أخبار عربية

فيروس كورونا: ماذا نتعلم من الجزيرة التي تطبق إغلاقا جزئيا حتى قبل تفشي الوباء؟

[ad_1]

نيابي، عيد رأس السنة في بالي

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

نيابي، عيد رأس السنة في بالي

كان الوقت بعد ظهر الخامس والعشرين من مارس/آذار والمكان هو بالي، حيث استطعت لأول مرة منذ أمد طويل أن استمع لصوت أفكاري! لم يكن هناك ضجيج دراجات بخارية ولا أصوات باعة الطعام في الشوارع، ولا حتى صوت طائرة تحلق بين حين وآخر.

في غياب تلك الأصوات كنت أجلس بهدوء خارج الدار للاستمتاع بأجواء “يوم السكون” المعروف محليا باسم يوم “نيابي”، والذي يتزامن مع أول أيام العام في جزيرة بالي الإندونيسية وفيه يلزم الناس منازلهم طيلة 24 ساعة للتأمل في العام الذي مضى والاستعداد للعام الجديد.

ويأتي هدوء اليوم الأول من العام الجديد بعد عاصفة الاحتفالات التي تسبقه حين تعج بالي بالصخب وبالألوان. فعلى مدى شهور يحرص السكان المحليون على صنع تماثيل ضخمة تسمى “الأوغوه أوغوه” في مناطقهم، وهي مصنوعة من الخيزران والورق المقوى بالنشاء على شكل وحوش مخيفة. وحين يأتي الاحتفال يجول الناس بها الشوارع في مسيرات درامية صاخبة.

وتعزف فرق الموسيقى التقليدية الإندونيسية ويمسح الناس قواعد الأضرحة والأبنية بأوراق جوز الهند المجففة المشتعلة، تصاحبهم جلبة أبواق الخيزران وقرع الأواني والصياح لطرد الأرواح الشريرة. ومع الوقت تحولت تلك الطقوس إلى مسيرات عامة عشية العام الجديد ترافقها مشاعل الخيزران لإبعاد الأرواح عن الحي بأسره.

مصدر الصورة
kata716/Getty Images

Image caption

خلال “يوم السكون” ببالي يلحظ المرء أشياء مثل أزيز حشرة اليعسوب

ويختلف توقيت العام الجديد في بالي من عام لآخر اعتمادا على تقويم “ساكا” القمري. وقد أسس الملك الهندي كانيشكا أسرة ساكا عام 78 ميلادية، ويقال إن التقويم وصل جاوه مع الدعاة الهندوس ومنها وصل إلى بالي، التي تعد اليوم آخر جزيرة مازالت غالبيتها من الهندوس في إندونيسيا، حيث يدين 90 في المئة من السكان بالإسلام.

فيروس كورونا: كيف أسهم الوباء في عودة هواية البستنة؟

تبدأ الاحتفالات قبل ثلاثة أيام من يوم “نيابي” وتشهد خروج التماثيل المقدسة المعروفة باسم “ميلاستي” من المعابد باتجاه أقرب بحر أو بحيرة أو نهر أو نبع، حيث يتم تطهيرها من أي شوائب مادية أو روحية ويقدم لها الناس قرابين ثم يتعبدون لآلهتهم التي تطهرت.

وبعد يومين، وبالتحديد في ظهيرة اليوم السابق ليوم “نيابي”، تُقدم القرابين المعروفة بـ”التاور أغونغ” من الحيوانات واللحم النيء والبيض وشراب الكحول استرضاء للأرواح الشريرة، ويقترن ذلك بالموسيقى الصاخبة والصياح بهدف اجتذاب الأرواح ثم صرفها بعد استرضائها.

يقول غاريت كام، الذي يعيش في جنوب شرق آسيا منذ أكثر من 30 عاما وهو الوحيد من غير سكان بالي ممن يساعدون بطقوس معبد بورا ساموان تيغا الواقع في بيدولو جيانيار حيث يعيش: “تعود طقوس طرد البوتاكالا (الشياطين) لزمن بعيد. وقبل كل طقس من الطقوس في معابد بالي يتم تقديم الكارو (الذبائح) لاسترضاء الشياطين إشباعا لرغباتها الشريرة لتتحول إلى آلهة خير”.

ويضيف: “في ظهيرة يوم نيابي، تقدم قرابين تاور أغونغ الاسترضائية على نطاق واسع بعموم القرى والبلدات والمدن والأحياء اتقاء للشياطين التي تجمعت على مدار العام. كما تقام المراسم كل عشر سنوات وكل مئة عام بأبرز معابد الجزيرة لاسترضاء وصرف الشياطين المتراكمة خلال عقد أو قرن”.

مصدر الصورة
Bicho_raro/Getty Images

Image caption

يقدم الناس في بالي قرابين للآلهة ويتعبدون لها بعد تطهيرها في الماء

لكن خلال العام الحالي، جرى تقييد الاحتفالات، وهو ما ذكر كام بأول مراسم حضرها في بالي خلال الثمانينيات من القرن الماضي.

