فيروس كورونا: هل يمثل قرض صندوق النقد لمصر ضرورة لمواجهة الوباء أم عبئا جديدا؟
[ad_1]
في الخامس من مايو/ أيار الجاري، توقع وزير المالية المصري محمد معيط ارتفاع حجم الدين العام لبلاده بنهاية العام المالي الجاري، نتيجة للتداعيات السلبية لتفشي فيروس كورونا.
وهو ما حدث بالفعل بعد أن تسلمت مصر في 12 من الشهر نفسه قرضا، من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.77 مليار دولار، وهو ما يعادل نحو 100 في المئة من حصتها وفقا لأداة التمويل السريع، والتي تستهدف التعامل مع الصدمة الناتجة عن فيروس كورونا المستجد.
وتحدثت وسائل إعلام محلية مصرية عن قروض جديدة متوقعة، يجري التباحث بشأنها حاليا بين الحكومة المصرية ومؤسسات دولية، من بينها صندوق النقد الدولي، وقد تصل قيمتها إلى 9 مليارات دولار.
وكانت مصر قد بدأت برنامجا مع صندوق النقد الدولي، في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016، حصلت فيه على قرض بقيمة 12 مليار دولار، وانتهى في يونيو/ حزيران الماضي 2019.
أعباء جديدة؟
ويقول البعض إن توسع الحكومة في سياسة الاقتراض جعلها تلجأ إلى فرض ضرائب جديدة، مثل مشروع القانون الجديد للضريبة على الدخل، الذي أقره مجلس الوزراء في 16 أبريل/نيسان الماضي، ويبدأ سريانه في الأول من شهر يوليو/تموز القادم.
كما وافق مجلس الوزراء المصري في 20 مايو/أيار على مشروع قانون بشأن “المساهمة التكافلية” لمواجهة تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد، والذي ينص على خصم واحد في المئة شهريا من صافي دخل العاملين في كافة قطاعات الدولة، ونسبة 0.5 في المئة من صافي الدخل المُستحق من المعاش لأصحاب المعاشات، بداية من يوليو/تموز ولمدة 12 شهرا.
ويأتي ذلك في وقت تحتاج فيه الحكومة لموارد إضافية لمواجهة الآثار الاقتصادية المترتبة على انتشار فيروس كورونا، ومنها تعطل حركة السياحة التي تشكل أحد أهم مصادر الدخل للبلاد، وتأثر حركة تحويلات العاملين بالخارج.
يقول محمد حسن، الذي يعمل مدرسا مساعدا في جامعة حكومية: “فكرة خصم واحد في المئة من رواتب الموظفين بالدولة ليست فكرة سديدة، لأن الموظفين يتحملون بالفعل غلاء أسعار السلع الغذائية المختلفة، فضلا عن أسعار الوقود التي لا تزال مرتفعة رغم انخافضها في عدة دول أخرى بعد تراجع أسعار النفط عالميا”.
ويضيف حسن: “ما يعرفه الجميع أن الديون الجديدة تعني أعباءً جديدة على الجميع، وعندما تبحث الحكومة عن مصادر لسداد هذه الديون، سيعني ذلك أننا كمواطنين سنتحمل جزءا منها”.
ويقول حسام، موظف في إحدى الشركات الخاصة: “نحن كمواطنين لم نر فائدة مباشرة لهذا القرض الجديد من صندوق النقد، ونحن لا نزال نعاني من القرض السابق الذي تسبب في غلاء الأسعار”.
ويضيف حسام: “كنت أتمنى أن نكتفي بالقرض السابق وأن نركز في كيفية سداده لأنه أصبح دين في رقبتنا وسوف ندفع فاتورته الآن وفي المستقبل”.
وأظهرت بيانات حديثة، صادرة عن البنك الدولي، ارتفاع إجمالي الديون الخارجية المستحقة على مصر بنحو 16.1 مليار دولار، لتصل إلى 112.67 مليار، وذلك في نهاية عام 2019، أي بنسبة 16.6 في المئة مقارنة بالعام السابق 2018، حين بلغت نحو 96.57 مليار دولار.
أما الديون المحلية فقد انخفضت بشكل طفيف، حسب التقرير الشهري للبنك المركزي المصري، إلى 4.186 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر/ أيلول الماضي 2019، مقابل نحو 4.288 تريليون جنيه بنهاية شهر يونيو/ حزيران من العام نفسه.
تطور الدين الخارجي المصري خلال السنوات الأخيرة:
- في عام 2016 قفزت الديون الخارجية لمصر بشكل كبير، لتسجل نحو 55.8 مليار دولار.
- في عام 2017 بلغت 82.8 مليار دولار.
- بنهاية عام 2018 بلغت 96.57 مليار دولار
- في نهاية عام 2019 وصلت إلى 112.67 مليار دولار.
“فوائد عديدة”
يرى عبدالعظيم موسى، رئيس قطاع الاستثمار بإحدى شركات الاستشارات الاقتصادية، أن القرض الأخير يجلب فوائد عديدة أهمها الحفاظ على الاحتاطي النقدي للبلاد.
وكان البنك المركزي المصري قد أعلن عن تراجع الاحتياطي النقدي، بنهاية أبريل/ نيسان الماضي، إلى نحو 37 مليار مقارنة بـ 40 مليار بنهاية مارس/ آذار، بعدما كان 45.5 مليار بنهاية فبراير/ شباط، أي أنه تراجع بأكثر من 8 مليارات دولار خلال شهرين فقط.
ويقول موسى: “تراجع الاحتياطي النقدي للبلاد بشكل قوي، بسبب تراجع مصادر النقد الأجنبي الرئيسية وهي: تحويلات العاملين بالخارج، وقطاع السياحة، وقناة السويس، والأموال الساخنة، والصادرات”.
وتوقف قطاع السياحة بالكامل تقريبا في مصر، مع وقف الحكومة للرحلات الجوية بعد منتصف مارس/ آذار، وكانت إيرادات القطاع بلغت 13 مليار دولار في 2019 .
ويضيف موسى: “المخاوف من أعباء الاستدانة مبررة وطبيعية، لكن الوضع الحالي وضع غير طبيعي، وهذا القرض بمثابة إدارة استباقية للأزمة الناتجة عن تداعيات وباء كورونا، والتي يكتنفها الغموض، فلا أحد يعلم إلى متى قد تستمر إجراءات الإغلاق، وتعطل كثير من الأنشطة الاقتصادية”.
ويقول موسى إن القرض الأخير لن ينتج عنه أية أعباء إضافية على كاهل المواطن، وإنما سيوجه لدعم القطاع الصحي بالأساس ثم قطاع التعليم.
ويضيف: “تقول المؤشرات إن أداء مصر جيد حتى الآن في معالجة تداعيات أزمة كورونا، فالسلع الغذائية والسلع الأخرى متوفرة، والمصانع لا تزال تعمل”.
ويتابع: “لقد تزايد سعر صرف الدولار مقابل الجنيه قليلا، لكن لا نزال في مرحلة الاستقرار، وتشير آخر التوقعات إلى أن مصر ستحقق نموا بنسبة اثنين في المئة في عام 2021، بينما ستحقق معظم الدول انكماشا أو نموا سلبيا”.
وبلغ سعر صرف الدولار مؤخرا 15.83 جنيه مصري، وهو أدنى مستوى له منذ أوائل فبراير/ شباط الماضي.
ويشكل الدين الخارجي لمصر ( 112 مليار دولار) نحو 37 في المئة، من الناتج المحلي الإجمالي للبلد، الذي بلغ نحو 302 مليار دولار في عام 2019.
“أجندة قاسية”
وتعد فوائد الديون البند الأكبر في مشروع الموازنة المصرية، إذ تلتهم ما يقرب من 33 في المئة من إجمالي المصروفات للعام المالي الحالي 2020-2021.
