وترجل العالم الورع محمد صالح | جريدة الأنباء
[ad_1]
المؤمن يعلم أن الله هو الذي أعطى وهو الذي أخذ وأن بعد هذا الفراق لقاء، حيث يلتقي الصالحون في الجنة.
بالأمس قبيل صلاة التهجد والقيام تسلمت رسالة واتساب من أخي الدكتور عادل الإبراهيم ثم من ابنته أم سعود ينعيان والدنا العم الشيخ محمد صالح الإبراهيم. بكيت في القيام والسجود وأنا أدعو له بالعفو والمغفرة، وسألت الله عزّ وجلّ أن يجمعنا معه في دار النعيم يوم يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب.
تربطني بالعم الجليل العالم المتبحر (أبوصالح) طيب الله ثراه ومأواه، علاقة تلميذ بأستاذه، فمنذ سكنت في منطقة أبوالحصانية عام 2000 وأنا أحضر ديوانه في ليلة الجمعة من كل أسبوع ما لم أكن في شاليه أو طلعة بر، وفي ليلة الجمعة يكون هناك من يعطي درسا أو خاطرة، والأجمل من هذا كله إذا تم توجيه سؤال إلى العم أبوصالح وبدأ يجاوب السؤال بكل تفريعاته الشرعية والأدبية.
وأحياناً كثيرة كنت أحرص على المشي معه من مسجدهم، مسجد والدته (هيا الإبراهيم) بعد صلاة الجمعة وأجلس ساعة أطرح أسئلتي التاريخية والشرعية والأدبية ويبدأ هو بالإجابة وأشرب (بيالة الچاي وفنجان القهوة ولا أشعر بهما) اندماجا مع إجاباته والتحاور معه.
بوصالح عالم ورع من الزمن الجميل وينتمي إلى أُسرة الإبراهيم المعروفة بمواقفها الوطنية والدينية ومعروفة باهتمامها بدعم الدين والعلماء، والعم بوصالح أنشأ بالقرب من قصره (المكتبة الخاصة) التي تضم أكثر من 7000 كتاب و670 مخطوطة نادرة ومؤلفات قيمة مثل «سبائك الذهب» لمؤلفه ابن رزق.
وقد تعرضت هذه المكتبة الخاصة التي تضم ذخائر من الكتب القيمة والمخطوطات الى أضرار من الاحتلال العراقي الصدامي الغاشم، حيث سرقت كل أجهزتها الى جانب 30% من المخطوطات النادرة والكتب الأثرية القديمة مثل كتاب «سبائك الذهب» وأيضا بعض السجاد النادر..
إنني أقترح على أسرته الكريمة أن تتبرع بهذه المكتبة الى المجلس الوطني للثقافة والآداب.
كثيرة هي المرات التي حدثني فيها عن حبه وعشقه للقراءة والكتاب، ومعروف عن الشيخ أنه عندما كان يزور بلدا يحرص على الاطلاع على الإصدارات خاصة مصر التي زارها أثناء سفره إلى أوروبا بالباخرة، وكان ينزل من الباخرة لعدة ساعات يزور المكتبات ودور النشر في مصر ويختار الكتب ويطلب منهم إرسالها إلى الكويت، وأيضاً كان يزور معارض الكتب في الكويت، وفي أوائل الثمانينيات جمع هذه الكتب وغيرها من المخطوطات التي كان يتابع مزاداتها في الكويت وخارجها، وكان يميل إلى الكتب الأدبية ويقرأ في علوم الدين، لهذا عندما كان يُسأل تكون دائماً إجاباته وافية كثيرة المعلومات لأنه بالأساس عاشق للكتاب منذ صغره، ومع تواجد الأدباء والشعراء والخطباء والوعاظ والمشايخ والدعاة استقى الشيخ محمد الإبراهيم خبرته التراكمية في الردود المثلى على الأسئلة.
والعم أبوصالح وإن كان أستاذا مميزا إلا أنه بكثير من التواضع الجمّ كان يتذكر أساتذته ويقول تعلمت منهم، ومن هؤلاء الذين كان يذكرهم ويترحم عليهم ويشيد بهم أحمد بشر الرومي والباحث عبدالله الحاتم والشاعر عبدالله الفرج والأديب عبدالله زكريا الأنصاري والشيخ يوسف جاسم الحجي والعالم الجليل الشيخ محمود عيد والشيخ محمد سرانك وسامي ياسين وقال لي: كان عمري 12 عاما عندما كنت أجلس بمجلس فيه احمد النبهاني الذي علم الأستاذ صالح العجيري علم الفلك وكنت اناقش الاديب عبدالله الصانع دائما.
