد، ضرب الوباء 81 ولاية تركية.
واتسعت بؤرة الوباء في تركيا بسرعة نموّ كانت من بين الأسوأ في العالم – أسوأ من الصين وبريطانيا. وسادت خشية من ارتفاع حصيلة الوفيات بشكل جنوني، ما قد يحوّل تركيا إلى إيطاليا جديدة، إذ كانت إيطاليا في ذلك الوقت الأكثر تضرراً في أوروبا.
بعد ثلاثة أشهر من تسجيل الحالات الأولى، لم تشهد تركيا تدهوراً دراماتيكياً بعد، بالرغم من عدم فرضها الإغلاق التام.
حتى الآن، بلغت حصيلة الوفيات جراء كورونا، 4,397. لا يقنع الرقم بعض الأطباء هنا، إذ يعتقدون أنّ الرقم الحقيقي قد يكون الضعف، لأنّ تركيا لا تحصي إلا من تثبت الاختبارات إصابتهم بالفيروس. وفي كلتا الحالتين، وبالنظر لسجلات الوباء المروعة، فإنّ رقم الوفيات منخفض نسبة لعدد السكان الذي يبلغ 83 مليوناً.
إغلاق غير اعتيادي
يحذّر الخبراء من الاعتماد على استنتاجات متسرعة، ومقارنة الإحصاءات بينما لا تزال الدول تدفن موتاها. لكنّ الأستاذ المحاضر بعلم الفيروسات في جامعة كينت جيريمي روسمان، يرى أنّ “تركيا نجحت في تفادي كارثة أكبر بكثير”.
ويقول روسمان لـ”بي بي سي” إن “تركيا تنتمي لفئة الدول التي استجابت للأزمة بسرعة، من خلال الاختبارات، وتعقّب المصابين، وعزلهم، وفرض قيود على الحركة”. ويشير إلى أن “مجموعة صغيرة من الدول التي اتخذت إجراءات فعالة للغاية للحدّ من انتشار الفيروس”.
ومع اتساع رقعة تفشي الوباء، اقتطعت السلطات أجزاء أساسية من أنشطة الحياة اليومية، فمنعت زيارة المقاهي، والتسوّق في الأسواق المزدحمة، والصلاة الجماعية في المساجد.
وفُرض الحجر التام على الأشخاص دون العشرين، وفوق الخامسة والستين. كما نفذ حظر التجول في عطلة نهاية الأسبوع، وأغلقت المدن الكبرى.
وكانت إسطنبول مركز الوباء، ومع فرض الاغلاق فيها، فقدت المدينة إيقاعها، كقلب يفوّت إحدى دقّاته.
كيف تعقبت تركيا الفيروس؟
بدأت السلطات بفكّ القيود تدريجياً، لكن الطبيبة ملك نور أصلان تبقى في حالة تأهّب.
أصلان هي مديرة الصحة العامة في مديرية الفاتح، إحدى أكثر المناطق السكنية اكتظاظاً في إسطنبول العتيقة. وتقود الطبيبة المفوّهة إحدى فرق تعقّب التواصل مع المصابين في تركيا. وهناك 6 آلاف فريق مماثل على امتداد البلاد.
وتقول: “نشعر أننا في حرب. ينسى الناس العودة إلى بيوتهم. نقول ‘حسناً، لقد أتممتم دوام الساعات الثماني’، لكنه لا يأبهون بالذهاب إلى بيوتهم، لأنّهم يعرفون أنّ من واجبهم إنهاء العمل، كي لا يتفشّى الفيروس في مناطق أخرى”.
وتقول الطبيبة أصلان إنّها بدأت بتعقّب الفيروس منذ اليوم الأول (11 مارس)، متسلحة بخبرة عقود في تعقّب الحصبة.
“الخطط التي ننفذها اليوم كانت جاهزة، كل ما كان علينا القيام به هو وتنفيذها”.
ننضمّ إلى طبيبين شابين في شوارع الفاتح الضيقة، مجهزين بتطبيق خاص بالتعقّب. يتجهان إلى شقة في مجمع سكني، حيث يخضع رفيقتا سكن للحجر المنزلي، بعد تشخيص صديقتهما بالمرض.
وقفت الشابتان العشرينيتان في مدخل شفتهما، ترتديان كمامتين، وإحداهما محجبة. تخضعان لاختبار كوفيد – 19، وستحصلان على النتيجة خلال 24 ساعة. بدأت أعراض متوسطة الخطورة بالظهور عليهما. وتقول ناظلي دميرالب (29 عاماً)، إنها ممتنة للاستجابة السريعة.
وتضيف: “نتابع الأخبار الأجنبية، وحين سمعنا عن الفيروس للمرة الأولى، شعرنا بالخوف. لكن استجابة تركيا كانت أسرع مما توقعنا، أسرع من أوروبا والولايات المتحدة.”
جدل حول بروتوكول العلاج
باتت تركيا قادرة على مشاركة دروس في مجال الصحة العامة، بحسب رئيس منظمة الصحة العالمية في تركيا، الطبيب ارشاد شيخ.
ويقول لبي بي سي: “في البداية، كنا قلقين، كنا نرصد 3500 حالة إيجابية في اليوم الواحد. لكن اجراء الاختبارات أثمر، ولم يكن على الناس أن ينتظروا خمس أو ست أيام للحصول على النتيجة”. كما يحيل إلى فضل الحجر الصحي، والعزل، وتعقب حركة التواصل، لكنه يقول إنه من المبكر تقييم بروتوكول تركيا لعلاج المرضى.
ما يثير الجدل في البروتوكول التركي، أنّ من بين محطاته الثابتة، الدواء المضاد للملاريا، هيدروكسي كلوروكين. روّج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لهذا العقار بكثرة، ولكن رفض بشدّة في أحدث الأبحاث العالمية.
وعلقت منظمة الصحة العالمية التجارب على العقار مؤقتاً، في إطار اختبارها لعلاجات محتملة من الفيروس. جاء ذلك بعد نشر دراسة في مجلّة “ذا لانسيت”، تحيل إلى أنّ هيدروكسي كلوروكين يسبّب مشاكل قلبية لمرضى كوفيد-19، وقد يضرّ أكثر مما يفيد.
سُمح لنا بالدخول إلى مستشفى كان جزءاً من العلاج النموذجي لآلاف المرضى: مستشفى “الشهيد الدكتور إلهان وارانق” الحكومي، الذي أنشئ قبل عامين، ويعدّ من الأحدث في المجال. ويعد المستشفى جبهة مشرقة وواسعة في المعركة ضد الفيروس.
ويقول كبير الأطباء في المستشفى نورد الدين ييت إنّ السرّ في استخدام هيدروكسي كلوروكين، هو تقديمه للمريض في وقت مبكر. “البلدان الأخرى تستعمل هذا العقار في وقت متأخر جداً، خاصة الولايات المتحدة. في حالتنا، نستخدمه في البداية فقط. لا نشعر بالتردد تجاه هذا الدواء. نعتقد أنّه مفيد لأننا نرى النتيجة”.
ىفي جولة على أجزاء المستشفى، كنا نضيف أو ننزع إحدى طبقات الوقاية مع تقدمنا، يشرح لنا الطبيب مقاربة تركيا “في التقدّم خطوة على الفيروس”، من خلال العلاج المبكر. يلجأون إلى هيدروكسي كلوروكين وأدوية أخرى، إلى جانب البلازما، والأكسيجين بكثافة عالية.
يقول الطبيب ييت إنّه فخور بانخفاض معدّل الوفيات في المستشفى، إذ لم يزد عن 1 بالمئة، وبأسرة العناية الفائقة الفارغة. يحاولون الإبقاء على المرضى خارج العناية الفائقة، وبعيداً عن أجهزة التنفس.
نلتقي بحكيم صكوك (40 عاماً)، الذي غادر العناية الفائقة، ويستعد للعودة إلى المنزل، ويبدو مليئاً بالامتنان.
يقول لنا، وهو جالس في سريره: “الجميع اعتنى بي بطريقة ممتازة، كأنني كنت بين ذراعي أمّي”.
المعركة لم تنته بعد
تعاطي الحكومة التركية مع الوباء، لم ينل الرضا الكامل من نقابة الأطباء الأتراك. بالنسبة للنقابة، كان هناك عدة أخطاء في أنقرة، حيث كانت الاستجابة للجائحة “غير كافية”، خاصة مع ترك الحدود مفتوحة لوقت أطول.
وعلى الرغم من ذلك، فإنّ منظمة الصحة العالمية تدين لتركيا ببعض الفضل. يقول ممثلها في البلاد الطبيب إرشاد شيخ: “إنه وباء حديث جداً، وكنا نتوقع أن يمرض أناس كثر. شيءٌ ما يسير على ما يرام”.
تمتلك تركيا بعض المميزات في حربها ضد كوفيد-19، من بينها انخفاض متوسط الأعمار بين مواطنيها، وعدد كبير من أسرة العناية الفائقة. ورغم ذلك، يستمرّ تسجيل حالات جديدة، بمعدّل ألف حالة في اليوم.
وفيما ينظر إلى تركيا كقصة نجاح في الحرب ضد الوباء، لا يزال الأمر يتطلّب الكثير من الحذر، فالقصة لم تصل إلى نهايتها بعد.
[ad_2]
Source link