لكن مصطفى عبدالسلام، صحفي متخصص في الشؤون الاقتصادية، يرى أن “الاقتراض الخارجي بل والتوسع فيه ليس مشكلة بحد ذاته” بشرط توفر أربع شروط أساسية وهي:
- أن تكون لدى الدولة المقترضة القدرة على السداد، في المواعيد المحددة ودون تأجيل.
- توجيه حصيلة القروض الخارجية لتمويل إقامة مشروعات استثمارية، تدر عائدا بالنقد الأجنبي مثل السياحة والتصدير والصناعة وغيرها.
- ألا يترتب على الاقتراض الخارجي تحميل أعباء إضافية على المواطن والمستهلك.
- ألا يترتب على الاقتراض الخارجي المساس بالقرار الوطني واستقلاليته.
ويرى عبدالسلام أن أيا من تلك الشروط لا يتوفر في حالة مصر، ويقول: “كل هذه الشروط مصر تفعل عكسها تماما، فالحكومة تقترض لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة وتغطية عجز الموازنة، كما فرض صندوق النقد الدولي أجندة قاسية على الحكومة، شملت تعويم الجنيه وفرض ضريبة القيمة المضافة، وتحرير أسعار الوقود من بنزين وسولار، وزيادة أسعار الكهرباء والمياه والغاز”.
ويتابع: “ليس من المقبول أنه كلما زاد الاقتراض الخارجي، كلما فرضت الحكومة مزيدا من الضرائب والرسوم، أو رفعت أسعار السلع الأساسية”.
“شهادة جدارة“
يقول عبدالعظيم موسى: “الاقتراض من صندوق النقد يعطي مصر شهادة جدارة ائتمانية، ومؤشرا على أن وضعها الاقتصادي جيد، كما أن أكثر من 90 في المئة من قروض مصر الخارجية طويلة الأجل، ومن ثم تعطيها أريحية في السداد ولا تمثل ضغطا”.
لكن خبراء اقتصاديين، معارضين لسياسة التوسع في الاقتراض الخارجي، يرون هذا الأمر يمثل خطرا فادحا، كما أنه بمثابة “ظلم للأجيال القادمة، التي سوف تتحمل تبعات هذه السياسة، وبدلا من أن تترك الحكومة موارد للأجيال اللاحقة، تأخذ من جيوب أجيال لم تولد بعد”.
ويستبعد إبراهيم مصطفى، مستشار سابق بوزارة الاستثمار المصرية، هذا الخطر بل ويرى منافع من “الاستفادة بالقروض قليلة التكلفة، التي يوفرها صندوق النقد والبنك الدوليين”.
ويقول مصطفى: “ديون مصر الخارجية تتراوح حاليا بين 35 إلى 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا لا يتجاوز سقف الأمان، الذي يصل إلى 50أو 60 في المئة، وهناك دول كبيرة تصل ديونها إلى مئة في المئة من ناتجها الإجمالي، مثل أمريكا واليابان وغيرها”.
لكن مصطفى لا يستبعد دواعي القلق من الديون تماما، إذ يرى أن هناك عوامل قد تثير القلق، بشأن الوضع الاقتصادي في ظل تلك الديون، وأبرزها “استمرار أزمة كورونا وتعطل جزء كبير من القطاع الخاص، ومن ثم انخفاض حصيلة الضرائب، التي تمثل أكبر مورد للموازنة العامة”.
ويضيف: “سقف الأمان بالنسبة للديون المصرية ربما يهتز أيضا، إذا استنزفت جهودها في التوترات الجيوسياسية، في محيطها الإقليمي مثل ليبيا، أو الانجرار في حرب مع أثيوبيا بسبب أزمة سد النهضة، أي أنه مرتبط بعاملين أساسيين هما استمرار النشاط والنمو الاقتصادي، واستقرار الظروف المحيطة إقليميا ودوليا”.
[ad_2]
Source link