فيروس كورونا: كيف تتخلص من “السموم الرقمية” خلال أزمة الوباء؟
[ad_1]
بقلم:
ماري هولاند
في ظل سريان قواعد التباعد الاجتماعي، بسبب أزمة التفشي الوبائي لفيروس كورونا المستجد، ومع الأثر السلبي الذي تُخلّفه ساعات العزلة الطويلة على عقولنا، أصبحت هواتفنا المحمولة ملاذا لا يقدر بثمن بالنسبة لنا.
لذا من غير المفاجئ أن تتضاعف مشاهدات خاصية البث الحي على تطبيق “إنستغرام” في غضون أسبوع لا أكثر، وأن يسجل القائمون على موقع “فيسبوك” زيادة بنسبة 70 في المئة في المكالمات المرئية الجماعية عبر تطبيق “ماسنجر”، وأن يقفز معدل استخدام “واتس آب” بنسبة 40 في المئة.
وتقول الطبيبة النفسية دورين دوجين-ماغي، المقيمة في ولاية أوريغون الأمريكية، التي ألفت من قبل كتابا عن سبل تحقيق التوازن بين الحياة والتكنولوجيا، إن استخدامنا للهاتف المحمول يشكل “آلية شائعة للتعامل مع المجهول” الذي نواجهه حاليا. وتضيف بالقول إننا “نواصل استخدام أجهزتنا الرقمية بما يردنا عبرها من أخبار، آملين في أن يساعد ذلك على تخفيف ما يساورنا من قلق”.
قبل الاسترسال في هذا الحديث، يجدر بي العودة إلى ما قبل اجتياح أزمة وباء كورونا لمدينة نيويورك، التي أعيش فيها، بأسابيع قليلة. ففي ذلك الوقت قررت حذف تطبيق إنستغرام من هاتفي، فقد كان السأم قد بلغ مني مبلغه، من تصفحي لحسابات مستخدمي هذا التطبيق، وأنا أقف شاردة الذهن في صف الراغبين في الدفع في متجر للبقالة، أو منتظرة لقطار الأنفاق. وبعد أسبوع من اتخاذي هذه الخطوة، أدركت أنني لم أعد أمسك بهاتفي المحمول بالوتيرة السابقة نفسها، وهو ما منحني شعورا غريبا من نوعه بالحرية.
بعد ذلك، فُرِضَت إجراءات الإغلاق. وشعرت بأنني معزولة تماما عن العالم، وأحسست بحاجة ماسة لرؤية كيف يتعامل الآخرون مع الوضع الناجم عن تفشي الوباء. لذا قررت إعادة تطبيق إنستغرام مرة أخرى. هذه المرة لم يبد ذلك التطبيق أداة لإهدار الوقت بالقدر نفسه الذي كان يبدو عليه من قبل، بل صار له أغراض مفيدة بشكل أكبر. بل وبدا الأمر كما لو أن الانشغال بالهاتف أصبح مقبولا، في ضوء كوني صرت عاجزة عن التواصل مع الآخرين بشكل فعلي.
في ذلك الوقت، أردت أن اتواصل مع أصدقائي في مختلف أنحاء العالم، للتعرف على الكيفية التي يتعاملون بها مع مسألة الحجر الصحي. وسعيت للحصول على نصائح من طهاة مشاهير حول سبل الانتفاع ببواقي الطعام، كما رغبت في التزود بمعلومات عن العلامات التجارية التي تُنتج كمامات للوجه وتتبرع بها أيضا.
لكن في اللحظة التي شعرت فيها أخيرا بأن تجوالي في جنبات “إنستغرام” يعود عليّ بفوائد فعلية، اكتشفت بغتة أن ذلك ليس صحيحا على إطلاقه. ففي الأسبوع الثاني من فترة الإغلاق، وجدت أنني كلما أمسكت بهاتفي للاستفادة مما يُنشر على إنستغرام، ينهال عليّ وابل لا ينتهي من إشعارات الأخبار التي تثير القلق في النفس.
لست وحدي على هذا المضمار، فكثيرون منّا يشعرون بالقلق جراء قضائنا وقتا أطول من اللازم أمام شاشات هواتفنا، خاصة بعدما أصبحنا أكثر ارتباطا بها على نحو متزايد، نظرا لانقطاعنا عن العالم وبفعل شعورنا بالضجر، وأيضا لأن استخدامها أصبح الآن ضرورة للتعامل مع الأزمة الحالية.
وترى الطبيبة دوجين-ماغي أن ذلك يمثل مشكلة، لأن مشاعر القلق التي تراودنا نتيجة استخدامنا المستمر للهواتف والأجهزة الإلكترونية الحديثة “تبطل أي تأثيرات إيجابية”، تتمثل في أن هذه الأجهزة تُبقينا على إطلاع بالتطورات الجارية حولنا.
لكن الابتعاد عن أجهزة مثل هذه ليس بسهولة إيقاف تشغيلها. فعندما تصبح كل شؤوننا مرتبطة بهواتفنا المحمولة كما هو الحال الآن، وتتمحور أيامنا حول شاشاتها كما لم يحدث من قبل؛ يراودنا سؤال حول كيف يمكننا في ظل هذه الأجواء تقليص مشاعر القلق التي تصيبنا بسبب استخدام الأجهزة الرقمية.
رسم حدود واضحة
ورغم إدراكنا جميعا أننا نستخدم هواتفنا الذكية الآن لوقت أطول مما نود أن نفعل، فمن الصعب أن نضع حدودا لهذا الأمر، في وقت أصبحت شاشات أجهزتنا الرقمية وسيلة اتصالنا بالآخرين من جهة، والأسلوب الذي نُبقي من خلاله على روحنا المعنوية مرتفعة من جهة أخرى.
ولعله يجدر بنا هنا الاستعانة برأي تانيا غودين، مؤسسة حركة “تايم تو لوغ أوف”، التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها، وتستهدف “التخلص من السموم الرقمية” أو بعبارة أخرى تقليل الارتباط المفرط بالأجهزة الإلكترونية. إذ تقول إن “الكل يشعر بالقلق إزاء فترة استخدامنا للهواتف المحمولة في الوقت الحاضر. ففي يوم الأحد من كل أسبوع (عندما يطالع كل شخص على شاشة هاتفه التقرير الذي تعده آبل بشأن فترة استخدامه الأسبوعية لهاتفه من طراز آيفون)، أرى عددا هائلا من التغريدات والتعليقات، التي يعرب من خلالها أشخاص على منصات التواصل الاجتماعي عن مدى شعورهم بالفزع بفعل اكتشافهم أنهم يستخدمون الهاتف بمعدل 12 ساعة يوميا”.
وتضيف غودوين بالقول: “من الواضح أن الوضع الراهن مختلف للغاية. لكنني لا زلت أرى أن الكثير من المبادئ (التي كانت تنطبق على فترة ما قبل الوباء في هذا الشأن) ما زالت قابلة للتطبيق” حاليا.
ومن بين ما تقترحه غودوين لتقليص القلق الناجم عن استخدامنا للأجهزة الرقمية، وضع حدود صارمة بين استخدامها لأغراض مفيدة، وبين الاستعانة بها على نحو يعود بتأثيرات سلبية. ومن هذا المنطلق، لا ضير في تخصيص وقت لتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، طالما كان ذلك لما يفيد، من قبيل مشاهدة مقاطع مصورة لتمارين رياضية، أو متابعة دروس في خبز المعجنات مثلا، أو التجوال عن بعد في أروقة المتاحف.
أما إذا كنا نتصفح هذه المنصات، لمجرد شعورنا بالضجر أو القلق، فإن ذلك لن يعود علينا بأي فوائد، كما تقول غودوين. الأمر المحير هو أن الإمساك بالهاتف لمطالعة أحدث الأخبار يتمخض عن تأثيرات مختلطة، كما تقول مؤسسة حركة “تايم تو لوغ أوف” التي تشير إلى أن “الناس يقولون عادة إنهم يريدون بث الطمأنينة في نفوسهم (بهذه الطريقة)، لكن ذلك أصبح يمثل مشكلة حقيقية، ويفاقم مشاعر القلق أيضا”.
لكن بالرغم من محاولاتنا الحثيثة لتقليص مشاعر القلق الناجمة عن استخدام الأجهزة الرقمية، عبر وضع حدود لهذا الأمر واكتساب عادات جديدة على صعيد نمط الحياة، فلا بد من الإقرار بأن تعزيز الممارسات الصحية في هذا المضمار أصبح الآن أكثر صعوبة من ذي قبل، بعدما امتزجت الحياة الشخصية والعملية لكل منّا معا على نحو مفاجئ، لتصبحا أشبه بقالب واحدة.
وتنصح غودوين بأن يبلور الناس لأنفسهم نظامين للتعامل مع الأجهزة الإلكترونية، أحدهما لفترة الصباح والآخر لما بعد الظهر. وتقول إن مما يساعد على التفرقة بين وقت العمل ووقت التسلية والمرح، أن يخصص المرء لكل منهما أجهزة إلكترونية مختلفة عن الأخرى. كأن “يجعل الكمبيوتر المحمول مخصصا لأغراض العمل، ويكرس الهاتف الذكي للتسلية. ما يعني أنك ستضطر إلى أن تضع أحدهما جانبا، عند استخدامك للآخر”.
البحث عن الكيف لا الكم
وتقترح دوجين-ماغي أن نبحث، ونحن نتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، عن محتوى هادف وجذاب بدلا من الإفراط في استهلاك أي مضامين متاحة عليها. ولحسن الحظ، أصبح المحتوى المفيد متوافرا على هذه المواقع، في غمار الوباء الحالي، أكثر من أي وقت مضى.
فهناك كثيرون يقدمون محتوى ذا جودة عالية في الوقت الراهن، من بينهم الطاهية أليسون رومان، التي تؤلف كذلك كتبا في مجال الطهي. وتقدم رومان وصفات طهي ومقاطع مصورة مفيدة في هذا الشأن، على مواقع التواصل الاجتماعي. ويبلغ عدد متابعيها على إنستغرام أكثر من نصف مليون متابع، بينما وصل عددهم على تويتر إلى 400 ألف.
ولعدة شهور، قدمت رومان نصائح مفيدة في ما يتعلق بوصفات الطهي، من خلال قناة اليوتيوب الخاصة بصحيفة نيويورك تايمز. لكنها لجأت في الآونة الأخيرة إلى إنستغرام، لتقديم الإرشادات الخاصة بالبدائل التي يمكنك الاستعانة بها إذا لم تكن لديك – بسبب إجراءات الحجر الصحي – المكونات الأصلية المطلوبة لتحضير وجبتك المفضلة.
ورغم أن رومان ترصد تفاعلا متزايدا في الوقت الحالي مع حساباتها المختلفة على منصات التواصل الاجتماعي، فلا تزال غير واثقة ما إذا كان ذلك يعود لتنامي شعبيتها بين المتصفحين، أم إلى اهتمام مفاجئ يبديه الناس بالطهي في خضم أزمة الوباء.
وتقول: “هناك عدد أكبر من الناس صاروا يمارسون الطهي، ويطرحون أسئلة بشأنه”. وقد دعت الطاهية الشهيرة متابعيها على إنستغرام وتويتر إلى أن يسألوها عن كل ما يحلو لهم مهما كان.
لا تبقَ متصلا بالإنترنت
من جهة أخرى، باتت المكالمات المرئية، التي تُجرى عبر تطبيق مثل زووم، تبدو الآن كما لو صارت تحكم حياتنا بأكملها، وذلك في ضوء تنوع الأغراض التي تُستخدم فيها، من عقد اجتماعات عمل، إلى ممارسة تمارين رياضية وإقامة تجمعات تضم أصدقاء عن بعد، وصولا حتى إلى إقامة مآدب عشاء عبر الإنترنت.
لكن برغم ذلك، هناك إرهاق وإنهاك حقيقيان ينجمان عن الانهماك في إجراء اتصالات من هذا النوع. ولكي يتسنى للمرء تخفيف التأثيرات السلبية لمشاعر القلق التي تراوده بسبب استخدام الأجهزة الرقمية، من المهم ألا ينسى أن هناك أساليب أخرى، تُمَكِنّه من التواصل مع الآخرين.
وهنا تقول تانيا غودين: “عليك أن تفكر في بعض البدائل. المكالمات الصوتية، مثلا، فهي لا تزال متاحة. فالمحادثة الهاتفية بين شخصيْن تشكل تجربة أكثر ثراء بكثير، من محادثة تصيح فيها في وجوه 10 أشخاص بشكل متزامن (على تطبيق زووم)”. وتضيف: “بوسعنا القيام بأمور كثيرة، دون الاضطرار لاستخدام أجهزة رقمية”.
إذ أن بمقدورنا التحرر من أسر الهاتف المحمول، عبر الاشتراك في مجلة مطبوعة مثلا، أو الانهماك في حل أحجية من الأحاجي التقليدية، التي لا تحتاج لاستخدام أجهزة رقمية. ثمة خيار ثالث يتمثل في قراءة الكتب. وتشير غودوين في هذا الصدد، إلى أنها رأت “الكثيرين ممن يتحدثون عن حدوث طفرة في مبيعات الكتب، التي يمكن أن يفر قراؤها بفضلها من واقعهم، تلك الكتب التي لا تتناول أوبئة بأي شكل من الأشكال، بل تتضمن قصصا ممتعة، يمكن أن يستغرق المرء فيها بشدة” إلى حد يجعله ينسى الظروف المحيطة به.
ويمكن أن ترصد حاليا في بعض المكتبات التأثير الإيجابي الناجم عن تخصيص الناس مزيدا من الوقت للقراءة. من بينها “بوكس آر ماجيك” في حي بروكلين بنيويورك، والتي زادت مبيعاتها بشكل كبير خلال الأسابيع القليلة الماضية. وتقول كولين كاليري، المسؤولة عن التسويق والاتصال في المكتبة، إن: “أرقام مبيعاتنا تقارب ما نراه خلال فترات العطلات، وهي الأوقات التي تُسجل فيها المبيعات الأعلى سنويا لنا”. وتشير كاليري إلى أن ذلك يعود لتزايد عدد الكتب التي يقرأها الناس من جهة، وإلى أن شركات للتجارة الإلكترونية والبيع بالتجزئة، مثل أمازون، جعلت شحن الكتب المباعة عن طريقها في ذيل أولوياتها في الوقت الحاضر، من جهة أخرى.
من جهتي، قررت في عطلة نهاية الأسبوع الماضي أن اقتطع ساعتين من يومي للاستلقاء على أريكة وإنهاء مطالعة إحدى الروايات. فأغلقت هاتفي، وسمحت لنفسي بأن تنقلني الرواية بأحداثها إلى عالم خيالي لا وباء فيه، على الرغم من صفارات سيارات الإسعاف التي ظلت تدوي بالقرب من منزلي. في تلك الليلة، وقبل أن أرسل بضع رسائل نصية، أوقفت إمكانية الوصول إلى كل التطبيقات الموجودة على هاتفي لمدة 12 ساعة، ثم أغلقت الهاتف نفسه، وألقيته في غرفة أخرى.
وقتذاك شعرت بإحساس الحرية نفسه الذي راودني عندما حذفت تطبيق إنستغرام قبل بضعة أسابيع. كما أدركت، على نحو مفاجئ، أنه بالرغم من أنني لا استطيع الإمساك بزمام الأمور كثيرا في الوقت الراهن في ظل تفشي الوباء، فإن بمقدوري، على الأقل، أن أوقف تشغيل هاتفي وأن ابتعد عن شاشته.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Worklife
[ad_2]
Source link