يقول كام: “اقتصر عرض التماثيل على المناطق التي صنعت بها وجرى وقف المسيرات. احتجت مجموعات من الشباب على ذلك لإنفاقهم آلاف الدولارات على التماثيل وقضاء أسابيع عديدة في تحضيرها، لكن أغلب الناس تفهموا ضرورة الحظر”.

لكن شيئا واحدا لم يتغير، فبينما يجد الكثيرون حول العالم صعوبة في التأقلم مع الإغلاق المفروض نتيجة تفشي فيروس كورونا، فقد اعتاد سكان بالي على ذلك، فالجزيرة تتوقف تماما كل عام خلال “يوم السكون”.

ويحظر على الناس الخروج من منازلهم، حيث يفترض أن يمضوا اليوم دون إيقاد نار أو ضوء. وتغلق المحال والأعمال أبوابها، حتى المطار يتوقف لأربع وعشرين ساعة. ويصوم بعض سكان بالي ويغلقون هواتفهم ولا يتحدثون إلا بهمسات قليلة. ويقول كام إنه حتى نباح الكلاب وصياح الديكة يخفت في ذلك اليوم. كما تجوب دوريات للشرطة الشوارع والشواطئ لمراعاة التقيد بالقواعد.

والسبب في ذلك أنه حسب معتقدات بالي لو عاد شيطان للجزيرة بعد طرده يظنها مهجورة فيتركها هذا العام، كما يستغل الناس الوقت كفرصة للتأمل في العام المنصرم والتخطيط للمستقبل.

مصدر الصورة
South_agency/Getty Images

Image caption

يعتبر يوم “نيابي” أو يوم “السكون” يوما للتأمل

تقول سري دروياتي، وهي هندوسية من بالي تعمل بمجلس إدارة مدرسة غرين سكول بالي: “يتيح السكون خلال هذا اليوم أفضل فرصة للتأمل. على مدار أكثر من 40 عاما احتفلت واستمتعت بيوم السكون، وكلما تقدم بي العمر أدركت أكثر مغزى هذا الطقس”.

وتعتقد دروياتي أن قضاء بعض الوقت بالبيت مع الأسرة، ولو ليوم واحد، مبعث للسعادة؛ وأن تخصيص أوان للتأمل يجعل المرء يعمل بشكل أفضل لاحقا.

وبالنسبة لكام تتبدى أهمية هذا التقليد أكثر الآن لانشغال الناس في بالي بإيقاع الحياة السريع وعدم قضاء وقت كاف مع أسرهم، ويقول: “يتيح ذلك يوما كاملا لإعادة التواصل مع الأسرة دون الانشغال بالتلفاز أو الإنترنت”.

ومع فرض قواعد التباعد الاجتماعي في بالي، جرى تمديد يوم السكون يوما آخر وزادت الفائدة، ويقول كام عن ذلك: “وجد الآباء فرصة لتعليم أولادهم الموسيقى والفنون التقليدية، وبدأ جاري يعلم نفسه العزف على آلة الأوكوليلي دون مساعدة، كما أخذت الأمهات تعلم بناتهن مهارات المنزل وكيفية المساعدة بأكشاك البيع بالشارع. هكذا تتواصل التقاليد التي لا تعلمها المدارس، ويزداد الاحترام للكبار وللدور الأكبر المنوط بهم اليوم”.

كما ظهرت فائدة يوم “نيابي”للبيئة، حتى ولو لم يستمر سكونه أكثر من 24 ساعة، فبحسب دراسة أجرتها الهيئة الإندونيسية للأحوال الجوية والطقس والجيوفيزياء في عام 2015، انخفض تركيز الجزيئات العالقة في الهواء في المناطق الحضرية بما يتراوح بين 73 و78 في المئة خلال يوم السكون. كما أظهر بحث للجنة الحكومية للتغير المناخي انخفاضا بنسبة 33 في المئة لانبعاثات الغازات الدفيئة تزامنا مع ذلك اليوم.

وتقول دروياتي إن كل هذا قد حدث من يوم واحد بجزيرة واحدة، “فما بالك لو بدأنا مبادرة على صعيد البلاد بأسرها. شيء كهذا سيعطينا فرصة للاسترخاء والتنفس، ناهيك عن إراحة البيئة من الكربون”.

ونظرا لأن نصف سكان العالم يخضعون لإجراءات الإغلاق بسبب كورونا، فلا يوجد وقت أفضل من الوقت الحالي لنتعلم فيه من الثقافة التي أتاحت وقتا للسكون ولو ليوم واحد.

تقول دروياتي: “قبل فيروس كورونا كان مطار بالي هو المطار الوحيد في العالم الذي يتوقف لمدة 24 ساعة خلال العام الجديد، وهي تضحية كبيرة لجزيرة تعتمد بشدة على السياحة، لكنها تظهر احتراما كبيرا للتقليد والسكون المتأصل بثقافتها. بوسع الغرب أن يتعلم احترام الأشياء البسيطة، مثل التواصل مع الطبيعة والأسرة ومع أنفسنا، والهدوء والتوقف والنظر لأعلى لرؤية النجوم”.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Travel

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى