أخبار عربية

كيف يمكن تطبيق فكرة “العلاج بالوهم” لتحسين أداء الرياضيين؟

[ad_1]

مصدر الصورة
Getty Images

يعد جبل بيكو سيمون بوليفار واحدا من أعلى قمم الجبال في كولومبيا. وعلى ارتفاع 5,500 متر فوق سطح البحر، تنخفض نسبة الأكسجين في الهواء إلى النصف، ويجد المتسلق صعوبة في السير ويشعر بالتعب والصداع، ومن ثم يتسارع نبض القلب وتزيد سرعة التنفس، وتتمدد الأوعية الدموية لإيصال الأكسجين للأنسجة.

ولهذا يستعين المتسلقون في المرتفعات باسطوانات الأكسجين للحد من هذه التغيرات، فتقلل الشعور بالتعب وتخفف آلام الرأس، لأن النبض والتنفس يعودان لمعدلاتهما الطبيعية. لكن العجيب أنه لوحظ أن اسطوانات الأكسجين الفارغة قد تحقق نفس أثر الاسطوانات المملؤة.

إذ أعطى فابريزيو بينيديتي، عالم إيطالي بجامعة تورينو، مجموعة من المتسلقين اسطوانات أكسجين وهمية على جبال في كولومبيا وألاسكا وجبال الألب، ولاحظ أن اسطوانات الأكسجين الفارغة التي يتوهم الناس أنها مملؤة بالأكسجين قد تحاكي تأثير الاسطوانات المملؤة على الجسم.

لكن هذا التأثير الإيجابي للاسطوانات الفارغة لا يتحقق إلا إذا حصل المتسلقون على اسطوانات مملؤة بالأكسجين في البداية، ثم تبديلها بأخرى زائفة دون أن يعوا، لأن الجسم حينها يتهيأ لتلقي جرعة من الأكسجين.

واللافت أن الاسطوانة الوهمية تعزز الأداء البدني في تمارين المشي على المرتفعات رغم أنها خالية من الأكسجين.

ويقول بيندتي إن ما يثير الاستغراب أنه لم يكن هناك أكسجين لا في الدم ولا في الجسم، ومع ذلك شعر المتسلقون بتحسن رغم أن الاسطوانات التي يحملونها كانت فارغة.

أقسى وأسرع وأقوى

ويعرف تأثير العلاج الوهمي بأنه التحسن الملحوظ الذي يشعر به المريض لمجرد الاعتقاد بأن الدواء سينجح في علاجه، وليس بسبب تأثير الدواء في حد ذاته، رغم أن هذا الدواء لا يتعدى في الغالب كونه حبات من السكر. وأثبتت دراسات أن العلاجات الوهمية تخفف السعال والآلام والاكتئاب، وحتى أعراض داء باركنسون.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

تحسن أداء الدراجين بعد تناول الكافيين الوهمي بنسبة ثلاثة في المئة على مسافة 10 كيلومترات

واهتم مؤخرا بعض العلماء بدراسة تأثير العلاج الوهمي على الرياضيين. إذ طالما سمعنا الرياضيين المحترفين يقولون إن نظرتهم للفوز تلعب دورا كبيرا في نجاحهم، وتشير الأبحاث إلى أن تعديل التوقعات له تأثير كبير على سرعتهم أو تقدمهم في المنافسات.

وفي إحدى الدراسات أخبر الباحثون دراجين بأنهم سيتلقون جرعات مختلفة من الكافيين قبل السباق، لكن في الحقيقة أعطاهم الباحثون جميعا شرابا وهميا، وكان أداء المجموعة التي توهمت أنها تناولت جرعة صغيرة أفضل بنسبة 1.5 في المئة من المتوسط، في حين أن المجموعة التي توهمت أنها تناولت جرعة كبيرة من الكافيين زادت قوتها بنسبة ثلاثة في المئة.

ويقول كريس بيدي، من كلية علم النفس بجامعة كنت، إن نسبة الثلاثة في المئة قد تبدو ضئيلة، لكنها قد تعزز حظوظ اللاعب في المنافسات في التتويج بميدالية أوليمبية. إذ يبذل اللاعبون أقصى جهدهم لزيادة قوتهم بنسبة ثلاثة في المئة.

ويحاول العلماء تفسير هذا التأثير الإيجابي الذي تحدثه أقراص خالية من العناصر الفعالة على أشخاص يكرسون حياتهم لممارسة التمارين الرياضية القاسية، فهل يرجع السبب إلى أن هذه الأقراص الوهمية تحملهم على بذل جهد أكبر للفوز؟

ويقول بيدي إنهم لاحظوا تحسنا في الأداء بنسبة تتراوح بين اثنين وثلاثة في المئة، لكن هذا التحسن لم يترافق مع تسارع النبض أو سرعة التنفس، كما هو متوقع إذا كان الرياضي يبذل جهدا أكبر من المعتاد، وكأن الرياضي، عندما يتناول العقار الوهمي، يحقق أقصى استفادة من الطاقة في جسمه، كالسيارة التي تقتصد في استهلاك الوقود.

