شيخ العلم والثقافة العم محمد صالح | جريدة الأنباء
[ad_1]
غيّب الموت المغفور له بإذن الله تعالى العم محمد الشيخ صالح الابراهيم الباحث والأديب والمؤلف صاحب التاريخ الحافل بالاهتمام بالثقافة والأدب والعمل على تدعيم أركان المعرفة والاطلاع وضرورة إيلائهما الأهمية القصوى، فأول كتاب طبع ووزع في الكويت كان «نيل المآرب» الذي صدر عام 1871 من مطابع بولاق بالقاهرة، وكان على نفقته، كما ساهمت أسرته مساهمة كبيرة في إنشاء أول مدرسة كويتية «المدرسة المباركية».
العم بوصالح رحمه الله، كان رجلا من الزمن الجميل، ورجلا بأمّة، فما قدمه يصعب حصره في مجالات عدة من الفكر والثقافة والأدب والفقه والتاريخ، كان عالما، حصيفا، قليل الكلام، واسع المعرفة باللغة والأدب والشعر، ومن يقرأ مقدمة كتابه «من خصائص القرآن» يعرف انه كان عالما فقيها يتقن اللغة العربية بنحوها ومتمكنا من فهم خصائص القرآن والتوحيد، وتذيل كتبه دائما عبارة «هذا الكتاب من نشر المؤلف ولا يباع».
فمن مؤلفات المرحوم محمد الشيخ صالح الابراهيم كتاب «من خصائص القرآن» وكتاب «الخيل عند العرب» وله ثلاث رسائل منها «أما آن لهذه الأمة أن تستيقظ»، «بلدي الكريم» و«وطني الأشم» وكان للمرحوم مكتبة خاصة خصص لها منزلا خاصا كتب على مدخلها (رأس الحكمة مخافة الله) وكانت تعتبر محرابا لمقتنيات الأدب والمخطوطات النادرة، وجمع الأديب الراحل الكتب واحدا تلو الآخر خلال سنوات عمره الأدبية، وتضم مكتبته 7000 كتاب وتقريبا 800 مخطوطة نادرة، ومن هذه المخطوطات النادرة كتاب «الطريقة المحمدية للمؤلف» تقي الدين علي البركوي الرومي الحنفي عام 929 هجري، وأيضا رواية عن قصة موسى عليه السلام بخط النسخ، وأيضا مصحف شريف نادر غلاف من الجلد في وسطه طرة ذهب، ومصحف نادر آخر عام 970 هجري مغلف بالجلد وفواصل الآيات والإطار الخارجي خطّ بماء الذهب.
حب المرحوم محمد صالح الإبراهيم للعلم كان منذ الصغر قبل تعلم القراءة والكتابة من خلال الاستماع إلى أبيات الشعر العربي من الأدباء والشعراء الذين يأتون إلى ديوان والده، رحمه الله، وبعد تعلم القراءة والكتابة كان حين يلعب مع أقرانه في صغره يتركهم فترة من أجل قراءه تاريخ المسعودي وكان يشتري الكتب من المكتبات الكويتية في ذلك الوقت والتي لم تكن تتعدى ثلاث مكتبات، وبعد ذلك أصبحت القراءة والكتابة بمنزلة طقس يومي.
وفي احد لقاءاته الصحافية، عبر الراحل عن شغفه وبداياته مع القراءة والكتابة قائلا: حب الكتب والقراءة بدأ معي منذ أيام الطفولة، وذلك قبل تعلم القراءة والكتابة، كانت البداية من خلال الاستماع إلى أبيات الشعر العربي من الأدباء والشعراء الذين يأتون إلى ديواننا، كما كنت في الصغر أستمع إلى بعض الدراويش وهم يقفون على باب البيت وينشدون الأشعار.
ثم تواصل الاهتمام من خلال الاطلاع على الصور في الصحف، وبعد تعلم القراءة والكتابة زاد الاهتمام وأصبحت القراءة بمنزلة طقس ثابت ويومي لي، حتى وأنا ألعب مع أقراني كنت أتركهم فترة من أجل القراءة في تاريخ المسعودي، وكانت المكتبات في الكويت قليلة لا تتعدى اثنتين أو ثلاثا وكنت أذهب أو أطلب من الموظفين لدينا جلب الكتب لي من هذه المكتبات.