أهداني «وطني الأشم» صاغها في عام 1977 من 16 صفحة كالعقد الفريد من ناصح لأهله وشعبه ثم طبعها مرة ثانية بعنوان: أما آن لهذه الأمة أن تستيقظ؟ وهي تصلح لكل زمان لأنها كُتبت من (غيور) على كيان وطنه، واع لما يراد به، ملتزم بالحق، متمسك بالعهد، وللعلم فإنها طبعت في لبنان غير انه جمعها في تحفة ادبية غاية في الروعة باسم الرسائل، وأتمنى بصدق ان تلتفت كلية الآداب لهذه الرسائل الأدبية لينهل منها خريجو كلية الآداب لأهميتها.
يعتبر كتابه «الخيل» مرجعا للخيل العربي وفيه اتضحت سعة معرفته بالأمثال والأشعار وما ورد في القرآن الكريم من ذكر للخيل وربطها بالخير وذكر الكتب التي تناولت الخيول العربية وذكر الأصمعي وابن عربي وغيرهما.
وفي إحدى الجلسات معه اكد لي ان عائلته قامت في عام 1288هـ بطبع كتاب «نيل المآرب» على نفقتهم الخاصة لجمهورية مصر العربية، كما ان اسرة الإبراهيم ساهمت في انشاء المدرسة المباركية وغيرها من المشاريع التعليمية والثقافية.
العم الغالي محمد صالح الابراهيم – صعب أن تحصر إنجازاته في مقال او بحث – فهو مثال وأنموذج في الكرم والعلم والفكر والفقه واللغة العربية والتاريخ.
ومضة: في غياب هذا العالم القدير نستذكر مواقفه وأقواله وأفعاله وما قدم للثقافة العربية ووطنه الكويت وكان شعاره الدائم:
أنست بوحدتي ولزمت بيتي
وطاب لي الجلوس مع الكتاب
هذا الرجل صعب مجاراته في كل شيء، في كرمه الحاتمي وفي علمه وحلمه وحكمته وحنكته وقدرته على ترك الأثر الحميد في كل من يتعامل معه.
في شهوره الماضية زرته ومجموعة من رواد مسجد هيا الإبراهيم وكان معي الأخ خالد شميس والإمام عصام العبيد والأخ د.جمال الزنكي.
ونشكر ابنته أم سعود، الله يطول في عمرها، التي سمحت لنا بأن نلتقيه وحققت لنا رغبة قوية في الجلوس بين يديه ندعو له ونتذكره ونذكّره بالأحداث والمواقف، وأحيانا كان يتجاوب ويبتسم!
آخر الكلام: من مؤلفاته القيمة كتاب «من خصائص القرآن» ولعل في هذا الكتاب اتضح بما لا يقبل الشك والجدل عمق ثقافته وفهمه لكتاب الله ولعل من يقرأ عباراته وشرحه يعي تماما انه امام فارس للكلمة العربية والمفردة وكيف يربطها بفهمه الواسع وثقافته المبنية على الكتاب والسنة.
إنني أقترح وأتمنى على الدولة أن تسمي الشارع الرئيسي الذي يربط أبوالحصانية في القطعة (10 – 11) باسم شارع محمد صالح الإبراهيم وهو يستحق هذا التكريم المستحق من كويتنا التي عشقها وأخلص لها طوال حياته.
زبدة الحچي: توفي في يوم الجمعة 22 من رمضان 1441هـ الموافق 15 مايو 2020 ودفن في مقبرة الصليبخات.. عن عمر يناهز 84 عاما.
كنا نتمنى أن نشرف بحمله والسير في جنازته، لكن قاتل الله الكورونا فقد حرمتنا من السير معه إلى مأواه الدنيوي ونذكر بجواز الصلاة على الميت غائبا، وقد دفن، رحمه الله، في الساعة 9:30 من صباح يوم السبت 23 من رمضان 1441هـ الموافق 16 من مايو 2020م.
ولعزاء الرجال: 99683033 – 55580055.
وللنساء: 69971210.
إلى كل محبي الشيخ محمد صالح الإبراهيم، رحمه الله، داخل الكويت وخارجها «عظّم الله أجركم جميعاً بهذا العالم الفذ الورع» وهو بالفعل «فقيد يُفتقد».
ونتقدم لأسرته الكريمة آل الإبراهيم الكرام بعظيم مواساتنا. وعظم الله أجركم وتسقط دمعات على رجل بأمّة.
رحم الله شيخي وأستاذي ومعلمي. (إنا لله وإنا إليه راجعون).
في أمان الله
[ad_2]
Source link