ويعلل البعض هذا الأثر بأن الدواء الوهمي يخفف القلق. فإذا ظن الدرّاج أنه يتناول بعض المواد التي تعزز أداءه، سيقبل على التنافس بأعصاب هادئة لأنه يظن أن هذه المواد ستساعده في الفوز. ويقول بيدي إن القلق أو الضغط النفسي يترافقان عادة مع الإجهاد العضلي، الذي يستنفد طاقة اللاعب.

مكسب دون ألم

وثمة تفسير آخر، وهو أن الدواء الوهمي يؤثر على المسارات العصبية التي تنظم الألم والقدرة على التحمل. وتقول إيما كوهين، مديرة مختبر بجامعة أكسفورد، إن الشعور بالتعب يمنعك من مواصلة التمارين الرياضية ويعوق الأداء، ولن تجدي محاولاتك لتجاهل الألم.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

هل يمكن أن تكون المعتقدات هي سر الأداء المميز؟

لكن الألم الذي نشعر به أثناء ممارسة التمارين الرياضية يسهم في حماية الجسم من الأضرار. وتقول كوهين، إن الإرهاق ينبهنا للتوقف عند نقطة معينة لئلا يتعرض الجسم للمخاطر. فبإمكانك أن تواصل ممارسة التمارين الشاقة لوقت أطول دون توقف، لكن الجسم والدماغ يحرصان على الاحتفاظ ببعض الطاقة، لعلك تحتاجها لاحقا.

وتقول كوهين إن الدماغ يحتسب الطاقة التي ينبغي أن يحتفظ بها الجسم بناء على الإشارات التي ترسلها العضلات، وحالة الطقس، ومدى الشعور بالعطش والمسافة المتبقية لبلوغ الهدف، مع الأخذ في الاعتبار المعلومات من التجارب السابقة، مثل أقصى مجهود بدني يمكن للجسم تحمله.

ويطلق العلاج الوهمي إشارة زائفة تؤثر على حسابات الدماغ، إذ يتيح للجسم الاستفادة من الموارد التي يخصصها الدماغ للعضلات أثناء التمرن.

علاج زائف في صورة أصدقاء

وتشير كوهين إلى عامل آخر قد يربك حسابات الدماغ، وهو سلوكيات الآخرين. وصاغت مصطلح “العلاج بالإيحاء الاجتماعي” للإشارة إلى تأثير الترابط والدعم من الآخرين على الأداء، من خلال تخفيف الألم والإرهاق والقلق.

وخلصت التجارب التي أجريت في المختبر، إلى أن لاعبي الرغبي الذين مارسوا تمارين الإحماء مع زملائهم في الفريق كانوا أسرع من أقرانهم الذين مارسوها بمفردهم بنحو ست ثوان.

مصدر الصورة
Getty Images

Image caption

اسطوانات الأكسجين الفارغة قد يكون لها نفس تأثير نظيرتها المملؤة على متسلقي الجبال، وفقا لأوضاع معينة

وتقول كوهين إن هؤلاء الرياضيين، رغم أنهم كانوا أسرع من أقرانهم، إلا أنهم لم يكونوا أكثر تعبا منهم، ولم يلاحظ أي فارق في معدل ضربات القلب. إذ بدا واضحا أن التعاون والدعم يساعد الرياضيين على تحقيق أقصى استفادة من الطاقة في أجسامهم، مما ينعكس على تحسن الأداء.

ويعرّف بينديتي العلاج الوهمي بأنه لا يقتصر على الدواء فقط، لكنه يمتد إلى الكلمات والإيحاءات والطقوس وغيرها مما يدخل ضمن العملية العلاجية في سياق نفسي واجتماعي. وربما ينشّط تأثير العلاج الوهمي مسارات عصبية تطورت منذ آلاف السنين.

تأثير المعتقدات

هناك تفسيرات منطقية عديدة لتأثير العلاج الوهمي، مثل تهدئة المخاوف والقلق والألم والتعب، ولكن كيف يمكن أن يتحسن أداء متسلق الجبال بمجرد إيهام الدماغ بوجود أكسجين في الاسطوانات؟

ويفسر بينيديتي ذلك بالقول إن تحقيق تأثير العلاج الوهمي لمتسلقي الجبال يتطلب إعطاءهم أكسجين في البداية لتهيئة أدمغتهم لتلقي المزيد. ويرى أن الأكسجين ربما يترك أثارا في الدماغ ومن ثم يتوقع الدماغ وصول المزيد منه. فإذا تناول المتسلق جرعة وهمية من الأكسجين ستحاكي التأثير الفسيولوجي لجرعة الأكسجين الحقيقية.

وربما ينسحب الأمر نفسه على المواد المحظورة، كالمنشطات. فإذا أعطيت اللاعب مادة محظورة أثناء التدريب، ثم بدلتها بجرعة وهمية قبل المنافسة، ستحاكي الجرعة الوهمية تأثير الجرعة الحقيقية دون وجود لأي أثر لعقاقير في الجسم.

ولهذا ينصح بيدي الرياضيين بالبحث في إمكانية تحقيق الاستفادة من قدراتهم البدنية والسمات الاجتماعية مادام أداؤهم يتحسن بمجرد الحصول على جرعة وهمية من المنشطات.

ويعد تأثير العلاج الوهمي على الجسم مثالا واضحا على أن الإنسان بإمكانه تحسين أدائه ومهاراته إذا أيقن أنه لديه القدرة على تحقيق ذلك.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Future.

[ad_2]

Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى