الزهايمر: كيف تساعد مشاهدة التلفاز في علاج المرض؟
[ad_1]
تجلس لي هواي تساي، عالمة الأعصاب بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، لبعض الوقت أمام شاشة تلفاز تومض بالتزامن مع صوت نقر متكرر، يشبه صوت الصنوج الخشبية لراقصة فلامنكو متحمسة.
لكن هذه الجلسة التأملية ليست للاسترخاء، لكن تساي تستخدم الضوء المرتعش وصوت النقر المنتظم لكي تتحكم في نوع معين من النشاط الكهربائي للدماغ يسمى “موجات غاما”.
إذ عثرت تساي على أدلة تؤيد أن الجمع بين صوت النقر والضوء الوماض قد يساعد على الوقاية من مرض الزهايمر.
وتعرض أبحاثها طريقة جديدة تماما لعلاج أكثر أنواع الخرف شيوعا. إذ تشير الإحصاءات إلى أن عدد المصابين بالخرف حول العالم يناهز 50 مليون شخص. ومن المتوقع أن يزيد هذا الرقم ثلاثة أضعاف بحلول 2050.
وقد لاحظ العلماء تغيرات عديدة تطرأ على الجهاز العصبي ترتبط بمرض الزهايمر، أبرزها تراكم كتل من البروتينيات السامة تسمى لويحات الأميلويد خارج الخلايا، وعُقد ليفية من بروتين تاو بين الخلايا العصبية.
ويبدو أن هذه الكتل والعُقد السامة تلحق ضررا بالغا بالخلايا والتشابكات العصبية، التي تساعد على التواصل بين الخلايا العصبية. ولهذا ركزت معظم الأبحاث عن مرض الزهايمر في العقود الثلاثة الأخيرة على إيجاد عقاقير لإزالة هذه اللويحات.
لكن فيضا من الدراسات الجديدة يشير إلى أن علاج مرض الزهايمر قد يكون كهربائيا أكثر منه كيميائيا، وتركز جميع هذه الدراسات على ذبذبات غاما، التي تحفز نوعا من عملية تنظيف في الدماغ من خلال إزالة التراكمات السامة قبل أن تضر بالدماغ.
العلاج بتحفيز موجات الدماغ
يشير مصطلح موجات الدماغ، في العلوم العصبية، إلى النمط الإيقاعي لأي نشاط كهربائي تنتجه مجموعات الخلايا العصبية في الدماغ عندما تطلق إشاراتها معا عند ترددات معينة.
وتطلق الخلايا العصبية هذه التيارات الكهربائية عندما تتدفق ذرات ذات شحنة موجبة عبر الغشاء الخلوي. ولوحظ أن ترددات هذه الموجات المختلفة ترتبط بوظائف عصبية معينة. إذ ترتبط موجات غاما، التي يتراوح ترددها بين 30 و100 هيرتز، بالتركيز أو تشفير المعلومات واسترجاع الذكريات.
وخلصت دراسة في مطلع الألفية الجديدة، إلى أن موجات غاما لدى مرضى الزهايمر أضعف منها لدى الأصحاء غير المصابين بتدهور معرفي، وهذا يدل على أن هذا الخلل في إيقاع موجات الدماغ له علاقة ما بمرض الزهايمر. غير أنه لم يكن واضحا ما إن كان ضعف موجات غاما سببا أم نتيجة للتنكس العصبي.
وأجرت تساي وفريقها دراسات تكميلية حول العلاقة بين مرض الزهايمر وبين ضعف موجات غاما. واستعان الفريق البحثي بتفنيات علم البصريات الوراثية عن طريق تعديل الخلايا العصبية للفئران وراثيا لتستجيب لبعض الألوان من الضوء. واستطاع الفريق تحفيز أدمغة الفئران لإنتاج موجات غاما بدقة متناهية من خلال إدخال مصدر ضوء صغير في الجمجمة.
الخلايا التي تحمي الدماغ
ولاحظ الفريق نتائج مدهشة، إذ لم تتراجع لويحات الأميلويد التي ترتبط بمرض ألزهايمر فحسب، بل أيضا تعطلت الآليات التي تؤدي إلى تراكم هذه اللويحات في الدماغ.
واهتم الباحثون أيضا بتأثير أشعة غاما على الخلايا الدبقية الصغيرة، وهي نوع من الخلايا تبدو كما لو كانت كائنات بحرية صغيرة ذات مجسات، وتعمل هذه الخلايا على حماية الدماغ. وتقول تساي إن الخلايا الدبقية هي نوع من الخلايا المناعية التي تراقب البيئة وتتخلص من مسببات الأمراض والفضلات السامة والأجسام الدخيلة في الدماغ.
وأثبتت دراسات سابقة أن الخلايا الدبقية لا تؤدي وظائفها لدى المصابين بالزهايمر. لكن اللافت أن أشعة غاما ساهمت في تنشيط هذه الخلايا مجددا، وهذا أدى إلى تراجع مستويات لويحات الأيملويد وبروتين تاو. ولاحظ الباحثون أن تحفيز ذبذبات غاما لمدة ساعة واحدة كان كفيلا بتنشيط الخلايا الدبقية، وبالتالي خفض مستويات لويحات الأميلويد بشكل ملحوظ.