وعن مكتبته الضخمة أجاب: هذه المكتبة تكونت وتطورت وزاد عدد كتبها مع الزمن كما يحدث مع كل قارئ وعاشق للكتاب، كان حب الكتب قد تملكني وكنت اشتري الكثير من الكتب، وكان أول مكان أذهب إليه في البلاد التي أزورها هي المكتبات واشتري منها الكثير من الإصدارات، حتى أثناء سفري إلى أوروبا بالباخرة كنت أنزل في مصر لمدة ساعات وازور المكتبات ودور النشر هناك واختار الكتب التي أريدها وأدفع ثمنها وأطلب منهم إرسالها إلى الكويت، كما كنت أزوار معارض الكتب ومنها معرض الكويت، ومع الأيام ضاق البيت بالمكتبة فنقلتها إلى مبنى خاص بها أمام البيت.
فمكتبة العم محمد الصالح آل إبراهيم، رحمه الله، تشبه المكتبات العامة التي يحلم بها أي مثقف، ولأن البيت ضاق بالمكتبة في السنوات الماضية فقد خصص لها مبنى منفصلا أمام البيت، والمكتبة مكونة من قاعات كل منها يضم موضوعا أو اثنين، وفي إحدى القاعات وضعت لوحة كتب عليها عبارة «رأس الحكمة مخافة الله»، كما تضم مكتبة العم محمد الصالح آل إبراهيم قاعة يحتفظ فيها بأربع خزائن يتم غلقها بالأرقام والمفاتيح مليئة بالمخطوطات النادرة التي يصل عددها الى 600 مخطوطة، بالإضافة إلى فقدان 70 مخطوطة نادرة أثناء الغزو العراقي للكويت، وهو عاشق للمخطوطات ويبحث عنها أينما ذهب كما أن الكثير من تجار المخطوطات كانوا يأتون إليه في الكويت ويشتري منهم.
وكان رحمه الله ينصح الشباب دائما بتبني التفكير السليم والأسلوب الصحيح للحياة والتبصر الفكري كأدوات لعصرها، فالمهم ليس فقط القراءة في الكتب وإنما هناك أيضا تجارب الحياة التي يجب أن يتعرف عليها النشء سواء من الكتب أو غيرها، لكن لا بد أن نضع هذه الأجيال الشابة على بداية الطريق الصحيح، والأمر يحتاج بحسب رؤيته «رحمه الله» إلى تضافر الدولة والأسرة، كما أن هذه الأجيال عليها بذل بعض الجهد في القراءة والبحث والتفكير.
كما كان رحمه الله يعتبر ان جرعة الثقافة في تلفزيون الدولة الرسمي محدودة للغاية، فالإعلام كان في نظره له تأثيره البالغ، فالإعلام يقوم بمنزلة التربية، ولذا يجب أن يتم انتقاء ما يقدم للناس، لكن بنظره ما يقدم من ثقافة كان قليلا للغاية ولا يتناسب مع أهمية ودور الإعلام.
العم محمد الصالح آل إبراهيم رحمه الله لم يكن مجرد مثقف أو عاشق للكتب والقراءة بل مارس التأليف أيضا، لكن لأنه لم يكن يحب تسليط الأضواء عليه ولا على أعماله، فقد كانت مؤلفاته تطبع على نفقته الخاصة ويهديها إلى المؤسسات الثقافية بالدولة، وله كتابان مميزان «الخيل عند العرب» والثاني «من خصائص القرآن الكريم»، كما له العديد من الرسائل مثل «وطني الأشم» و«أما آن لهذه الأمة أن تستيقظ».
كما استرجع العم محمد الصالح آل ابراهيم، رحمه الله، ذكرياته في احد اللقاءات صحافية، معتبرا ان فترة الخمسينيات وحتى السبعينيات كانت فترة الازدهار الأدبي في الكويت حيث جاءت اليها أسماء كبيرة في عالم الثقافة والفكر قائلا: كنت احضر هذه الندوات والتقي ببعض ضيوفها، لكن المقارنة بين هذه الفترة السابقة وبين الأيام الحالية يجب أن تكون لها معادلاتها، ففي الفترة السابقة لم تكن هناك جامعة، ولم يكن هناك مفكرون وأساتذة كثر على أرض الكويت، الآن تغير الوضع أصبحت هناك جامعات ومفكرون وأساتذة وفضائيات، لكن بالطبع كانت هذه الفترة خصبة.
وكان العم محمد الصالح آل إبراهيم رحمه الله ملجأ لكل باحث عن معلومة أو كتاب لينهل من علم وأدب هذا الرجل الذي كان يضم مجلسه في ديوانه مساء الجمعة المفكر والباحث وطالب الحاجة والدعاة والمثقفين والعوام ونخب القوم وقياداته، حيث استقبل ديوانه كبار الرواد الراحلين مثل أحمد بشر الرومي وعبدالله الحاتم وعبدالله محمد الفرج وعبدالله زكريا الأنصاري وغيرهم.
[ad_2]
Source link