ويمثل ربط موجات غاما بنشاط الخلايا الدبقية قفزة هائلة في فهم مرض الزهايمر، وتقول تساي إن التغيرات التي لاحظتها في نشاط الخلايا الدبقية حفزها على مواصلة أبحاثها.
وبحثت تساي عن طرق بديلة لتحفيز ذبذبات غاما لدى البشر، غير تقنيات علم البصريات الوراثي التي تتطلب جراحة وتعديلا وراثيا.
وفي إحدى التجارب، عرّض الفريق الفئران لضوء يومض عند تردد 40 هيرتز لمدة ساعة يوميا، وفي تجارب أخرى عرضوا الفئران لأصوات نقر متسارعة عند نفس التردد.
وتكمن الفكرة في تحفيز الخلايا العصبية في الأجهزة السمعية والبصرية لإطلاق إشارات كهربائية بالتزامن مع ترددات الومضات والنبضات لتنشيط موجات معينة تنتشر عبر الدماغ.
ولاحظ الفريق بالفعل أن الزيادة في نشاط موجات غاما استجابة للمثيرات الحسية ترافقت مع زيادة في نشاط الخلايا الدبقية وانخفاض في مستوي لويحات أميلويد السامة.
والأهم من ذلك أن الفريق لاحظ تغيرات في سلوكيات الفئران التي خضعت لهذه الجلسات. إذ تعلمت الفئران التي تلقت هذا التحفيز السمعي والبصري طريقها بسهولة عبر المتاهة، في حين أن الفئران التي لم تخضع له ضعفت ذاكرتها بعدما تقدم بها العمر.
ترددات مفيدة
وتجري الآن تساي تجارب لاستكشاف الآثار طويلة الأمد لتحفيز الدماغ لإنتاج موجات غاما، لكن بعض الأدلة تشير إلى أن تحفيز الجهاز الحسي الجسدي يؤدي إلى تحسين القدرات المعرفية.
إذ أجرت آمي كليمنتس كورتس، من جامعة تورنتو، دراسة عرّضت خلالها مرضى الزهايمر لأصوات منخفضة عند حزمة ترددات أشعة غاما. وتقول كورتس إن المرضى شعروا باهتزازات طفيفة تسري في أنحاء جسدهم.
وبعد ست جلسات، استغرقت كل منها 30 دقيقة، لاحظت كورتس تحسنا كبيرا في القدرات المعرفية للمرضى في اختبار يقيس كفاءة الذاكرة قصيرة المدى والقدرة على حل المسائل الرياضية الذهنية.
وتقول كورتس إن إحدى المريضات استخدمت نفس الطريقة في منزلها لمدة ثلاث سنوات بعد أن كانت تعاني من العلامات الأولى للخرف، وعندما زارها الفريق لاحظوا أن هذه الجلسات حافظت على قدراتها المعرفية على مدى السنوات الثلاث.
وتصف كورتس النتائج الأوليه بأنها مبشرة. وتقول إن المريض قد يتلقى هذا النوع من العلاج أثناء مشاهدة التلفاز أو الاستماع للراديو.
ويشير مارتن أوهالوران، من الجامعة الأيرلندية الوطنية في غالواي، إلى أن تشخيص مرض الزهايمر قد يستغرق وقتا طويلا، ومن ثم قد تتدهور القدرات المعرفية للمريض ويتأخر العلاج. ولهذا يرى أن الضوء الوامض والصوت المتكرر هو أفضل علاج للمرضي في المراحل المبكرة لأنه آمن ولا يتضمن تدخلا جراحيا، مع أنه قد لا يصلح لمرضى الصرع، لأن هذا التحفيز للجهاز العصبي قد يؤدي إلى نوبات تشنجية.
ويقول باري ماكديرموت، الباحث من الجامعة الأيرلندية الوطنية، إن هذا العلاج بسيط ومباشر لمن يعانون من صعوبات معرفية وقد يصبح متاحا عبر تطبيقات على الهواتف المحمولة.
إلا أن أوهالوران وماكديرموت يؤكدان على أهمية إجراء المزيد من الأبحاث للتعرف على التردد المثالي لموجات غاما ومدة العلاج وفوائده على المدى الطويل، وما إن كان الإفراط في تطبيقه يؤدي إلى آثار جانبية.
وبينما ترى تساي أن العلاج بتحفيز موجات غاما قد لا يسهم في تحسين القدرات المعرفية لدى الأشخاص الأصحاء، إلا أنها تأمل أن يصبح إجراء وقائيا للحفاظ على وظائف الدماغ بعد منتصف العمر، للحيلولة دون ظهور أعراض تدهور القدرات المعرفية.
وإذا أثبتت الأبحاث فعالية هذه الجلسات العلاجية، فربما نبدأ جميعا يومنا بهذه الجلسات من الأصوات المنتظمة والأضواء الوامضة للحفاظ على قدراتنا المعرفية مستقبلا.
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future
[ad_2]
Source link